q

نصت المادة 25 من قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2016، إن (للوزارات كافة والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات، صلاحية فرض رسوم أو أجور خدمات جديدة وتعديل الرسوم وأجور الخدمات الحالية، باستثناء الرسوم السيادية وفق تعليمات يصدرها الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة أو المحافظة، لغرض تغطية النفقات ومستحقات السنوات السابقة لنفس الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة أو المحافظة والمدرجة تخصيصاتها ضمن الموازنة العامة الاتحادية لعام 2016).

وقد أعطي هذا النص صلاحيات واسعة للوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة والمحافظات في إضافة أعباء مالية على المواطنين والشركات ليس لها حدودا معينة لأنها تخضع لتقدير المسؤول وربما من باب الاضطرار بهدف تعويض النقص في التخصيصات المالية ضمن الموازنة الاتحادية، إن هذه المادة تعطي للوزير وللمحافظ سلطة زيادة الرسوم الموجودة وأن يفرض رسوما تحت مسوغ تغطية النفقات، ولا يقف الأمر عند هذه الحد بل إن الصلاحية تتضمن تغطية مستحقات السنوات السابقة ومن يتحمل ذلك المواطن، وان ذلك يعني إن من حق وزير التربية أن يفرض رسوما على الطلبة المكملين لقاء أدائهم الامتحانات في مدارسهم، كما إن من حق وزير التعليم العالي إن يفرض رسوما على الطلبة ومن حق وزير الكهرباء وأمين بغداد والمحافظين أن يزيدوا أجور الكهرباء والماء والمجاري وأية رسوم أخرى يرتئونها، وهو ما يجعل الأجهزة الحكومية أشبه بالشركات التجارية التي تستوفي ما تشاء على أسس غير معروفة ليس لها علاقة بالكلفة ولا حق المواطنة، فالصلاحية مفتوحة والموازنة التشغيلية فيها قصور في التخصيصات، وكل ما تحتاجه هو إصدار تعليمات من الوزير أو رئيس الدائرة أو المحافظ لكي تكون نافذة من التاريخ الذي تحدده التعليمات بحيث يقوم المواطن تسديد ما يترتب ما عليه من استحقاقات نظير حصوله على تلك الخدمات.

وهذا النص يتعارض مع نص الدستور العراقي لعام 2005، إذ تنص المادة المادة (٢٨) أولا: لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلا بقانون، وثانيا: يعفى أصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب، بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة، وينظم ذلك بقانون، كذلك نص الدستور في المواد من (29-34)، على حقوق المواطنين على الدولة في التعليم والصحة والعيش الكريم للأسرة العراقية، وحق رعاية الشباب والأطفال والشيوخ، إلا إن فرض الرسوم والضرائب بهذه الطريقة هو استسهال الموضوع ووضعت هذه المادة في قانون الموازنة ليقال إنها هي القانون الذي نصت عليها القاعدة وبشكل يوفر الإمكانية في سد ثغرات نقص التخصيصات في الموازنة بدلا من استخدام الكفاءة في الأداء، كما انه يتناقض مع مبدأ وحدة الموازنة لتحديد حجم النفقات والإيرادات بوضوح في موازنة الأبواب التي تستخدمها حكومتنا الوطنية رغم وجود أنواع أخرى للموازنات لان هذا النوع لم تعد تطبقه أغلب الدول في العالم.

وهذا النص قد يتعارض مع نصوص الدستور حول حق المواطن في التمتع بالخدمات الصحية والتعليم وحقوق الإنسان وحقوق السفر والانتقال وغيرها من النصوص الأخرى، مما يثبت بان إضافة هذه المادة قد تم من دون تمعن ومراعاة لظروف المواطن، ومن دون مراجعة أو دراسة مستفيضة من قبل اللجان المختصة في مجلس النواب كاللجنة القانونية التي من واجباتها مطابقة أي تشريع مع أحكام القوانين والثوابت الوطنية والقانونية وغيرها من اللجان المعنية بشؤون البلاد والعباد، ولسان حال بعض العراقيين يقول ما أسهل أن يتم إصدار قوانين تأخذ من الفقراء لتعالج نقص الموازنة، في وقت ينعم فيه السراق بثروات غنموها بدون إعادة لها أو مساءلة للفاسدين، إذ بدأت للتو لجنة للتدقيق باسترجاع الأموال المسروقة منذ سنوات في حين إن المادة 25 لقانون الموازنة تم نفاذها قبل نشر الموازنة في الجريدة الرسمية بعد، رغم ما تحتويه من ضرر للفقراء.

فقد أكد مختصون، إن موجة الرسوم والضرائب التي فرضتها الحكومة لسد عجز الموازنة المالية الحالية ستكون على حساب المواطن الفقير الذي سيقع ضحيتها، إن المسؤولين ظهروا علينا بمقترح الرسوم والضرائب، وكأنهم وجدوا المفتاح السحري للأزمة، مبينين إن الضرائب يتم فرضها في الدول، في وقت يكون متوسط دخل المواطن عال، وتقوم الحكومة بتهيئة خدمات كاملة ومتميزة من الماء والكهرباء والرعاية الصحية والتعليمية وبأعلى معايير الجودة، ومن ثم تلجأ إلى فرض الضرائب، إذ إن عموم الخدمات في العراق يشوبها الضعف وهناك نقص كبير فيها ولم تمتد إلى جميع المناطق بشكل متساو وهذا الأمر يجب معالجته جذرياً قبل التحول إلى مرحلة التطبيق الحقيقي لموضوع فرض الضرائب، إن فرض ضرائب من دون توفير خدمات حقيقية سيكون معناه إن الدولة تريد بأي وسيلة إن تقتطع من قوت الشعب ولتغطية أخطاء تقع على عاتقها ولا يتحمل ذنبها المواطن البسيط، إن الدول التي تعتمد الضرائب في تمويل مشروعاتها تقدم في المقابل خدمات صالحة.

إن قيام وزارة التعليم والتربية بفرض رسوم على الطلبة، وبدون مراعاة الحالة الاقتصادية لهم، خاصة إنها جاءت مع الضائقة المالية التي يمر بها البلد وانخفاض أسعار النفط، كذلك قيام الدولة بقطع جزء من الرواتب الموظفين، مع فرض رسوم عالية على بعض الحالات، مثل فرض مبلغ (25000) ألف دينار عن أداء الامتحانات للطلبة المكملين، كذلك رفع قيمة الأقساط الدراسية لطلبة المسائي في الكليات إلى الضعف، إضافة إلى رسوم الشهادات وغيرها، هذه الإجراءات وحسب رأي بعض أصحاب الشأن ستقود إلى زيادة نسبة الأمية والتسرب من الدراسة، خاصة وان هذه الرسوم تشمل طبقة المواطن الفقير من المجتمع، لان من يرتاد المدارس والجامعات الحكومية هم المواطنون ذوي الدخل المحدود، أما أبناء المسؤولين والأغنياء فأنهم يتم إلحاقهم بالجامعات والمدارس الأهلية الخاصة، واغلبهم يرسلون عوائلهم وأبناءهم للسكن وللدراسة خارج العراق، وعلى نفقة الدولة، لهذا فان فرض الرسوم ستكون على الفقراء من المواطنين من اجل إن يتمتع المسؤول بالرفاهية.

وعلى نفس المنوال فرضت وزارة الصحة استيفاء الأجور عن الخدمات الطبية والعلاجية التي تقدمها المؤسسات الصحية للمواطنين، معتبرة هذا الإجراء هو لضمان استمرار الخدمات الصحية من خلال إيجاد منافذ وموارد مالية جديدة، وهنا نرى إن المواطنين الفقراء هم من يراجع المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية، والتي هي أصلا تفتقر إلى تقديم الخدمة الصحيحة للمواطن، فالمسؤولين وعوائلهم يتم علاجهم في مؤسسات الصحية خارج العراق في دول الجوار أو الدول الأوربية وأمريكا وعلى نفقة الدولة، وهناك تقارير ذكرت عن عمليات أجريت لمسؤولين عراقيين في دول الخارج، وكلفت الدول ملايين الدولارات، كذلك الطبقات الغنية في المجتمع فهي الأخرى لديها الإمكانية للعلاج في الخارج، وهذا ينطبق على فرض رسوم الكهرباء والماء والخدمات الأخرى، فالمسؤول غير مشمول بها فهو يسكن في بيت توفره له الدولة وفي كافة الخدمات مجانية وبدون مقابل، من كهرباء وماء وانترنيت، حتى الأدوات الشخصية والخاصة، كذلك لديه رتل من السيارات مع سائق وحمايات، لهذا فرسوم الماء والكهرباء والخدمات الأخرى، تكون من حصة المواطن الفقير دون سواه.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية

ونود هنا إن نشير إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من التداعيات عند فرض الرسوم والأجور أو زيادة ما يتم استيفائه لان مبلغ الرسم وان كان قليلا قد تعني ما تعنيه لبعض العوائل العراقية الفقيرة، ومن هذه الآثار هي:

1- زيادة نسبة الأمية والتسرب من الدراسة، وزيادة نسبة والجريمة في المجتمع، وارتفاع عدد المرضى والعنوسة والعزوف عن الزواج وزيادة نسبة الوفيات وغيرها من الحالات والظواهر التي لا يمكن حصرها وإحصائها ببساطة، فالشعور بالضعف أو الظلم وعدم القدرة على الإيفاء بالمتطلبات الأساسية للحياة قد يشكل دافعا للفئات (الهشة) التي ربما تبحث عن مبرر للجريمة أو المخالفة والخروج عن المألوف.

2- كما إن منح الصلاحيات للوزراء والمحافظين في فرض وزيادة الرسوم والأجور يضع النظرة الشمولية لمثل هذه القرارات، فلو كانت القضية تنظم بقرار من مجلس الوزراء أو النواب فانه يناقش من وجهة نظر الجهات القطاعية فيظهروا تأثيرات تلك القرارات على الجوانب الأخرى في الحياة، وقد جاءت هذه الصلاحيات في التوقيت المحرج حيث تم تخفيض الرواتب وتطبيق التعرفة الكمركية وإيقاف التعيينات وتقليص النفقات الحكومية التي تقلل الطلب الذي يؤثر على العرض وحركة الأسواق والأسعار، مع بقاء صرف كل المخصصات والمنافع الاجتماعية للوزراء والنواب والوكلاء والمستشارين ومن هم بدرجتهم كمخصصات بدل الإيجار والسيارات والوقود والحراس وصيانة السيارات والقرطاسية.

3- في مثل الظروف التي يمر بها بلدنا من حيث انخفاض إيرادات الموازنة الاتحادية وانكماش الاقتصاد المحلي، يجب إن نعطي الحافز للمحافظة على وسائل الضبط الاجتماعي لمنع الظواهر السلبية المتوقعة، ولان هذه المادة موجودة في قانون الموازنة للسنة الحالية فما نتوقعه زيادة الأعباء المالية على فئات الفقراء ومحدودي الدخل لا في مجال الصحة فحسب بل في معظم الخدمات التي يحتاجها الجمهور، آخذين بالحسبان ارتفاع نسبة الفقر بين السكان وان هناك أكثر من 3 ملايين نازح وإعداد كبيرة من العاطلين ومعدومي أو محدودي الدخل من الأيتام والأرامل والمطلقات والمظلومين.

4- إن فرض الضرائب من شأنه إن يولد موجة تضخمية كبيرة على حساب المواطن بسبب الارتفاع المفاجئ في أسعار الخدمات التي حددتها الحكومة من أجل فرض الضرائب علبها، إن فرض ضريبة على منتج سيؤدي إلى رفع سعره ولن يحد من الإقبال عليه، لأن هناك منتجات أصبح لا يمكن الاستغناء عنها مثل بطاقات شحن الهاتف والانترنت، وبالتالي سيتأثر عموم السوق بهذا الارتفاع ويتولد عنه موجة تضخم تصيب المواطن البسيط بالدرجة الأساس.

