q

ربما انتهت اسطورة الفتاة الرقيقة الضعيفة التي لا تستطيع حماية نفسها في مجتمع ذكوري غير منضبط، كما يحدث في مجتمعات غير محافظة، أو تسودها قيم التخلف والاضطراب، فقد أظهرت احداث العنف والتحرش والاغتصاب ضد المرأة مؤخرا، ارتفاعا ملحوظا على المستوى العالمي، وباتت المرأة أكثر تعرضا للعنف في ظل تراجع وسائل وطرق الحماية، وقد شجع هذا الوضع المرأة على تعلّم فنون القتال بمختلف انواعها، ليس من اجل القتال او حبا بالعنف، وانما من اجل توفير حماية ذاتية للمرأة ضد أي حالة تحرش او اعتداء قد تتعرض لها.

تقول الشابة النحيفة ذات الشعر الاسود المجعد القصير والحاصلة على عشرين ميدالية ذهبية مع منتخب الاردن بالتايكواندو إن "هدفي هو تقوية المرأة وجعلها واثقة وقادرة على الدفاع عن نفسها في حال تعرضها لاي تحرش او مضايقة". وتتابع مدافعة عن مواظبتها على مثل هذه التمارين القوية في بلد محافظ "انا اعتبره تعليما كالدراسة المدرسية او الجامعية وليس عنفا وهو يستعمل عند الضرورة وفي الوقت والمكان المناسبين". واشارت الى ان ما يحفزها أكثر هو ان القوانين ليست مع حماية المرأة او انصافها عند تعرضها للتحرش او الاعتداء او الاغتصاب في الدول العربية، ومن المؤسف أن تزداد ظاهرة التحرس أضعاف الأضعاف في المجتمعات العربية التي يجب أن تكون المرأة فيها محمية ومصانة، ولكن ظاهرة التحرض في حالة تصاعد.

كما نلاحظ ذلك في قول لجين درويش (16 عاما) انها تعرضت للتحرش من شاب قبل ان تقوم باللحاق به في الشارع ومسكه وضربه وتحذيره من تكرار فعلته. وتقول "ما آلمني أكثر انه كان هناك عدد من الرجال شاهدوا ما حصل، ولم يكلف احد منهم نفسه ان يفعل شيئا او ان يحرك ساكنا" واضافت "لهذا يجب ان تكون المرأة قوية كي تتمكن من الدفاع عن نفسها في حال تعرضها لموقف مشابه وخصوصا عندما تكون وحدها في الشارع".

وقد اضطرت كثير من الفتيات او النساء عموما الى الدخول في مضمار الملاكمة وهي رياضة ذكورية، ليس من اجل الرياضة وانما من اجل الدفاع عن النفس، والمثال هنا عرفات حيث ترتدي خارج الملعب خمارا وملابس فضفاضة تغطي كل جسدها. وداخل حلبة الملاكمة تتعرض عضلاتها المفتولة للانتقادات وأحيانا للسخرية. لكن عرفات مستعدة لدفع هذا الثمن. وقالت "معظم الناس يسخرون من ممارسة البنات للملاكمة ويعتبرونها تتنافى مع الأنوثة. هذا خطأ. الأنوثة في القلب ولا أظن أن هذه الرياضة ستمنعني من الزواج." وأضافت "حتى الآن لم نجد أي اعتراض من أي جهة حكومية أو غيرها"، علما أن العائلات ترفض هذه الرياضة للبنات ولا تؤيد أغلب العائلات ممارسة بناتهن للملاكمة، وقالت فتاة أخرى بالنادي إنها تمارس الملاكمة بدون علم أسرتها لأنهم يعترضون ويعتبرونها رياضة خاصة بالرجال. ولم يكن أحد يسمع عن الملاكمة النسائية في السودان حتى أربع سنوات مضت عندما بدأت سحر محمد ممارسة اللعبة. ومثلت سحر بلادها في دورة الألعاب الأفريقية التي استضافتها الكونجو العام الماضي

