q
في أجواء شهر رمضان هل يحصل الأطفال على المعارف المناسبة والمطلوبة لجعل حياتهم أكثر استقرارا، هل هناك بيئة إيمانية تناسب ما يحتاجه الطفل في هذا الشهر الكريم، أم أنه متروك للمسلسلات الهابطة، (برنامج رامز مثالا)، هل يشعر الكبار بأن الأطفال يعيشون يتما معرفيا في هذا الشهر الذي تتضاعف فيه الفرص الجيدة لبناء الطفل والإنسان عموما بناءً نموذجيا؟...

اليُتم مفردة تعني فقدان الأب، فاليتيم هو الشخص الذي يفقد الإنسان الذي يقوم بإعالته (معيشته)، مع أهمية تعليمه وتطوير معارفة، فالأب أو ولي الأمر لا تقتصر مسؤوليته على إدامة حياة الأطفال المسؤول عنهم، وإنما إدامة وتطوير معارفهم وتعليمهم أيضا.

المعرفَة كما يفسرها أو يعرّفها المعنيون، هي الإدراك والوعي وفهم الحقائق عن طريق العقل المجرد أو بطريقة اكتساب المعلومات بإجراء تجربة وتفسير نتائج التجربة أو تفسير خبر أو حادثة أو فعل معين، أو من خلال التأمل في طبيعة الأشياء وتأمل النفس أو من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين وقراءة استنتاجاتهم.

ويضيف أصحاب الشأن والاهتمام بالمعرفة، بأنها مرتبطة بالبديهة والبحث لاكتشاف المجهول وتطوير الذات وتطوير التقنيات. هذا يعني أن الإنسان يحتاج المعرفة منذ لحظات الوعي الأولى، في عمر مبكر، وتستمر معه هذه الحاجة حتى أواخر حياته، فطالما هو على قيد الحياة يبقى بحاجة لمعرفة ما يديم حياته ويطورها ويديم معلوماته ومعارفه وقدرته على العيش السليم الذي يواكب الظروف المحيطة به.

ما يعنينا في هذا المقال مدى حاجة الأطفال للمعرفة، وما هو السقف المعرفي المحدّد لهم، ومن هو المسؤول عن إدامة الضخ المعرفي للأطفال، وما هي التوقيتان المناسبة أو الأفضل في استقبال الجوانب المعرفية من قبل الأطفال.

المعرفة أساسية في حياة الطفل

صحيح يبقى الإنسان بحاجة إلى المعرفة طالما كان على قيد الحياة، ولكن دائما تكون بدايات البناء المعرفي نقطة محورية وأساسية في حياة الإنسان، فالطفل حين يفتح عينيه و وعيه في بيئة اجتماعية معينة (عائلة)، فإنه يتلقّف من أفرادها كل شيء سواء بالرؤية البصرية، أو بالسمع، فهو يسمع الكلمات والمفردات والحروف ويتعرّف عليها، ويتعلمها بمرور الوقت ويعرف معانيها.

كذلك يتعرف إلى نبرة الصوت وكيف تُلفَظ الكلمة، ويستطيع مع الزمن أن يميز الكلمة الطيبة من الكلمة القاسية أو الغاضبة من طبيعة نبرة الصوت، ثم تلتقط عيناه السلوكيات المختلفة من أفراد الأسرة، وخصوصا من الأم والأب، فهما المدرسة المعرفية الأولى التي تبدأ بضخ المعارف إلى عقل الطفل، ومنهما يكتسب الجودة التربوية أو نقيضها.

في أجواء شهر رمضان هل يحصل الأطفال على المعارف المناسبة والمطلوبة لجعل حياتهم أكثر استقرارا، هل هناك بيئة إيمانية تناسب ما يحتاجه الطفل في هذا الشهر الكريم، أم أنه متروك للمسلسلات الهابطة، (برنامج رامز مثالا)، هل يشعر الكبار بأن الأطفال يعيشون يتما معرفيا في هذا الشهر الذي تتضاعف فيه الفرص الجيدة لبناء الطفل والإنسان عموما بناءً نموذجيا؟

في السابق أي قبل أكثر من نصف قرن، تعيدني الذاكرة إلى أجواء رمضان، حينما كنت طفلا ابن العاشرة أو أقل أو أكثر، أتذكر حتى هذه اللحظة كيف بادرت إحدى المؤسسات الدينية باستقبال الأطفال في شهر رمضان قبل الظهر وبعد الإفطار، وتمنحهم فرصة تعلّم تلاوة القرآن الكريم على أيدي رجال دين ومعلمين أفاضل.

مبادرات مهمة لرعاية الأطفال

كانت هذه المؤسسات الدينية ترسل من يمثلها إلى المناطق السكنية، وتعلن عبر مكبرات صوت، عن استعدادها لتعليم الأطفال التلاوة الصحيحة والدقيقة للقرآن، وتمنحهم محاضرات أخرى معرفية ودينية وتوجيهية، وقد دخلتُ شخصيا في إحدى هذه الدورات ولا زلت أتذكر تفاصيلها، وكيفية تركيز المعلم على التلاوة الصحيحة والتصحيح الدقيق وإعادة الصوت واللفظ والنبرة والتنغيم، والوقوف والمدّ، وما إلى ذلك مما تتطلبه التلاوة الصحيحة.

كانت تتخلل هذه الدروس والمحاضرات، دقائق حرة، للترفيه البسيط، والنقاش الحر، حتى لحظات تقديم الحلوى أو العصائر والكعك والكيك لا تزال راسخة في ذهني إلى الآن، أشياء بسيطة وسهلة وقليلة الثمن ماديا، لكنها تمنحنا المعرفة والتعلّم عن طيب خاطر، وتطور شخصياتنا، وتجعل طفولتنا أفضل وأسهل وأكثر شعورا بالأمان والتعاون والشعور بالامتنان.

هل يعيش أطفال اليوم ما عشناه بالأمس، وهل تضاعفت المؤسسات التي تعنى بالأطفال بمقدار الارتفاع الكبير في عدد السكان، فحين دخلتُ المؤسسة الدينية وتعلمت تلاوة القرآن الكريم، كان عدد السكان يبلغ سبعة 7 ملايين أو أقل واليوم فاق الأربعين 40 مليون نسمة، فهل تضاعف عدد المؤسسات المهتمة بالأطفال بنفس النسبة الكبيرة، أم أنهم متروكون للموبايلات وللستلايت، وللقنوات التي تعجّ بالعنف؟

الإجابة عن هذا التساؤل نتركه للمعنيين ولمن يهمه الأمر، ولمن هو مسؤول عن تعميق المعارف عند الأطفال، ولكن لا بأس من القول بأن هذا الشهر الكريم يمكن أن يشكل محطة مختلفة في حياة كل طفل في العراق، أو في البلدان الإسلامية عموما.

فمن الأفضل للجميع، أن يترك هذا الشهر الكريم انطباعا مختلفا في نفوس أطفالنا وفي عقولهم، ولابد أن يشعروا بأن فرص الحصول على المعارف والتعلّم واكتساب التجارب الإنسانية التربوية الجيدة تكون في هذا الشهر أفضل وأكثر...

تُرى هل يتنبّه الكبار إلى هذه الملاحظات التي وردت في أعلاه؟

اضف تعليق