5- المشكلة الحقيقة في العجز إن النفقات تتعاظم يوما بعد يوم دون السيطرة على فقراتها، والإيرادات النفطية تنخفض دون معالجة لان أسبابها سياسية بامتياز، ولفقر المعالجات أو الرغبة في عدم المساس ببعض نفقات المسؤولين مثل فاتورة الهاتف النقال والانترنيت، والسيارات والمنزل والخدمات الأخرى لم يتم حجبها عنه، يتم اللجوء إلى زيادة الضرائب والرسوم التي تنهك شرائح مهمة من المواطنين دون الانتباه إلى إن زيادة هذا المورد سيؤدي إلى زيادة حالات الفساد الإداري والمالي في حالة عدم السيطرة على الإجراءات في المنافذ الحدودية، كما إن اللجنة المالية في مجلس النواب لا تمتلك حتى الآن رقما ولو تخمينيا لحجم الإيرادات المتوقعة التي ستوفرها الضرائب الجديدة الواردة في مشروع قانون موازنة 2016، والتي ستفرض على قطاع الاتصالات وتذاكر السفر والسيارات، والخدمات الأخرى.

6- زيادة الشرخ الاجتماعي بين أبناء البلد الواحد، إذ إن تطبيق التعرفة الكمركية والرسوم على مناطق معينة من البلاد دون الأخرى يقود إلى زيادة الاحتقان الاجتماعي، والى التمرد في تطبيق هذه الإجراءات، وحتى عن تطبيقها فان المتضرر هو أبناء مناطق معينة والمستفيد مناطق أخرى، فتطبيق التعرفة الكمركية على مناطق الوسط والجنوب دون المحافظات الغربية التي هي معفية من الرسوم والضرائب بحكم الأمر الواقع، وإقليم كردستان، جعل اغلب التجار تتحول في إدخال بضاعتها إلى العراق من منافذ الإقليم، وهنا جعل المنافذ الجنوبية خالية من البضائع، وهي سياسة تقود إلى إفقار متعمد لهذه المناطق وانتشار البطالة، في حين تزدهر تجارة الإقليم بدون إن تستفيد الحكومة الاتحادية من هذا الازدهار، كذلك تخالف هذه الإجراءات نص المادة (١٤) التي تنص على (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي).

إن تصريحات لبعض المسؤولين حول النوايا في كيفية معالجة العجز المالي الذي تعاني منه الموازنة الاتحادية خلال الفترة الحالية والقادمة بسبب انخفاض الإيرادات وتعاظم النفقات، تصب نار غضبها على المواطن الفقير دون مراعاة لحالة الفقر التي تعيشها الغالبية من أبناء الشعب، والمستغرب في الأمر إن البعض يطلقون التصريحات وهم لا يميزون بين السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية فيختلط عندهم الأمر ويختزلون الحلول بزيادة الضرائب والرسوم، حيث يعدونها الأكثر ملائمة والمنقذ لمعالجة المشكلات الاقتصادية للبلد لزيادة الإيرادات، ومن يتبنى هذا التوجه لم يعطي رقما واحدا لمقدار الإيرادات من هذا الإجراء وانعكاسات ذلك على الأداء الاقتصادي بتفاصيل معززة بالمعطيات لكي تعطي القناعة بها من قبل الجمهور، فالمرحلة الحالية تتطلب ضغط النفقات غير الضرورية والسيطرة على الفساد وتهريب وغسيل الأموال والعمل على محاسبة المقصرين والمتورطين بإهدار المال العام والمتسببين في الخراب، وبعد ذلك قد يمكن فرض الضرائب والرسوم عندما يضمن ذهابها للخزينة العامة للدولة وليس لجيوب السراق ومعرفة آثارها بشكل علمي وموضوعي ومدروس بشكل لا يؤدي إلى التذمر وزيادة تجويع الفقراء.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق