q

تكاد مهمة صناديق الثروة السيادية، ان تكون ذات هدف مزدوج، فهي من جهة تشكل نوعا من الايرادات للدول الغنية التي تدعم هذه الصناديق بالأموال اللازمة، ومن جهة اخرى فإن القروض التي تمنحها للمشاريع الانتاجية تساعد على نمو الانتاج العالمي، كان هذا الامر يحدث في القطاع النفطي سابقا، ولكن بعد هبوط اسعار النفط، بدأت الدول الغنية الداعمة لهذه الصناديق تقلل من الاموال المودعة فيها لأسباب عديدة أهمها انخفاض اسعار النفط.

وقد كان دور هذه الصناديق الغنية نوعا من الانقاذ لعدد من الشركات التي تعرضت للافلاس وخطر التوقف، حيث قدمت سلسلة صفقات تمويل من صناديق الثروة السيادية الغنية بالسيولة طوق النجاة لبعض شركات التكنولوجيا الخاصة الكبرى في العالم التي أصبحت تقييماتها المرتفعة موضع مراجعة في السنة الأخيرة.

فالسعودية وغيرها من دول الخليج ومستثمرون مدعومون من الدولة في سنغافورة والصين ضخوا أموالا في استثمارات بقطاع التكنولوجيا مثل شركة أوبر للمشاركة في الركوب ومجموعة علي بابا الصينية العملاقة للإنترنت ووحدتها الخاصة التابعة لها.

وقد اثرت الازمة المالية الاخيرة بشكل واضح بشكل واضح على وضع واداء هذه الصناديق اذ قالت شركة بريكين ان "أوضاع الاقتصاد الكلي في الآونة الأخيرة تفرض تحديات خاصة في ظل تراجع أسعار السلع الأولية الذي يؤثر على مصدر تمويل صناديق عديدة واستمرار التقلبات بأسواق الأسهم العالمية. "وفي ضوء أن صناديق سيادية كثيرة من إنشاء دول منتجة للنفط فليس من قبيل المفاجأة أن يتباطأ معدل زيادة الأصول." ونالت أسعار المعادن الضعيفة من صناديق السلع الأولية عموما حيث شهدت حجم الأصول تحت إدارتها ينخفض أكثر من النصف من 130 مليار دولار إلى 50 مليار دولار.

وقد حقق الصناديق السيادية ارباحا جيدة على المستوى العالمي، ولكن خارج قطاع النفط والغاز، اي لم يتم الاستثمار في هذا المجال، فقد قادت الصناديق غير العاملة في السلع الأولية النمو حيث زادت أصولها نحو 290 مليار دولار في حين فقدت الصناديق السيادية المعتمدة على الإيرادات الاستثنائية من النفط والغاز عشرة مليارات دولار حسبما ذكرت بريكين. وفي ظل انخفاض أسعار النفط إلى حوالي 40 دولارا للبرميل اضطرت الصناديق السيادية والبنوك المركزية في الدول المصدرة للنفط مثل النرويج وروسيا والسعودية إلى السحب من الاحتياطيات وتسييل الأصول للمساعدة في سد عجز الميزانيات.

وفي حين تعاني شركات ومصارف صعوبات مالية كبيرة، استطاعت الصناديق السيادية من تحقيق ارباح جيدة على المستوى العالمي وإجمالا شهد 45 بالمئة من الصناديق السيادية زيادة في الأصول على مدى الاثني عشر شهرا في حين شهد 36 بالمئة تراجعا واستقرت أصول 19 بالمئة مقارنة مع مارس آذار 2015 بحسب رويترز، وقالت بريكين إن نسبة متزايدة من الصناديق السيادية أصبحت تستثمر بنشاط في الأصول البديلة

وهناك تباين في انشطة هذه الصناديق، فبعضها يعمل بقوة وبعضها يقع تحت ضغط التردد من الجمود الاقتصادي، حيث تشير بيانات معهد صناديق الثروة السيادية إلى أن حوالي عشرة صناديق فقط من بين 80 صندوقا سياديا أو أكثر في العالم ضخت استثمارات كبيرة في شركات التكنولوجيا الناشئة حتى الآن. وقال مايكل مادويل رئيس المعهد "بات تحرير شيكات صغيرة لتمويل مشروعات بهذا الحجم بمنزلة إهدار للوقت." لكن وتيرة الاستثمارات السيادية في مشروعات التكنولوجيا الناشئة تتسارع ليصل عددها في السنة الأخيرة إلى أكثر من عشرين.

