q

كنت أحبه كثيرا وأتمنى أن يتبرك أحشائي بولد منه ...

مضى عشرة اعوام على زواجنا ولازلنا نبذل أقصى جهدنا لنرزق بطفل يقر أعيننا ..

كثير من الأسئلة، كانت كعاصفة تهز أركان حبنا

كثير من الشفقة، من هذه وتلك، على حالنا....

منهم من يقول راجعوا الطبيب الفلاني، ومنهم من يقول هذا سحر (معمول لكم) ادفنوا ملابسكم في المقبرة، وهنالك الكثير من الحلول التي كانت تشكل لنا مشكلة في حد ذاتها، ولكن أخيرا بعد بكاء مستمر ومناجاة وألف علاج تحقق حلمي ..

لم اصدق نفسي، أهذه أنا سأصبح أمّاً؟

شعور لا يوصف عشته، اقبلت السعادة إليّ، أشرقت الشمس في دنياي المظلمة، وكان اهتمام الآخرين بي يضاعف من سعادتي، كنت لا إراديا امرر يدي على بطني وابتسم، وكنت احسب الليالي والايام لأرى وجهه الجميل..

تُرى هل يشبهني؟

أم يشبه أباه؟

سأبذل جهدي ليُسعَد في الحياة

سأقدم له كل شيء، سأبني له جنة صغيرة وكثيرا من الاحلام ..

كان مجرد التفكير به يغمرني بالسعادة والارتياح..

بعد الشهر السادس تغير كل شيء في جسدي، تهشمتْ اسناني، وانتفخ بطني، وظهرت خطوط حمر على بطني، كان الجنين يكبر وأنا أضعف وأزداد نحولاً!، ولكن كنت أتلذذ من هذه الآلام الشديدة، كنت انتظره بفارغ الصبر، كنت متشوقة له، في كل يوم كنت أُخرج حقيبة الطفل وبكل لهفة كنت أنظر الى ملابسه واقبل حذاءه الصغير، وكنت أضم ملابسه الى صدري، يا الهي متى سأرى وجهه الجميل متى سأحتضنه؟.

الى ان جاء اليوم الذي كنا نعد الأصابع والساعات لوصوله، في تلك اللحظة ادركت قول رسولنا الكريم صلى الله عليه واله: (حق الوالد أن تطيعه ما عاش، وأما حق الوالدة فهيهات هيهات.. لو أنه عدد رمل عالج وقطر المطر أيام الدنيا قام بين يديها ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها)..

من كثرة الآلام كنت أتمنى أن أموت في تلك اللحظة، وليتني متّ ولكن لهفتي للقياه أعادت لي قواي، كنت بين الحياة والموت، كأن عظامي كانت تتهشم، ما أثقل الألم فوق قفصي الصدري، كدت اختنق من صعوبة الموقف، وكثرة الالام ولكن بعد العسر يسر.

وُلد الحبيب، أقبلت الدنيا إلي وضمتني وكنت في تلك اللحظات اعيش فوق السحاب من كثرة الفرح والسعادة،

كنت اهتم به اكثر من روحي !أصبح الهواء الذي كنت أتنفسه، والماء الذي كنت أروي به ظمئي.

ونسيت كل شيء سواه كم تعبت من اجله !اصبح وجهي مليئا بالأخاديد من كثرة السهر ولكن للأسف كنت أفكر في الجانب المادي فقط، كنت غارقة في تلبية طلباته الدنيوية، ولم افكر يوما في الجانب الروحي، لم افكر قط في التعليم والبر والتقوى...

وكم دفعت الثمن غال

بعد موت والده كنت اقوم بواجبات الوالد والوالدة معا، ودفعت كثيرا من صحتي ليكبر في عز ودلال، ولكن للأسف كبر وتكبَّر عليَّ !

كان هو يكبر وأنا أذل بل أزداد إذلالا: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا).

كنت مستغربة كيف يوصي الرحمن بالوالدين خصوصا عند الكبر، لان الانسان في ذلك الوقت يكفيه الم العجز والشيب وجور الزمان عليه، ولكن للأسف كثير من الأحيان يصبح الكبار عديمي الفائدة في نظر الشباب، وينسون ان وجود الكبار يضفي على البيوت بركة، لكنني أصبحتُ غريبةً بين أهلي وفجأة أصبحتُ مزعجة ولم يتحملوا وجودي، كانت تزعجهم أسئلتي المتكررة، للأسف نسي عندما كان صغيرا كان يسألني باستمرار، أسئلة متكررة، وكنت في كل مرة اقبله وافرح لأن ولدي كبر وكنت ارد عليه بصدر رحب ...

وصارت تزعجهم رائحتي !

للأسف نسي عندما أنني كنت اغسل ملابسه المتسخة بيدي! واتحمل الرائحة الكريهة الموجودة في جسده..

أحببته أكثر مما ينبغي، أحببته للدرجة التي أفسدته فيها ....

ربما كان من الافضل ان أبقى بلا طفل، كنت الان وحيدة في بيتي، بدلا من أن يُلقى بي (كالقمامة) في الخارج، كان نصيبي أن أُنقل الى دار العجزة، ليتني مت قبل هذا، ولم أرَ ولدي الحبيب، فلذة كبدي يعاملني بهذه القسوة، ما أصعب ان تحيى كي تنتظر الموت!..

وترى الجميع عدم !

وتشعر بالندم على ذنب لم تقترفه !

لم اصدق! أهذا ولدي الذي قدمت له حياتي؟

أهذه مكافئتي؟...

أهكذا يحسن الأبناء للآباء؟

أهذا ما أوصى به الرحمن؟

انا أعيش في كابوس بلا شك !

في كل ليلة كنت ارقد في فراشي علني أفيق من هذا الكابوس ولكن دون جدوى....

كان مجالي واسعا في السجن الذي وُضعت فيه لأفكر ما هو الذنب الذي ارتكبته في حياتي؟

لتكون عاقبة أمري بهذه المرارة!؟؟

كنت أعيش صدمة هائلة من هول المنظر وعظم المصاب، ولكن في يوم ميلاد سيدة نساء العالمين رجوتها باكية أن تجعل لي من أمري مخرجاً، فقلت ياسيدتي: (من أتاكم نجا)، اشفعي لي عند الله، وفجأة رأيت ولدي دخل في سجني الذي كنت أعيش فيه، بل في قبري الذي دفنت فيه! ووقع على رجلي وأخذ يقبل يدي وتأسف واعتذر......

.....كم هو جميل

السقوط من جبل الكبرياء

على كلمات الاعتذار الرقيقة

التي ما أن سمعتها حتى نسيت كل الماضي بمجرياته....

كنت غاضبة منه ولكن الغضب كان في عقلي، أما قلبي فكان لا يزال يهتف باسمه، مهما أصيبت الأم بإهانة إلا انها في الأخير تعشق ابنها، كنت ادعو له كل يوم بحسن العاقبة واستجاب الله لدعواتي..

أدركت أن كل هذا التعب كان بسبب أفعالي، لأنه اصبح كصنم في حياتي، كنت أؤخر صلاتي وألبي طلباته وما كنت اهتم بواجباتي كما مضى، لذلك ابتلاني الله سبحانه وتعالى به، فدفعت الثمن غاليا.

(إنما اموالكم واولادكم فتنة)، اشكر الله لانه أرشدني واخرج من قلبي كل حب سواه، فهذه الدنيا دار امتحان، سيبتلي كل واحد بامتحان معين بأعز الأشياء والأشخاص على قلبه، ربما ينجح وربما ينزلق في مسار خاطئ (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً).

أرجعني الى البيت وعرفت ان المصائب نزلت عليهم بغزارة، عرفت ان البيت احترق بعد خروجي ومرض حفيدي الصغير وكانوا يخرجون من شدة ويقعون في أسوأ منها

(لولا شيوخ ركع واطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبّا) ان وجود الكبار في البيت يضفي عليه بركة، وها أنهم قد اخذوا درسا، بأن وجود الكبار رحمة بالبيت....

ولكن بقى هناك جرح عميق في قلبي.. جرح عنيد، لا يداويه الطبيب.

اضف تعليق