q
ملفات - تحقيقات

شهر رمضان وآراء البغداديين

ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغياب التقاليد الشعبية والروحانية

أم صباح كوركيس، القابلة المأذونة، كما كنا نسميها أيام منتصف السبعينيات، في مدينة الصدر55 (مسيحية الديانة)، من يراها يعتقد أنها امرأة مسلمة، ففي كرمها وسخائها أيام شهر رمضان المبارك، ما يشعرك منه محبة وعطاءا، فتشعر أنك أمام ميزان الإنسانية والأمومة، من الإخلاص بمهنتها، وعيونها الحمراوتين نتيجة السهر مع النساء الحوامل لغرض الولادة، أو سعيها على عكازتها، لأجل زرق إبرة لرجل كبير السن، الجميع يحبها، حتى أننا أيام الدراسة الابتدائية، كنا نأتيها وقت الفطور ونردد (ماجينا يا ماجينا، حلي الجيس وأنطينا) ونكمل تلك الترنيمة البريئة "ياأهل السطوح تطونا لو نروح"، فتلبي ندائنا وتصعد أعلى السطح، وترمي بعضا منها، درهما أو مائة فلسا أو غيرها من النقود.

تلك الطقوس الروحانية والصادقة، تتجدد كلما أقبل هذا الشهر المبارك، فتبعت بخواطرنا تلك الذكريات الجميلة من أحبتنا والجيران، بأجواء ايمانية تعبقها روح المودة والألفة، فيتبادل الجيران مختلف الأكلات الشعبية مثل (مطبك السمك)، أو الدولمة بالإضافة إلى الشوربة بمختلف أنواعها، فمنهن تطبخها بالحمص والتمن، والأخرى باللحم المثروم وبعض الخضروات كالكرفس والبصل، لتضيف إليها طعما ونكهة متميزة.

أما المشهد الرمضاني الآن لم يعد كذلك، فالوضع الأمني المتردي والأزمة المالية الخانقة التي يمر بها المواطن والدولة، وشحة مفردات مواد البطاقة التموينية، والمشكلة الجديدة القديمة الكهرباء وساعات تجهيزها، بالإضافة إلى نفوذ برامج التلفزيون المارثونية لأجل استقطاب المشاهد، بالمسلسلات الهابطة التي لاتلامس واقعنا أبدا، وهي بعيدة كل البعد عن شهر رمضان وقدسيته لنا، كل هذه العوامل وسواها أخذت سطوتها بعدم اجتماع إفراد العائلة على مائدة واحدة، فالجميع يتسابقون لأجل تناول فطوره بمطعما أو كافتريا خارج البيت.

كانت لـ شبكة النبأ المعلوماتية جولة في بعض مناطق بغداد الحبيبة، لنستطلع أراء بعض المواطنون عن فعاليات شهر رمضان وكذلك المختصين بالشأن الاقتصادي، عن أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وكذلك ما قاله الباحث الاجتماعي من التقاليد الشعبية والممارسات والطقوس الدينية الخاصة بفضائل هذا الشهر المبارك.

المساجد وشهر رمضان المبارك

في بداية جولتنا كانت لنا وقفة مع مؤذن وخطيب حسينية الزهراء (ع) في حي طارق/منطقة الوسط، الشيخ كاظم عبد الحسين الفريداوي ليحدثنا عن دور أئمة المساجد في هذا الشهر المبارك فقال: تبدأ استعداداتنا لشهر رمضان المبارك منذ الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، حيث نقوم بتهيئة المساجد وإدامة الأجهزة الصوتية، بالإضافة إلى الإعلان عن افتتاح دورات لأحكام التلاوة للقران الكريم، والمساجد كذلك تتزين بالحضور الكبير من المؤمنين وعلى مختلف الأعمار والمستويات، وأضاف "الفريداوي "قائلا: أما بعد الفطور فستكون المشاركة أوسع، من خلال المحاضرات لشيوخنا الأفاضل عن الفقه وأصول الطقوس الرمضانية.

غير أن رياض محمد العبودي يقول: لقد تعودنا في هذا الشهر الفضيل، على سماع (أبو الطبل) أو ما يسمى شعبيا المسحراتي، وهذا العمل التطوعي سائدا منذ عشرات السنين، ويكون من أبناء المحلة الواحدة، فالجميع يشاهدونه وهو يتجول في أزقتنا وشوارعنا، فيوقظ الصائمين، قبل ساعة من وقت السحور مناديا بصوته "سحور سحور ياصايمين سحور، بالإضافة إلى صوت الدمام بين كل خمس دقائق وأخرى، الا اننا لاحظنا قلة أعدادهم خوفا من الأعمال الإرهابية، بالإضافة إلى عدم حصولهم على الموافقات الأمنية من الجهات ذات العلاقة رغم كثرة مراجعاتهم الأصولية بذلك، ولكنهم مستمرين بعملهم، وعادة في نهاية شهر رمضان المبارك يتم تكريمهم بهدية مالية لاتتجاوز العشرة ألاف دينار لكل بيت.

