q
ملفات - شهر رمضان

أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الثّالِثَةُ (٢٢-٢٣)

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.

هل انَّ من واجبِ الحاكم ان يفرض الإيمان والالتزام على المجتمع؟ وهل يقدر على ذلك؟!.

ابداً ابداً ابداً.

فما بالُكَ بجماعات العنف والارهاب والمتزمّتين دينيّاً الذين يُعيّنون أنفسم وكلاء عن الله تعالى لفرض الدّين على الآخرين؟ كما يفعل مثلاً بعض المتعصّبين الذين يعتدون على محلات الحلاقة لفرض (الاخلاق) فيشرّعون ما يريدون وما لا يريدون من طُرُق الحلاقة! او كما يفعل (الابن البِكر) مع أَخَواتهِ في الاسرة اذا كان متزمّتاً دينيّاً فيعتدي بالضّرب على اختهِ بحجّة فرض الدّين وإجبارها على الالتزام!.

حتّى الرُّسل والانبياء لم يحمّلهم الله تعالى واجب فرض الإيمان على النّاس، فالخطاب القرآني يكرّر حرّية المعتقد دائماً كما في قولهِ تعالى {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} فالإيمان ليس بالشّيء الذي يُمكن فرضهُ على أحدٍ اذا لم يشأ هو ذلك، ولهذا السّبب هدَّأ المشرّع من روعِ رَسُولِ الله (ص) بقولهِ {طه، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ، إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ} وقولهِ عزّ وجل {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} والأخرى {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.

انّ واجب الرّسول والخليفة والحاكم، كواجبِ المعلّم في التّعليم والتربية، فهل رأيتم معلماً تمكّن من فرض الدّرس او التّعليم او المادّة المقرّرة على كلّ التّلاميذ بدرجةٍ وَاحِدَةٍ؟! ابداً، فهذا امرٌ مستحيل.

ولذلك وصفَ أَميرُ المؤمنين (ع) حقّ الرّعيّة على الحاكم العادل بقوله {وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا} فهو يعلّمهم طريق السداد والصّواب فحسب وليس عليه بعد ذلك ما اذا التزم بذلك كلّ المجتمع ام لا؟!.

انّ فرض الدّين والاخلاق مرفوضٌ بالمطلق لانّه يُشيع النّفاق في المجتمع، ولذلك نرى انّ المجتمعات التي تتعرّض لذلك تزداد فيها حالة النّفاق (الدّيني) بشكلٍ كبير.

فالإيمانُ بالاكراهِ يفرضُ على (المؤمن) ان يُظهرَ غير ما يُبطن، في اجواء القهرِ والارهابِ! كما يجري اليوم مثلاً في المناطق التي يغتصبها الارهابيّون في الْعِراقِ وغيرهِ، فعندما يشعر (المؤمن) المجبور ان رأسهُ مُعرَّضٌ للقطع اذا لم يحضر الصَّلَوَات المفروضة في المسجدِ خلفَ (الامام) فسيحضر مُرغماً، ليس بقلبهِ وروحهِ وعقلهِ ومشاعرهِ، وانّما بجسدهِ فقط، وذلك هو النّفاق الذي يشيعهُ الارهاب في المجتمع، والذي يرفضهُ المشرّع بشكلٍ صريح وواضح كما في قولهِ تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}!.

وانّ من اكثر ما يُثير السّخرية بهذا الصّدد هو ما يُمارسهُ نظام (آل سَعود) والحزب الوهابي من أساليب التشدُّد لفرض الدّين والالتزام على المجتمع وعلى الحجّاج والمعتمرين من مختلف دول العالم، في مواسم الحجّ والعمرة، في الوقت الذي يغوصُ هو في وحل الفساد المالي والاخلاقي، من جانب، وفي وحل الجريمة والعُدوان والارهاب، من جانبٍ آخر، كما يفعل في العراق وسوريا واليمن والبحرين وغيرها من بلاد المسلمين! وكأنّ الدينُ إمرأة لا تقود السيّارة او إمرأة منقّبة او محلّات تجاريّة تغلق ابوابها وقت الصّلاة!.

تأسيساً على هذه الحقيقة فانّ مَن يسعى لفرض الدّين والالتزام بالاكراهِ والقوّة وبالعنف والارهاب والقتل والذّبح والسيّارات المفخّخة والاحزمة النّاسفة بذريعة الواجب الدّيني الذي يفرض على القائمين بالأمر فرض الالتزام على كلّ المجتمع، ان هذا الأسلوب ليس من الدّين في شَيْءٍ ابداً وليس من الاسلامِ في شيء، فهو يتناقض كلّياً مع المنهج القرآني الذي يقول {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.

اكثر من هذا، فانّه يتناقض ومفهوم الآيات القرآنية الكريمة التي رسمت العلاقة المتوازية بين الإيمان والكفر والتي لن تلتقي ابداً مؤكدةً انّها ستستمرّ الى يوم القيامة.

يَقُولُ تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.

فالمشرّع لم يتوعّدهم (بالايمان) في يومٍ من الإيمان! بل اقرّ كفرَهم الذي سيظلّ الى النّهاية!.

ولذلك فلو انّ الخوارج إِحتفظوا لأنفسهِم بعقيدتهِم الفاسدة فجلسوا في بيوتهِم ولم يقطعوا طريقاً او يقتلوا (كافراً) حسب زعمهِم ولم يبقروا بُطُونَ الحوامل لكفرهِم حسب زعمهم لما قاتلهم الامام (ع) ابداً ولما تعرّض لهم بالسّلاح والقوّة والحرب، بل انّهُ ظلّ يدفع لهم حقوقهُم من بيت المال، كما وعدهم بذلك، ما لم ينفقونها في الاستعداد لشنِّ الحرب على النّظام والدّولة، ولإشاعة الخوف والرّعب في المجتمع.

فضلاً عن ذلك فانّ الامام لم يقاتلهم الا بعدَ ان بذلَ معهم كلّ جهدهِ المعرفي وقُدُراتهِ الاحتجاجيّة المنطقيّة والحكيمة في محاولةٍ لإقناعهم بالعدولِ عن مواصلة جرائمهم، فلقد ظلَّ يُحاججهم ويبعث لهم من يثق به ليحاججهُم، فلازالت هنالك فرصة لإنقاذ نفسٍ بشريّةٍ من ضَلالها لتعدِل عن التورّط في ارتكاب الجريمة وقبل مقاتلتِها، لم يُبادر الامام الى السّيف، لانّ الأصل هو انقاذ الضالّ وليس قتلهُ، فالنّفس البشريّة محترمة وانّ حُرمة الدّم عظيمة لا ينبغي التورّط بسفكهِ لابسطِ حُجَّةٍ او لأتفه ذريعة، كما يفعل اليوم الطّغاة والإرهابيّون على حدٍّ سواء.

محاكم التفتيش

{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

هذا يعني انَّ الله تعالى فقط هو صاحب الحكم النّهائي في قبول او رفض التّوبة من عبدهِ، وهو تعالى لم يحدِّد وقتاً لها لازال الموت لم ينزل في ساحة العبد! فكيف يجيزُ الارهابي او المتزمّت والمتطرّف دينيّاً لنفسهِ ان ينازعهُ عزّ وجلّ في إرادتهِ وحكمهِ؟ فيحكم على هذا بالكُفر فيقتلهُ وعلى ذاك بالفِسقِ فيذبحهُ، ويرمي ثالث بالنّار؟! سالِباً من النّاس فرصة التّوبة؟!.

هل ضَمِن احدٌ ان الله تعالى سيغفر له ذنوبهُ ولا يغفر ذنوب الآخرين ليزكّي نَفْسَهُ ويتَّهمهُم؟! والله تعالى يقول {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}.

تعالوا نقرأُ علياً (ع) لنعرف لماذا كان يرفض أَن يُحاكم النّاس على عقائدهِم فكان يرفض محاكم التفتيش بكلّ اشكالِها.

يَقُولُ عليه السلام؛

يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَد بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَة، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ; فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ.

ويقولُ عليه السلام {فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الاَْنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ}.