وقد اضطرت بعض هذه الصناديق الى بيع ارصدتها تحت ضغط فقدان السيولة المالية، فمنذ مايو أيار كما تشير مصادر مستقلة أن مؤسسة النقد العربي السعودي باعت أسهما بقيمة 1.2 مليار دولار من الأسهم المدرجة في قاعدة زبائن ناسداك في أوروبا بما يمثل 13 بالمئة من حيازاتها في الشركات الأوروبية.

نمو أصول صناديق الثروة السيادية

في هذا السياق أظهرت بيانات من شركة بريكين للأبحاث أن أصول صناديق الثروة السيادية حول العالم نمت بمقدار 200 مليار دولار على مدى العام المنتهي في مارس آذار 2016 لتصل إلى 6.51 تريليون دولار رغم تقلبات الأسواق وأسعار النفط المنخفضة في الفترة الأخيرة.

ويعني ذلك معدل نمو سنوي حوالي ثلاثة بالمئة مقارنة مع معدلات بين 16 و17 بالمئة في السنوات السابقة. لكن أصول الصناديق السيادية حاليا تزيد على مثلي حجمها في 2009 عندما كانت 3.22 تريليون دولار.

وقادت الصناديق غير العاملة في السلع الأولية النمو حيث زادت أصولها نحو 290 مليار دولار في حين فقدت الصناديق السيادية المعتمدة على الإيرادات الاستثنائية من النفط والغاز عشرة مليارات دولار حسبما ذكرت بريكين. وفي ظل انخفاض أسعار النفط إلى حوالي 40 دولارا للبرميل اضطرت الصناديق السيادية والبنوك المركزية في الدول المصدرة للنفط مثل النرويج وروسيا والسعودية إلى السحب من الاحتياطيات وتسييل الأصول للمساعدة في سد عجز الميزانيات.

وقالت بريكين "أوضاع الاقتصاد الكلي في الآونة الأخيرة تفرض تحديات خاصة... في ظل تراجع أسعار السلع الأولية الذي يؤثر على مصدر تمويل صناديق عديدة واستمرار التقلبات بأسواق الأسهم العالمية. "وفي ضوء أن صناديق سيادية كثيرة من إنشاء دول منتجة للنفط فليس من قبيل المفاجأة أن يتباطأ معدل زيادة الأصول." ونالت أسعار المعادن الضعيفة من صناديق السلع الأولية عموما حيث شهدت حجم الأصول تحت إدارتها ينخفض أكثر من النصف من 130 مليار دولار إلى 50 مليار دولار.

وإجمالا شهد 45 بالمئة من الصناديق السيادية زيادة في الأصول على مدى الاثني عشر شهرا في حين شهد 36 بالمئة تراجعا واستقرت أصول 19 بالمئة مقارنة مع مارس آذار 2015 بحسب رويترز، وقالت بريكين إن نسبة متزايدة من الصناديق السيادية أصبحت تستثمر بنشاط في الأصول البديلة لكن أدوات الدخل الثابت وحيازات الأسهم المتداولة ما زالت تشكل الجانب الأكبر من معظم المحافظ.

