q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

الحشد الشعبي لمكافحة الفساد

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

العراق بلد ثري، لكنه يعاني من شبكة فساد معقدة، تضاهي خطر الارهاب الذي يعاني منه منذ عقد من السنوات، لذلك ثراء هذا البلد، لا يظهر للعيان، ولا يستفيد منه شعبه، فهناك خطران يتهددان هذا البلد العريق، الأول واضح ومعروف يتمثل بالارهاب وتوابعه، والثاني يتجسد بعمليات الفساد الهائلة التي تستبيح مؤسسات ومنشآت ودوائر العراق.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (إذا قام الاسلام في العراق)، حول هذا الجانب: إن (العراق يسبح فوق ثروات هائلة من المعادن والنفط، بالإضافة الى المحاصيل الزراعية والحيوانية، ومن الناحية الجغرافية فإن العراق يحتل موقعا هاما في وسط العالم وهو المركز الذي يربط بين الشرق والغرب.. وخط الاتصال وملتقى الحضارات).

إذاً هذه هي صورة العراق الفعلية، والآنية، على الرغم من مرور عقود على تأليف هذا الكتاب، وكأن الامام الشيرازي يستشرف ويتنبّأ بما سيعاني منه هذا البلد المعطاء، لذلك ركّز سماحه منذ زمن مبكر على أهمية مكافحة الفساد بكل انواعه وصوره، لأن الأدلة والوقائع تشير الى وجود ترابط بين الفساد والارهاب، ولعل التجارب أثبتت بأن الارهاب الذي يضرب البلد يتغذى على شبكات الفساد التي تضرب البلد بكل عنف وتحاصره من كل حدب وصوب، ولا شك أن الفساد له ابعاد وأشكال وانواع وصور، لذا لابد أن تكون عمليات المكافحة ذاب تصوّر وبعد شامل، يضع في الحسبان مقارعة انواع الفساد كافة.

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي بكتابه نفسه قائلا في هذا المجال: (لابد من محاربة الفساد بجميع أقسامه، كالفساد الإداري والاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك، فإن الفساد يوجب تأخر الأمة وتذمر الشعب بعد أن يسلب اطمئنانهم بالدولة). نعم يعد الفساد من أكبر الاسباب التي تؤدي الى تأخر الدولة والمجتمع معا، خاصة أنه يتغلغل في جميع مفاصل الحياة، والمجالات المتعددة للدولة، كالاقتصاد والادارة والاجتماع والصحة وما شابه.

ولعلنا نعي معاناة العراق من الفساد الاداري ايضا، إذ يشرحه الامام الشيرازي قائلا: إن (الفساد الإداري يحصل بالرشوة وتقديم المحسوبية والمنسوبية وتأخير أعمال الناس إلى غد وبعد غد بما يتضمن ذلك من تلف العمر والمال.. وأخيرا يقود الى الضجر العام وكثيرا ما ينتهي إلى سقوط الحكومة).

الفساد الاجتماعي والاخلاقي

من المشاكل الخطيرة التي يتسبب بها الفساد، أنه لا يتوقف عند حد معين، ولا يكتفي بتدمير مجال واحد من مجالات الحياة، بل الفساد يشبه الاخطبوط، إذ يمد أذرعه في جميع الاتجاهات حتى ينتشر أكثر وأكثر، لتصبح مقاومته والحد من سطوته غاية في الصعوبة والتعقيد، لذلك مثلما كان هناك تحشيدا جماهيريا لمواجهة الارهاب، لابد أن تلجأ الحكومة العراقية والدولة برمتها الى هذا النوع من المقاومة لتحقيق النجاح المطلوب في الحد من مخاطر الفساد، لاسيما اذا عرفنا ان ثمة انواع خطيرة منه، ما تلبث أن تتوغل اكثر في المجتمع، فينتج عن ذلك مظاهر عديدة، تؤكد انواعا جديد من الفساد.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال، بكتابه المذكور نفسه: (من مظاهر الفساد الاجتماعي والأخلاقي، تفشي الخمر والقمار والزنى والشذوذ الجنسي والاحتيال والخداع والكذب والنميمة إلى غير ذلك). وهذه مظاهر عن انحلال المجتمع وانحداره، ويضيف سماحته أيضا: (هناك مؤشرات عن الفساد الاقتصادي مثل الاحتكار وسوء توزيع الثروة مما يقتل الغني تخمةً والفقير جوعا). ولعل المتابع يستطيع أن يمسك بخيوط الفساد التي لا تزال متفشية في مؤسسات الدولة العراقية لاسباب معروفة، تستدعي تحشيدا شعبيا ورسميا متواصلا للحد منه ومن ثم القضاء عليه بصورة متكاملة، من خلال تشريعات رادعة مدروسة، يتم تنفيذها وفق رؤية متطورة، تضع حدا لشبكات الفساد المستشرية والداعمة للإرهاب.