وتزداد ظاهرة اتقان فنون القتال للمرأة في المجتمعات التي يضعف فيها القانون او الحماية الرسمية، كما في افغانستان حيث تتحدى الملاكمة صدف رحيمي البالغة 19 عاما الصور النمطية الذكورية السائدة في افغانستان وتحاول كسر المحرمات في هذا البلد المحافظ الذي يرزح تحت ثقل تقاليد متوارثة منذ اجيال تحظر ممارسة النساء للرياضة. وتضع هذه الشابة المفتولة العضلات البالغ وزنها 60 كيلوغراما، بخفر قفازي الملاكمة استعدادا لبدء التمارين مع اغا غول الامير احد مدربيها. وتلف صدف على رأسها عصبة سوداء تغطي شعرها. وتقول "ارتدي الحجاب ايضا خارج التمارين. فنحن نعيش في بلد محافظ" ولكنها بهذه الطريقة تقوم بإبعاد شبح التحرش عنها او تعرضها للاعتداء عندما تكون وحدها.

أول مدرسة لتعلم فنون القتال للنساء في الاردن

في هذا السياق وقفت نحو عشرين فتاة ينصتن بعناية الى تعليمات لينا خليفة وهي تدربهن على فنون القتال والدفاع عن النفس، في اول مدرسة لرياضة تمزج التايكواندو بالملاكمة مخصصة للنساء في الاردن، وتجذب الشابات الراغبات بحماية أنفسهن والهروب من الضغوط الاجتماعية.

في الطابق الرابع من مبنى في شمال غرب عمان، وفي قاعة كبيرة مجهزة باحدث المعدات، تعلو وجوه الشابات ابتسامة عريضة، قبل ان يبدأن بالصراخ وهن يوجهن اللكمات القوية يمينا وشمالا. وتبلغ خليفة من العمر 31 عاما، وقد قررت تأسيس هذا المركز قبل ثلاث سنوات بعد ان شكت لها احدى صديقاتها بأن والدها وشقيقها يضربانها باستمرار في منزل العائلة.

وتقول الشابة النحيفة ذات الشعر الاسود المجعد القصير والحاصلة على عشرين ميدالية ذهبية مع منتخب الاردن بالتايكواندو "هدفي هو تقوية المرأة وجعلها واثقة وقادرة على الدفاع عن نفسها في حال تعرضها لاي تحرش او مضايقة". وتتابع مدافعة عن مواظبتها على مثل هذه التمارين القوية في بلد محافظ "انا اعتبره تعليما كالدراسة المدرسية او الجامعية وليس عنفا وهو يستعمل عند الضرورة وفي الوقت والمكان المناسبين". واشارت الى ان ما يحفزها أكثر هو ان القوانين ليست مع حماية المرأة او انصافها عند تعرضها للتحرش او الاعتداء او الاغتصاب في الدول العربية، بل هناك مادة في القانون تسقط العقوبة عن الرجل في حال زواجه من الفتاة التي اغتصبها مثلا بحسب فرانس برس.

ومنذ افتتاح مركز "شي فايتر" (المقاتلة) قبل نحو ثلاث سنوات، وهو الوحيد من نوعه في الاردن، دربت خليفة اكثر من ألفي امرأة وشابة وطفلة تراوحت اعمارهن بين اربع سنوات و75 عاما، بالاضافة الى نحو 12 الف امرأة اخرى بالتعاون مع المنظمات الدولية غير الحكومية كتدريب اللاجئات السوريات وعاملات المنازل القادمات من بنغلادش وسريلانكا وغيرها من الدول. وحازت خليفة على تكريم من الامم المتحدة على عملها. كما استقبلها الرئيس الاميركي باراك اوباما في ايار/مايو الى جانب عدد من "قادة التغيير الاجتماعي" كما سماهم في البيت الابيض. وتلقت خليفة دعوات لالقاء المحاضرات في العديد من الدول الاوروبية ومقر البرلمان الاوروبي في بروكسل.