وفي وَاحِدَةٍ من أَعظمِ اقوالهِ بهذا الخصوص، يقول (ع) {فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَارْتَبَكَ فِي الْهَلَكَاتِ، وَمَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ فِي طُغْيَانِهِ، وَزَيَّنَتْ لَهُ سَيِّىءَ أَعْمَالِهِ، فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ، وَالنَّارُ غَايَةُ الْمُفَرِّطِينَ} وقولهُ (ع) {يَا أيُّهَا النَّاسُ طُوبى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وَطُوبى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ، فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُل، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة!}.

عجباً لهؤلاءِ كيفَ يجرؤون على الله تعالى فيوقّتون للنّاس سقفاً زمنياً للتّوبة وربُّهم تعالى لم يفعل ذلك برحمتهِ الواسعة! فقال تعالى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} مَن الذي منحهُم هذا الحقّ؟!.

حقاً انّهم الحمقى الذين وصفهم أَميرُ المؤمنين (ع) بقوله {وَمَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ فذَاك الاْحْمَقُ بِعَيْنِهِ} فالذّنوب تلبسهم من قمّة رأسهم الى أَخمص قديمَهم ومع ذلك تراهم مشغولون بتكفير هذا وتفسيق ذاك، لدرجةِ القتلِ والذّبح والعُدوان.

انّهُ نهجُ الخوارج الذي ابتُلي به الامام والذي كرستهُ السّلطات الحاكمة الظّالمة على مرّ التّاريخ من أجلِ شرعنة كل انواع عمليّات التّصفية التي تمارسها ضدّ خصومِها ومن ايِّ نوعٍ كان، حتّى اذا ظهرت الفِرق الارهابيّة زادت في الطّين بلّة، كما نرى اليوم كيف انّ جماعات العُنف والارهاب والجماعات (الدّينية) المتزمّتة تصادُر حقوق النّاس وتعتدي على خصوصيّاتهم وتفتّش في عقائدهِم، وكلّ ذلك باسم الدّين وباسم الله تعالى بعد ان نصّبوا أَنفسهم وكلاءَ عن السّماء!.

وعلى الرّغم من انّ الامام عليه السلام اعتبر انّهُ قضى على الفتنةِ على الأقلّ من النّاحية الفكريّة والعقديّة، عندما فضحهم بنصّ القرآن والسّيرة النبويّة وبمنطق العقل، كما يقول (ع) {أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِىءَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا، وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا} مع ذلك فلقد أوصى أصحابهُ ان لا يُقاتلوا الخوارج من بَعْدِهِ، فهو يميّز بين ضالَّين، الاوّل هو الذي يطلبُ الباطل فهو، إذن، هدفهُ من سِبْق الإصرار والترصّد، والثّاني هو الذي يطلب الحقّ فيظلّ طريقهُ، كما يصف ذلك الامام بقولهِ {لاَ تَقْتُلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي، فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ، كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ} فَلَو انّ كل مَن يطلب الحقّ فيُخطئ طريقهُ يُقتل على يدِ من هبَّ ودبّ ومن دون أدنى تنبيهٍ او تحذيرٍ في إطار النّظام والقانون، إذن لما بقيَ احدٌ يُحاول ذلك، ولما بقيَ معنىً للتّوبةِ ولتقاتلَ النّاس حتى يُبيد بعضهُم بعضاً!.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فانّ الامام (ع) كان يميّز بين النّاس عندما يُحاججهُم ويحاورهُم، وهو درسٌ مهمٌّ جداً يجب ان نتعلمهُ، فليس كلّ النّاس نتحدّث معهُم بنفس الحُجَّة والدّليل والبُرهان، فمن شهِد فتنةً وتورّط فيها غير الذي لم يشهدها ولم يتورّط فيها، ومن اعتقدَ بِشَيْءٍ وأجزمَ فيه ليس كذلك الذي لازال يشكّ او يتردّد فيه، وهو الامر الذي ينطبق اليوم تحديداً على الارهابيّين، فالذي ارتكبَ جريمة القتل لا نتعامل معهُ او حتّى نحاججهُ بنفس الطّريقة والمفاهيم التي نُحاجج بها الآخر الذي لم يرتكب بعدُ جريمةً وانّما اعتقدَ فقط بالعقيدة الارهابيّة التكفيريّة، فليس من الصّحيح ان نُساوي بينهم جميعاً فنزيدُ عددهُم فنقوّي مُعسكرهم وبالتّالي نمنحهُم الذّريعة وندفعهُم دفعاً صوب الارهابيّين المجرمين، وانّما من المصلحة ان نميّز بينهم لنفرّق جمعهم لنعزلَ الشّاك عن اليائسِ من أمثالِ ابْنُ ملجَم الذي استشهدَ بالآيةِ الكريمةِ {أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} عندما سالهُ الامام عن علّة فعلتهِ الشّنعاء وجريتهِ النّكراء!.

يجب ان يكون حرصنا على حقن الدّماء كحرصِ أَميرِ المؤمنين (ع) الذي كان يبذل جهداً عظيماً لعزلِ ولو واحدٍ من (التكفيريّين) عن صفوف الخوارج، وهذا ما أشار اليه خطاب المرجع الاعلى مؤخراً عندما قدّم واجب انقاذ النفس وحماية الأرواح على قتال الارهابيّين!.

فمن كلامٍ لهُ (ع) مع الخوارج وقد خرج الى معسكرهِم وهم مقيمون على إِنكار الحكومة، ايّ التّحكيم الذي اتّفق عليه الفريقان المتقاتلان في معركة صفّين {أَكُلُّكُمْ شَهِدَ مَعَنَا صِفِّينَ؟ فَقَالُوا: مِنَّا مَنْ شَهِدَ وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْ.

قَالَ: فَامْتَازُوا فِرْقَتَيْنِ، فَلْيَكُنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّينَ فِرْقَةً، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فَرْقَةً، حَتَّى أُكَلِّمَ كُـلاًّ مِنْكُمْ بِكَلاَمِهِ.

وَنَادَى النَّاسَ، فَقَالَ: أَمْسِكُوا عَنِ الْكَلاَمِ، وَأَنْصِتُوا لِقَوْلِي، وَأَقْبِلُوا بِأَفْئِدَتِكُمْ إِلَيَّ، فَمَنْ نَشَدْنَاهُ شَهَادَةً فَلْيَقُلْ بِعِلْمِهِ فِيهَا.

ثُمَّ كَلَّمَهُمْ(ع) بِكَلاَم طَوِيل، مِنْ جُمْلَتِهِ أَنْ قَالَ:

أَلَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ ـ حِيلَةً وَغِيلَةً وَمَكْراً وَخَدِيعَةً ـ: إِخْوانُنَا وَأَهْلُ دَعْوَتِنَا، اسْتَقَالُونَا وَاسْتَرَاحُوا إِلى كِتَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيسُ عَنْهُمْ؟

فَقُلْتُ لَكُمْ: هذَا أَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِيمَانٌ، وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ، وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ، فَأَقِيمُوا عَلى شَأْنِكُمْ، وَالْزمُوا طَرِيقَتَكُمْ، وَعَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بِنَوَاجِذِكُمْ، وَلاَ تَلْتَفِتُوا إِلى نَاعِق نَعَقَ:

إِنْ أُجِيبَ أَضَلَّ، وَإِنْ تُرِكَ ذَلَّ}.

انظروا كيف كان يُحاصرُهم الامام بالمسؤولية التي ترتّبت على التزاماتهِم ورأيهم والتي كانوا يُحاولون ان يتهرّبوا منها ويعصبونَها في رأس الامام، ظلماً وعُدواناً، تارةً بالنّسيان وأُخرى بالتّناسي وثالثة بالتّضليل ورابعة بالتّعمية.

نفس الحال ما نمرُّ به اليوم، ولذلك نحن بحاجةٍ الى إِعلام وطنيٍّ قويٍّ قادر على الحوار وتنشيط الذّاكرة لردع التُّهم والافتراءات والإشاعات وما يسعى الارهابيّون لتناسيهِ وهم يغسلونَ أَدمغة الشّباب المغرّر بهم.

فما بالكَ اذا كان إِعلامنا الوطني ضعيف الذّاكرة او انّ ذاكرتهُ مُصَفّرة؟ أو أَنّهُ مشغولٌ بنفسهِ؟!.

فهل سيتمكّن من مُواجَهَةِ سيل تضليلهِم وأكاذيبهِم؟!.

لذلكَ فشِلنا!.

اضف تعليق