q
أصل الفكرة ينم عن رؤية استراتيجية تسعى وزارة التعليم العالي الى تفعيلها في البلاد التي تهالكت منظومتها الاكاديمية والتعليمية على حد سواء، لكن ما نخشاه هو غياب المرتكزات التي تجعل من المبادرة ترتقي الى حيز التطبيق الناجح وليس الشكلي ومن ثم الذهاب الى ركن الإهمال والنسيان كغيرها من المبادرات على الصعيد الوطني...

وصل الكرم العراقي الى المستوى السياسي والرسمي، حيث أطلق وزير التعليم العالي والبحث العلمي السيد نعيم العبودي مبادرة دراسية توسمت بــــ"ادرس في العراق"، في دعوة صريحة منه للطلبة الأجانب من اجل القدوم الى العراق لإكمال دراستهم الأولية والعليا.

السيد العبودي يرى بان المبادرة لها قدرا كبيرا من الأهمية؛ لما تحمله من ابعاد استراتيجية، بالإضافة الى انها تعمل على رفع ترتيب الجامعات العراقية في التصنيفات العالمية التي تحرص اغلب الجامعات الدولية على الانخراط فيها.

أضف الى ذلك فان الطلبة الوافدين الى العراق لإكمال دراستهم في العراق من الممكن ان يكونوا سفراء دون مقابل للبلاد التي وفرت لهم تعليم مجاني وضمان صحي، وكل ذلك لا إشكال فيه وليس غريب ان اغلب الدول التي توفر مقاعد دراسية تضع امام عينها هذا الهدف الكبير.

الا ان الإشكال الذي وقع فيه وزير التعليم العالي والبحث العلمي هو عدم درايته او تغاضيه عن البنية التحتية للجامعات العراقية، فهي لا تحتوي على ما يؤهلها لهذه المهمة، فلا تزال القاعات الدراسية لا يوجد فيها من أدوات تمكنها من الارتقاء الى ابسط جامعة في الدول المجاورة، اذ لا تزال الطواقم الاكاديمية تتبع الأساليب التقليدية في التدريس وطرح المادة العلمية.

وكذلك الافتقار الى ابسط المقومات الأساسية لعملية التعليم، ومع ذلك ترى الأساتذة ومن فوقهم رؤساء الجامعات واي وزير يأتي لإدارة دفة الوزارة يتبجح بأن لدينا مؤسسات اكاديمية رصينة، تضاهي ما يوجد في الشرق الأوسط، علاوة على ذلك تصدر اغلب الجامعات بين فترة وأخرى خبر يفيد بتقدمها وفق مقياس علمي غير معترف فيه في الأوساط العالمية.

المشكلة الأخرى التي وقع فيها وزير التعليم العالي هو عدم وجود الأرضية المؤهلة لتمرير هذه المبادرة حسب ما تم الإفصاح عنها، فلا يوجد في اغلب الجامعات العراقية التي خصصت مقاعد للطلبة الأجانب، معاهد لتعليم اللغة، فمن لا ينطق العربية سيواجه صعوبة غير معهودة في استساغة المواد العلمية وفهمها، قبل خوض مضمار الاختبار فيها.

وهنا تعمل الدول الكبرى ذات المكانة العلمية المتقدمة والمتطورة في المجال الأكاديمي، على تأسيس او افتتاح معاهد خاصة لغير الناطقين بلغة البلد، للقضاء على هذه الإشكالية وديمومة العملية الدراسية دون مشاكل او معوقات تذكر.

أتوجه اليك أيها الوزير صاحب المبادرة السامية التي ستندرج في يوم ما بملف اعمالك الإيجابية وخطواتك البنائية، هل فكرت بمستقبل هذه المبادرة على المدى البعيد؟، هل عرفت ما حجم التكاليف المادية التي على الحكومة العراقية تحملها؟، أليس من الأرجح ان تتجه الحكومة في السنوات الماضية الى تقليل عدد الطلبة المهاجرين في شتى البقاع بحثا عن شهادة عليا يدفعون مقابلها مئات الدولارات؟

هل يعقل ان نسمح للغريب ان يدرس في العراق ومن جهة أخرى نضيق على ابناءه في الحصول على شهادة عليا؟، المنطق يرفض هذه المعادلة، ويجعل الاولى في كل ما يوجد في البلد لأبنائه، وعندما تفيض المقاعد الموجودة عن الحاجة، حينها يكون إطلاق مثل هذه المبادرات ضرورة ملحة وواجب وطني تجاه البلد.

اسمح لي أيها الوزير لانضم ضمن قائمة المعترضين على هذه المبادرة التي تحمل في ظاهرها دوافع إيجابية وتعبر عن روح وطنية ورغبة حقيقية لرفع مكانة الجامعات العراقية، لكن فيما بعد ستتحول هذه المبادرة الى عبئ على الكاهل العراقي المثقل بالمصائب التي جلبتها له أحزاب السلطة.

أصل الفكرة ينم عن رؤية استراتيجية تسعى وزارة التعليم العالي الى تفعيلها في البلاد التي تهالكت منظومتها الاكاديمية والتعليمية على حد سواء، لكن ما نخشاه هو غياب المرتكزات التي تجعل من المبادرة ترتقي الى حيز التطبيق الناجح وليس الشكلي ومن ثم الذهاب الى ركن الإهمال والنسيان كغيرها من المبادرات على الصعيد الوطني، كمبادرة دارك التي لم يبق سوى اسمها يتردد في الأوساط.

اضف تعليق