وتشرح خليفة باسهاب الاسباب التي تدفعها لمواصلة عملها. وتقول "التحرش ظاهرة عالمية، صحيح نسبته ليست كبيرة في بلدنا(...)، لكنها تبقى موجودة خصوصا في وسائل النقل كالباصات حيث يزداد الازدحام وبعض مناطق عمان". وتؤكد ان "بعض المتدربات تعرضن الى حالات سيئة جدا من العنف او التحرش الذي وصل حد الاغتصاب".

ويقدم المركز اربعة مستويات مختلفة تمتد من شهرين الى ثلاثة اشهر بواقع ثلاث ساعات اسبوعيا وهو يمزج اكثر من رياضة من التايكواندو والملاكمة واساليب للدفاع عن النفس. وتقول المتدربة فرح مراد، وهي طالبة ثانوية (18 عاما)، انها انضمت الى المركز قبل شهرين بعد ان تعرضت للتحرش عندما كانت في طريقها للقيام بمشتريات بطلب من والدتها. وتضيف هذه الشابة الشقراء ذات العينين الزرقاوين "كنا في وضح النهار وكنت امشي في طريقي الى الدكان عندما أمسك شاب كتفي من الخلف فجأة، فدفعته لا اراديا ولم اعرف حينها كيف اتصرف وماذا افعل فهربت مسرعة عائدة الى المنزل".

واوضحت "بعد انضمامي الى المركز وتلقي دروس في فنون القتال والدفاع عن النفس، لم اعد خائفة وصرت امشي في الشارع سواء في الليل او النهار ورأسي مرفوع لانه صار بامكاني الدفاع عن نفسي في حال تعرضت لموقف مشابه". وتقوم الرياضة على التخلص من قبضة احدهم بسرعة فائقة، وتوجيه ضربة للمهاجم مع ما يقتضيه ذلك من خفة وليونة وقوة تركيز وسرعة بديهة.

وتقول لجين درويش (16 عاما) انها تعرضت للتحرش من شاب قبل ان تقوم باللحاق به في الشارع ومسكه وضربه وتحذيره من تكرار فعلته. وتقول "ما آلمني أكثر انه كان هناك عدد من الرجال شاهدوا ما حصل، ولم يكلف احد منهم نفسه ان يفعل شيئا او ان يحرك ساكنا". واضافت "لهذا يجب ان تكون المرأة قوية كي تتمكن من الدفاع عن نفسها في حال تعرضها لموقف مشابه وخصوصا عندما تكون وحدها في الشارع". في مجتمع محافظ، تشعر الفتيات ان هذه الرياضة مساحة للحرية والثقة بالنفس.

وتؤكد بيسان حمدي (16 عاما) التي تتدرب في المركز منذ ستة اشهر ان التدريب زاد ثقتها بنفسها وطور قدرتها القتالية، وتقول "في السابق كنت اخاف ان اخرج الى الشارع وحدي اما اليوم فقد تغير كل شيء". واضافت "هذا المكان جعل شخصيتي اقوى وزاد ثقتي بنفسي وصار بامكاني ان ادافع عن نفسي".

في المقابل، تؤكد ربا مساعدة (17 عاما) التي تحلم بأن تصبح طبيبة اسنان، انها تأتي الى المركز فقط من اجل تعلم فنون التايكواندو. وتقول "منذ صغري وانا اتدرب على التايكواندو. انا احب هذه الرياضة فهي تجعلني قوية جسديا فضلا عن انها تريح اعصابي لانها تجعلني قادرة عن افراغ ما في داخلي من طاقة زائدة". وتضيف بابتسامة "ولكن بالطبع اذا اراد احد ان يعاكسني في الشارع ولو بكلمة جارحة، فعليه ان يتوقع ردا مؤلما".

سودانيات يصارعن المحظورات الاجتماعية

في سياق مقارب كان العرق يتصبب من جبين عرفات أبكر وهي تتفادى اللكمات في ملعب مفتوح في درجة حرارة مرتفعة في صيف الخرطوم القائظ. كانت الشابة البالغة من العمر 22 عاما ترتدي سروالا قصيرا يصل حتى الركبة وقميصا بكمين قصيرين في مشهد نادر في بلد يُحكم بقوانين الشريعة الإسلامية. وقالت عرفات وهي فخورة بنفسها من داخل ملعب مخصص للملاكمة بنادي النيل بجنوب الخرطوم "عندما أشارك في التدريبات يأتي مزيد من الجمهور للمشاهدة لأن ممارسة النساء للملاكمة شيء جديد وغير مألوف في السودان." وخارج الملعب ترتدي عرفات خمارا وملابس فضفاضة تغطي كل جسدها. وداخل حلبة الملاكمة يعرضها شعرها المكشوف وعضلاتها المفتولة للانتقادات وأحيانا للسخرية. لكن عرفات مستعدة لدفع هذا الثمن. وقالت "معظم الناس يسخرون من ممارسة البنات للملاكمة ويعتبرونها تتنافى مع الأنوثة. هذا خطأ. الأنوثة في القلب ولا أظن أن هذه الرياضة ستمنعني من الزواج." وأضافت "حتى الآن لم نجد أي اعتراض من أي جهة حكومية أو غيرها" بحسب رويترز

ولا تؤيد أغلب العائلات ممارسة بناتهن للملاكمة وقالت فتاة أخرى بالنادي إنها تمارس الملاكمة بدون علم أسرتها لأنهم يعترضون ويعتبرونها رياضة خاصة بالرجال. ولم يكن أحد يسمع عن الملاكمة النسائية في السودان حتى أربع سنوات مضت عندما بدأت سحر محمد ممارسة اللعبة. ومثلت سحر بلادها في دورة الألعاب الأفريقية التي استضافتها الكونجو العام الماضي وهزمتها الكاميرونية يانيك أزانج بالنقاط في فئة الوزن المتوسط. ومنذ ذلك الحين يشجع الاتحاد السوداني للملاكمة للهواة النساء على ممارسة اللعبة برغم التحديات الاجتماعية.

وقالت سحر أثناء أداءها للتدريب بمركز شباب حكومي في الخرطوم "قبل أربع سنوات كنت أول فتاة سودانية أمارس الملاكمة وواجهت ضغوطا كبيرة من الأسرة والناس ولكنني سأواصل لأنها حلم حياتي." وبالقرب منها كانت تؤدي فتاتان تدريبات عنيفة مع رجال. ورغم أنهما كانتا ترتديان قفازات ملاكمة مهترئة لكن كانتا تلعبان بحماس كبير وتصدران الصرخات أثناء تبادل اللكمات.

وكانت الأجواء في المركز الرياضي صاخبة في وجود شبان يمارسون رياضات مختلفة بدءا من رياضات الدفاع عن النفس وحتى كرة القدم. وقال محمد يوسف مدرب الفريق الوطني السوداني للملاكمة لرويترز "مشاركة المرأة ظاهرة جديدة وسببها انتشار مشاهدة القنوات الفضائية والإنترنت (مما) أبرز ثقافة جديدة وجرأة دفعت الفتيات لأول مرة في السنوات القليلة الماضية لارتياد حلبات الملاكمة." وأضاف "هناك إقبال من البنات صغيرات السن لممارسة الرياضة لاكتساب مهارات حماية النفس أو للرشاقة ولكن معظمهن يهربن بعد فترة قصيرة لأنها رياضة شاقة. اتحاد الملاكمة السوداني طلب منى إعطاء اهتمام إضافي للفتيات لتشجيعهن للاستمرار في الرياضة."

ويقول علي الأقرع (78 عاما) وهو رائد رياضة الملاكمة في السودان وأول من فتح الباب لمشاركة المرأة إن عدم توفر الإمكانيات المالية أكبر معوق أمام استمرار الفتيات في الملاكمة.

وقال "البنات عندهن رغبة في لعبة الملاكمة ولكن لا توجد أي جهة تقدم العون. نجد صعوبة بالغة حتى في توفير معدات التدريب. استمرار هذه الأوضاع ستنهى الملاكمة النسوية في السودان." وكانت عرفات أبكر بطلة رياضة حمل الأثقال النسائية في السودان ومثلت بلدها في عدة بطولات أفريقية قبل أن تهجر تلك الرياضة وتبدأ ممارسة الملاكمة العام الماضي. وهي واحدة من أربع فتيات يشكلن فريق الملاكمة النسائية في نادي النيل حيث تتدرب ثلاثة مرات في الأسبوع بحسب رويترز. وقالت عرفات "ما دفعني لممارسة الملاكمة هو مشاهدتي للبطلة الأمريكية ليلى محمد على كلاي. هي قدوتي." وكانت تشير إلى ابنة أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي. وأضافت "أنا أتدرب ليلا ونهارا وصورتها في ذهني. أتمنى أن أصبح بطلة عالمية مثلها."

مكسيكيات يقبلن على فنون القتال

في مشهد قريب يعترض رجل قوي البنية طريق الشابة المكسيكية فابيولا رافعا سلاحا ناريا بوجهها، لكنها ببضع حركات رشيقة تلوي ذراعه وتنتزع السلاح من يده. فهذه الشابة البالغة من العمر 24 عاما والطالبة في كلية التمريض تتدرب منذ خمس سنوات على رياضة "تانغسودو" وهي لعبة قتالية كورية، في ناد يقع في احد الشوارع الفقيرة من ايكاتيبيك في ضاحية مكسيكو.

ويعيش في هذه المنطقة 1,6 مليون نسمة، وهي تتنافس في اعلى نسبة من الجرائم ضد النساء مع مدينة سويداد خواريث الشهيرة مسرح الحروب الطاحنة بين عصابات المخدرات عند الحدود مع الولايات المتحدة. كل اسبوع، يعثر على جثث لنساء في التلال المجاورة او في قنوات الصرف الصحي. ومعظم الجرائم الستمئة التي استهدفت نساء في ولاية مكسيكو سجلت في ايكاتيبيك. وبعدما فقد الكثيرون الامل بان تتمكن الشرطة من حمايتهم، قرر عدد من النساء ان يدافعن عن انفسهن وان يواظبن على تعلم الفنون القتالية في واحد من النوادي المتخصصة في هذه الفنون، مثل نادي "اكتسريم مارشال ارتس" بحسب فرانس برس.

في احدى قاعات النادي يصيح المدرب ماريو روميريس بفتاة متدربة في الخامسة عشرة من عمرها اثناء مبارزتها مع شابة في الثالثة والعشرين من العمر "التراجع لا يفيد بشيء، ليس هناك قوانين في ايكاتيبيك". تتعلم المتدربات هنا الدفاع عن النفس و"الا يلفتن الانتباه فيما هن يراقبن كل شيء"، بحسب فابيولا التي فقدت احدى قريباتها في جريمة قتل. وتقول هذه الفتاة الحائزة حزاما اخضر في لعبة تانغسودو "في المدرسة كنت ارى فتيات يخطفن، فقررت ان ادافع عن نفسي".

وتحمل جثث النساء القتيلات المعثور عليها اثار عنف من كل الاشكال، وحروق وتشوهات. وتقول ماريا استرادا مديرة المرصد الوطني لمراقبة الجرائم ضد النساء "هذه الجرائم يغذيها عنف واضح ضد الضحايا لمجرد انهن نساء". ويؤيد هذا القول مانويل امادور منسق شبكة الجرائم ضد النساء في ولاية مكسيكو "في ايكاتيبيك تتحول الذكورة الى جريمة"، وهذه الجرائم تجري على مرأى من السلطات التي لا يبدو انها تعير اهتماما كبيرا للضحايا، كما يقول.

ومنذ العام 2011، فتحت السلطات 254 تحقيقا في جرائم قتل نساء، لكن لم تصدر ادانات سوى في 72 منها، بحسب مسؤولين قضائيين. وامام اتساع نطاق العنف ضد النساء، اطلقت السلطات المكسيكية في العام 2015 خطة في ايكاتيبيك وعشر مناطق اخرى في مكسيكو لم تتضح نتائجها بعد. وبحسب مسؤولة قضائية، فان ايكاتيبيك "مترامية الاطراف" بحيث ان عناصر الشرطة الخمسة الاف الذين يجوبون شوارعها المظلمة والنائية لا يكفون.

وهي ترى ان اقبال النساء على دروس القتال مؤشر جيد ودليل على "نضج المواطنة" لديهن. وتقول اسوكينا سيسنيروس رئيسة جمعية "مستيساس" التي تناصر المساواة بين المواطنين "اذا كانت سويداد خواريث ترهب العالم، فضاحية ايكاتيبيك ترعبنا نحن". وتشير الارقام الرسمية الى ان 47 % من الاناث في المكسيك فوق سن الخامسة عشرة تعرضن لشكل من اشكال العنف في حياتهن.

ملاكمة تتحدى قيود المجتمع الذكوري

من جهتها تتحدى الملاكمة صدف رحيمي البالغة 19 عاما الصور النمطية الذكورية السائدة في افغانستان وتحاول كسر المحرمات في هذا البلد المحافظ الذي يرزح تحت ثقل تقاليد متوارثة منذ اجيال تحظر ممارسة النساء للرياضة. تضع هذه الشابة المفتولة العضلات البالغ وزنها 60 كيلوغراما، بخفر قفازي الملاكمة استعدادا لبدء التمارين مع اغا غول الامير احد مدربيها.

وتلف صدف على رأسها عصبة سوداء تغطي شعرها. وتقول "ارتدي الحجاب ايضا خارج التمارين. فنحن نعيش في بلد محافظ". في العام 2001، أطيح بنظام طالبان المعروف بتمييزه الكبير بحق النساء، اثر حملة عسكرية واسعة نفذها ائتلاف دولي بقيادة الولايات المتحدة. ومذ ذاك، شهد وضع النساء في البلاد تحسنا كبيرا الا ان الكثير من المفاهيم الذكورية لا تزال سائدة في المجتمع الافغاني خصوصا تلك التي تحصر دور النساء بالطبخ وتربية الاطفال.

تؤكد صدف التي تمارس الملاكمة منذ سبع سنوات أنها ملزمة اخلاقيا بـ"اثبات أن النساء لسن مرغمات على ملازمة منزلهن. يمكن أن يكن متساويات مع الرجال". صدف المتحدرة من اسرة طاجيكية من الطبقة الوسطى اضطرت بداية لتحدي الموقف الممانع من اهلها في وجه شغفها بالملاكمة، وهي رياضة اكتشفتها من خلال مشاهدة مايك تايسون وليلى علي ابنة محمد علي كلاي على التلفزيون.

وتروي هذه الشابة التي تتابع دراستها في الاقتصاد "عائلتي كانت معارضة في البداية. اقربائي كانوا يتساءلون عن سبب ممارستي للملاكمة ويرون ان من واجبي المساعدة في المسؤوليات المنزلية والطبخ. كذلك فإن قريبتي لا تزال على موقفها المعارض". وتثأر هذه الملاكمة الشابة بطريقتها الخاصة من الصفحات الحالكة للتاريخ الافغاني الحديث، اذ انها تتدرب في غرفة تبديل الملابس في الملعب الوطني الافغاني الذي كان يستخدمه مقاتلو طالبان كمسرح لعمليات الاعدام العلنية ابان حكمهم لأفغانستان بين سنتي 1996 و2001.

