q

يصفها المراقبون الاقتصاديون بالصحوة المتأخرة، حيث تسعى السعودية الى مواكبة المستجدات والنكسات الاقتصادية التي تعرض لها اقتصادها بسبب صفعة هبوط اسعار النفط، وقد وضعت خطة ضمن وثيقة تحتوي عشرات الصفحات وعشرات المقترحات والآراء والمعالجات التي أثارت حفيظة كثيرين أكدوا صعوبة تطبيقها فضلا عن الآثار الجانبية الكثيرة التي تلحق الأذى بقطاعات انتاجية، بالاضافة الى العمالة الاجنبية وتقلصها وفرض ضرائب على شكرات القطاع الخاص ومضاعفة تباطؤ الاقتصاد.

علما أن هذه الخطة التي شارك في وضعها خبراء محليون واجانب متخصصون لهم خبرة اقتصادية عملية، حيث اكد هؤلاء على أن وثيقة اصلاح الاقتصاد السعودي تستهدف الخطة رفع الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى 530 مليار ريال (141 مليار دولار) في 2020 من 163.5 مليار ريال في 2015 مع فرض ضرائب جديدة ومزيد من الخفض لدعم الوقود.

ورافقت هذه الخطة اجراءات تقشفية قد لا تؤتي أُكُلها في القريب العاجل، او حتى على المستوى بعيد المدى، فالإجراءات التقشفية في خطة التحول الاقتصادي قد تؤدي إلى خفض قدره 2.5 إلى ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا حتى عام 2020 لتزداد حدة تباطؤ الاقتصاد. وبينما يتوقع المحللون بالفعل تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 1.5 في المئة هذا العام من 3.3 في المئة في 2015 فإن الاقتصاد ربما يواجه خطر الركود مع مضي خطة التحول الوطني قدما.

علما ان الدور الذي يقع على القطاع الخاص لانجاح هذه الوثيقة وخطواتها كبير وأساسي، لكن واقع القطاع الخاص في السعودية غير مشجع، حيث تعتمد خطط الإصلاح السعودية الجديدة في جزء منها على النمو القوي للقطاع الخاص وهو هش بالفعل بسبب انخفاض الإنفاق الحكومي وخفض دعم الطاقة وقد يعاني مزيدا من الضعف إذا ارتفعت تكلفة العمالة. وقال أحمد بن عفيف وهو سعودي يمتلك شركة لتجارة الأغذية والسلع الأولية يعمل بها 500 موظف نصفهم أجانب "سنضطر لتكملة الدخل الصافي الذي يحصلون عليه بدون الضرائب.. لذلك فعبء الضرائب سيقع على عاتق الشركة وليس على العامل المغترب".

ولا تمثل هذه الوثيقة الاقتصادية خطوة اولى للاصلاح حيث فشلت محاولات أخرى جرت سابقا، فقد تعثرت إصلاحات سابقة في سوق العمل بسبب عقبات اجتماعية مثل ارتفاع المزايا والأجور والأمان الوظيفي والوضع الاجتماعي الذي توفره الوظيفة الحكومية وانخفاض التكلفة التي تتحملها الشركات عند تعيين المغتربين. وفي خطة التحول الوطني تهدف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تهدف إلى خفض تكلفة تعيين السعوديين مقارنة مع الأجانب من أربعة أمثالها إلى 2.8 مرة. وتضمنت الإصلاحات الأخيرة فرض بعض الرسوم على الشركات التي تعين مغتربين.

في حين صرحت بعض المؤسسات المالية العالمية صعوبة هذا النوع من الاصلاحات، حيث توقع صندوق النقد أن يظل العجز كبيرا هذا العام ليقارب 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 16 بالمئة العام الماضي.

وهناك عقبات اخرى لا علاقة لها بالاقتصاد، فمنها ما يتعلق بالمنظومة السلوكية للمجتمع وعاداته وتقاليده، كما نلاحظ ذلك في القيود الدينية التي تؤثر بشكل خاص في تشكيل المجتمع السعودي وتحد بقوة من دور المرأة وتفرض قواعد أخلاقية عامة صارمة وتقاوم بعض جهود الحكومة لتحديث النظامين القضائي والتعليمي، هذه الامور تنعكس ايضا كمعوقات على تنفيذ الكثير من الخطط والطموحات الاقتصادية، لذلك لم تجد هذه الوثيقة صدى واسعا من التشجيع.

