q

يعد الجيش العمود الفقري لكل دولة، والقاعدة الأساس التي تنهض بكامل أجهزتها، وهي موقع السويداء في قلب السلطة، أي أنه في النقطة الحساسة-الحرجة التي تلتقي حولها مؤسسات الدولة، فهو الذي يصون وحدة الأجهزة العامة والخاصة، ويحدد نمط الاتجاهات الوطنية والاجتماعية، بما فيها من سياسة وطنية وسياسة إدارية عامة، وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، ويسهر على سلامة العلاقات التي تربطها بعضها بالبعض الآخر، ولكن في بعض الأزمات الداخلية والخارجية التي تصيب الدولة لأي سبب كان، ومع ضعف المؤسسة العسكرية في القيام بدورها الفعال في حماية امن وسيادة الدولة، فان الجهد العسكري الشعبي (المتطوعون من أفراد الشعب) سيكون هو الحل لمواجهة الأخطار التي تصيب الدولة، سواء كانت أخطارا داخلية أو خارجية.

بعد تعرض العراق لهجوم مباغت من قبل تنظيم داعش في 9 حزيران عام 2014، انطلاقا من سوريا، واستيلاءه على عدة مدن عراقية منها ديالى وصلاح الدين وكركوك والموصل والانبار، وزحفه إلى العاصمة بغداد، أعلنت المرجعية الدينية الرشيدة عن تشكيل قوات عسكرية باسم الحشد الشعبي، وأصدرت فتوى الجهاد الكفائي، الذي يتمثل بقبول متطوعين من أفراد الشعب قادرين على حمل السلاح، وبأعداد كافية للدفاع عن الأرض والمقدسات ووقف تقدم تنظيم داعش، ومن ثم تحرير الأراضي التي استولى عليها التنظيم، وستكون هذه القوات مساعد للجيش الأجهزة الأمنية الأخرى لحين اكتمال بناء الجيش والقوات العسكرية النظامية الأخرى.

وبعد أكثر من سنة ونصف من تشكيلها، حققت قوات الحشد الشعبي المكونة من عدد من فصائل المقاومة العراقية وقوات العشائر، الكثير من الانتصارات على تنظيم داعش الإرهابي واستطاعت إن تحرر الكثير من المدن بدء من ديالى مرورا بتكريت والى الرمادي وبعض مناطق كركوك، ولم يتبقى سوى محافظة نينوى، إذ تتم الاستعدادات حاليا للقيام بعملية لتحريرها بعد الانتهاء من الانبار بشكل كامل.

إن وقوف الشعب العراقي وقتاله مع القوات المسلحة عبر تجربة الحشد الشعبي إضافة إلى تطوع أبناء العشائر في المناطق المغتصبة من قبل داعش هو رسالة لكل العالم بأن العراقيين قد اختاروا القتال موحدين ضد الإرهاب الدولي بعد إن نجحت تجربة الحشد الشعبي في جذب المتطوعين من مختلف مكونات الشعب ليكونوا السند القوي للقوات المسلحة، تجربة الحشد الشعبي ستكون الضمان لوحدة العراق.

كما إن تجربة الحشد الشعبي كانت عقبة كبيرة أمام أعداء العراق الذين يحملون مشاريع التقسيم الطائفي والقومي في العراق، فتوحد العراقيين بكل مكوناتهم قد أخرس الأصوات الطائفية التي أرادت تشويه تجربة الحشد من خلال إطلاق الأكاذيب والاتهامات الباطلة بحق هذه القوات البطلة التي شهد لها الجميع بالوطنية وبحملها للمفاهيم الإنسانية والالتزام بحقوق الإنسان وتقديم يد العون للمواطنين في كل المدن التي يتم تحريرها من قبضة "داعش"، كما إن ترحيب الأهالي هو الدليل على قبول المواطنين في تلك المدن بالقوات الأمنية ورجال الحشد وترحيب الحكومات المحلية والمسؤولين هناك وفرحتهم بتخليصهم من ظلم التنظيمات الإرهابية التي ظلت جاثمة على صدور أهلنا في تلك المدن.