إحدى عمليات الاعدام هذه صورت خلسة سنة 2009. وتظهر المشاهد اعدام امرأة تدعى زرمينا عبر اطلاق النار على رأسها من مسافة قريبة بواسطة سلاح رشاش بتهمة قتلها زوجها الذي كان يعنفها. ويعتبر اغا غول الامير المشرف على مسيرة صدف أن "التدرب هنا يمثل انعطافا جميلا للتاريخ". ويعاني الاتحاد الافغاني للملاكمة نقصا فادحا في الامكانات. فالملاكمات اليافعات يتدربن على حصائر رثة كما أن اكياس اللكم في حالة مزرية والقفازات مهترئة جراء كثرة الاستخدام. ويشكو الامير قائلا "نفتقر لكل شيء من قفازات واحذية... بصراحة لا نشعر بأي دعم رسمي للفتيات" بحسب فرانس برس. لذلك يقتصر عدد النساء في صفوف الاتحاد على عشرين امرأة فقط.

ولجعل الملاكمة اكثر جذبا للفتيات، تعتزم صدف تأسيس ناديها الخاص وممارسة التدريب. لكن قبل الوصول الى هذه المرحلة، لا بد لهذه الملاكمة الشابة من اعتلاء منصات تتويج عالمية، وهو حلم لا يزال بعيد المنال. وقد حصدت صدف رحيمي بالفعل ثلاث ميداليات برونزية خلال منافسات اقليمية غير أنها لم تنل بعد شرف المشاركة في الالعاب الاولمبية. وفي سنة 2012، قدمت صدف معلومات مغلوطة عن عمرها لتلبية دعوة منظمي الالعاب الاولمبية. غير أن الاتحاد الدولي للملاكمة لغير المحترفين لم يسمح لها بالسفر الى لندن خشية تعرضها لاصابات خلال المواجهات مع منافسات تدربن في ظروف افضل.

كذلك فإن صدف حرمت المشاركة في الالعاب الاولمبية في دورتها المقبلة هذا العام في ريو دي جانيرو اثر خسارتها في دورة العاب بلدان جنوب آسيا في الهند اواسط الشهر الماضي. وتقول الملاكمة الشابة "تنتابني الخيبة. لكني وجدت نفسي وحيدة (في الهند). لم يرافقني اي مدرب كما لم احصل على اي دعم".

لاعبات كرة السلة يتحدين الإعاقة

في سياق مقارب تحلم اولى لاعبات كرة السلة على كراسي متحركة في كمبوديا بتغيير العقليات في هذا البلد الذي يعاني معوقوه الكثيرون جراء الالغام المنتشرة بكثرة في سبيل ايجاد مكان لهم في المجتمع. تحت اشعة الشمس الحارقة في مدينة باتامبانغ غرب البلاد، تتواجه عشر لاعبات خلال التدريب. المبارزة على ارض الملعب قوية لدرجة أن احدى اللاعبات هوت عن كرسيها المتحرك بعد حادثة اصطدام. الا انها تسارع الى لملمة قواها قبل التوجه نحو السلة. وقبل فترة ليست ببعيدة، كانت هذه الشابات يتجنبن الخروج من منازلهن بسبب التهميش الذي كان يطالهن في المجتمع. وفي هذا البلد الذي يعيش عشرون في المئة من سكانه تحت خط الفقر، قد تمثل خسارة فرصة الاستفادة من راتب كارثة مالية على العائلة ما يؤدي الى نبذ الشخص المعوق.

