q

قبل أشهر قليلة منع مسؤولو احدى المدن بوسط روسيا، ممارسة اليوجا في مدينتهم، بعدما انتشرت بشكل يشبه انتشار دين جديد.

وفي تاريخ سابق يعود الى يوم 18 نوفمبر من عام 1978، كان الأمريكيون على موعد مع فاجعة جعلت العالم بأكمله يقف مشدوهاً غير مصدّق...لقد قام نحو 900 شخص بالانتحار الجماعي مع بعض في مكان وزمان واحد وذلك في مزرعة (جونز تاون) التي كانت مركزا لطائفة دينية غريبة الأطوار عرفت باسم "كنيسة الشّعب".

تأسست الحركة عام 1956 على يد (جيم جونز). وهي الأعوام التي كانت مسرحاً لدعاة التحرر والانعتاق من كل دين أو ضابط، مما أدّى لظهور عشرات الطوائف الدينية الجديدة.

استخدم الانثروبولوجيون دائما مصطلح الحركات الدينية الجديدة خلال العقود السابقة. ويستخدم اليابانيون مصطلح الأديان الجديدة منذ عدة عقود لتوصيف مجموعة من الحركات الجديدة ذات أصول ترجع إلى الديانة اليابانية أو إلى البوذية أو إلى معتقدات تلفيقية.

هناك عدد كبير من الحركات الدينية الجديدة ظهرت وستستمر في الظهور لكن هذا لا يعني أنها ستحتل مكان الأديان الكلاسيكية. حركات دينية جديدة كثيرة لا تزال متواضعة وبعضها سيتلاشى مع الوقت، لكن أيضا هذا لا يمنع أن تشكيلة متنوعة من الديانات ستستمر في التزايد.

هنا لابد من التفريق بين نوعين من الحركات الدينية الجديدة؛ أولا هناك جماعات تنحدر مباشرة من التقاليد الدينية الموجودة وتبني عليها ومن ثم تطالب بأنها اكتشفت ماهية هذه الأديان وأنها تمتلك الفهم الصحيح لها.

ثانيا، هناك جماعات أخرى لا تنحدر مباشرة من تقليد ديني مؤسس بالرغم من أنها يمكن أن تحتوي على عناصر من الأديان الموجودة...هذا يمكن أن يكون مثال العديد من الديانات اليابانية الجديدة مثلا. حسام تمام / من حوار مع الاكاديمي السويسري (جان فرانسوا مايير)/مسار حركة الأديان في العالم، تأثيرات الإنترنت على الدين والحركات الدينية الجديدة.

ارتبط ظهور هذه الظواهر الدينية بهذه الصورة الغزيرة في جزء منها بحركة الثقافة – المضادة. وقد شكلت هذه الظواهر (ركاما صوفيا – ذوقيا) واسعا وجملة من عقائد لا توافق فيها: مجموعات توفيقية من اصل شرقي (بوذية جديدة، هندوسية جديدة) وتأقلم ديانات غريبة مع الغرب، طوائف شبه مسيحية (العلمويون، المون، شهود يهوه) حركات العصر الجديد، مجموعات ذوقية مختلفة (جند الهيكل، الصليب الوردي).

وبشكل أكثر توسعا، تطورت الممارسات والعقائد الموازية بشكل غزير: التنجيم، الرؤى، إعادة لتجسد، توارد الخواطر، تجربة الموت الوشيك، وغيرها.

ترافق انحسار الديانات الكبرى القائمة في اوربا، والذي نلاحظه منذ عدة عقود، مع انتشار عقائد من كل نوع ومع تغلغلها. ان انحسار تأثير الديني (الكلاسيكي) لا يعني ابدا نهاية التدين. ففي العالم العلماني، التعددي والخالي من المقدس، عالم الحداثة، يعود الديني تحت اشكال غير منتظمة، غالبا ما تكون هرطقة تنتشر بشكل فوضى. ويصبح التدين حرا، وجاريا وعاما. هكذا بعد نظر علماء اجتماع الدين مطولا حول التحول الى الدنيوي وبعدما تكهنوا بالخروج من الدين، يهتمون الان مجددا بظواهر إعادة لتركيب الديني. هكذا تمت العودة الى الدين بوصفه موضوع بحث علمي.

وقد شدّ انتباه عديد علماء الاجتماع، خصوصا البريطانيين منهم، مثل إلين باركر وجيمس. أ. باكفورد وبريان ولسون، ظهور تجمّعات دينيّة جديدة، ذات مرجعيّات تراثية شرقية، في قلب المجتمعات الغربية ذاتها، محبّذين تجاوز نعتها بكلمة نِحَل إلى تسميتها بالحركات الدّينية الجديدة. جون بول ولاّم/علم الاجتماع والظّواهر الدّينية المعاصرة

نحت علماء اجتماع الدين عبارة (الحركات الدينية الجديدة) وهي عبارة محايدة، لكنها عامة جدا وشاملة، وذلك لجعلها بديلا عن عبارة (الطوائف) المثيرة للجدل والتي يشار اليها سلبا. الا ان المناضلين الذين يلتزمون الصراع المناهض للطوائف انما يشعرون بالمخاطرة بمزيج إيجابي: والكلمة تشير برأيهم الى جماعات لا شيء ديني يجمعها.

ان حدود التعبير عن الحركات الدينية الجديدة حدود تتضح مع كنيسة العلمويين، التي يرى فيها العديد من علماء الاجتماع ومنهم جان بول وليم ودانييل هيرفيي ليجي استثمارا له اهداف مربحة ويعرض تقنيات علاجية ورفاهية شخصية. وثمة علماء اخرون، أمثال ماسيمو انترفين يدافعون عن السمة الدينية الصرفة عند العلمويين ويجعلون منها نموذجا للحركات الدينية الجديدة.

الى جانب ذلك سجل علماء الانثروبولوجيا الحقليون قوة وإعادة تحريك مايعرف بـ (المقدس البري) (بحسب تعبير روجيه باستيد) أي إعادة تحريك ما يسمح بالتواصل المباشر مع (ما فوق الطبيعة) ان حيوية طقوس الاستحواذ (الى جانب ظهور طقوس جديدة كما هو الحال في شرق افريقيا) تجدد الشامانية (اميركا الجنوبية، كوريا، اسيا الوسطى) كانبثاق الممارسات الشامانية بالتزامن مع وسط مدني، وأخيرا ظهور شامانية جديدة من اصل غربي. وتتوافق هذه الطقوس مع الحداثة، اذ تثير الحركة في فكر رمزي شديد المرونة، وإبراز وظيفة هذا الفكر العلاجية. وهذا ما يبدو واضحا، على سبيل المثال، من الانتشار السريع للحركات الكاريزماتية، والانجيلية، لاسيما في اميركا الجنوبية او في افريقيا، او مع راديكالية بعض الحركات (كالعودة الى التوراة: اسفار موسى الخمسة في اليهودية، او الأصولية الإسلامية العنيفة).

يعتبر علماء الاجتماع ان فردنة العقائد وذاتيتها والممارسات هي من المظاهر الواضحة في هذه الحداثة الدينية. فالحقيقة تمتلك بعد الان بشكل شخصي، والمبادرة الدينية صارت بمتناول الافراد. في هذه الاثناء يتم الحديث عن (طلب) وعن (التماس) او عن (بحث روحي) مع تشتت العقائد وانقساماتها، يرفض الفاعلون أكثر فأكثر، الأنظمة الملزمة، التي تشكلت خارجا عنهم. فالعقائد قد انفصلت عن الأطر التي حددتها الكنيسة. وصار الدين يعاش كما لو كان وسيلة تفتّح شخصية، ما يتيح للفرد ان يصبح ذات وجوده الخاص. لقد صار الانتماء الديني نتيجة خيار ارادي واطاعة السلطة الواحدة على المدى الطويل (المعلم، الكاهن الكاريزماتي، القس) قد صارت غير مقبولة. اذ لم يعد الدين يعمل تبعا لحالة اقصائية، بل بديلة.

ما نشهده هو عبارة عن تقلب في العقائد والطاعات، انه حراك كبير (ان العقيدة التي لا تعرف مكانا ثابتا) تنتقل من مكان الى اخر، وتبتعد عن نموذج (المؤمن) القديم. لقد تحول هذا التنوع الشخصي الى ديانة على الطلب، الى ايمان بحد ادنى، واحيانا الى (ديانة الحبيب) وهي عبارة استخدمها انصار العصر الجديد.

نجد في الاشكال الجديدة للعقيدة مظهرا يوحي بالاستهلاك. وتندرج هذه الاشكال في سياق المضاربة والتنوع في المخزون الديني. اذ تجمع منتجات الخلاص هذه وذات الفاعلية المباشرة غالب الأحيان بين الروحانية والعقلانية الاقتصادية، وبين الجاذبية وإدارة تقنيات التطور الشخصي. تؤدي العولمة الى تحفيز تحول الديني الى بضاعة. ففي السوق العالمي القائم على المضاربة يحكم على الموارد السحرية -الدينية تبعا لفاعليتها، انه تصور (استثماري) للدين، وهو يتأكد لان الحركات الدينية تعمل كما لو كانت استثمارات صغيرة تقدم خدمات رمزية بهدف ربحي.

في تنظيم المجموعات والشبكات الدينية الجديدة غلبت الجاذبية الشخصية على جاذبية الوظيفة: تتشكل المجموعة الجديدة حول قائد يقدم منفعة دينية مبتكرة، كما فعل دايسين دشيمارو مع بداية نقل البوذية (الزن) الى اوربا. وبفعل عملها من خلال شبكات عابرة للأمم، سرعان ما تتجاوز الحركات الدينية الجديدة الحدود لتندرج بذلك في العولمة. كذلك يساعد انفتاح المسافات على تنوع العقائد وعلى توافقيتها. هذا الى جانب تضاعف المواقع الدينية على شبكة الانترنت. كذلك برز العديد من الفاعلين العابرين للأمم، الذين يتميزون بصفة لاشكلانية وبالبحث عن مشروعية جديدة. انهم الأشخاص الذين يولعون بالدين: الانجيليون الوعاظ على التلفزيون، زعماء أنصار العنصرة في بلدان الجنوب، الى جانب المسؤولين عن الحركات الهندوسية الجديدة، والانبياء الجدد وسواهم. اذ يلعب الزعماء الكاريزماتيون على هذا السجل المشهدي الإعلامي.

يضبط علماء الاجتماع خصائص مشتركة بين هذه الحركات الدينية الجديدة، منها البحث عن الخلاص عبر السعي لبلوغ السّكينة في عالمنا؛ والتثمين للتّجربة الخاصة بما لها من صلة بالاختبار الذاتي، لا بصفتها ضربا من الاعتقاد المسقط، حيث يلزم كل فرد العثور على الطريق التي تنبغي له؛ والإيمان الشمولي بوحدة أساسية بين الكائنات والجمادات فيها الشعور بالانتماء إلى كلٍّ متّسعٍ؛ والائتمان على الذّات والتطوير لفكر وضعي. وقد كشف ف. شمبيون عن اعتقاد تلك الشّبكات الصّوفية الغيبية في صلة وثيقة بين العلم والدّين، لما لها من تأويلات علمية لمفاهيمها الدّينية. وبالإضافة، عاين ج. ب. رونار في دراسته للاعتقادات الخفيّة تواجد توليفية علمية دينية لديها. جون بول ولاّم /علم الاجتماع والظّواهر الدّينية المعاصرة

اضف تعليق