ولعلنا نلاحظ الرؤية الثقافية للامام الشيرازي عندما يقول في كتابه المذكور نفسه حول الفساد:  إن (ما نراه من كثرة المشاكل وزيادة الفساد في كثير من البلاد الإسلامية سببه، ترك القوانين الإسلامية وكبت حريات الناس والظلم الكثير وما إلى ذلك). وهذا يؤكد أن الفساد له اسبابه  التي لابد من رصدها وحصرها بوضوح ليتسنى معالجتها، ولكن ينبغي أن تتحول قضية مكافحة الفساد الى حالة جماعية، يمارسها الشعب بكل مكوناته، بمعنى أن الفرد والجماعة ينبغي أن يكون لهم دورهم في هذا الصدد، بمعنى التحشيد المتواصل لهذا الخطر الداهم، وهناك ايضا جانب مهم يتعلق بمكافحة الفساد، يتمثل بتوفير احتياجات الشعب، ومتطلباته على الاصعدة المتنوعة حتى يكون هناك حالة ردع جماعية للفساد.

كما نقرأ ذلك في رؤية الامام الشيرازي قائلا: (لا يمكن تطبيق نظام العقوبات ما لم تطبق قوانين الإسلام الأخرى بحيث توفر الدولة كل مستلزمات الحياة السليمة والصحيحة للناس).

عوامل مساعدة ضد الفساد

ومن أساليب مكافحة الفساد، فضلا عن تفعيل الحشد الشعبي لمقاومته، ورصده وفضحه، وما الى ذلك من اجراءات شعبية وحكومية، مسألة التصنيع والاكتفاء الذاتي وتقليل البطالة، والعوز والفقر، فكل هذه العوامل تقف مجتمعة بالضد من الفساد، بمعنى أننا نتفق على ان الفقر بكل اشكاله يساعد على الفساد، والعوز ونقص الحاجات والخدمات، كل هذه العوامل مجتمعة تساعد على خلق حاضنة او بيئة ملائمة للفساد وانتشاره وتناميه بين مفاصل الدولة والمجتمع، ولكن لو تم التخطيط بصورة جيدة لأعمال ومشاريع تصنيعية تمتص البطالة، وترفع من المستوى المعاشي للفرد، وتحقق ايرادات مضاعفة للدولة من خلال تحقيق درجة معينة من الاكتفاء الذاتي، فإن هذه العوامل حتما سوف تحد من حالات الفساد، وتدفع الفرد وعموم مكونات المجتمع، الى مقارعة كل اشكال الفساد، وتقبرها وهي في مهدها.

يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور أعلاه، عن هذا الموضوع: إن (التصنيع يعطي حاجات البلاد ويوجب الاكتفاء الذاتي ويقلل من نسبة البطالة إلى أقل حد ممكن ويؤدي الى رفع العوز والفقر ويقف حائلا دون التضخم وكل ذلك بدوره يؤدي الى تقليل الفساد الأخلاقي، والسرقة، والمرض، واستعمال المخدرات، ونحوها). وهكذا يمكن ان تتكون لدينا عوامل مساعدة على مقارعة الفساد، بالاضافة الى الحشد الشعبي المشابه للحشد الذي يقاتل الارهاب الآن بصورة مباشرة، فالحقيقة ان الفساد هو نوع آخر من الارهاب يماثله بالخطر ويوازيه بالنتائج المدمرة، لذلك ليس هناك بديل من اعتماد الطرق والسبل كافة من اجل القضاء على الفساد والاهاب معا، علما –كما ذكرنا سابقا- أن القضاء على الفساد يقطع على الارهاب أهم سبل البقاء ونعني به التمويل، وقد يقول قائل ان هناك فساد مالي واداري لا يذهب الى الجهات التي ترعى وتدير عمليات الارهاب، هنا لابد أن نؤكد أن أي خلل في المنظومة الانتاجية للدولة والمجتمع، سوف تساعد الارهاب وتضاعف من قوته وبطشه، سواءً قصدت ذلك أم لم تقصد.

كذلك لابد أن ترافق عمليات الحشد الشعبي ضد الفساد، وتفعيل العوامل المساعدة الاخرى، قضية تشريع العقوبات اللازمة للحد من هذا المرض العضال الذي يفتك بالنسيج المجتمعي، ويستشري في مؤسسات الدولة والحكومة، لغرض ضبط النظام، وتحقيق الامن في المستويات والاصعدة كافة، فالامن لا يعني فقط تهديد السلاح للشعب، إنما هناك الامن الغذائي والثقافي والصحي والاجتماعي وما شابه، كل هذه المجالات بحاجة الى تحقيق الدرجة الأعلى من الامن، لأنها جميعا تصب في تحقيق هدف القضاء على الارهاب، وهذا يستوجب تثبيت النظام والامن بقوة التشريعات التي تتعقب المجرمين.

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي قائلا بوضوح شديد: (إن النظام والأمن لا يستتب إلا بعقاب المجرم).

اضف تعليق