يضاف الى ذلك المعتقد البوذي بأن الاعاقة تصيب الشخص كعقاب على ارتكابات قام بها في حياة سابقة. وتوضح سيانغ سوكشان قائدة الفريق أن "الشكل الاول للتمييز يأتي من العائلة نفسها"، مضيفة "هم ينظرون الينا كما لو اننا كمعوقين غير قادرين على القيام بأي شيء، بالعمل. وهم يخجلون بالخروج مع ابنائهم او اقربائهم المعوقين".

وتعاني سيانغ سوكشان الشلل بعدما اصيبت برصاصة طائشة في ظهرها في سن العاشرة. اكثرية رفيقاتها في الفريق اصبن بفعل دوسهن على الغام، اذ ان كمبوديا تضم اكبر نسب من الاشخاص المبتوري الاطراف في العالم بسبب ثلاثة عقود من الحرب الاهلية. وفي مواجهة الاقصاء الاجتماعي الذي يعانينه، كانت اكثرية زميلاتها قد فقدن الثقة بأنفسهن الى حين انضمامهن الى الفريق. وقد عدلت الرياضة النظرة التي كان يحملها الناس الى هؤلاء النساء.

وفي العام الماضي، توجه الفريق الى ماليزيا للمنافسة في مباراة، في رحلة اثارت الاعجاب في هذا البلد المجاور وفق سيانغ سوخشان التي تستذكر هذا الحدث بابتسامة عريضة. وهي تحلم حاليا مع فريقها بالتأهل الى دورة الالعاب الاولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة في طوكيو سنة 2020 على رغم أن حظوظهن في هذا الامر ضعيفة في بلد يحرم لاعبو كرة السلة المقعدون فيه حتى اليوم من دوري وطني خاص بهم بحسب فرانس برس.

ويقول فيليب مورغان وهو رئيس برنامج لاعادة التأهيل في اللجنة الدولية للصليب الاحمر ومشرف على الفريق "مجرد التدريب ليس كافيا بالنسبة لهن. اريد اعطاءهن شهرة اوسع في كمبوديا وايضا في العالم". وخلال العام الماضي، ارسلت اللجنة الدولية للصليب الاحمر فريقا من لاعبي كرة سلة افغان للمشاركة في التصفيات للالعاب الاولمبية في ريو دي جانيرو. وقد فشلوا في هذه المرحلة الاخيرة لكنهم شقوا طريقا ليقتدي بهم اخرون.

وفي مصنع الاطراف الاصطناعية التابع للجنة الدولية للصليب الاحمر الملاصقة لملعب كرة السلة حيث يتدرب فريق سيانغ سوكشان، 80 % من المرضى الذين يأتون للحصول على اطراف اصطناعية اصيبوا بسبب انفجار لغم. ومع أن حملات ازالة الالغام من مخلفات الحرب كانت كبيرة في كمبوديا خلال العقد الاخير بحسب منظمة "هالو ترست" البريطانية المتخصصة في هذا المجال، غير أن انفجار الالغام ادى الى فقدان 25 الف كمبودي اطرافهم.

نيمول لاعبة اخرى في فريق كرة السلة وأم في الرابعة والثلاثين من عمرها فقدت قدمها خلال محاولة ازالة الغام في منطقة على الحدود مع تايلاند. هذه الموظفة السابقة كانت تدرك خطورة العمل في هذا المعقل السابق للخمير الحمر غير أنها ارتضت القيام بذلك بسبب حاجتها للمال. وتقول خلال استراحة من التدريب "قبل اصابتي بالاعاقة كان الناس يستعينون بي لجمع الفاصوليا. اما بعدها فلم يعد لدي عمل ولا مال".

من ناحيتها توضح سيانغ سوكشان "منذ بدأت ممارسة الرياضة تغيرت حياتي. من قبل كنت اعيش وحيدة من دون امل لكن الان حياتي مليئة بالأمل والسعادة. ولم اعد اشعر بالاقصاء داخل العائلة".

اضف تعليق