q

اظهرت الايام القليلة الماضية في شارع كوردستان العراق علامات مثيرة تشير الى اضطراب الوضع الداخلي الناتج عن عجز حكومة الاقليم بتوفير متطلبات الشعب الكردي الاساسية، والتي بدت صعوبتها تزداد يوما بعد آخر نتيجة لتردي الوضع الاقتصادي واضطراب العلاقة مع المركز وصولا الى تفجر تظاهرات اجتاحت اغلب مدن اقليم كوردستان، اضافة الى وجود ازمة رئاسية داخل الاقليم، الامر الذي ساعد على تصاعد وتيرة التظاهرات الشعبية الكردية.

وعلى خلفية تشابك هذه الازمات، طرح مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية في ملتقى النبأ الاسبوعي في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، موضوعا تحت عنوان (أكراد العراق بين الاستجابة للمتغيرات الدولية او الانجماد المقدس)، بمشاركة عدد من الباحثين الاكاديميين والاعلاميين.

حيث تطرق مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية عدنان الصالحي خلال ادارته الجلسة الفكرية كمقدمة عن الامة الكردية الى التقسيم الجغرافي للشعب الكردي بموجب اتفاقية سايكس بيكو والذي قسم فيه كردستان إلى اربعة اجزاء، وكل جزء منها اصبح تابع لدولة اخرى، اضافة الى خوضه في السرد التأريخي والاحداث التي جرت على الشعب الكردي منذ اعلان الحكم الذاتي للاكراد عام 1970 مرورا بفترة سقوط النظام السابق وبعده وحتى تصاعد وتيرة التظاهرات الشعبية الحالية.

واوضح الصالحي الى ان العلاقة بين حكومة المركز في العراق والكرد قد مرت بحقب من الخلافات العميقة ادت إلى نشوب حروب طاحنة وكان الاقليم مصدر قلق لحكومة بغداد طوال تلك العقود، مشيرا الى استعمال القضية الكردية في العراق كورقة ضغط سياسية من الدول المجاورة على الحكومات العراقية المتعاقبة، مؤكدا على انهم جزء من لعبة دولية او اقليمية وليسوا موضع اهتمام لمن يشركهم في المعادلة الدولية.

خاتما ورقته الفكرية بالخوض في الازمات الاخيرة التي تعرض لها الاقليم مستعرضا الاسباب والدوافع التي أقدم عليها الشعب الكردي على التظاهر والمطالبات بالتغيير الحالي لإدارة الاقليم.

ثم طرح مدير الجلسة سؤالين على الحاضرين المشاركين في الملتقى:

السؤال الاول: هل الكرد على أعتاب مرحلة جديدة ستنتهي بالاستجابة للمتغيرات الدولية ام سيعود سيناريو 1994؟

الشيخ مرتضى معاش اشار الى ان هناك عدة متغيرات دولية لا تصب في صالح مسعود البرزاني وحزبه الديمقراطي، منها ازدياد قوة اكراد سوريا وتوجههم نحو تحرير منطقة الرقة السورية من عصابات داعش الارهابية، وايضا الاكراد في تركيا يعتبرون اليوم ورقة جدا مهمة في الانتخابات التركية مما يساعد على صعود حزب العمال في تركيا، وبين هذه المتغيرات الكردية في دول المنطقة يتسم موقف اكراد العراق بالضعف بسبب الادارة الفاشلة لرئيس الاقليم مسعود البرزاني، وانتهاء ودوره في التأثير السياسي واللعبة الديمقراطية في الاقليم والمنطقة.

باسم فاضل عبد عون باحث في مركز الفرات تطرق الى ان الاكراد يعتبرون جزء من اقلية في العراق، حالهم بذلك حال اغلب الاقليات في العالم، ولا تستطيع هذه الاقليات بصورة عامة الاندماج مع بلدان العالم الثالث وتواكب التطور العلمي والتكنولوجي وخصوصا بعد الانفتاح الذي حصل بعد الحرب العالمية الثانية، ومشكلة اقلية الاكراد في العراق برزت بسبب النظام السياسي العراقي الذي اتسم بالضعف بعد عام 2003 وايضا استمرار الازمات بين الاقليم والمركز، مما ساعد ذلك على عدم الاندماج مع حكومة المركز. موضحا ان حلفاء الاقليم لا يسمحون بالخروج عن تطبيق قوانين الاقليم والدخول في دائرة الصراع الداخلي والاقتتال الطائفي كما حصل عام 1994.