ويستثمر نحو 62 بالمئة من الصناديق في كل من العقارات والبنية التحتية ونحو 55 بالمئة في التملك المباشر ارتفاعا من 47 بالمئة في 2015 فيما يستثمر 35 بالمئة من الصناديق في الديون الخاصة. وشكلت الصناديق السيادية في الشرق الأوسط وآسيا 76 بالمئة من إجمالي رأسمال القطاع لكن بريكين أشارت إلى إطلاق 14 صندوقا جديدا في السنوات الست الماضية وقالت إن تقارير تفيد بأن بوليفيا والفلبين تجريان نقاشات لإطلاق صناديق جديدة.

تضرر الصناديق السيادية بالشرق الأوسط

في سياق مقارب قالت دراسة أجرتها إنفسكو لإدارة الأصول إن صناديق الثروة السيادية بالشرق الأوسط قامت بتسييل أو إلغاء استثمارات بنحو سبعة بالمئة من إجمالي أصولها العام الماضي في علامة على تعرضها لضغوط من هبوط أسعار النفط. وسجلت الميزانيات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي الست وفي دول أخرى مصدرة للنفط عجزا بسبب تقلص الإيرادات النفطية وهو ما دفع الحكومات للسحب من مدخراتها.

وقال أليكس ميلر مدير مبيعات المؤسسات للشرق الأوسط وأفريقيا لدى إنفسكو "نزوح الأموال عن صناديق الشرق الأوسط لا يثير الدهشة نظرا للتقلبات التي نراها في أسواق النفط. ورغم ذلك ما زالت ثقة المستثمر السيادي مرتفعة رغم تحديات بيئة التمويل والأوضاع الصعبة في السوق."

ولم تذكر الشركة رقما لحجم أصول صناديق الثروة السيادية بالشرق الأوسط لكن صندوق النقد الدولي نقل بيانات من معهد صناديق الثروة السيادية الذي يتابع أنشطة تلك الصناديق أظهرت أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي لديها مدخرات بنحو 2.5 تريليون دولار في صناديقها.

وأظهرت دراسة إنفسكو - التي شملت 77 مستثمرا سياديا ومدير احتياطيات في أنحاء العالم يمثلون أصولا بقيمة 8.96 تريليون دولار - أن التمويل الجديد شكل ثلاثة بالمئة من الأصول التي تديرها صناديق الشرق الأوسط في 2015.

وبالمقارنة شكل التمويل الجديد سبعة بالمئة من أصول الصناديق السيادية على مستوى العالم العام الماضي. وفي 2015 قامت الصناديق في أنحاء العالم بتسييل أو إلغاء استثمارات بنحو ثلاثة بالمئة من إجمالي أصولها. وأظهرت الدراسة أن الولايات المتحدة أحرزت تقدما كوجهة عالمية مفضلة للأموال السيادية الشرق أوسطية العام الماضي حيث حصلت على 8.3 نقطة من عشر نقاط في الجاذبية مقابل 7.1 لبريطانيا بحسب رويترز.

وأبدى المستثمرون السياديون الشرق أوسطيون تفاؤلهم بشأن الفرص بمشروعات البنية التحتية في الولايات المتحدة على وجه الخصوص. وأبدت الصناديق مزيدا من الاهتمام بالأسواق الناشئة العام الماضي. وارتفعت مخصصات صناديق الشرق الأوسط لأصول الأسواق الناشئة الآسيوية إلى 2.3 بالمئة في 2015 من 1.5 بالمئة في 2014 بينما زادت المخصصات لأفريقيا إلى 2.6 بالمئة من واحد بالمئة. واستثمرت الصناديق السيادية الشرق أوسطية مزيدا من الأموال في العقارات حيث ارتفعت مخصصاتها إلى 9.8 بالمئة العام الماضي من 5.9 بالمئة قبل عامين.

طوق نجاة لمشاريع التكنولوجيا

من جهتها قدمت سلسلة صفقات تمويل من صناديق الثروة السيادية الغنية بالسيولة طوق النجاة لبعض شركات التكنولوجيا الخاصة الكبرى في العالم التي أصبحت تقييماتها المرتفعة موضع مراجعة في السنة الأخيرة. فالسعودية وغيرها من دول الخليج ومستثمرون مدعومون من الدولة في سنغافورة والصين ضخوا أموالا في استثمارات بقطاع التكنولوجيا مثل شركة أوبر للمشاركة في الركوب ومجموعة علي بابا الصينية العملاقة للإنترنت ووحدتها الخاصة التابعة لها.

ومع انخفاض إجمالي التمويلات المخصصة للشركات الناشئة بمقدار الثلث إلى 25.5 مليار دولار في الربعين الماضيين وفقا لبيانات سي.بي انسايتس بدأت أنظار المشروعات الكبرى تتجه إلى الصناديق الحكومية أو أموال المؤسسات لتوفير "طروح أولية خاصة" بدلا من الاستعانة بأصحاب رؤوس الأموال المجازفة أو المخاطرة بعمليات إدراج عامة. هذا التدفق لرؤوس الأموال ساهم في الحفاظ على التقييمات عند مستويات مرتفعة في الوقت الذي خفض فيه بعض الداعمين السابقين تقييمات خدمة التخزين السحابي دروب بوكس أو تطبيق زوماتو الهندي لطلب الوجبات السريعة.

وقالت جاكلين تشان من مكتب المحاماة ميلبانك في سنغافورة الذي قدمت المشورة لصناديق ثروة سيادية "تتمتع صناديق الثروة السيادية بوضع يسمح لها بالقيام بمراهنات كبيرة... في ضوء إمكاناتها الكبيرة في الحصول على رؤوس الأموال وشهيتها للمخاطرة في استثمارات النمو."

وقال صندوق الاستثمارات العامة السعودي إنه استثمر 3.5 مليار دولار في أوبر وهي أعلى الشركات الخاصة قيمة في وادي السليكون. وتبلغ القيمة السوقية لشركة أوبر 62.5 مليار دولار لتتجاوز قيمة شركات صناعة السيارات بي.ام.دبليو وجنرال موتورز وتقترب من قيمة فولكسفاجن ودايملر وفورد بحسب رويترز. واشترى مستثمران حكوميان كبيران في سنغافورة الأسبوع الماضي أسهما بمليار دولار في علي بابا في حين شاركت مؤسسة الاستثمار الصينية في تمويل قيمته 4.5 مليار دولار لوحدة الخدمات المالية ايه.ان.تي فايننشال التابعة لمجموعة علي بابا مع مستثمرين آخرين بما يجعلها أكبر جولة تمويل تخص شركة تكنولوجيا مالية. ولا تشكل استثمارات التكنولوجيا سوى نسبة هزيلة من المحافظ الاستثمارية للجهات السيادية التي يركز معظمها على أدوات الدخل الثابت التقليدية واستثمارات الأسهم والمشروعات الطويلة الأمد مثل الفنادق ومراكز التسوق والموانئ.

وتشير بيانات معهد صناديق الثروة السيادية إلى أن حوالي عشرة صناديق فقط من بين 80 صندوقا سياديا أو أكثر في العالم ضخت استثمارات كبيرة في شركات التكنولوجيا الناشئة حتى الآن. وقال مايكل مادويل رئيس المعهد "بات تحرير شيكات صغيرة لتمويل مشروعات بهذا الحجم بمنزلة إهدار للوقت." لكن وتيرة الاستثمارات السيادية في مشروعات التكنولوجيا الناشئة تتسارع ليصل عددها في السنة الأخيرة إلى أكثر من عشرين.

وبدأت الصناديق السيادية في دول الخليج الغنية بالنفط في ضخ استثمارات بشركات التكنولوجيا الناشئة لتنهي تركيزها السابق على الصفقات العقارية. وكان استثمار السعودية البالغة قيمته 3.5 مليار دولار في أوبر هو أكبر استثمار خاص منفرد على الإطلاق في شركة تكنولوجيا بينما قادت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية هذا العام استثمارا مباشرا في شركة جاوبون الأمريكية المتعثرة المتخصصة في صناعة الأجهزة القابلة للارتداء. واستثمر جهاز قطر للاستثمار في أوبر وشركة فليبكارت للتجارة الإلكترونية في 2014.

