q

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.

في نهج الامام علي (ع) الذي يجسّد الاسلام المحمّدي الأصيل بحذافيرهِ، لا يحقُّ لاحدٍ ان يُصادر الحقيقة ويحتكرها لنفسهِ، وبالتّالي لا يحقّ لاحدٍ ان يدّعي نسباً او علاقةً خاصةً مع الله تعالى فيكفّر من يَشَاءُ ويصرّح بإيمانِ مَن يَشَاءُ، يحتكر الجنّة لنفسهِ ويرمي بالآخَرين في النّار، وعلى هذا الأساس يتعامل مع النّاس! ابداً، فالحَكَمُ الله تعالى يَوْمَ القيامةِ.

انّ النّهج النبوي يعتمد خطاب الرّحمة والدُّعاء والمغفرة كما في قولهِ تعالى على لسانِ نبي الله عيسى (ع) {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

ولذلك لم يُقاتل الامام أحداً لفسادِ عقيدتهِ او رأيهِ.

لم يكن في عهدهِ ايَّ سجينِ رأيٍ، كما لم يفرض الإقامة الجبريّة على أحدٍ خوفاً مِنْهُ او ردعاً له، كما فعل [الخلفاء الثّلاثة] من قبلهِ.

حتّى الطّاغية مُعاوية بن هند آكلة الاكباد الطّليق بنُ الطّليق لم يطلب مِنْهُ الامام (ع) أكثر من ان يمتثل للنّظام العام، والالتزام بالدّستور والقانون وعدم التمرّد على ما اتَّفقت عليه الامّة، فكانَ يَقُولُ له {وَقَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمانَ، فَادْخُلْ فِيَما دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، ثُمَّ حَاكِمِ الْقُوْمَ إِلَيَّ، أَحْمِلْكَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللهِ.

وَأَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ، وَالسَّلاَمُ لاَِهْلِهِ}.

حتّى انّهُ عليه السّلام حاججهُ بالتزاماتهِ تحديداً وَتِلْكَ أعظم المحاججات التي ثبّتها الشّرع كقاعدةٍ فقهيَّةٍ والتي تسمّى بـ [قاعدة الالزام] لقولِ رَسُولِ الله (ص) {أَلزِموهُم بِما أَلزموا بهِ أَنفُسَهُم} ومن المعلوم فانّ مَن لم يلتزم بعهدهِ والتزاماتهِ وما يصرّح بهِ لا ينتظِر ننهُ احدٌ ان يلتزم بعهودِ غيرهِ.

لقد كتب اليه الامام مرّة {إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالاْنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضىً، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْبِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَاخَرَجَ منه، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى}.

كما انّهُ عليه السّلام لم يكن ليدعو الطّاغية المتمرّد الى اكثر من ان يعودَ الى عقلهِ فقط ليستنتج النّهاية الصّحيحة، ويُسقِط التُّهمة التي أشاعها ضدَّهُ عليه السلام، فكتب اليه يقول {وَلَعَمْرِي، يَا مُعَاوِيَةُ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَة عَنْهُ، إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! وَالسَّلاَمُ}.

وبعد ان ألقى الامام الحجّة كاملة غير منقوصة وواضحة عسى ملبَّسٌ عليها، مع كلّ هذا لم يقاتلهُ الامام الا بعدَ ان بدأ الطّاغية المتمرّد يشنّ الغارات المسلّحة على أطراف الدّولة لإرهاب المجتمع وإرعابِ الآمنين، فراح يبعث بقطّاع الطّرق والخارجين عن القانون ليشنّوا الغارات على الآمنين وكلُّ ذلك لإثارة الفوضى في وجه الخليفة وبالتّالي لإسقاط شرعيّة الحكومة التي تقومُ على أساس الامن والسّلم الاهليَّين أَوَّلاً وقبل أيّ شَيْءٍ آخر، كما تُشير الى ذلك الآية المباركة {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ* إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.

فلقد وصفَ الامام (ع) جانباً من افعالهِم وجرائمهِم بقوله {أَلاَ وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هؤُلاَءِ القَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرّاً وَإِعْلاَناً، وَقُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ في عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاَّ ذَلُّوا، فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الغَارَاتُ، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الاْوْطَانُ.

وَهذَا أَخُو غَامِد قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الاْنْبَارَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ البَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا.

وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاْخْرَى المُعَاهَدَةِ، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً.

فَيَا عَجَباً! عَجَباًـ وَاللهِ ـ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتَِماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً، حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرمَى: يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلاَ تَغْرُونَ، وَيُعْصَى اللهُ وَتَرْضَوْن!}.

ومن خطبةٍ لهُ (ع) وقد تواترت عليه الاَخبار باستيلاءِ أصحاب معاوية على البلاد، وقدِم عليه عاملاه على اليمن ـ وهما عُبيدالله بن العباس وسعيد بن نمران ـ لمّا غلبَ عليها بُسْرُ بن أبي أَرْطَاة، فقام (ع) إلى المنبر ضجِراً بتثاقل أَصحابهِ عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأْي، وقال {مَا هِيَ إِلاَّ الكُوفَةُ، أقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا، إنْ لَمْ تَكُوني إِلاَّ أَنْتِ، تَهُبُّ أَعَاصِيرُك، فَقَبَّحَكِ اللهُ! وتمثّل:

لَعَمْرُ أَبِيكَ الخَيْرِ يَا عَمْرُوإِنَّني * عَلَى وَضَر مِنْ ذَا الاْنَاءِ قَلِيلِ

ثمّ قال (ع): أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الَيمنَ، وَإِنِّي وَاللهِ لاَظُنُّ هؤُلاءِ القَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِماعِهمْ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ في الحَقِّ، وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ في البَاطِلِ، وَبِأَدَائِهِمُ الاَْمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ، وَبِصَلاَحِهمْ في بِلاَدِهِمْ وَفَسَادِكُمْ، فَلَو ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْب لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ}.

أمامَ كلّ هذه الجرائم الوحشيّة التي ارتكبها الطّاغية المتمرّد، لم يكن للإمامِ (ع) ان يقف مكتوفَ الايدي متفرّجاً، ابداً، والا سقطت شرعيّة السّلطة وهيبة الدّولة، بل اكثر من هذا فمن كلامٍ لهُ (ع) وقد أشارَ عليهِ أصحابهُ بالاستعدادِ لحربِ أَهْلِ الشّام بعد إرسالهِ جرير بن عبدالله البجلي إلى مُعاوية

{إِنَّ اسْتَعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَجِرِيرٌ عِنْدَهُمْ، إِغْلاَقٌ لِلشَّامِ، وَصَرْفٌ لاِهْلِهِ عَنْ خَيْر إِنْ أَرادُوهُ، وَلكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِير وَقْتاً لاَ يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلاَّ مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً، وَالرَّأْيُ مَعَ الاْنَاةِ، فَأَرْوِدُوا، وَلاَ أَكْرَهُ لَكُمُ الاْعْدَادَ.

وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هذَا الاْمْرِ وَعَيْنَهُ، وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطنَهُ، فَلَمْ أَرَلِي إِلاَّ الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ. إِنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى الاْمَّةِ وَال أَحْدَثَ أَحْدَاثاً، وَأَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالاً، فَقَالُوا، ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّروا}.

اضف تعليق