الدكتور علاء الحسيني الباحث في مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات والاستاذ في جامعة كربلاء كلية القانون اشار الى ان البرزاني في الفترة الاخيرة انقلب على حلفاءه الاكراد وحلفاءه الشيعة مما سبب حرج على الرئيس السابق الطالباني وحزبه والرئيس الحالي معصوم مع حكومة المركز.

واضاف قبل 9/6/2014 أصبح الوضع الكردي يسير في مسارين، مسار متطرف اختطه البرزاني في الفترة الاخيرة ومناداته بالانفصال واقامة الدولة الكردية، ومسار معتدل يساير حكومة المركز انتهجته حركة التغيير والطالباني، هذان المساران لم يعودا فعالين بسبب سحب شرعية البارزاني من الشارع لأنه حاليا يعتبر خارج سلطة القانون، اضف الى ذلك الحلفاء الاكراد التجأوا الى سحب البساط من تحت البرزاني، لذلك هو اليوم في موقف متخبط ولا يعرف ماذا يريد وبدأ بالانقلاب على الديمقراطية وعلى مبادئ الاقليم.

مؤكد على ان مسألة الازمة الكردية اليوم تعيد الى اذهاننا ماحدث عام 94 الا انها لا تصل الى الاقتتال الداخلي وانما ستؤدي الى زوال البرزاني من السلطة.

اما الكاتب الاستاذ خليفة محمد فقد اشار الى ان الاكراد حاول ايجاد ثغرة بسيطة في الدستور العراقي لأجل قيام الدولة الكردية والانفصال عن حكومة المركز وتسليط الضوء على المعتقد الديني عند الاكراد لكنهم لم يستطيعوا من تنفيذ هذه الخطة المرسومة، فمن المفروض كان على الاكراد ان يستفيدوا من الحكومة العراقية وخصوصا بعد توليهم مناصب حساسة وقيادية متقدمة فيها، ان يشكلوا دولة عراقية فيدرالية تقدمية كما حصل في الدول التي تضم الاقليات وشكلت حكومات متقدمة.

اما الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات والاستاذ في جامعة كربلاء اشار الى ان الاحداث التي مرت بعد السنة والنصف الاخيرة قد فاجئت الكثير من المحللين وقناعاتهم، فقد كانوا يعتقدون بانفصال الاقليم والحكم الديمقراطي وممارسة دوره كلاعب اساس في الشرق الاوسط، الا انه تم ضرب هذه القناعات من الاساس فأثبت اقليم كردستان على انه احد مناطق دول الشرق اوسطية غير المستقرة ولا يمكن ان يستقر، وان نظامه السياسي لا يحتوي على جوهر حقيقي لبناء الديمقراطية لأنهم جزء من المشهد العراقي وليس الديمقراطي.

تشبث البرزاني في السلطة هو فشل بالكامل لحكومة الاقليم، والفشل أصبح واضحا في القيادة السياسية، وخصوصا بعد محاولة تسويق الاقليم على انه يكفل الحريات وممارسة الديمقراطية. معتقدا ان الاقليم سيبقى ضمن حدوده الادارية ولا يمكن للارهاب التمدد في داخله، ولا يصل ايضا الى مرحلة الاقتتال الداخلي لعدم وجود ارادة خارجية توصله الى هذه المرحلة.

الاستاذ حمد جاسم الباحث في مركز الفرات فقد رأى بأن هناك اسباب عديدة ساعدت البرزاني على تمسكه بالسلطة منها، عوامل تأريخية مرتبطة بالارث العشائري والقبلي في توليهم السلطة، ومنها ما يرتبط اقتصاديا وليس سياسيا فقط وخصوصا فيما يتعلق بمسألة تصدير النفط وحصرها بيد الحزب الحاكم فقط.

