q

شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة جملة من الأحداث والمتغيرات المهمة في ظل تزايد الحديث عن تدهور الحالة الصحية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليفة وغيابه عن الواجهة، وهو ما أثار جدلًا واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية في الجزائر خصوصا بعد القرارات والتغيرات الكبيرة التي أجراها في العديد من المؤسسات الحكومية، حيث يرى بعض المراقبين ان هذه التغيرات تعكس الصراع الدائر بين أجنحة السلطة والتي تسعى لتثبيت أقدامها في وقت تشهد فيه حالة الرئيس الجزائري الصحية تدهورا كبيرا.

ومنذ عام 2013 تتواصل في الجزائر وكما تنقل بعض المصادر، موجة تغييرات طالت هرم المؤسسة العسكرية، ومنها إقالة مدير المخابرات، الفريق محمد مدين، بعد ربع قرن قضاها في المنصب، وتعيين مستشاره للشؤون الأمنية، عثمان طرطاق خلفًا له هذا بالإضافة الى التغيرات الأخرى والسعي لتغير فقرات الدستور وغيرها من الأمور.

ويعتقد مراقبون أن المرحلة المقبلة غامضة جدا في الجزائر نظرا لطبيعة النظام السياسي الجزائري المعقدة، ومنذ فوز بوتفليفة بالولاية الرابعة تعيش البلاد حالة استقطاب حادة بين المعارضة، التي تطالب بتطبيق مادة دستورية (المادة 88) تتحدث عن عزل الرئيس بسبب عجزه الصحي وتنظيم انتخابات مبكرة، بينما يقول أنصاره إن بوتفليقة يمارس مهامه بصفة عادية، وسيكمل ولايته الرئاسية حتى 2019، كما يعتبرونه “صمام الأمان في البلاد، وسط وضع إقليمي ودولي متقلب”.

ويرى محللون أن هذه التغيرات كانت تصفية حسابات بين أجنحة قصر المرادية، أو بالتحديد تصفية جناح الجنرال توفيق الذي كان قد عارض ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة، أما بالنسبة لآخرين فيمثل ذلك حلقة من حلقات تحضير وافد جديد إلى الحكم، قد يكون من مقربي الرئيس. وعلى الرغم من التغييرات الأخيرة التي قام بها الرئيس الجزائري، يعتقد الكثير من المحللين أنه من المستبعد أن تسمح مؤسسة الجيش والاستخبارات لشخصيات لا توافق رؤيتها السياسية حكم الجزائر، لذلك فغالبًا ستأتي برؤساء مدنيين موالين لها ولو جزئيًّا على الأقل وفقا لحسابات هذه المؤسسات.

الحالة الصحية لبوتفليقة بين الشائعات والشكوك

في هذا الشأن توجه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إلى فرنسا لإجراء فحوصات "طبية دورية"، وفق الرئاسة الجزائرية. وتثير الحالة الصحية لبوتفليقة الشائعات والشكوك، خصوصا في صفوف المعارضة، التي تشير إلى "فراغ في السلطة". وقالت الرئاسة في بيان إن بوتفليقة "غادر أرض الوطن إلى فرنسا في زيارة خاصة قصيرة يجري خلالها مراقبة طبية دورية تحت إشراف أطبائه المعالجين".

وأصيب الرئيس بوتفليقة البالغ من العمر 78 عاما في 2013 بجلطة دماغية لا يزال من جرائها يتنقل على كرسي متحرك ويتكلم بصعوبة. وبات ظهوره العلني نادرا جدا ولا يظهر في التلفزيون إلا خلال استقباله شخصيات أجنبية. ولم تقدم الجزائر تفاصيل حول المستشفى الفرنسي الذي ستجرى فيه الفحوصات الطبية لبوتفليقة. لكن مصادر متطابقة في فرنسا أفادت أن بوتفليقة أدخل مجمع غرونوبل الطبي حيث كان أقام لفترة قصيرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2014. وكان رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال أكد في وقت سابق أن الرئيس بوتفليقة يتابع "يوميا" تنفيذ برنامجه الرئاسي، وذلك ردا على شكوك أبدتها شخصيات وأحزاب حول قدراته على الاستمرار في قيادة البلاد. بحسب فرانس برس.

وتتواتر بانتظام الشائعات بشأن الوضع الصحي للرئيس الجزائري، وتتحدث قيادات معارضة جزائرية عن "فراغ في السلطة" في البلاد التي بات "يحتكرها" بحسب قولهم شقيق الرئيس ومستشاره الخاص. ويترأس بوتفليقة الجزائر منذ 16 عاما، وكان قد انتخب لولاية رابعة في 2014.

دستور جديد

7 سنوات بعد آخر تعديل دستوري أجراه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في 2008، كشفت الرئاسة الجزائرية عن مشروع دستور جديد يعزز مجددا سلطات الرئيس دون المرور باستفتاء شعبي. وأهم ما جاء فيه هو عودة البلاد إلى تحديد عهدة الرئيس باثنتين فقط وإقرار الأمازيغية لغة رسمية ثانية بعد العربية.

تعديلات جديدة على الدستور الجزائري، وعد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في بداية عهدته الرابعة في 2014، كشفت عنها الرئاسة الجزائرية وستعرض على مجلس الوزراء. ويقدمها بعد ذلك الرئيس بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ 16 عاما، على المجلس الدستوري الذي سيبدي رأيه حول الطريقة التي ستتم بها دراسة هذا النص والمصادقة عليه من قبل البرلمان: إما أمام البرلمان بغرفتيه دون مناقشة أو تعديل، أو كمشروع قانون عادي يمر عبر المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة.

وأهم التعديلات المدرجة في مشروع الدستور الجزائري الجديد هو تحديد عهدة الرئيس باثنتين فقط (5 سنوات لكل منهما) وعدم إمكانية مراجعة هذه المادة (74 من الدستور الحالي) في التعديلات الدستورية المقبلة. ويلغي بذلك الرئيس الجزائري تعديلا دستوريا هاما أجراه هو شخصيا في 2008 عندما عدل المادة نفسها (74) وجعل بموجبها الترشح للرئاسة مفتوحاً بعدما كان لعهدتين فقط، ما أعطاه الضوء الأخضر وقتها للترشح في 2009 لعهدة ثالثة، وبعدها رابعة في 2014، رغم مرضه وعدم تمكنه من المشاركة في الحملة الانتخابية، وسط تنديد كبير من قبل المعارضة، ليصبح بذلك الرئيس الوحيد في تاريخ الجزائر الذي حكم البلاد لأربع عهدات على الأقل، ما جعل بعض المعارضين السياسيين يصفونه بـ"ملك الجزائر".

كما نص مشروع الدستور الجديد على شروط جديدة يجب أن تتوفر في المترشحين لمنصب رئيس الجمهورية أهمها عدم حمله لجنسية ثانية، وإقامته عشرة سنوات متواصلة في الجزائر قبل ترشحه. ويأتي مشروع الدستور الجديد حسب السلطات الجزائرية بعد مشاورات طويلة مع الأحزاب والشخصيات الوطنية والجمعيات، غابت عنها أطياف المعارضة الرئيسية، بدأت في 2014 غداة إعادة انتخاب بوتفليقة لعهدة رابعة.

وترأس هذه المشاورات رئيس ديوان الرئاسة رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي، كما وعد بها الرئيس الجزائريين في 2011 عندما قام بجملة من الإصلاحات لمواجهة تداعيات الربيع العربي على الجزائر، والتي قال وقتها بأنها ستنتهي (الإصلاحات) بتعديل للدستور. النقطة الثانية في مشروع الدستور الجزائري الجديد هي اعتبار الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية بعدما كانت مجرد لغة وطنية وفق التعديل الدستوري الذي حدث في 2001 ، مع إنشاء مجمع يكون تحت إشراف الرئيس مكلف بتوفير الشروط المطلوبة التي ستسمح باستخدام هذه اللغة التي يتحدث بها ملايين الجزائريين في الإدارة والمؤسسات الجزائرية كما هو الشأن مع اللغة العربية بسبب تعدد لهجاتها (القبائلية، الشاوية، التارقية...).

ويتم منذ 1995 تدريس اللغة الأمازيغية في بعض مناطق الجزائر التي تعتبر فيها اللغة الأم، لكن تطورها يواجه صعوبات، كما توجد قناة تلفزيونية حكومية وبرامج في القنوات الخاصة بهذه اللغة. كما وسع مشروع الدستور الجديد من صلاحيات المعارضة البرلمانية، وترقية حقوق الأحزاب السياسية المعتمدة، وعدم حبس الصحفيين بسبب مهنتهم، ومنح مجلس الأمة صلاحية التشريع. ورفضت غالبية الأحزاب السياسية المعارضة في الجزائرية مضمون المشروع الدستوري الجديد، حيث أعلن رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس في بيان أنه "من المؤسف أن يوظف الدستور من قبل النظام الحاكم لربح الوقت والهروب إلى الأمام في ظل مؤسسات غير شرعية" مضيفا "أن إرادة الشعب هي المصدر الوحيد لكل القوى، ومن غير المقبول أن يتم تعديل الدستور، في ظل الوضع الحالي ... ودون استشارة الشعب عن طريق انتخابات حرة ونزيهة". بحسب فرانس برس.

حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" الذي ناضل طويلا من أجل جعل الأمازيغية لغة رسمية، رحب بذلك، لكنه اعتبر أن "الدستور الجديد لن يحل مسألة شرعية المؤسسات ولا يلبي مطالب المعارضة". إسلاميو حركة "مجتمع السلم" اعتبروا المشروع الجديد "غير توافقي وغير إصلاحي"، ويجسد في نظرهم "استمرار طبيعة النظام السياسي الهجين الذي لا يشبه أي نظام دستوري في العالم، والذي يجعل رئيس الجمهورية يحكم ولا يتحمل المسؤولية".

مدير الامن الرئاسي

في السياق ذاته حكم على المدير السابق للامن الرئاسي في الجزائر الجنرال جمال كحال مجذوب بالسجن ثلاث سنوات، وفق ما افاد مصدر امني. واحيل المدير السابق لامن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على محكمة عسكرية في قسنطينة التي حاكمته في جلسة مغلقة في قضية غامضة تتعلق باطلاق نار في اقامة رئيس الدولة في زيرالدة (30 كلم غربي العاصمة) في تموز/يوليو 2015. ولم يصدر اي بيان رسمي بشان هذه القضية التي كشفتها الصحف المحلية لكن بقيت ملابساتها غامضة.

وطلب الادعاء عقوبة السجن خمس سنوات بحق هذا الضابط الكبير في الاستخبارات الذي ابقي في حالة سراح في انتظار نتيجة الطعن الذي تقدم به الدفاع. ولا توجد في القضاء العسكري الجزائري درجة استئناف. كما حكم على عقيد لم تعرف هويته على الفور، بالسجن ثلاث سنوات في القضية ذاتها.

ومثل امام المحكمة مطلق النار وهو ضابط آخر رفيع كان حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، بصفة شاهد. وكان تم منع كحال من مغادرة الاراضي الجزائرية حين كان يتاهب للسفر الى باريس. وكان ادار امن رئيس الجمهورية منذ 2004 وحتى اقالته في آب/اغسطس 2015 بالتزامن مع اقالة قائدي الحرس الجمهوري والامن الداخلي. بحسب فرانس برس.

وواكبت هذه الاقالات تغييرات عديدة على راس قيادة الجيش بلغت اوجها في ايلول/سبتمبر مع اقالة قائد الاجهزة السرية اللواء محمد مدين المعروف باسم "توفيق". وحكم القضاء العسكري الاسبوع خمس سنوات على القائد السابق لمكافحة الارهاب الجنرال حسن. وادين بجريمتي "اتلاف وثائق" و"مخالفة تعليمات عسكرية".

أسعار الطاقة في 2016

على صعيد متصل وافق البرلمان الجزائري على زيادات في أسعار البنزين والديزل والغاز والكهرباء المحلية المدعمة ضمن ميزانية 2016 وذلك في أحدث محاولة حكومية للتأقلم مع التراجع الحاد في إيرادات الطاقة. وستكون الزيادات هي الأولى للأسعار المدعمة لتلك المنتجات في أكثر من عشر سنوات. ويتوقع البلد المنتج للنفط عضو منظمة أوبك تراجع إيرادات الطاقة 50 بالمئة إلى 34 مليار دولار هذا العام وإلى 26 مليار دولار في 2016.

ويتضمن قانون ميزانية 2016 خفض الإنفاق تسعة بالمئة وذلك بعد زيادة الإنفاق الحكومي على مدى السنوات الأخيرة. ويختبر تراجع أسعار النفط العالمية النظام الاقتصادي الجزائري المعتمد على دخل الطاقة لتمويل برنامج ضخم للدعم الاجتماعي. وتشكل صادرات النفط والغاز 95 بالمئة من الصادرات وتسهم بنسبة 60 بالمئة من ميزانية الدولة. ويقول المسؤولون إن الاحتياطيات الأجنبية الضخمة للجزائر وديونها المنخفضة سيساعدان في التغلب على تحدي انخفاض أسعار النفط.

وقال وزير المالية عبد الرحمان بن خالفة إنه لا مفر من رفع سعر الوقود. وأعلنت الحكومة بالفعل إرجاء بعض مشاريع البنية التحتية. وقالت إنها ستصلح على مدى الأعوام القليلة المقبلة نظام الدعم الذي يكاد يشمل كل شيء من الطاقة والغاز إلى أسعار الغذاء. وأسعار منتجات الطاقة المحلية بالغة التدني بالمعايير العالمية. ويباع البنزين حاليا بسعر 23.60 دينار (22 سنتا أمريكيا) للتر والديزل بسعر 13 دينارا.

وبموجب القانون الجديد سيزيد سعر البنزين ستة دنانير والديزل دينارا واحدا فقط لتفادي الإضرار بقطاعات النقل والزراعة. وستزيد ضريبة القيمة المضافة المفروضة على الكهرباء والغاز من سبعة بالمئة حاليا إلى 17 بالمئة. وستطبق الضريبة على خدمات انترنت الجيل الثالث. وأيدت غالبية أعضاء البرلمان قانون الميزانية لكن مشرعي المعارضة قاطعوا التصويت ونظموا مسيرة احتجاجية داخل المبنى. بحسب رويترز.

ويقول مؤيدو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إن القانون هو الطريقة الصحيحة للتكيف مع الوضع الاقتصادي. وقال صلاح الدين دخيلي من التجمع الوطني الديمقراطي عضو الائتلاف الحاكم "ينبغي معالجة الوضع بدون إثارة المخاوف. خفض الإنفاق شيء إيجابي." وقال يوسف خبابة من حزب النهضة المعارض "يجب ألا نزيد الوضع سوءا. "أسعار النفط منخفضة ورئيسنا مريض والمواطنون يشكون من تنامي الضغوط." وأسعار الطاقة المحلية منخفضة جدا بالمقارنة بالمستويات العالمية ويقول محللون إن هذا هو السبب الرئيسي في زيادة معدلات استهلاك الطاقة في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة.

كما أعلن مدير ديوان رئاسة الجمهورية الجزائرية أحمد أويحيى أن رفع أسعار الوقود قد يسهم في الحد من ظاهرة تهريب هذه المادة إلى المغرب وتونس الذي يسبب خسارة للبلاد بقيمة ما يقارب ملياري دولار سنويا. وأكد أويحيى أن "ما يجب أن يعرفه الشعب الجزائري هو أن الدولة تستورد ما يعادل خمسة مليارات دولار من المحروقات بالأسعار العالمية لتبيعه بعشر سعره".

وأوضح أن الوقود الذي تستورده الدولة الجزائرية من الخارج يهرب إلى الدول المجاورة، خاصة تونس والمغرب. وقال "نحن نسقي شمال أفريقيا بأكثر من ملياري دولار من المحروقات، ديزل وبنزين وغير ذلك. وكان وزير الطاقة السابق يوسف يوسفي أكد في تصريح صحافي أن 600 ألف سيارة في تونس والمغرب تسير بالوقود الجزائري. وقدر كمية الوقود المهربة سنويا إلى الدوليتين بأكثر من 1,5 مليار لتر من الوقود.

وأشارت الصحف استنادا لتقرير لوزارة الطاقة، إلى أن 60 بالمئة من الوقود المهرب يعبر إلى المغرب رغم أن الحدود مغلقة منذ 1994 و30% الى تونس. والكمية الباقية يتم تهريبها عبر الحدود الجنوبية نحو مالي بصفة خاصة حيث سبق للجيش أن اكتشف كميات كبيرة من الوقود مخزنة في وسط الصحراء. وتنتشر ظاهرة تهريب الوقود نحو تونس شرقا والمغرب غربا، نظرا للاختلاف الكبير في سعر اللتر الواحد في محطات البنزين.

اضف تعليق