قد يتضرر الاقتصاد السعودي بسبب الإصلاح

ففي هذا السياق استقبل المستثمرون خطة الإصلاحات الاقتصادية السعودية بفتور حيث يخشون من أن تؤدي الإجراءات التي تهدف إلى تقليص عجز الميزانية وقدره 100 مليار دولار إلى تباطؤ اقتصادي حاد في المملكة. وتضمنت الوثيقة التي جاءت في 110 صفحات تفاصيل أكبر إصلاح من نوعه في سياسات المملكة منذ عقود في مسعى لإعادة هيكلة الاقتصاد للتكيف مع حقبة هبوط أسعار النفط.

وتضمنت خطة التحول الوطني مئات السياسات والأهداف التي إن تحققت ستغير طريقة أداء السعودية لأنشطتها. ويتضمن ذلك تعزيز الصناعات غير النفطية مثل السياحة وخصخصة البريد واستخدام مزيد من الطاقة المتجددة وميكنة الإجراءات الجمركية وتعديل رواتب القطاع العام. لكن الأسواق ركزت في الأساس على ما تحتويه الخطة من جهود رامية لكبح الإنفاق وتحقيق التوازن في الميزانية بحلول 2020. وتستهدف الخطة رفع الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى 530 مليار ريال (141 مليار دولار) في 2020 من 163.5 مليار ريال في 2015 مع فرض ضرائب جديدة ومزيد من الخفض لدعم الوقود.

ويخشى بعض المستثمرين من أن تؤدي مثل تلك الإجراءات التقشفية إلى تباطؤ الاقتصاد وزيادة البطالة وإضعاف الثقة في قدرة الرياض على الاستمرار في ربط عملتها الريال بالدولار بدلا من تعزيز تلك الثقة. وزاد المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم السعودية 0.9 في المئة يوم الثلاثاء لكن التداول كان محدودا ولا تزال السوق منخفضة 4.9 في المئة عن مستواها في أواخر أبريل نيسان حينما أطلقت الحكومة إعلانا عاما مبدئيا عن الإصلاحات.

ولم تظهر الأسواق الأخرى أي علامات على تأثرها إيجابا بإعلان الإصلاحات مع ارتفاع تكلفة التأمين على الدين السيادي السعودي من مخاطر العجز عن السداد وارتفاع طفيف للعائد على سندات للسعودية للكهرباء تستحق في أبريل نيسان 2023 بينما تراجع الريال في سوق العقود الآجلة بحسب رويترز.

وقالت مونيكا مالك كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري "الإعلان إيجابي في أنه يظهر الالتزام بإصلاح الموازنة. فالحكومة تركز بشكل واضح على ذلك. "لكن الأمر المهم يتمثل فيما إذا كانت الخطة قابلة للتنفيذ وما إن كان ذلك صعبا. لم يتضح بعد مدى إمكانية الالتزام بالإطار الزمني." وقدرت مالك أن الإجراءات التقشفية التي جرى تبنيها في الوقت الذي أعلنت فيه الرياض ميزانيتها لعام 2016 في ديسمبر كانون الأول الماضي ستضر الاقتصاد بخفض قدره 1.5 إلى اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

كما قدرت مالك أن الإجراءات التقشفية في خطة التحول الوطني قد تؤدي إلى خفض قدره 2.5 إلى ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا حتى عام 2020 لتزداد حدة تباطؤ الاقتصاد. وبينما يتوقع المحللون بالفعل تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 1.5 في المئة هذا العام من 3.3 في المئة في 2015 فإن الاقتصاد ربما يواجه خطر الركود مع مضي خطة التحول الوطني قدما. وسينعكس ذلك سلبا على نمو القطاع الخاص في الوقت الذي تطلب فيه الخطة من الشركات الخاصة تمويل مزيد من مشروعات التنمية لتخفيف الأعباء عن المالية العامة وتحاول فيه الرياض جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي.

السعودية وموجة الضرائب على العمالة الأجنبية

في سياق مقارب عبر مغتربون في المملكة العربية السعودية وأرباب الأعمال التي يشتغلون بها على حد سواء عن قلقهم من اقتراح تدرسه الحكومة السعودية لفرض ضريبة دخل على العمال الأجانب لتعويض الانخفاض في إيرادات النفط. ويشكل الأجانب نحو ثلث سكان المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم والبالغ عددهم 30 مليونا وينجذب أغلبهم إليها بمحفزات منها عدم فرض ضرائب والأجور المغرية التي لا يمكنهم الحصول عليها في بلادهم.

وتقول خطة التحول الوطني المعنية بالإصلاحات الاقتصادية والتي كشف النقاب عنها إنه تم تخصيص 150 مليون ريال (40 مليون دولار) لإعداد وفرض ضرائب على المغتربين لكن وزير المالية إبراهيم العساف قال إنه لم يتم اتخاذ قرار حتى الآن. ورغم ذلك فإن الأنباء عن دراسة الحكومة لمثل هذا الاقتراح رسميا كانت كافية لإثارة قلق بعض العاملين الأجانب. وقال عمرو باجدان وهو مدير أمريكي بمجموعة لتجارة التجزئة "إذا فرضوا ضريبة دخل على المغتربين ولم يقدموا أي مزايا في المقابل.. مثل ملكية المناول والحق في امتلاك أصول باسمي.. فسأحزم أمتعتي وأرحل."

ولم يظهر مزيد من التفاصيل بخصوص ما قد تحمله مثل هذه الضريبة للمقيمين - وهم شريحة تضم جميع السكان غير السعوديين. ومن بين التساؤلات التي تنتظر الإجابة: هل ستشمل جميع مستويات الدخل وكل المهن؟ وما المدة اللازمة لتطبيقها؟ وقال مصرفي بريطاني في الرياض "أظن أن الأمر يتوقف على النسبة التي يتحدثون عنها. إذا كانت خمسة بالمئة فستزعجني لكنها لن تدفعني لترك عملي هنا والاستقالة. أما إذا كانت 20 بالمئة فلن أستمر.. هذا مؤكد."

وطلب المصرفي مثل بعض الآخرين الذين تحدثوا لرويترز عدم الكشف عن اسمه لأن صاحب العمل قد يغضب من الحديث لوسائل الإعلام في بلد يعد فيه الحديث العلني عن السياسات من الأمور الحساسة. ودفع انهيار أسعار النفط بعد منتصف 2014 السعودية للتفكير في إصلاح جذري لكل قطاعات الاقتصاد بما في ذلك الضرائب الجديدة والخصخصة وتغيير استراتيجية الاستثمار علاوة على تخفيضات حادة في الإنفاق الحكومي.

وقال جون سفاكياناكيس المستشار السابق للحكومة والخبير الاقتصادي لدى مركز الخليج للأبحاث ومقره جدة "إذا كنت ترغب في زيادة إيراداتك غير النفطية بقدر كبير فينبغي أن يأتي ذلك من خلال مزيج من الرسوم والضرائب غير المباشرة. لا يمكن تحقيق ذلك بدون بعض الضرائب على الأجانب في وقت ما."

برغم ذلك تعتمد خطط الإصلاح السعودية الجديدة في جزء منها على النمو القوي للقطاع الخاص وهو هش بالفعل بسبب انخفاض الإنفاق الحكومي وخفض دعم الطاقة وقد يعاني مزيدا من الضعف إذا ارتفعت تكلفة العمالة. وقال أحمد بن عفيف وهو سعودي يمتلك شركة لتجارة الأغذية والسلع الأولية يعمل بها 500 موظف نصفهم أجانب "سنضطر لتكملة الدخل الصافي الذي يحصلون عليه بدون الضرائب.. لذلك فعبء الضرائب سيقع على عاتق الشركة وليس على العامل المغترب" بحسب رويترز.

وتجلت تلك المعنويات في تصريحات بعض أصحاب الأعمال الآخرين. فقال غيث أرنؤوط وهو أيضا سعودي يملك شركة للخدمات الهندسية يعمل بها نحو 145 أجنبيا "هذا سيخلق تكاليف ويزيد التضخم في البلاد لأن العمال سيطالبون بزيادة الأجور والرواتب إذا فرضت الضريبة." وأضاف "سيكون علينا تشغيل محليين للقيام بوظائفهم لكن هذا يعني إضاعة الوقت والمال على التدريب - بالتالي سيلحق الضرر بالأعمال."