وفي ذات السياق قالت أم وسام /موظفة /أشارت إلى اختفاء بعض التقاليد، فأصبحت مختصرة على الأسرة الواحدة أو الجار القريب، ومنها تبادل الأكلات بين الجيران، فقد كان سابقا يتم التوزيع إلى نهاية الزقاق، لشعورهم المتبادل والإنساني، أما بخصوص شراء المواد الغذائية فتقول: نحن نذهب إلى سوق الشورجة صباحا للتبضع، لأن الأوضاع الأمنية غير مستقرة بالإضافة إلى كثرة الانفجارات، وهنالك مسألة أخرى وجود أصناف متنوعة من التوابل والمعكرونة الجاهزة، وقمر الدين ونومي البصرة وبسعر الجملة، وكما تعرف فأن سلسلة قوائم الاستقطاعات طويلة لرواتبنا، جعلتنا نعتمد على الكثير من ما يتم تجهيزه بالبيت.، وطالبت "أم وسام "وزارة التجارة بتوفير مواد البطاقة التموينية وزيادة مفرداتها مع تحسين مادة الطحين لأنه وحسب تعبيرها "سيال "مما نضطر إلى بيعه بسعر 10 ألاف للكيس الواحد وإضافة مبلغا بحدود 50 ألف دينار، حتى نتمكن من شراء طحينا يمكن الاستفادة منه.، ونطالب أيضا بزيادة تجهيز الطاقة الكهربائية، خصوصا مع بداية الصيام وارتفاع درجة الحرارة، بالقياس إلى أننا مرضى وكبار السن.

إلى ذلك قال المتقاعد فاضل عليوي: لاشك أن فرحتنا بقدوم هذا الشهر، كبيرة جدا لكن ما يقلل من فرحتها، هو استخدامنا للموبايل في تبادل التهاني والاعتذار عن الزيارات، وذات الأمر انتقل وللأسف على معظم التقاليد الاجتماعية الأخرى، لكننا ندعو إلى العودة لماضينا الجميل المفعم بالألفة والتواصل الحي، فتبادل الأحاديث والحوارات ربما يستمر في أيام العطل حتى وقت السحور، ثم نقيم صلاة الفجر جماعة وخصوصا في ليلة القدر، وقد كرمها الله تعالى بقوله"ليلة القدر خير من إلف شهر.

فيما قال الباحث الديني/علي فياض البديري: دائبت مناطقنا على اقامة وليمة افطار كبرى، نتخذ الجوامع مكانا آمنا لها، خصوصا بعد موجة الانفجارات التي شهدتها العاصمة، منذ الأعوام الماضية ولحد الآن، والقصد من اقامة هذه الوليمة هو إذابة كافة الفوارق الاجتماعية والمادية، ولا أخفيك سرا أن مناطقنا يسكنها أخوانا لنا في العقيدة والوطن، من الديانة المندائية الصابئة، وهم يساهمون معنا، ومنهم الصائغ "بستان فرج "بتخفيض أسعار مصوغاته الذهبية، بعد نهاية شهر رمضان وبداية عيد الفطر المبارك وموسم الزواج، وكذلك لدينا ثلة من المؤمنين يأخذون على عاتقهم اقامة دورات قرآنية، وأخرى للفقه والأحكام الشرعية، بالإضافة إلى تشجيعنا ومباركتنا لأولادنا في مرحلة الشباب من المشاركة بالدورات المقامة، ولا ننسى الدور الأخر لأخواتنا الزينبيات، في المساهمة الفعالة بتثقيف المرأة، هذا من جانب أما الآخر، فاننا نقوم بالأعمال الصالحة منها اصلاح ذات البين للمتخاصمين، وزيارة عوائل شهداء الحشد الشعبي، وتقديم بعض الهدايا الرمزية للجرحى منهم، أما بخصوص احتفالنا بليلة القدر المباركة، فان برنامجنا يتضمن التواجد بالمساجد من بعد الفطور وبحدود الساعة 9 مساءا وحتى السحور، ثم بعد ذلك صلاة الفجر لأداء المراسيم الخاصة بها، والبعض من الأخوة المؤمنين يتكفلون بإعداد طعام السحور، واستدرك "البديري فيما يخص وداع شهر رمضان المبارك فنقول "الوداع الوداع ياشهر رمضان ياشهر الطاعة والغفران، وكلنا آملين أن يأتي شهر رمضان القادم وربوع بلادنا، تنعم بالحرية والأمان، وهذا ما كنا عليه سائرون منذ العام الماضي، وهذه السنة أيضا.

ارتفاع أسعار المواد الغذائية

من جانب أخر ذكر المحلل الاقتصادي بدر العقابي/أسبابا لارتفاع أسعار المواد الغذائية هذه الأيام منها بقوله: أن سبب ارتفاعها يعود لجملة معطيات منها، ارتفاع صرف الدولار بالأسواق المحلية مقارنة مع سعر البيع، والبالغ 1118 دينار داخل البنك المركزي العراقي، ثم يتحول إلى التاجر فيصبح سعر البيع 1230 وبالتالي يصل إلى المواطن سعر 1300 دينار، وهذه النسبة قابلة للزيادة وفق العرض والطلب وسيطرة المافيات داخل البنك المركزي وشبهات الفساد الإداري داخله، الا ان هنالك عدة حلول تساهم ولو بشكل بسيط بالسيطرة على ارتفاع سعر الدولار، من خلال تشديد المراقبة على المصارف الحكومية، ومراقبة التحويلات المالية الخارجية، لأنها تؤثر على الاقتصاد المحلي، وندعو المواطنين إلى عدم خزن واحتكار المواد الغذائية، كما أن فرض الرسوم الكمركية الجديدة، ساهم ولو بسيط في ازدياد أسعار المبيعات، بالإضافة لشروط القرض الدولي الممنوح للعراق ومطالبة إقليم كردستان العراق بحصته منه، والحصة المستقطعة مسبقا من مبيعات النفط للبرميل الواحد البالغة17%، ألقت بظلالها على عملية التسوق وارتفاع الأسعار، وهي بالتالي أثقلت كاهل المواطن وخفضت من ايراد دخله اليومي.

اضف تعليق