q

استشهد الحسين السّبط (ع) يوم عاشوراء (٦١ للهجرة) في كربلاء لتحملَ عقيلةِ الهاشمييّن اختهُ الطّاهرة العالِمةُ غَيْرَ المُعلّمة زينب بنتُ علي (ع) رسالة الإصلاح الحسينيّة بمنهجيَّةٍ جديدةٍ وأدواتٍ مختلفةٍ، إِعتمدَت الحرب النَّفسيّة والاعلام الرّسالي، تكاملت مع الدّمِ الطاهر الذي أُريقَ من نحور الشُّهداء في يَوْمِ عاشوراء.

ولقد وظَّفَ الخطابُ الزَّيْنَبِيِّ كلَّ أسس الحرب النّفسيّةِ وأدواتها بشكلٍ دقيقٍ، منذ لحظة استشهاد الامام وحتى وصولِها الى مدينةِ جدّها رسول الله (ص) المدينةِ المُنوّرة، مروراً بالكوفةِ فالشّامِ فكربلاء، فجاءَ مؤثِّراً ليس في واقعهِ آنئذٍ فقط وانّما الى اليومِ، بل انّهُ خطابٌ يتجدّد كلَّما ذُكر على لسانِ خطيبٍ او اطّلعَ عليه باحثٌ أو قارئ.

انّ جوهر الحرب النفسيّة يسعى لتحقيق هدفين أساسيَّين:

الهدف الاوّل؛ هو تقوية معنويات جبهة، بالتّحدّي وتبيان الحقائق.

والهدف الثّاني؛ هو تدمير معنويات جبهة أُخرى، بالصّدمةِ والفضحِ والكشفِ.

ولكلا الهدفين أدوات وشروط ينبغي خَلْقَ ظروفِها المناسبةِ لتحقيقهما.

وفي الخطاب الزّينبي كان الهدف من الحرب النفسيّة هو تقوية وتثبيت جبهة النّهضة الحسينيّة ومن والاها على كرورِ اللّيالي والايام، للحفاظ على عاشوراء وكلُّ ما يتعلّق بها من شخوص ومنطلقات واهداف آنيّة وبعيدة المدى، او ما يُصطلح عليهِ بالأهداف التكتيكيّة والاستراتيجيّة، فيما كان الهدف الثّاني هو تدمير وتحطيم جبهة الأمويّين ومن والاهم، كذلك على كرورِ اللّيالي والايّام، وانّ ما نراه الى اليوم من اندفاع انصار الحسين (ع) وشيعتهُ ومواليه ومحبيه مع حلول الذّكرى كلّ عام، الى جانب تمدّد انتشارها وتأثيرها في كلِّ بقعةٍ من الارض، وفي المقابل انحسار وانكماش شيعة آل ابي سفيان بنفس قدر اندفاع الجبهة الاولى، أكبرُ دليلٍ على نجاح الخطاب الزّينبي في إنجاز الحرب النفسية التي بعثت روحاً وأماتَت أُخرى، منذ لحظة إدلائها بذلك الخطاب النّاري في مجلس الطّاغية يزيد في الشّام والى اليوم والى يَوْمِ يُبعثون.

انّ الدّم الحسيني والخطاب الزّينبي منهجان بمحتوى وجوهرٍ واحد ولتحقيق هدفٍ واحدٍ، يجمعهما طهارة الأدوات لإنجاز الهدف على قاعدة قول أَمير المؤمنين عليه السلام {مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الاْثْمُ بِهِ، وَالْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ} فالأهداف السّامية لا تتحقَّق الا بأدوات ساميةٍ وطاهرةٍ، ولذلك لن تجدَ ابداً لا في رسالة عاشوراء ولا في الخطاب الزّينبي ايَّ توظيفٍ سيّء لأيٍّ من الأدوات غير الطّاهرة، ولو بمقدار نقيرٍ، وهذا هو القاسم المشترك بين المنهجَين الحسيني والزّينبي، وهو القاسم المشترك الذي يجب ان تتميّز به كلّ حركات التّحرر خاصَّةً تلك التي ترفع قيم عاشوراء كشعارٍ لها سواء في المنطلق او في الأهداف.

انّ الذين يدّعون انّهم يسيرون على نهج الحسين عليه السلام وأنهم مُلتزمون بأُسس ومقوّمات الخطاب الزينبي ثم نراهم يوظّفون كلّ الأدوات المشروعة وغير المشروعة سواءً للوصول الى السّلطة او التشبّث بها بعد التَّمكُّن منها، انّما يحاولونَ خداع السُّذَّج والبسطاء من النّاس بشعاراتهِم البرّاقة التي يسيل لها لعابُ المستضعفين والمقهورين، ولكن مهلاً مهلاً {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.

اذا أردنا ان نحرص على الالتزام بالخطاب الزّينبي بشكلٍ دقيقٍ ومتكاملٍ، ينبغي علينا أولاً ان نعرفَ ما هي أسسهُ ومقوّماتهُ؟ وكيف يمكننا تحقيقها على ارضِ الواقع، فهو ليس مجرّد خطاب تاريخي انتهت صلاحيَّتهُ في وقتِها ابداً، انّهُ خطابٌ منهجيٌّ بكلّ معنى الكلمةِ يصلح لكلّ زمانٍ ومكانٍ بشرط فهمهِ ووعيهِ، والجديرُ بِنَا ان نهتمَّ لادراجهِ في مناهج الاعلام والحرب النّفسيّة والحرب النّاعمةِ في المدارس والمعاهد والجامعاتِ.

فما هي أُسس الخطاب الزّينبي؟ وما هي مقوّماتهُ؟.

هذا ما سنتحدّثَ عَنْهُ في الحلقات المتتالية من هذه المقالات في محاولةٍ لتلمُّس خارطةِ طريقٍ واضحةٍ وصريحةٍ.

اضف تعليق