هذه العوامل ولدت تكوين ادارة جديدة منفصلة عن ادارة الاقليم المركزية مما اصبحت هذه الادارة ورقة ضد بالتهديد بالانفصال واعلان اقليم في داخل اقليم كردستان، أضف الى وجود التنافس الشديد بين الاحزاب الكردية ضد الحزب الحاكم، هذه المعطيات ستساعد الحلفاء الاكراد بالانفصال الى اقليمين في كردستان وربما سيكون قريبا اذا لم يحدث تقديم التنازلات من قبل البرزاني بتخليه عن السلطة.

مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات الاستاذ احمد جويد افاد في سياق حديثه بأن الصراع الداخلي في الاقليم لم ينته منذ عام 2003 ولكن لم يكن ظاهرا للعلن لأن البرزاني كان يصدر مشاكل الاقليم الى مشاكل مع حكومة المركز، وبسبب ابتعاد حكومة المركز عن حكومة الاقليم برزت مشاكل الاقليم على الشارع وتزداد حدتها يوما بعد آخر، ومن المفروض ان تجابه حكومة الاقليم نفسها بنفسها.

اعتقد ان الاقليم يسير باتجاه قيام ادارتين منفصلتين عن بعضهما اذا بقيت اسرة البرزاني تسير بنفس الاسلوب والطريقة التي تسير عليها حاليا.

السؤال الثاني: حلم الانفصال وإقامة الدولة الكردية هل ما يزال قائما ام ان الحديث عنه اصبح ضربا من الخيال بفقدان جسور الثقة بين الاطراف الكردية؟

الشيخ مرتضى معاش تطرق الى ان الاكراد لا يملكون هدفا واضحا، وهم يتغيرون مع كل تغيير يكون داخلي او دولي ويبقى حلم القيام بالدولة الكردية متغيرا، لذلك اصبح حلم البرزاني ضائع في ظل التغييرات الاستراتيجية الدولية التي تقام حاليا وبالتالي ضعف البرزاني نتيجة لضعف الدول الاوربية المساندين له.

باسم عبد عون فاضل اكد على ان قيام الدولة الكردية يحتاج الى مقومات منها العلاقات الدولية والدستور الدائم والادارة الداخلية، وهذه الامور نجد ان الاقليم يفتقر الى اغلبها فمن غير المعقول قيام دولة كردية بشعب تحكمه الارث العشائري، اضف الى الاختلاف بين الاحزاب الكردية سيؤدي الى انهيار هذا الحلم مع استمرار الازمة.

الدكتور علاء الحسيني اشار الى ان الاكراد منقسمون الى اتجاهين اتجاه مع البرزاني ذا الطابع العشائري، واتجاه مع التغيير الذي يحاول الاقتراب مع حكومة المركز، وهذا الانقسام سينعكس على الطابع العام للإقليم الذي سيتجه ربما الى قيام ادارتين مما يصعب على الساسة الاكراد تحقيق حلم قيام الدولة الكردية.

الدكتور خالد العرداوي ذهب الى ان الامور في الاقليم تعاني من حالة صحية فالانسجام العام اذا لم يتناغم مع باقي المفاصل فأنه سيعاني من المرض والتهالك، فالمجتمع اليوم بدأ برفض الظلم بكل انواعه، وما يمثله البرزاني بقيام الدولة الكردية ماهو الا حلم يبقى في اذهانهم لأن البرزاني اليوم يواجه التحدي الاقتصادي والاجتماعي ومخالفة النصوص الدستورية.

الاستاذ حمد جاسم رأى بأن الموقع الجغرافي يقف حدا مهما في سبب عدم اعلان قيام الدولة الكردية بسبب معارضة دول الجوار التي تحتضن الشعب الكردي فيها، ولا اعتقد تحقيق هذا الحلم لانه يعتبر ضرب من الخيال.

المشاور القانوني احمد جويد اجاب عن هذا السؤال بالقول الى ان الاكراد حاولوا ابراز الاقليم على انه نموذج مصغر للدولة الكردية من خلال الديمقراطية الحديثة واظهار مدنيتهم، ولكنها فشلت في ذلك بسبب ازماتها الداخلية وصراعاتهم على السلطة، وهذه المشاكل والازمات الداخلية ستؤدي بهم الى القضاء على حلمهم الكبير باقامة الدولة الكردية، وربما تعود بهم الامور الى سابق العهد.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

 

اضف تعليق