وقال مادويل "في حين أن صناديق الثروة السيادية لا تتجه للمشاركة في جميع صفقات التكنولوجيا إلا أنها تبدأ في ممارسة نفوذها... لا شك أنها بدأت في المشاركة بقوة." ورغم ذلك ما زالت مشروعات التكنولوجيا تنطوي على كثير من المخاطر لبعض الصناديق السيادية المكلفة بالحفاظ على رأس المال وضمان تحقيق عائدات. فالصندوق النرويجي البالغة قيمته 865 مليار دولار وهو أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم من أبرز الداعمين لأسهم شركات التكنولوجيا المدرجة في البورصة مثل أبل لكن لا يمكنه الاستثمار في شركة غير مدرجة إلا في الفترة الأخيرة التي تسبق الاكتتاب العام مباشرة.

انشاء صندوق سيادي جديد

في السياق نفسه قالت مصادر مطلعة إن المملكة العربية السعودية تعتزم تأسيس صندوق سيادي جديد لادارة جزء من ثروتها النفطية وتنويع استثماراتها وإنها طلبت من بنوك استثمارية وجهات استشارية تقديم مقترحات للمشروع. وأثر تراجع أسعار النفط على الموارد المالية للمملكة. وبلغ عجز الميزانية السعودية رقما قياسيا وانخفضت الاصول الاجنبية اكثر من 100 مليار دولار في 15 شهرا. وقد يغير الصندوق الجديد الطريقة التي تستخدم في استثمار عشرات المليارات من الدولارات ويؤثر على بعض مديري الاصول الرئيسيين في العالم خاصة في الولايات المتحدة حيث يتم إدارة الجزء الاكبر من الاصول الخارجية للسعودية.

وقال أحد المصادر "من الضروري ابقاء الاحتياطات الخارجية عند مستوى جيد للحفاظ على وضع مالي ثابت ودعم الريال." وأضاف مصدر اخر أن الحكومة السعودية ارسلت "طلب اقتراح" لبنوك وجهات استشارية اواخر العام الماضي من اجل الحصول على افكار حول كيفية تأسيس الصندوق الجديد. وطلبت المصادر عدم الافصاح عن هويتها لان الخطط لا تزال سرية.

وقالت المصادر إن الحكومة السعودية لم تبلغهم بحجم الصندوق الجديد المزمع. وقال مصدر إن الصندوق سيركز على الاستثمار في مشروعات خارج صناعة الطاقة مثل الكيماويات والنقل البحري والنقل. وأكدت المصادر أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي وانه يتم دراسة مجموعة من الخيارات. وقالت المصادر إنه سيكون باستطاعة مديري الصندوق الاستثمار مباشرة في شركات بدلا من ضخ استثمارات من خلال مديري الاصول الخارجية. وهذا قد يصل بالعائدات للحد الأقصى بحسب رويترز.

وقال المصدر الآخر إنه يعلم ان الصندوق الجديد سيكون جاهزا تماما للعمل في غضون 12 إلى 24 شهرا وسيكون له مكتب في نيويورك. ولم يتسن الوصول إلى المتحدث باسم مؤسسة النقد العربي السعودي للحصول على تعليق. وتلتزم المؤسسة -التي تدير حاليا السواد الاعظم من الاموال التي تجنيها المملكة من بيع النفط- السرية بشأن ادارتها للأموال. وبلغ صافي الأصول الخارجية للمؤسسة 628 مليار دولار في نوفمبر تشرين الثاني إنخفاضا من ارتفاع قياسي بلغ 737 مليار دولار في أغسطس آب 2014 عندما بدأت الحكومة السحب من الاصول لسداد نفقاتها حيث أدى انخفاض أسعار النفط إلى حدوث عجز ضخم في الميزانية.

والاصول -التي تتولى شركات استثمار عالمية التعامل مع بعضها- هي في الاساس سندات مثل سندات الخزانة الامريكية وودائع لدى بنوك في الخارج. ومن المعتقد ان الاسهم تمثل جزءا صغيرا -ربما 20 في المئة- من حيازات السندات المالية. ويعتقد ان الجزء الاكبر من الاصول مسمى بالدولار الأمريكي. ووجهت انتقادات لمؤسسة النقد العربي السعودي -التي تفضل استخدام أدوات محافظة ومنخفضة المخاطر- كونها تحقق عائدات متواضعة خاصة في ظل انخفاض معدلات الفائدة العالمية مثلما هي الان. وفي عام 2014 حث الملياردير السعودي الامير الوليد بن طلال الحكومة على انشاء صندوق جديد لتحقيق عائدات أعلى.

وحينها أكد وزير المالية إبراهيم العساف عدم وجود حاجة لصندوق جديد. لكن سلطة صنع السياسات تغيرت منذ أن تولى الملك سلمان الحكم في يناير كانون الثاني العام الماضي وأنشأ مجلسا قويا للشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ابنه الامير محمد بن سلمان. وبمشورة شركات استشارات غربية يمضي الامير محمد قدما في سلسلة إصلاحات لحقبة النفط منخفض السعر. وتشمل الخطوات خفض الانفاق وزيادة الضرائب وتطبيق الخصخصة. وتأتي الخطط الرامية لانشاء صندوق سيادي جديد في اطار هذا التوجه.

وخلال صياغة الاصلاحات درست السعودية سياسات دول الخليج الاخرى الغنية بالنفط والمصدرة له. وقالت المصادر إن جزءا من الصندوق السعودي الجديد سيكون على هيئة مستثمر للأسهم الخاصة يشتري حصصا رئيسية في شركات اجنبية على غرار ما يفعله الصندوق السيادي القطري وصندوق ابوظبي لكنه سيستخدم اشكالا اخرى من الاستثمار ايضا.

صناديق سيادية تبيع الأسهم الأوروبية

من جهتها أظهرت دراسة نشرت نتائجها مؤخرا أن أكبر ثلاثة صناديق ثروة سيادية تعتمد على النفط مستمرة في بيع حصص من الأسهم الأوروبية المملوكة لها منذ مايو أيار في إشارة جديدة على تحرك دول منتجة للنفط لسحب أموالها من الأسواق العالمية. إلا ان الصناديق الآسيوية واصلت شراء الأسهم الأوروبية بحسب بيانات من ناسداك ادفيزوري سيرفسيز التي تقدم تحليلات حول أنشطة المساهمين والمستثمرين. ومنذ مايو أيار باعت مؤسسة النقد العربي السعودي أسهما بقيمة 1.2 مليار دولار من الأسهم المدرجة في قاعدة زبائن ناسداك في أوروبا بما يمثل 13 بالمئة من حيازاتها في الشركات الأوروبية التي ترصدها ناسداك والبالغة قيمتها 9.2 مليار دولار. وباع نورجس بنك انفستمنت مانجمنت النرويجي أسهما بقيمة 1.1 مليار دولار بما يمثل نحو اثنين بالمئة من القيمة السوقية لحيازاته من الأسهم البالغة قيمتها 57.5 مليار دولار. وباع جهاز أبوظبي للاستثمار أسهما بنحو 300 مليون دولار من إجمالي حيازاته البالغة قيمتها 3.6 مليار دولار. وقال ألكسندر فري المحلل لدى ناسداك ادفيزوري سيرفسيز "خلال 2015 خفضت أكبر ثلاثة صناديق سيادية تعتمد على النفط حيازاتها من الأسهم في المنطقة وتسارعت وتيرة هذا التوجه خلال الربع الثاني وحتى الربع الثالث من العام."

وتستند البيانات إلى عينة تضم 159 شركة أوروبية تبلغ قيمتها السوقية 1.87 تريليون دولار بحسب ناسداك وتتنوع أنشطة هذه الشركات بين التجزئة والاتصالات والخدمات المالية والمرافق. ووضع هبوط أسعار النفط -إذ نزل سعر خام برنت أكثر من 60 بالمئة منذ صيف 2014- الدول المنتجة للنفط تحت ضغط لخفض إنفاقها أو تسييل الأصول التي تمتلكها. وقال بنك بي.إن.بي باريبا إن الدول المصدرة للطاقة سحبت أموالا من الأسواق العالمية العام الماضي للمرة الأولى في نحو عشرين سنة وأوقفت "إعادة تدوير" عائدات النفط. وتوقع البنك العام الماضي أن يستمر هذا الاتجاه حيث ظلت أسعار النفط وقتها تحت ضغوط.

وفي يوليو تموز لجأت المملكة العربية السعودية إلى إصدار سندات للمرة الأولى منذ 2007. وحذر صندوق النقد الدولي من عجز الموازنة السعودي الذي يقدر بنحو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. ويخفض البنك المركزي السعودي الذي يضطلع بدور صندوق الثروة السيادي في المملكة احتياطياته منذ أواخر 2014 حيث هبط صافي احتياطياته من النقد الأجنبي بمقدار 6.6 مليار دولار في اغسطس آب إذ أقدم السعوديون على تسييل أصول لسد العجز في الميزانية.

وقالت النرويج إنها ستسجل أول سحب صاف من صندوقها السيادي منذ إنشائه للمساهمة في تغطية تكلفة التخفيضات الضريبية التي تهدف إلى تحفيز الاقتصاد. وتمتلك النرويج أكبر صندوق سيادي في العالم بثروة تبلغ 830 مليار دولار ويستحوذ على نحو 1.3 بالمئة من الأسهم العالمية بحسب رويترز. في المقابل كانت أكبر ثلاثة صناديق سيادية لا تعتمد على السلع الأولية مشترية خالصة للأسهم الأوروبية وبخاصة إدارة النقد الأجنبي الصينية التي تمتلك أسهما بقيمة 35.6 مليار دولار من أسهم الشركات في عينة ناسداك.

وبدأت إدارة النقد الأجنبي الصينية في الشراء بقوة في أوروبا من الربع الأول من 2015 حيث اشترت أسهما بقيمة 2.1 مليار دولار من الأسهم التي ترصدها ناسداك. وقال فري إن تيماسيك وجي.آي.سي من سنغافورة قامتا أيضا بشراء مجموعة من الأسهم الأوروبية بقيمة 1.1 مليار دولار منذ بداية العام حتى الآن. ورجح فري أن اهتمام الصندوقين قد يكون نابعا من البحث عن أسهم ذات قيمة أفضل في الوقت الذي ارتفعت فيه الأسهم الأمريكية إلى المستويات التي كانت عليها قبل الأزمة المالية العالمية كما كان ثمة دعم من برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء أصول.

الوقوف أمام المحكمة العليا في لندن

في سياق مقارب يقف صندوق الثروة السيادية الليبي وحجمه 67 مليار دولار وجها لوجه مع بنك جولدمان ساكس أمام المحكمة العليا في لندن هذا الأسبوع بشأن ادعاءات بأن البنك الاستثماري الأمريكي شجع الصندوق الليبي على القيام باستثمارات تنطوي على مخاطر مرتفعة تبين في النهاية أنها عديمة الجدوى. وفي واحدة من أكثر القضايا التي تُراقب عن كثب في لندن تحاول المؤسسة الليبية للاستثمار (صندوق الثروة السيادية) استعادة 1.2 مليار دولار من البنك الأمريكي الكبير تتعلق بمعاملات مثار خلاف أجريت في 2008.

وتتهم المؤسسة البنك بممارسة "نفوذ مفرط" في إجراء المعاملات مشيرة على وجه الخصوص إلى فترة تدريب خاصة قدمها البنك لحاتم زارتي شقيق نائب الرئيس التنفيذي السابق للمؤسسة مصطفى زارتي. ولم يعد للأخوين زارتي الآن أي صلة بالصندوق. ولم تتمكن رويترز من الحصول على تعليق من أي منهما. وأكد جولدمان ساكس الذي ينفي جميع الإدعاءات على أن علاقته بالمؤسسة كانت قريبة في جميع الأوقات وأن المعاملات محل التساؤل ليست صعبة على الفهم. وقال البنك في بيان بالبريد الالكتروني يوم الجمعة "تفتقد الادعاءات إلى المصداقية وسنواصل دحضها بقوة." بحسب رويترز.

ومن المتوقع أن تلقي القضية الضوء على الطريقة التي كانت تعمل بها بعض البنوك الاستثمارية الكبرى في العالم مع نظام معمر القذافي حيث كانت تجري صفقات برسوم كبيرة يقول الليبيون إنها لم تحقق فائدة تذكر لصندوق الثروة السيادية للبلد الغني بالنفط. وأنشأت ليبيا مؤسسة الاستثمار في 2006 بهدف استثمار الاحتياطيات الضخمة التي تراكمت من إيرادات النفط ودمج اقتصادها في النظام المالي العالمي بعد سنوات من العقوبات.

ورفع الصندوق الليبي أيضا دعوى قضائية ضد بنك سوسيتيه جنرال مطالبا البنك الفرنسي بنحو 2.1 مليار دولار تتعلق بمعاملات أجريت فيما بين 2007 و2009. لكن البنك طعن في الدعوى حيث من المتوقع أن تنظرها المحكمة في يناير كانون الثاني 2017. وعينت المحكمة بي.دي.أو لاستشارات أنشطة الأعمال لإدارة الدعاوى نيابة عن الصندوق الليبي الذي يتنازع شخصان على رئاسته. وكان من المأمول أن يحل النزاع مع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الليبية التي تدعمها الأمم المتحدة لكن تلك الحكومة لا تزال تكافح لممارسة سلطاتها. ومن المنتظر أن تستمر قضية جولدمان ساكس لسبعة أسابيع.

من جهته أبلغ مستشار سابق للمؤسسة الليبية للاستثمار محكمة في لندن أن كبار صانعي القرار في صندوق الثروة السيادي للبلاد "أمّيّون" فيما يتعلق بالاستثمار وليس لديهم دراية تذكر بأدوات المشتقات التي اشتروها بناء على مشورة من بنك جولدمان ساكس. وفي واحدة من أكثر القضايا التي تراقب عن كثب في لندن تحاول المؤسسة التي تملك أصولا بقيمة 67 مليار دولار استعادة 1.2 مليار دولار من البنك الاستثماري الأمريكي تتعلق بمعاملات مثار خلاف أجريت في 2008. وتتهم المؤسسة البنك بأنه استغل سذاجتها المالية بأن كسب في البداية ثقتها ثم شجعها على القيام باستثمارات عالية المخاطر تبين في نهاية المطاف عدم جدواها.

ويجادل جولدمان ساكس -الذي ينفي جميع الادعاءات- بأن المعاملات محل الخلاف "لم تكن صعبة على الفهم". وتعهد ىالدفاع عن نفسه ضد ادعاءات المؤسسة الليبية التي يصفها بأنها "تفتقد المصداقية". لكن علي الباروني وهو مستشار مالي مقره لندن عمل مستشارا للصندوق الليبي في الفترة من أبريل نيسان إلى سبتمبر أيلول 2007 وصف محمد حسين لياس المدير التنفيذي الراحل للصندوق بأنه "أمّي فيما يتعلق بالاستثمار" بحسب رويترز. وقال الباروني إنه استقال بعدما تجاهل الصندوق نصيحته واستثمر في منتجات معينة بتوصية من جولدمان ساكس. وأبلغ المحكمة أنه استأنف العمل مع المؤسسة الليبية للاستثمار كمستشار في 2013.

اضف تعليق