وبعد أكثر من سنة ونصف على تشكيل قوات الحشد الشعبي، وتضحياتهم في تحرير العديد من المدن العراقية، فان هناك من يسأل عن مستقبل هذه القوات في حالة تحرير كل الأراضي العراقية من تنظيم داعش الإرهابي، واستكمال بناء الجيش العراقي، وكيف سيتم التعامل مع هذه القوات وبأي طريقة؟ خاصة وان هناك العديد من الأصوات سواء الداخلية أو الخارجية بدأت تنادي علنا بحل هذه القوات، بل وتنادي بعدم موافقتها على مشاركة الحشد الشعبي في تحرير المدن العراقية، كما هو حاصل في الرمادي الآن أو منعها من الاشتراك في تحرير الموصل.

ولمعالجة المشاكل المستقبلية المتوقعة بعد الانتهاء من تحرير المدن والمناطق العراقية من تنظيم داعش، والتي تتعلق بالسلاح وحصره بيد الدولة، والنزاع حول المناطق المشتركة، أو النزاع المسلح الذي قد يحدث بين المقاتلين، ومصير الأفراد الذين شاركوا في القتال بعد نهاية الأزمة، فقد طرحت عدد من السيناريوهات المحتملة لمستقبل قوات الحشد الشعبي في العراق، ومن هذه السيناريوهات هي:

1- السيناريو الأول:

هو دمج قوات الحشد الشعبي مع القوات العسكرية النظامية، وتكوين تشكيل عسكري عراقي واحد هو الجيش وقوات الشرطة، إذ يرى العديد من الخبراء انه من الممكن الاستفادة من خبرات أفراد قوات الحشد الشعبي التي اكتسبوها في المعارك مع تنظيم داعش الإرهابي، من خلال دمج الأفراد من هم في سن الخدمة العسكرية واستيعابهم في الجيش العراقي الجديد، أما المتطوعون الآخرون فانه يتم إعادتهم إلى وظائف الأصلية من كان موظفا في الدولة، أو إلى أعمالهم الأخرى التي كانوا يزاولونها قبل انضمامهم إلى الحشد الشعبي مع إعطائهم مكافئات مجزية عن ما قاموا به من أعمال حفظت كرامة ووحدة العراق والعراقيين، إذ إن هذه الخطوة من شانها أن تزيد فاعلية وقوة الجيش العراقي من جهة، وان تجعل من أفراد الحشد الشعبي قوة ضاربة في هذا الجيش ثانيا.

2- السيناريو الثاني:

هو إعادة هيكلتها تحت مسمى (الحرس الوطني)، فقد ظهرت بعض الأصوات وخاصة في المناطق الغربية تنادي بتشكيل قوات عسكرية تحت مسمى قوات الحرس الوطني، من خلال تشكيل قوات عسكرية نظامية محلية في كل محافظة من أبناء المحافظة نفسها فقط ويتم تطويع أبناء الاقضية والنواحي ومركز المحافظة بما يضمن التمثيل الحقيقي لأبناء جميع المكونات وبحسب نسبة تمثيلهم الحقيقي في مجتمع المحافظة نفسها، الذي جاء ضمن بنود ورقة الإصلاح السياسي التي اتفقت عليها بين الكتل السياسية الممثلة لمكونات المجتمع العراقي وبالأخص المكون السني بعد الانتخابات الأخيرة، وتم تحويل مشروع قانون الحرس الوطني من الحكومة العراقية إلى مجلس النواب لإقراره.

ويهدف القانون كذلك إلى تنظيم علاقة المتطوعين غير المرتبطين بمؤسسات الدولة وتحديد وضعهم القانوني مثل (الحشد الشعبي، العشائر، الصحوة)، من خلال دمجهم بالمؤسسة العسكرية من خلال تنظيم جديد، ليكونوا قوة إلى جانب الجيش والشرطة في حفظ الأمن والتصدي للإرهاب، كذلك ضمان حقوقهم القانونية، وبهذا يمكن الحفاظ على قوات الحشد الشعبي والاستفادة من خبراتها القتالية في أي مواجهة جديدة قادمة، سواء كانت مواجهة داخلية ضد الإرهاب أو مواجهة خارجية ضد دولة أخرى تحاول الاعتداء على العراق.

3- السيناريو الثالث:

هو تسريح هذه القوات وإعادتها إلى أعمالها الأصلية، مع توفير وظائف إلى الذين ليس لديهم عمل أو وظيفة، ومنح الآخرين من كبار السن رواتب تقاعدية، تحدد بقانون، أسوة بأعضاء البرلمان من ناحية الخدمة، إذ ان خدمتهم تبلغ أربعة سنوات ويتقاضون عنها رواتب تقاعدية، مع الإبقاء على قوات الحشد الشعبي كقوات احتياط يمكن استدعاءها بأي وقت تتعرض له البلاد لأي خطر طارئ، وهذه الحالة هي مشابه للحالات في بعض الدول الإقليمية، التي لديها قوات احتياط تستطيع استدعائها عند الضرورة.

4- السيناريو الرابع:

هو حل هذه التشكيلات بشكل نهائي، واقتصار الدولة على القوات المسلحة النظامية (الجيش والشرطة)، من خلال المرجعية الدينية في العراق، إذ إن تشكيل هذه القوات، وكما جاء في فتوى المرجعية الدينية، هو جاء محدد بالدفاع عن العراق والمقدسات، وبزوال الخطر عن العراق، وإنها محددة أيضا باستكمال جاهزية القوات المسلحة العراقية، وهي تعني ضمنا انه سوف يتم حل قوات الحشد الشعبي في حال زوال الخطر عن العراق، وفي حالة قدرة الجيش عن القيام بواجباته في الدفاع عن العراق، خاصة وان القوات المسلحة العراقية وعلى رأسها القوات الخاصة بدأت تأخذ زمام المبادرة في بعض المناطق كما في الرمادي، والاستعداد لتحرير الموصل، وبهذا فان دور المرجعية الدينية سيكون له مؤثر في مستقبل الحشد الشعبي.

على الرغم من ان تجربة الحشد الشعبي كانت عقبة كبيرة أمام أعداء العراق الذين يحملون مشاريع التقسيم الطائفي والقومي في العراق، فهي التي وحدت العراقيين بكل مكوناتهم، وأخرست الأصوات الطائفية التي أرادت تشويه تجربة الحشد الشعبي من خلال إطلاق الأكاذيب والاتهامات الباطلة بحق هذه القوات البطلة، التي شهد لها الجميع بالوطنية وبحملها للمفاهيم الإنسانية والالتزام بحقوق الإنسان وتقديم يد العون للمواطنين في كل المدن التي يتم تحريرها من قبضة "داعش"، كما إن ترحيب الأهالي هو الدليل على قبول المواطنين في تلك المدن بالقوات الأمنية ورجال الحشد وترحيب الحكومات المحلية والمسؤولين هناك وفرحتهم بتخليصهم من ظلم التنظيمات الإرهابية التي ظلت جاثمة على صدور أهلنا في تلك المدن، إلا انه لا يمكن ترك موضوعها ومستقبلها إلى المجهول، فبعد الانتهاء من تحرير المدن وإنهاء ملف داعش الإرهابي، لابد إن تكون هناك خطة إستراتيجية منظمة لتحويل قوات الحشد الشعبي إلى قوة ضاربة من خلال دمجها مع الجيش العراقي، للاستفادة من خبراتهم وشجاعتهم، ورد الجميل لتضحياتهم من اجل العراق، أما الآخرين الذين لديهم أعمال ووظائف ويرغبون العودة لها، فأنهم يعودون لها، ويتم تعويض الآخرين من كبار السن برواتب تقاعدية تكون ردا للجميل على ما قدموه للعراق من تضحيات.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق