q
على الحاكم العادل أن يختار من بين مواطنيه من كان أكثر كفاءة وقدرة على إدارة شؤون البلاد، وألا يختارهم على أساس الولاء، فكل من يواليه ظاهرا أو باطنا يكون هو المقرب إليه، فالولاء ليس معيارا سليما لمن يتولى إدارة الأمة ويرعى شؤونها. وللأسف فان اختيار المسؤولين التنفيذيين، وخاصة الوزراء...

في معرض حديثه عن السلطة التنفيذية؛ يشير السيد مرتضى الشيرازي إلى مجموعة من القواعد العامة التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار عند اختيار المسؤولين في السلطة التنفيذية، لاسيما كبار المسؤولين. وهو يستند إلى أقوال الإمام علي عليه السلام في هذا المجال. وأهم تلك القواعد هي:

1. عدم اِسْتيزار من كان وزيرا للظالم:

يرى أنه لا يجوز اختيار مسؤول أو وزير كان في حكم مسؤولا أو وزيرا في حكومة الأشرار والظالمين، وقد شاركهم في الآثام والمظالم التي لحقت بالناس. حيث إن المجرب لا يجرب، وان شاكلة الإنسان لا تتغير عادة. فقد قال الله تعالى: (قل كل يعمل على شاكلته) واحتمال التغير الذاتي والتوبة الحقيقية وإن كان واردا لكن استيزار هكذا أشخاص خلاف الاحتياط جدا، بل هو خطر. لذا يقول الإمام علي عليه السلام: (إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً، ومن شركهم في الآثام! فلا يكون لك بطانة، فإنهم أعوان الآثمة وإخوان الظلمة..).

2. تقريب غير المجاملين:

لعل القاعدة العامة للحكم أن الحاكم يقرب من ينصره، ومن يمدحه، ومن يشيد به، ومن لا يتعرض له بنقد أو الجرح، فان وجد شخص من بين حاشيته ينتقد الحاكم فان مصيره إما العزل أو التعذيب أو القتل. وفي الغالب فان أنصار الحاكم يعينون الحاكم على الظلم ومجافاة الناس. لذا فإن على الحاكم العادل أن يختار من حاشيته ووزراءه من يقول الحق، ومن يبدي رأيه دون خوف أو وجل، ولا يقبل بإجراءات فيها ضرر محتمل على الناس. وأن يتحمل نصح هؤلاء، ولا يضيق بهم ضرعا، فالحاكم مهما علا شأنه وقدره، فانه بحاجة إلى من يصوب له قراره، ويشير عليه ما فيه مصلحته ومصلحة شعبه وأمته. لذا يقول الإمام علي عليه السلام: (ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك، وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه، واقعاً ذلك من هواك حيث وقع..).

3. تقريب الصادقين والأتقياء:

إن الحكم العادل يتطلب وجود رجال عدول، والرجال العدول هم الرجال الذين يصدقون القول دائما، سواء كانوا بمحضر الحاكم أم بمحضر عامة الناس، فديدنهم دائما الصدق، وهم لا يكذبون، ولو كان ذلك فيه ضرر عليهم خاصة. وأكثرية الناس للأسف يجاملون الحكام أما خوفا وأما طمعا، ويترددون في النصيحة خشية أن يصيبهم غضب السلطان.

وعلى الحاكم العادل أن يضع نظاما صارما في عدم السماح لأحد من حاشيته أو وزراءه أن يتمادى في مدحه أمام الناس؛ لان ذلك يدفع الآخرين إلى التزلف والكذب، بغية رضا الحاكم. فتختلط الأمور عند الحاكم، فلا يعرف حقيقتها. يقول الإمام علي عليه السلام: (والصقْ بأهل الورع والصدق، ثم رُضْهُم على أن لا يطروك، ولا يَبْجَحُوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تُحدث الزهوة، وتدني من الغِرَّة...).

4. اختيار أهل الكفاءة:

على الحاكم العادل أن يختار من بين مواطنيه من كان أكثر كفاءة وقدرة على إدارة شؤون البلاد، وألا يختارهم على أساس الولاء، فكل من يواليه ظاهرا أو باطنا يكون هو المقرب إليه، فالولاء ليس معيارا سليما لمن يتولى إدارة الأمة ويرعى شؤونها. وللأسف فان اختيار المسؤولين التنفيذيين، وخاصة الوزراء في الغالب يكون على أساس ولائي وحزبي وعشائري، مما يفقد السلطة قدرتها على إدارة شؤون الناس وتقديم الخدمات لها. يقول الإمام علي عليه السلام: (ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا، ولا تولهم محاباة وأثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة...).

5. اختيار أهل التجربة والحياء:

إن إدارة الدولة وتيسر شؤون المواطنين يحتاج إلى أناس لهم خبرة ودراية ومعرفة بإدارة الدولة وأحوالها. لأن القرارات والإجراءات والقوانين التي تسن ستؤثر على حياة الناس إيجابا وسلبا، فالقرارات والقوانين التي تصدر عن مختصين وعارفين ومجربين تكون أكثر قبولا واحتراما وتقديرا لدى عامة الناس، لأنها ستعالج مشكلة ما، على عكس القرارات والقوانين والإجراءات التي يتخذها أناس ليس لهم معرفة وتجربة فإن أثارها السلبية ستظهر عاجلا أم آجلا، وستضع الدولة والحكومة في مواجهة مع عامة الناس. يقول الإمام علي عليه السلام: ( وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، وأصح أعراضا، وأقل في المطامع إشرافا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا. ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم...).

6. الرقابة على المسؤولين:

إن المسؤولية تقتضي إرسال العيون على المسؤولين وأعوانهم، لا على الناس، وأفراد الشعب، فقد دأبت الحكومات -خاصة المستبدة- على التجسس على الناس، وعلى المعارضة، مع أن القاعدة هي حرمة التجسس على الناس (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا) وأن الواجب هو إرسال العيون على المسؤولين، ولكن لا على أحوالهم الشخصية، بل فيما يتعلق بمسؤولياتهم ووظائفهم. وشرط أن تكون العيون من (أهل الصدق والوفاء) والهدف من ذلك كله هو استعمال الأمانة والرفق بالرعية. يقول الإمام علي عليه السلام: (ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوه لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية...).

7. معاقبة المسؤولين:

من المسائل التي تستقيم بها إدارة الدولة ويسعد الناس بها، ويوجب ثقتهم ورضاهم هي مسألة المسؤولين ومحاسبتهم، فلا يجب مراقبة المسؤولين في أداء وظائفهم بل الواجب محاسبتهم عند ظهور الإساءة منهم أو التقصير في عملهم. يقول الإمام علي عليه السلام (وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة...).

..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2023
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق