q

عُرف واشتهر الفقيه السعيد، آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) بسعة في العلم، واطلاعه على الأديان وثقافات الأمم وتاريخ الحضارات، وكان مواكباً لمستحدثات المسائل ومستجدات الأحداث، وألف سماحته العديد من المؤلفات المتينة، وصدرت له آلاف المحاضرات القيمة، فكان(قده) باحثاً متبحراً، ومصلحاً باسلاً، ومثقفاً ناقداً، وتميزت محاضراته بالعمق والإحاطة، فيغور في التفاصيل ويشير الى ما يحيط بها، دون اختلال بملازمة موضوعه، ودون أن يربك إنشداد المستمع له.

كان(قده) آية في الورع، وعلَماً في الفقه، ومربياً بارعاً، وخطيباً بارعاً ومميزاً، وكان باهراً في جميل الخصال، فكان أستاذ علم ومعرفة، وعالم أخلاق ودين ودنيا، لذا مازال لحضوره وهجه وبريقه.

كان يحث على التفقه في الدين، وخاصة في العقائد، فإنها "أصل كل شيء، وعليها يبنى كل شيء، كما أن التفقه بالأحكام الشرعية يضمن للإنسان استقامة العمل"، ويؤكد ضرورة تفقه المؤمنين والمؤمنات فـ "يمكن للإنسان أن يخصص في كل يوم مقداراً من وقته لهذه الغاية حتى ولو كان مقداراً قليلاً جداً".

ويرى أن من أفضل الأعمال "الاهتمام بتشكيل لجان لخدمة المجتمع، دينياً وثقافياً وإنسانياً، فإن في ذلك أجراً عظيماً"، مذكراً بـ "قضاء حوائج الإخوان"، مبيناً أن "نجاح اللجان العاملة يستند معظمه إلى تطبيق قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم).

كان يوصي فيقول: "في يوم من الأيام سينقضي عمر الإنسان ويصبح عاجزاً عن العمل، فإن (اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل)، وعلى الإنسان أن يتزود من العلم والعمل الصالح قبل فوات الأوان، حيث يقول (رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت)، فيأتيه الجواب (كلا)، والإنسان مهما عمل، فهو قليل في جنب الله تعالى، فعليه ألاّ يستشعر الاكتفاء، بل يستشعر التقصير الدائم".

الفقيد الفقيه (قَضَىَ نَحْبَهُ)، وقد وفد إلى رب كريم، وما زالت ساحة العمل مفتوحة، وهي في مسؤولية (مّن يَنتَظِرُ). يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (من ثبت على موالاتنا، في غيبة قائمنا، أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد).

من وصاياه..

في السادس والعشرين من شهر جمادى الأولى للعام 1429هـ تمر الذكرى السنوية لرحيل الفقيه العابد، والأستاذ الزاهد، والعالم الرباني آية الله السيد محمد رضا الشيرازي رضوان الله عليه.

كان رحيله حاضراً في الحواضر الإسلامية الكبرى التي شهدت حوزاتها الدينية ومؤسساتها العلمية بعلمه الغزير وفكره الوقّاد وخلقه الكريم ومناقبه الطيبة وأفعاله النبيلة، وهو ما تجلى بحضور حاشد للمعزين الذين قدموا من شتى بقاع العالم ليشاركوا في تشييع جثمانه الطاهر انطلاقاً من مدينة قم المقدسة، مروراً بالنجف الأشرف، وصولاً إلى كربلاء المقدسة، حيث المثوى الأخير بجوار جده سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه.

إن سمو صاحب الذكرى ونبوغه، وخفايا الرحيل وشجونه، خلدا ذكراه وتراثه، فكلماته ما زالت تنبض بالحياة، وآثاره أضحت زاداً للباحثين عن الحقيقة، فإن للراحل عبره وتاريخه، وآخر عبر تاريخه المشّرف أن منهج الإصلاح يكتب بالمداد والدماء، وللإصلاح ناهج لا ينبغي أن ينقطع أثره، فبلاء الأيام يغدر بالعلماء إذا عملوا، ويباغت العاملين إذا أخلصوا، والإصلاح مسيرة طويلة تعج بالآلام والتضحيات، وتحتاج إلى وعي وعزم وحكمة وصبر.

اليوم، وفي ذكرى رحيله الثامنة، لم يزل حاضراً وأقرب من ذكرى، فما زال وجوده غضاً، وحضوره طرياً، وظله ندياً، وما زالت آثاره عبقة بالبركة، وكتبه تتقلبها الأبصار وتتأملها العقول، وتستقطب محاضراته ملايين المؤمنين والمؤمنات، في شرق الأرض وغربها، وله تلهج الألسن بالذكر الطيب والعرفان الجميل والكلم العذب، وفي القلوب له دعاء، وود يغمر الوجدان.

تميز الفقيه السعيد، آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (رض) بسعة في العلم، واطلاعه على الأديان وثقافات الأمم وتاريخ الحضارات، وكان مواكباً لمستحدثات المسائل ومستجدات الأحداث، وتحت منبره في بحثي الفقه والأصول يحضر علماء وفضلاء وباحثون ومثقفون، وألف سماحته العديد من المؤلفات المتينة، وصدرت له آلاف المحاضرات القيمة، فكان(قده) باحثاً متبحراً، ومصلحاً باسلاً، ومثقفاً ناقداً، وتميزت محاضراته بالعمق والإحاطة، فيغور في التفاصيل ويشير الى ما يحيط بها، دون اختلال بملازمة موضوعه، ودون أن يربك إنشداد المستمع وشوقه للارتواء من علمه.

في زمن ظلم مضى، أبعد السيد الشاب عن مدينته كربلاء، وفرَّق الطغيان بينه وبين محبيه، وبعد أن انحسر ذلك الظلم، وتوسعت آفاق الحرية، وأخذ الناس يعيشون ربيعهم مع علوم السيد الفقيه، ودفئه الإنساني، وسماحته الغامرة، ومشاعره النبيلة، وحيث أخذت نفوسهم المهمومة والمغمومة تستبشر خيراً وأملاً برؤيته الناصعة ومواقفه الواضحة، وتطمئن بدعائه قلوبهم المتوجسة، وتهدأ بإرشاداته أفئدتهم المضطربة، خطفه الموت بغتة، ولم يبق للمحبين إلا الحزن على فقده، واقتفاء آثاره، والاسترشاد بمَنْ بقي مِنْ علماء الأسرة الشيرازية الكريمة، هذه الأسرة التي قدمت للأمة الكثير، وكان لها في كل حقبة مرجع وعالم وشهيد، وإن بقية السيف أنمى. وإِنّ اللّه بالغُ أمره، وهو ولي المؤمنين، وكفَى به ولِياً ونصيراً وهو يتولى الصالحين.

طالما دعا(قده) الى أن ننفض عن أنفسنا غبار الماضي، وأن نبدأ التغيير انطلاقاً من بناء علاقة وعي وعمل مع كتاب الله، حتى يغير الله ما بنا، ويأخذ بأيدينا إلى الصلاح والرفاه في الدنيا والسعادة في الآخرة، فيقول(قده): "القراءة الميتة للقرآن لا تعني أكثر من كلمات يرددها اللسان دون أن تؤثر في واقع الفرد التأثير المطلوب، أما التلاوة الواعية فهي تتجاوز اللسان لكي تنفذ إلى القلب، فتهزه، وتؤثر في اتجاهه"، ويقول: "إن هنالك خيارات صعبة وعديدة تطرح أمام الفرد، وأمام الأمة في كل يوم، ولاختيار الطريق السليم بين هذه الخيارات، لابد من الرجوع إلى القرآن، والتدبر في آياته ومن هنا، يقول الله سبحانه: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، ومن هنا أيضاً أطلق القرآن على نفسه اسم (الفرقان)، ذلك لأنه يفصل ويفرّق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، ولكن، لمن؟! والجواب: لمن يفهم آياته، ويتدبر فيها".

كان(قده) يحث على أفضل الأعمال (التفقه في الدين)، "وخاصة في مجال (العقائد) فإنها أصل كل شيء، وعليها يبنى كل شيء، كما أن التفقه بـ(الأحكام الشرعية) يضمن للإنسان استقامة العمل"، ويؤكد(قده) ضرورة تفقه المؤمنين والمؤمنات: "يمكن للإنسان أن يخصص كل يوم مقداراً من وقته لهذه الغاية حتى ولو كان مقداراً قليلاً جداً". وأيضاً، يرى أن من أفضل الأعمال "الاهتمام بتشكيل لجان لخدمة المجتمع، دينياً وثقافياً وإنسانياً، فإن في ذلك أجراً عظيماً"، مذكراً بـ"قضاء حوائج الإخوان"، مبيناً أن "نجاح اللجان العاملة يستند معظمه إلى تطبيق قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم).

كان يوصي فيقول: "في يوم من الأيام سينقضي عمر الإنسان ويصبح عاجزاً عن العمل، فإن (اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل)، وعلى الإنسان أن يتزود من العلم والعمل الصالح قبل فوات الأوان، حيث يقول: (رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت)، فيأتيه الجواب (كلا) والإنسان مهما عمل فهو قليل في جنب الله تعالى، فعليه ألا يستشعر الاكتفاء، بل يستشعر التقصير الدائم".

الفقيد العزيز، والفقيه الكبير، والراحل الحاضر، لم يدخر جهداً للذود عن الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام)، ودفاعاً عن قيم الإيمان والعدل والخير والفضيلة، ودأب على تنوير العقول وتحفيز الهمم، لما فيه سلامة الدين وخير الإنسان، واليوم، جدير بالصالحين الأكفاء، الاقتداء بسيرة المصلحين الأفذاذ، من مضى منهم ومن بقي، فكل واحد منهم، آية ومنهج.

من كلماته..

في ذكرى رحيله الى الرفيق الأعلى، جدير بالمحبين أن يحيوها كما تستحق، ومن مستحقاتها أن الراحل العزيز، آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي، رضوان الله تعالى عليه، كان عالماً فقيهاً، وأستاذاً معطاء، ومربياً ومصلحاً، وناهجاً ومنهجاً.

ولم يدخر جهداً للذود عن الإسلام ونشر ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، وتنوير العقول وتحفيز العزائم واستنهاض الهمم لما فيه سلامة الدين وخير الإنسان.

وكان باهراً في مقارعة قوى الضلال والتزييف والتكفير، وكان حريصاً في الدفاع عن المظلومين والمحرومين في بلاد القمع والقتل والقهر، حتى أضحت حياته سفراً من أسفار الخلود، ومحطة من محطات العلم الذي يسمو بصاحبه وينفع الناس.

كان رحيله مضطرباً بالصمت والأسى، وشاحباً بموت حمل أسراراً تعبق بشذا الفقهاء المصلحين وذكريات الشهداء الخالدين.

وإن من مسؤوليات المحبة لصاحب الذكرى توثيق نتاجه العلمي ونشره، وهو نتاج أربعة عقود من عمره الشريف، عبقة بخبرة الآباء والأجداد وبركاتهم وكراماتهم، فإن أهم سمات الأمم الحية أن تكون منتجة، ولن تكون الأمة منتجة إلا إذا عملت بحكمة وإخلاص، واستثمرت التجارب، واستكملت طريقها من حيث وصل القادة الأفذاذ.

إن من الوفاء الاحتفاء بذكرى هذا العالم الجليل والفقيه الكبير والعبد الصالح واستحضار مواقفه، لكن الأهم أن نعيش المبادئ التي بها عمل، وإليها دعا، وعليها مضى إلى حيث (النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً).

من كلماته رضوان الله تعالى عليه:

* تهذيب النفس وإصلاحها والإرتقاء بها، عملية شاقة جدا، وقد أطلق عليها في لسان الأخبار بـ(الجهاد الأكبر)، لذلك فإن الإنسان إذا استطاع في المواقف الصعبة أن يتحكم في ذاته، فسيأتيه شعور عظيم بأنه أصبح ولياً من أولياء الله.

* إن التدبر في القرآن الكريم هو الطريق للعمل بما جاء فيه، وذلك لأن العمل بالقرآن يتوقف على فهمه، وفهم القرآن لا يمكن إلا بالتدبر في آياته، ومن هنا، فإن الذين لا يتدبرون في القرآن سيفوتهم تطبيق الكثير من مبادئ الدين في حياتهم العملية، وهم لا يشعرون.

* كلما كانت المؤسسات الاجتماعية أكثر وأقوى كان المجتمع أكثر قوة وتماسكاً وكانت علاقات أفراده أسلم وأمتن.

* مهما ذهب بك الخيال، ومهما استطعت أن تضع أصفاراً في يمين عدد ما، فإن الأمر لا يتوقف عند حد، بل يمكن أن تضيف أيضاً، وكذلك حال البقاء في الآخرة، أما الدنيا فمحدودة ولابد من يوم نرحل منها جميعاً، بل ما أسرع أن يرحل أحدنا منها!

* كلما كان الإنسان أكمل في أخلاقه كان أكمل في قوّته العملية وفي عقله العملي.

* إن النفس البشرية تمثل القيادة لكل القوى الظاهرية والباطنية، وكل تلك القوى تمثل تحت هيمنة قوة النفس، ومن هذا المنطلق، تجدون في الروايات تركيزا كبيراً على قوة النفس، فالروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تُبِّين أن التوجه الأهم للإنسان ينبغي أن يكون نحو النفس، لأن هذه النفس إذا هُذِبتْ، وإذا صَلحَتْ، صلحت حياة الإنسان. وإذا كانت النفس، نفس غير طيبة، معناه أن كل تلك القوى الظاهرية والباطنية تكون أدوات ضلال وانحراف.

* إن أشجع الناس من غلب هواه، وإن أعدى أعداءك، نفسك التي بين جنبيك كما في الحديث، وإنها العدو الأخطر! وتفسير ذلك، يكمن بأن كل شيء مرهون بهذا العدو (النفس)، فإذا تمكَنْتَ أنْ تُخضِع هذا العدو، وأن تَصْلح هذا ضِع العدو، ستعيش بأمان، وإذا لم تتمكن أن تُخ هذا العدو، فحياتك ستكون في عناء وفي الآخرة في شقاء.

* الإنسان غالباً في خضم المشاكل المؤلمة والقاسية يفقد الأمل، ويتحول الى كائن يائس من أي احتمال للتغيير، في حين الإنسان المؤمن يمتلأ قلبه بالرجاء والأمل، حتى عند تعرضه لأعتى الأزمات، وهناك أشخاص يتقوقعون على أنفسهم ولا يفكرون في تغيير المجتمع وإصلاحه، ولعل هؤلاء يشكلون الأكثرية من المجتمع, بينما هنالك أقلية تفكر في صناعة التغيير.

* علينا بالقناعة في علاقاتنا مع الآخرين وألاّ نتوقع الكثير منهم.

* من الممكن أن يتساءل أحدنا: هل التغيير والإصلاح أمر ممكن وقريب المنال؟ والجواب: نعم بإذن الله (عز وجل) وإن أدل دليل على إمكان الشيء هو وقوعه في الخارج، فالمؤمنون الأفذاذ تحركوا من أجل التغيير في أشد الفترات التاريخية حرجاً وأحلكها ظلمة وقد نجحوا في ذلك مرات ومرات.

* إن نمط التفكير ليس شأناً مجرداً، بل إنه يؤثّر على كل القرارات التي يتخذها الفرد من المسكن وحتى المدفن، لذلك فإن الملاحظة الدقيقة والتفكير العميق هما الخطوة الأولى التي لا غنى عنها في أية مسيرة حضارية.

* علينا مقاومة حالة افتقاد الأمل أو حالة العيش بلا هدف.

* لدينا من الكنوز ما يفتقدها الآخرون كالمعارف الموجودة في نهج البلاغة والصحيفة السجادية، لذلك يجب أن نستثمر الأعوام القليلة المتبقية من أعمارنا في هذه الدنيا والتي لا تشكل إلاّ جزءاً ضئيلاً من أعمارنا الحقيقية، فما أقصر الفترة القصيرة التي نقضيها في هذه الحياة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* علينا ترويض أنفسنا في الاختبارات الجزئية، فإذا تمكنا بإذن الله من الانتصار في هذه الاختبارات، سيكون هذا إنْ شاء الله تمهيداً للإنتصار في النجاح العام.

* تنبع صعوبة الورع من أنّ كثيراً من المحرمات متشابكة مع حياة الإنسان، كالغيبة مثلاً، فإنّ احتمال سماعها يواجه المرء أينما ذهب. فعدم الاغتياب وعدم الاستماع إلى الغيبة طيلة عمر بأكمله ليس بالأمر الهيّن، بل يتطلّب عزيمة قوية، وهكذا الحال مع كثير من المحرّمات. وعلى كلّ فترك المحرمات _ ومثله الإتيان بالواجبات _ أمر عظيم، وهو يمثّل المرتبة الأولى من المراتب المعنوية.. ولو أن أحداً استطاع أن يتجنب المحرمات ويأتي بالواجبات، وأن يتجنب مع ذلك ما أمكنه من المكروهات ويأتي بما وسعه من المستحبات، فقد بلغ مرتبة رفيعة وفاز فوزاً عظيماً.

* هل اتفق لك أن بلغت ينبوع ماء صغير في صحراء واسعة، تراه صغيراً في ظاهره، ولكن عندما تبحث وتنقّب تجد تحته بحراً عظيماً من الماء؟! هكذا هي كلمات الله في القرآن الكريم، تنطوي على بحور من المعارف والحقائق.

* مهما ذهب بك الخيال ومهما استطعت أن تضع أصفاراً في يمين عدد ما، فإن الأمر لا يتوقف عند حد، بل يمكن أن تضيف أيضاً، وكذلك حال البقاء في الآخرة. أما الدنيا فمحدودة ولابد من يوم نرحل منها جميعاً. بل ما أسرع أن يرحل أحدنا منها! كان السيد الوالد كلما شاهد إعلاناً بوفاة أحد، قال: سيأتي يوم يرى الآخرون صورتنا في إعلان كهذا. والشيء نفسه يصدق بالنسبة لنا. وينتهي كل شيء، لنبدأ مسيرة الآخرة.

* أعظم من كل النعم في الآخرة، شعور المؤمن برضا الله تعالى عنه. كم سيسرّ أحدنا إذا علم أن أباه راض عنه، فكيف سيكون الإحساس برضا الله تعالى؟! ويوم القيامة يشعر المؤمنون بلذة رضوان الله، وهي لذة تفوق كل لذة وكل ما سواها من نعم الجنة، يقول الله تعالى: ﴿وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

* نقل السيد الوالد عن السيد الميلاني (رحمهما الله) أنه نقل عن أستاذه الشيخ مرتضى الطالقاني (رحمه الله) أنه فتح عينيه وهو في حالة الاحتضار، وهذه من نعم الله على الناس أن يعود المحتضر إلى وعيه قبل أن يفارق الحياة، لعل وصية يوصي بها أو يستغفر الله تعالى في اللحظات الأخيرة من عمره، وقال لمن حوله: لو علم المؤمن ما أعدّه الله تعالى له في الآخرة لما عوّض نصف ساعة من الآخرة بكل الدنيا. ثم أغمض عينيه وتوفي (رحمه الله).

* في القرآن الكريم، الطابع العام هو تذكير المؤمنين بالآخرة، ونقلهم للعيش في أجوائها، لما له من أثر في تحسين سلوك الفرد وتغيير نظرته إلى الدنيا، حتى نقل عن بعض الأعلام أن ثلثي آيات القرآن تدور حول الآخرة، أي أكثر من ألفي آية.

* لتعيش أجواء الآخرة، فإن ذلك يتحقق من خلال أمور، منها: المواظبة على قراءة القرآن الكريم ولو بمعدل صفحة في اليوم الواحد. وكذلك مطالعة نهج البلاغة وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، فهي الأخرى تنقل الفرد إلى عوالم الآخرة.

* يقول علماء الأخلاق إن من أعدى أعداء الفرد الشعور بالاكتفاء، لأن الذي يشعر أنه مكتف من الناحية العلمية أو الأخلاقية لا يرى مسوّغاً للتحرك نحو التكامل الخلقي أو طلب العلم. وهكذا الشخص الذي يعتقد أنه لا يعاني شيئاً، ولا توجد عنده مشكلة ولا فاقة، لا يمكنه الاستفادة الكاملة من الوجود المبارك للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، لأنه لا يتحرك نحوه بل يبقى ساكناً في مكانه، لعدم شعوره بالحاجة إليه لحل مشكلاته، لأنه يعتقد أنه لا مشكلة عنده في الأساس! أما نحن فيراودنا الشعور بالحاجة في بعض الأحيان وفي لحظات الاضطرار كما لو تهنا في صحراء أو انكسرت بنا السفينة في البحر أو ابتلينا - أو أحد أعزائنا- بمرض مستعصي العلاج، أما أولياء الله سبحانه وتعالى فإنهم يشعرون دائماً بأنهم في حالة اضطرار وأنهم في حالة حاجة وفاقة.

* ونحن اليوم نعيش حالة الانتظار، وهي من أفضل العبادات وأفضل الأعمال، يجب علينا أن نحوّل انتظارنا إلى انتظار مطلق لا انتظار مشروط.

* إن الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) لا ينسانا، ولكن ينبغي ألا ننساه نحن أيضاً، وكما قال الله تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم﴾. فكم مرة في اليوم نذكر الإمام؟ هل نذكره في قنوت صلواتنا؟ هل نقرأ كل يوم: "اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن.." الدعاء؟ وهل نبدأ باسمه عندما نبدأ ببحوثنا العلمية ونقول يا حجة الله أدركني.

* ينبغي لنا أن نلجأ إلى الإمام (عجل الله فرجه) في حل كل قضايانا الدنيوية والأخروية والفردية والاجتماعية فهو الملاذ لنا في كل الشؤون والقضايا. وكما أن الله تعالى جعل الشمس مصدر الدفء والنور للإنسان في حياته المادية، ومن أدبر عنها حرم من الدفء والنور، فكذلك هو الإمام (عجل الله فرجه) جعله الله لنا مصدراً للدفء والنور في حياتنا المعنوية، وأوكل سبحانه إليه كل أمورنا وقضايانا. فمن توجه إلى غيره فإن الله لا يعبأ به.

اضف تعليق