وترغب الحكومة في دفع مزيد من السعوديين إلى وظائف القطاع الخاص بدلا من الوظائف الحكومية ذات الأجور الجيدة ولكن دورها الإنتاجي محدود وهو ما تحاول بالفعل إصلاحات عمالية إنجازه منذ 2011. وزيادة تكلفة العمالة الأجنبية من خلال فرض ضريبة على الدخل- التي وعدت الحكومة بعدم فرضها على السعوديين- ستساعد في تعزيز جاذبية تعيين المحليين الذين يطلبون عادة أجورا أعلى.

وقال وزير العمل مفرج الحقباني إن السعودية لا ترغب في خفض عدد المغتربين في المملكة الذين يبلغ عددهم حاليا نحو تسعة ملايين واصفا وجودهم بأنه مهم جدا. غير أن الحكومة فرضت في السنوات القليلة الماضية رسوما جديدة على الشركات التي توظف أجانب وجعلت قطاعات محددة مقصورة على السعوديين في إجراءات تظهر أنها تتعامل مع القضية بجدية أكبر مما كان في السابق.

وأحبطت المعارضة من جانب الشركات السعودية خطة سابقة لفرض ضرائب على المغتربين في التسعينات لكن في ظل وجود حملة أكبر بكثير للإصلاح الاقتصادي هذه المرة قد تكون الحكومة أكثر استعدادا للتحدي. في الوقت نفسه فإن مقترحات أخرى طرحت في الآونة الأخيرة مثل برنامج البطاقة الخضراء للعمال الأجانب الذي أعلن عنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أبريل نيسان لم يتم كشف مزيد من التفاصيل بشأنها وهو ما يبقي بعض الغموض بخصوص ما تنوي الحكومة فعله. ويشعر بالفعل كثير من المغتربين- خاصة أصحاب الدخول المتوسطة أو المنخفضة- بأثر التباطؤ الاقتصادي في المملكة ومساعيها لتوظيف مواطنيها.

وقال علي وهو فلسطيني يعمل في سلسلة فنادق طلب أيضا عدم ذكر اسمه بالكامل "الراتب لا يكفي بالفعل في ظل ارتفاع الأسعار.. أسعار البنزين والكهرباء والإسكان. إذا بدأوا في فرض ضرائب فسيبدو الأمر كما لو كانوا يقولون لنا ‘عودوا إلى بلادكم‘." لكن هناك بعض الأجانب في المملكة لا ينظرون إلى الأمر بنفس الطريقة.

فيقول باحث أوروبي "ليس المال هو ما جئت من أجله هنا وبالتالي ليس هو شغلي الوحيد. برغم ذلك أتساءل هل سيتم تعديل الرواتب إذا حدث هذا. في النهاية المرء يدفع تكلفة عدة خدمات. فما الذي ستعطيه لي في المقابل؟".

التركيز بقوة على الوظائف

وفيما أعلنت السعودية عن خطتها الاقتصادية الانتاجية المغايرة فقد كشفت عن تفاصيل جديدة بخصوص كيفية تحقيق ذلك في عدة قطاعات اقتصادية. وتأتي خطة التحول الوطني التي أعلنها وزراء في الحكومة مساء الاثنين في إطار رؤية السعودية 2030 التي أطلقها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أبريل نيسان وتهدف إلى إعداد المملكة لمستقبل تقل فيه إيرادات النفط.

وتهدف الخطة إلى زيادة عدد الوظائف في القطاع الخاص بمقدار 450 ألفا بحلول 2020 وخفض نسبة مخصصات رواتب القطاع العام في الموازنة الحكومية إلى 40 في المئة من 45 في المئة بحلول نفس الموعد. كما تستهدف المملكة خفض معدل البطالة بين السعوديين إلى تسعة في المئة من 11.6 في المئة في السنوات الخمس القادمة.

وقال جيمس ريف نائب كبير الخبراء الاقتصاديين لدى مجموعة سامبا المالية في لندن "يزيد متوسط راتب موظف القطاع العام نحو 70 بالمئة عن نظيره في القطاع الخاص. هذه الفجوة في الأجور واحدة من أوسع الفجوات في العالم وتساهم كثيرا في توضيح السبب وراء توظيف عدد قليل جدا من السعوديين في القطاع الخاص" بحسب رويترز. وركزت الإصلاحات السابقة في سوق العمل على دفع الشركات لتعيين مزيد من السعوديين بدلا من المغتربين مع تكريس بعض الجهود أيضا لبرامج التدريب الفني وأدوات اجتماعية أخرى لتحفيز الشباب على البحث عن وظائف غير حكومية.

وتهدف الإصلاحات الجديدة إلى زيادة عدد السعوديين المقيدين في برامج التدريب الفني والمهني إلى 950 ألفا سنويا من 104 آلاف حاليا وإنفاق 1.5 مليار ريال (نحو 400 مليون دولار) لزيادة الطاقة الاستيعابية بحسب ما أظهرته وثيقة خطة التحول الوطني. وستنفق الحكومة أيضا 1.7 مليار ريال على منشآت التدريب الفني في المدارس وتقول إنها تستهدف تحسين الدرجات في اختبارات الرياضيات والعلوم بحلول 2020. وفي الوقت نفسه تهدف وزارة الخدمة المدنية إلى خفض الإنفاق على رواتب ومزايا الموظفين 20 في المئة بحلول 2020 وضمان ألا تستأثر الحكومة إلا بنسبة واحد بالمئة من الوظائف الجديدة بحلول هذا الموعد بدلا من خمسة في المئة حاليا. وهناك أيضا ثمن لتلك الإصلاحات. فإعادة هيكلة وظائف الخدمة المدنية سيتكلف 52 مليون ريال بحلول 2020 بينما سيتكلف برنامج يهدف إلى تشجيع موظفي الحكومة على العمل بالقطاع الخاص 35 مليون ريال بحسب الخطة.

وتعثرت إصلاحات سابقة في سوق العمل بسبب عقبات اجتماعية مثل ارتفاع المزايا والأجور والأمان الوظيفي والوضع الاجتماعي الذي توفره الوظيفة الحكومية وانخفاض التكلفة التي تتحملها الشركات عند تعيين المغتربين. وفي خطة التحول الوطني تهدف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تهدف إلى خفض تكلفة تعيين السعوديين مقارنة مع الأجانب من أربعة أمثالها إلى 2.8 مرة. وتضمنت الإصلاحات الأخيرة فرض بعض الرسوم على الشركات التي تعين مغتربين.

اقرار خطة التحول الوطني

من جهته قال مصدر سعودي رفيع إن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي أقر خطة التحول الوطني وسيحيلها إلى مجلس الوزراء كي يقرها. وقال المصدر "مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي قام بإقرار النسخة النهائية لبرنامج التحول الوطني والذي هو أحد البرامج المعتمدة والمنبثقة من رؤية السعودية 2030." وأضاف "سيتم تقديم برنامج التحول الوطني لمجلس الوزراء غدا لإقراره واعتماده." وأفاد المصدر بأنه سيتم عقد مؤتمر صحفي يومي لعدد يتراوح بين اربعة و خمسة وزراء يوميا في مدينة جدة لشرح برنامج التحول الوطني.

وبرنامج التحول الوطني أحد البرامج التنفيذية التي تشملها "رؤية السعودية 2030" وهي خطة طموح تهدف لتحويل المملكة إلى قوة استثمارية عالمية وتنهي اعتمادها على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد. ومن المتوقع أن تشمل الإصلاحات الواسعة خفض الدعم وعمليات بيع لأصول حكومية وفرض ضرائب وخفضا للإنفاق وتغييرا لطريقة إدارة الدولة للاحتياطيات المالية وتوجها لتعزيز الكفاءة والفعالية ودورا أكبر لمشاركة القطاع الخاص في التنمية بحسب رويترز.

وفي مايو أيار أبدى صندوق النقد الدولي تأييده لخطة الإصلاح الاقتصادي الواسعة النطاق التي أعلنتها السعودية وقال إن خطة الإصلاح تهدف إلى إجراء "تحول للاقتصاد السعودي واسع النطاق وجريء بما يلائم الوضع." ولم تتم الموافقة بعد على أجزاء أخرى من رؤية 2030 منها خصخصة جزئية لشركة النفط العملاقة أرامكو وتحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى واحد من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. وتخفض الرياض الإنفاق وتسعى لجني إيرادات جديدة في ظل ما تواجهه من عجز في الموازنة بلغ مجمله 98 مليار دولار في 2015.

وتوقع صندوق النقد أن يظل العجز كبيرا هذا العام ليقارب 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 16 بالمئة العام الماضي. ويُنظر إلى رؤية السعودية 2030 وإلى خطة التحول الوطني على أنها أكبر تغيير تقوده الحكومة في تاريخ المملكة. وجرت مناقشة الخطة عبر سلسلة من ورش العمل على مدى الأشهر القليلة المنصرمة ضمت مسؤولين سعوديين ومسؤولي شركات واستشاريين أجانب لقدح زناد الفكر حول السبل التي تتيح للاقتصاد السعودي اجتياز تحديات عصر النفط الرخيص.

وبحسب بيان رؤية السعودية 2030 عملت ورش عمل برنامج التحول الوطني على تحديد الأولويات الوطنية واقتراح المبادرات اللازمة لتحقيقها عبر شراكات مع القطاع الخاص وأسلوب إداري ومالي مبتكر وعبر تحديد مبادرات نوعية وخطط تفصيلية ومؤشرات واضحة لقياس الأداء.

وجرى الحديث عن الكثير من هذه الإصلاحات فيما مضى لكنها توقفت عند كونها مجرد أفكار لم تدخل بعد حيز التنفيذ الجاد.

بيد أن أحد الأسباب التي تعزز الاعتقاد بأن هذه المرة قد يكون الأمر مختلفا هو انتقال عملية وضع السياسات في العام الماضي من المراكز التقليدية والمتحفظة لصنع القرار مثل وزارة المالية والبنك المركزي. وتتركز سلطة اتخاذ القرارات الاقتصادية في الوقت الراهن في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يضم 22 عضوا والذي شكله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في أعقاب توليه عرش البلاد في يناير كانون الثاني 2015.

سعي للتحول الاجتماعي الاقتصادي المزدوج

في سياق مقارب تتوازى مع خطط السعودية الواسعة لإصلاح اقتصادها في السنوات المقبلة مقترحات لإحداث تحول اجتماعي يتسع نطاقه ليشمل وسائل التصدي للعنف الأسري وزيادة المساحات الخضراء في المدن وخفض الوفيات في حوادث الطرق. وبينما جذبت إصلاحات "رؤية السعودية 2030" الرامية إلى خفض اعتماد الرياض على عائدات النفط وتعزيز دور القطاع الخاص معظم الانتباه فإن بعض أهم التغيرات المرتقبة في السعودية ستكون في المجتمع.

وقال عادل الطريفي وزير الثقافة والإعلام في السعودية للصحفيين "رؤية 2030 أو البرامج الأخرى تستهدف إحداث تحول ليس فقط في الاقتصاد. إنها تستهدف أيضا إحداث تحول في المجتمع وتلبية احتياجات الجيل الأصغر وما يتطلعون إليه من طموحات." وكان من شأن العادات الاجتماعية الصارمة في المملكة وكذلك النمو السريع إيجاد أمة تعلي من قيمة المشاعر المجتمعية وإن كانت فرص التجمعات العامة فيها نادرة. كما أن القيود الدينية مؤثرة بشكل خاص في تشكيل المجتمع السعودي وتحد بقوة من دور المرأة وتفرض قواعد أخلاقية عامة صارمة وتقاوم بعض جهود الحكومة لتحديث النظامين القضائي والتعليمي.

وفي نفس الوقت أدى النمو السريع منذ اكتشاف النفط في 1938 إلى عدم كفاءة الخدمات الحكومية وإلى التوسع في المدن والبلدات مع قليل من الانتباه للاحتياجات الاجتماعية لسكانها. وفي بلد لا يتمتع فيه المواطنون بحق الاقتراع ومع هبوط أسعار النفط وتأثيره على الناس في السنوات المقبلة فإن تحسين شعور المواطنين في المملكة بالرضا عن مجريات الحياة اليومية يكون أمرا مهما لضمان الاستقرار السياسي بحسب رويترز.

ويرى المحللون السياسيون والاجتماعيون في السعودية على نطاق واسع أن إصلاح التعليم هو أهم مجال لإحداث التغيير لكنه أيضا المجال الأصعب. فهو يتطلب إصلاح نظام بيروقراطي وتغيير عقلية مدرسين تعلموا النظر إلى مهنتهم غالبا من منظور ديني. وقال خالد المعينة رئيس التحرير السابق لصحيفتي عرب نيوز وسعودي جازيت "في حين أن الخطط تبدو جيدة أخشى ألا يكون الجهاز البيروقراطي عند المستوى. لا بد أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لدفع هذا الأمر إلى الأمام." وتهدف الخطة الجديدة للوصول بأعداد الأطفال المقيدين في التعليم من سن ثلاث إلى ست سنوات إلى أكثر من الضعف بتكلفة 2.5 مليار ريال وكذلك تقديم فرص تدريب جديدة لأعداد ضخمة من المدرسين بتكلفة تبلغ ملياري ريال.

والمستهدف هو تحسين متوسط درجات مادتي الرياضيات والعلوم للطلاب بنحو 15 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة. ولم يرد ذكر الدين -وهو مكون مهم في المنهج الآن- في الجزء الخاص بالتعليم في الخطة. وتهدف الخطة أيضا إلى زيادة عدد السعوديين الذين يمارسون الرياضة أسبوعيا من 13 في المئة إلى 20 في المئة. وتثير ممارسة النساء للرياضة ضيق بعض رجال الدين ولا يوجد في معظم مدارس البنات دروس للرياضة البدنية.

ومراكز الرياضة للنساء مرخصة باعتبارها مراكز صحية وهو ما يجعلها أغلى بصورة كبيرة. وتتطلب إحدى المبادرات في الخطة الجديدة إنفاق عشرة ملايين ريال لتحسين إجراءات ترخيص المراكز الرياصية للنساء. وهناك مجال يظهر فيه التناقض بين التحديث والتقاليد الإسلامية ويتمثل في التركيز على التصدي للعنف الأسري. وتهدف خطط الإصلاح إلى إنفاق تسعة ملايين ريال على خدمات لضحايا العنف الأسري و19 مليون ريال أخرى لتحسين الوعي بالقضية.

وتحدد الخطة أهدافا تتمثل في زيادة عدد وحدات حماية ضحايا العنف الأسري من 58 إلى 200 وحدة وحل ثلاثة أرباع مشاكل العنف الأسري خلال ثلاثة أشهر من تلقي البلاغات بها. لكن في دولة محكومة بالشريعة الإسلامية يرى كثير من القضاة أن استعمال العنف من قبل القيم على الأسرة مشروع في بعض الظروف. وتحدث رجل دين في الآونة الأخيرة على التلفزيون عن وسائل ضرب الزوجة دون إصابتها بجروح.

ولا تزال المرأة خاضعة لولي هو الوالد في العادة أو الزوج أو الأخ يحق له اتخاذ القرارات المهمة في حياتها. والنساء في السعودية ممنوعات من قيادة السيارة. ولا يبدو أن تغييرا سيحدث قريبا في هذه القيود لكن الحكومة تشجع إجراءات تسمح بالتحاق المزيد من النساء بالعمل وهو أمر يمكن أن يؤدي إلى ضغط اجتماعي من أجل إصلاحات جديدة. ويقول محللون إن ضعف الأداء الحكومي أسهم في سجل السعودية المخيف في مجال حوادث الطرق. ويموت نحو 20 سعوديا يوميا في حوادث الطرق. وسوف تنفق الحكومة الآن 3.25 مليار ريال على إجراءات جديدة للسلامة هدفها خفض عدد وفيات الحوادث بمعدل الربع.

وتقدم الخطة للسعوديين مزيدا من الفرص لارتياد المساحات الخضراء التي أهملت غالبا في الاندفاع نحو توسيع المدن مع الزيادة الكبيرة في السكان بعد الخمسينات. وأحد الأهداف زيادة المساحات الخضراء في المناطق الحضرية بنسبة الربع وتحقيق زيادة تصل إلى خمسة أمثال في مساحات الحدائق العامة بتكلفة 417 مليون ريال بهدف زيادة أعداد زائريها سنويا بنسبة 60 في المئة إلى 5.6 مليون زائر.

وتتضمن خطط "رؤية 2030" تشكيل هيئات للثقافة والترفيه وهو ما يرى بعض السعوديين أنه تمهيد محتمل للسماح بإنشاء دور للسينما للمرة الأولى منذ السبعينات. وفي النهاية فإن هذه الخطط يمكن أن ينتهي بها المطاف ببساطة إلى الإقرار بتحولات اجتماعية حدثت بالفعل في السعودية التي يصعب على غير أهلها رصد ما يجري بها من تغيير لأنه يحدث تدريجيا. وقال الناشط السعودي إبراهيم مقيطيب "ما قيل عن التغيير الاجتماعي لا يصل حتى إلى عشرة في المئة من التغييرات التي ستحدث بهدوء على الطريقة السعودية. الغرب الغبي يتوقع منا أن نفعل أشياء بتوقيته. الحكومة السعودية تفعل الأشياء بالتوقيت السعودي."

اضف تعليق