q
تحتاج تركيا إلى حكومة قوية تمكنها من المضي في مشاريعها الإقليمية، كما أن كثيراً من الملفات والاتفاقيات التي أبرمتها طيلة الفترة السابقة تتطلب المضي بنفس السياسة الواضحة والطموحة، وهو أمر تفتقده ائتلافات وأحزاب المعارضة التركية، ويبقى الرهان على مدى وعي القوائم الانتخابية التي تعاني من جملة من التحديات...

في‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬يونيو‭/‬حزيران‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الجاري‭ ‬ستشهد‭ ‬تركيا‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية، وهي انتخابات ستكون حاسمة نظراً لأهميتها الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى انعكاساتها على الحالة السياسية والاقتصادية والأمنية لتركيا والملفات المتعددة المرتبطة بنتائجها. يبحث تقدير الموقف في طبيعة تحديات المرحلة التي تصاحب الانتخابات الرئاسية القادمة، بالإضافة إلى خارطة التحالفات السياسية القديمة والحديثة وعوامل قوتها وضعفها، كما يبحث في العوامل المؤثرة في السيناريوهات المحتملة للانتخابات القادمة.

أولاً: تحديات المشهد التركي

لن يقتصر تأثير الانتخابات الرئاسية التركية لعام 2023 على مستوى الملفات الداخلية المرتبطة بالتنافس السياسي الاعتيادي بين الأحزاب، بل سيكون لها وقعها على مستوى عالمي، إذ عدَّتها واشنطن بوست أهم حدث في العام 2023؛ لما سيترتب عليها من تغيرات جذرية في العديد من ملفات المنطقة. فالدور الإقليمي لتركيا لم يتشكل فجأة، إذ كان للدبلوماسية النشطة التي تبناها حزب العدالة والتنمية طيلة العقدين الماضيين دور في ربطها بأمن المنطقة واستقرارها، فضلاً عن تنامي فاعليتها في ملفات خارج نطاقها الإقليمي، كنشاطها في أفريقيا، وملفات أخرى ترتبط بالمستجدات التي تشهدها المنطقة كأزمة الطاقة وأزمة الحبوب. هذا الدور الإقليمي يجعل من الانتخابات الرئاسية –على وجه الخصوص- حدثاً عالمياً للنتائج المترتبة عليه. وهذه النتائج ترتبط ارتباطاً أساسياً بالتحديات التي تشكل المشهد التركي، والتي سيكون لها قدر من التأثير في النتائج المرتقبة، ومن أبرز هذه التحديات:

1. التحديات السياسية

وتتضمن تحديات داخلية وخارجية تتمايز في تأثيرها في المشهد السياسي عموماً وفي نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة بالخصوص، ومن أبرز تلك التحديات:

– تداعيات الاستقطاب الداخلي

يعد الاستقطاب السياسي جزءاً لا يتجزأ من المشهد السياسي التركي بطبيعته الفريدة، إذ على مدار عقود حكمت التيارات القومية ذات الصبغة العلمانية، بصيغها المختلفة، وفي العقدين الأخيرين نما تأثير التيار المحافظ عقب وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وطيلة السنوات المنصرمة بقيت حدود الخلاف واضحة المعالم بين مختلف التيارات السياسية، لكن عقب حدوث انشقاقات بين الأحزاب السياسية الرئيسية تماهت وتداخلت هذه الخلافات، وعقّدت طبيعة التحديات السياسية التي تشكل الواقع السياسي. إذ تأسس حزب الجيد بعد انشقاقه من حزب الحركة القومية، في حين تأسس حزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل بعد انشقاق علي بابا جان وأحمد داود أوغلو من حزب العدالة والتنمية.

وقد شكلت الأحزاب المستجدة -المحافظة- بالاتحاد مع حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب السعادة والحزب الديمقراطي ما يعرف بالطاولة السداسية، وهو ائتلاف معارض لمواجهة ائتلاف الشعب الذي يضم كلاً من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، والتحدي هنا يكمن في تشتيت الأصوات؛ لكون القواعد الانتخابية كانت تضم فئات لها نفس التوجه إلى وقت قريب.

– ملف اللاجئين السوريين وتداعياته السياسية والاقتصادية

خلال السنوات العشر الماضية من الحرب استضافت تركيا ما يقرب من 3.7 ملايين لاجئ سوري، وعملت على دمج كثيرين منهم في المجتمع التركي، من خلال تسهيل دخولهم في سوق العمل، وتحفيزهم على تعلم اللغة التركية وانخراطهم في النظام التعليمي التركي. لكن ونظراً لتركيز المعارضة على ملف اللاجئين، تحول إلى أحد بنود المنافسة السياسية المستعرة بين الأحزاب، إذ استغلت المعارضة سياسة حزب العدالة تجاه ملف اللاجئين خلال الفترة السابقة لتشن هجوماً عليه، وعدته المسؤول عن هذه الإشكالية التي ربطتها بارتفاع نسبة البطالة وغيرها من الإشكاليات المجتمعية، وهو ما دفع الحكومة التركية إلى تبني جملة من الخطوات أبرزها إطلاق مشروع لتسريع العودة الطوعية، من خلال بناء أكثر من 200 ألف وحدة سكنية في الشمال السوري وتقديم مزايا للسوريين العائدين فيها، وغيرها من المشاريع التي يحاول حزب العدالة والتنمية من خلالها تحييد هذا الملف عن سيرورة الانتخابات والتقليل من تأثير دعاية الأحزاب المعارضة.

– تداعيات الاستقطاب الدولي بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتهديدات حزب العمال الكردستاني

على مدار عقدين تبنى حزب العدالة والتنمية مقاربات مختلفة لإدارة العلاقات الخارجية، فبعد تبني سياسة تصفير المشاكل عززت تركيا من دبلوماسيتها النشطة، خصوصاً في الأزمات المتسارعة التي تشهدها المنطقة عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، إذ نجحت السياسات المتوازنة التي تبنتها حكومة أردوغان من الحرب الأوكرانية، والإنجازات التركية الدبلوماسية الكبيرة، المتعلقة باتفاق تصدير الحبوب الروسي-الأوكراني، واتفاق تبادل الأسرى بين المتحاربين، ومشاركة تركيا الفعالة في مؤتمر منظمة دول شنغهاي، وإعلان أنقرة عزمها الالتحاق بالمنظمة رسمياً. تتفاعل هذه الدبلوماسية النشطة مع حالة الاستقطاب الدولي القائم، والذي قد يكون له تأثير غير مباشر في سيرورة الانتخابات التركية، لكونه أثر في كيفية تعاطي الدول الكبرى مع الانتخابات التركية لا سيما الولايات المتحدة، حيث سعت إلى التأثير الإعلامي في الداخل التركي، وركزت على فئة الشباب، وذلك بهدف التأثير في نتائج الانتخابات بما يلبي مصالحها.

بالإضافة إلى ذلك، يولي حزب العدالة اهتماماً كبيراً للملفات الخارجية؛ لجعل تركيا دولة رائدة في المنطقة، وهو ما يتطلب عدة إجراءات منها تطوير قطاع تصنيع السلاح، والقيام بعمليات ميدانية لمواجهة تهديدات حزب العمال الكردستاني. بالمقابل تتبنى المعارضة مقاربة تميل إلى التركيز على التحديات الداخلية، خصوصاً ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، وكل هذه العوامل سيكون لها انعكاساتها في خطط وبرامج الأحزاب، ومن ثم سيكون لها تأثيرها في إقناع الناخبين بالتصويت لمرشحي الائتلافات وفقاً لتماسك رؤى ومخططات الأحزاب وما تقتضيه متطلبات المرحلة الحالية.

– التحديات الدستورية

جرت كتابة أول دستور لتركيا عام 1921 ليكون منطلقاً لتأسيس الجمهورية الحديثة، وتبنت البلاد دستوراً جديداً نهاية حرب الاستقلال عام 1924، واستمر العمل به حتى عام 1961 حين بدأ العمل بدستور جدلي جديد أفرزه انقلاب 1960. والدستور الحالي للجمهورية معمول به منذ عام 1982، وكان أعده مجلس الشورى بأمر من الإدارة العسكرية بعد انقلاب 12 سبتمبر/أيلول 1980، ودخل حيز التنفيذ في 18 أكتوبر/تشرين الأول بعد قبوله، سنة،1982 من خلال الاستفتاء الشعبي وحصوله على نسبة تأييد تجاوزت 91%. وجرى الاستفتاء على الدستور في ظل فوضى عارمة عمت البلاد، وتحت سيطرة الجيش على الإعلام وإغلاقه الأحزاب السياسية، وكانت نسبة المشاركة في التصويت ضعيفة جداً.

على الرغم من تعديل الدستور الحالي 19 مرة- 9 منها قبل حكم “العدالة والتنمية” و10 منها خلاله، آخرها تعديل أقر الانتقال للنظام الرئاسي عام 2017، فإن حزب العدالة والتنمية يرى أن هذه التعديلات لم تستأصل الجوهر الانقلابي الذي بُني عليه دستور عام 1982، وهو ما يتطلب تقديم دستور جديد يواكب تطلعات البلاد. إذ دعا حزب العدالة مسبقاً كل الأحزاب التي لديها كتل في البرلمان من أجل إعداد رؤيتها للدستور الجديد، وأعلن الحزب رؤيته “قرن تركيا” في أواخر 2022، والذي يهدف إلى إكساب البلاد دستوراً جديداً يكون نتاج الإرادة الوطنية.

بالمقابل أعلن ائتلاف الطاولة السداسية المعارض مسوَّدته التي حملت عنوان “تركيا الغد”، وتضمنت تعديلات جوهرية تتعلق بالاتفاق على تخفيض العتبة الانتخابية إلى 3 بالمئة، من أجل زيادة قوة التمثيل، وإنشاء دائرة انتخابية في الخارج لضمان تمثيل أكثر من 6 ملايين مواطن في الخارج في البرلمان. كما حددت ولاية رئيس الجمهورية في سبع سنوات فقط ولمرة واحدة غير قابلة للتجديد، على أن يقطع كل ارتباطاته بحزبه، ولا ينشط في السياسة بعد انتهاء ولايته. وسيمارس مجلس الوزراء الصلاحيات المتعلقة بالسلطة التنفيذية، ويتألف المجلس من رئيس الوزراء والوزراء الذين يتحملون المسؤولية السياسية أمام البرلمان. وستنظَّم الإجراءات الاستثنائية التي يمكن للرئيس اتخاذها بمفرده بالتفصيل في الدستور، ولن يكون لديه أي صلاحيات سياسية. وفي النظام البرلماني المعزز، لن يكون لدى الرئيس أو مجلس الوزراء سلطة إعلان حالة الطوارئ بمفردهم، حيث يجب أن يخضع ذلك لموافقة البرلمان.

وتحدي تطبيق هذه المسودة أنها تحاول أن تستعيد الحكومات الائتلافية، رغم خطورتها بالنسبة للمرحلة الانتقالية التي تمر بها تركيا، فضلاً عن أنها تفتقد آلية واضحة لتطبيقها، خصوصاً أن الأطراف القائمة عليها تختلف جذرياً من حيث الأيديولوجيات والأولويات.

2. التحديات الاقتصادية

بالرغم من نجاح تركيا في التخفيف من الآثار الاقتصادية المدمرة التي عانت منها بعض الدول عقب جائحة كورونا بالإضافة إلى تأثير الحرب الروسية- الأوكرانية، فإن اقتصادها لا يزال يواجه ارتفاعاً هائلاً في أسعار موارد الطاقة، كما أن الأرقام السلبية للميزان التجاري، ومعدل الحساب الجاري لتركيا، تشير إلى أن الاقتصاد التركي لم يخرج من أزمته الاقتصادية بعد، فضلاً عن استمرار ضغط الرئيس التركي الحالي على البنك المركزي التركي لخفض أسعار الفائدة، في اتجاه مخالف لحركة بنك إنجلترا، والبنك المركزي الأوروبي، والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، التي تتحكم في عملات الاحتياطي النقدي في أغلب دول العالم.

ويعد العامل الاقتصادي عاملاً مهماً في الانتخابات القادمة، بل قد يكون هو العامل الأكثر تأثيراً في قرار الناخب الذي ما تزال معاناته مستمرة منذ أن فقدت الليرة التركية ما يقارب 40 بالمئة من قيمتها خلال العام من منتصف 2021 إلى منتصف 2022، كما ارتفع مستوى التضخم إلى 83 بالمئة في سبتمبر/أيلول، وهي أعلى نسبة في أوروبا.

ثمة مؤشرات تفيد بإمكانية استقرار سعر صرف الليرة أمام العملات الرئيسة الأخرى، وأن التذبذب الطفيف في قيمتها يعود إلى قوة الدولار لا إلى عوامل ضعف داخلية. ورغم تبني الحزب الحاكم حزم إصلاحات متعددة فإنه يصعب احتواء تدهور الأوضاع الاقتصادية؛ لكونها مرتبطة بظروف وعوامل خارجية أيضاً.

ثانياً: الائتلافات السياسية: الفرص والتحديات

لطالما كان للائتلافات السياسية دور في تشكيل المشهد السياسي في تركيا، ولذا لم يكن من المستبعد لجوء كثير من الأحزاب، الجديدة والقديمة على حد سواء، إلى تشكيل ائتلافات بينها من أجل أن تحظى بفرص أعلى في المشاركة في المشهد السياسي، سواء أكان عن طريق الوصول إلى الرئاسة أم المشاركة بأكبر عدد ممكن من النواب في البرلمان.

ويضم المشهد التركي حالياً ثلاثة ائتلافات رئيسية؛ الأول هو تحالف الشعب الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وتأسس هذا التحالف في 20 فبراير/شباط 2018، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، استمر هذا التحالف حتى الآن، وتم التوافق على إعلان الرئيس الحالي أردوغان مرشحاً رسمياً للتحالف. ويتميز هذا الائتلاف بجملة من نقاط القوة تتمثل في:

– وجود رؤية وهدف واضح، يتمثل في استمرار المشاريع التي ابتدأت خلال المرحلة السابقة وتمتينها. ووضوحُ الرؤية يعد عاملاً حاسماً في خلق ثقة لدى المواطنين.

– وجود خبرة سابقة وإنجازات نوعية حتى خلال الأزمات الأخيرة المتعاقبة.

– إعلانه عن برنامجه وتوافقه مبكراً على رئيس يمثل التحالف، وهي خطوة تمثل مربط الفرس، وتنقل رسالة عامة تشير إلى وجود حالة من الانسجام والتوافق بين مكونات تحالف الأمة.

بالمقابل ثمة جملة من التحديات التي تواجه الائتلاف، وقد تؤثر في حظوظه في الانتخابات القادمة، ومنها:

– على الرغم من تطبيق النظام الديمقراطي في تركيا ترى المعارضة أن حكم حزب العدالة قد طال بما ينافي مبدأ تداول السلطة، وهو أمر تستغله من أجل الترويج لنفسها؛ لكونها تمثل بديلاً مختلفاً.

– ضغط ملف اللاجئين وإشكالياته.

– تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهو عامل حاسم يؤثر في منسوب حظوظ فوز ائتلاف الشعب من عدمه.

– تأثير العامل الخارجي؛ لكون الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لا يرغبون في فوز ائتلاف الشعب الذي يعني استمرار السياسات المستقلة التي تتبناها تركيا.

التحالف الثاني هو تحالف الطاولة السداسية الذي يتكون من ستة أحزاب هي: حزب الشعب الجمهوري -وهو حزب المعارضة الرئيسي- بقيادة كمال كاليتشدار أوغلو، والحزب الجيد بقيادة ميرال أكشينر، بالإضافة إلى أربعة أحزاب أخرى صغيرة: حزب السعادة، بقيادة تمل كرم الله أوغلو، والحزب الديمقراطي، بقيادة غوليتشكين يوصال، وحزب الديمقراطية والتقدم، بقيادة علي باباجان، وحزب المستقبل، بقيادة أحمد داود أوغلو. ومن أبرز نقاط القوة التي تميز تحالف الطاولة السداسية:

– بمجموع أعداد الناخبين ضمن قاعدة كل حزب في الائتلاف قد يتمكن الائتلاف من توسيع احتمالات فوزه، لكون هذه الأعداد سيكون لها تأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

– الاستفادة من حالة السخط الشعبي، فلولا حالة السخط الشعبي المرتبطة بشكل رئيسي بملفي الاقتصاد واللاجئين السوريين، لم يكن من الوارد أن تطمح الأحزاب المعارضة إلى الوصول إلى الرئاسة.

– توافق مختلف الأحزاب على أهداف مشتركة، وهو إسقاط الرئيس الحالي، واستعادة النظام البرلماني الذي صوت الشعب ضده في 2017، ودخول النظام الرئاسي حيز التنفيذ في 2018، بالإضافة إلى جملة من الخطوط العريضة التي قدمت كمقترحات من مختلف الأحزاب، ورغم قصور هذه المسودة يمكن النظر إلى وجود حالة من التوافق السياسي بين الأحزاب المختلفة بوصفه حالة صحية في المشهد السياسي التركي.

بالمقابل يعاني هذا الائتلاف جملة من التحديات المتمثلة في:

– الاختلاف الأيديولوجي والتنافر السياسي بين مكونات الائتلاف، إذ تعد الأيديولوجيا أحد العوامل المؤثرة في الناخب التركي.

– ضعف خبرة الائتلاف؛ لكونه تأسس حديثاً في فبراير/شباط 2022، كما أن بعض مكوناته نفسها أسست حديثاً، ورغم وجود خبرة سياسية لدى قيادات هذه الأحزاب فإن الأحزاب نفسها ليس لها رصيد في المشهد السياسي، وهو ما يقلل من نسبة الثقة بها.

– عدم وضوح الهدف الموحد وانحصاره في ردة الفعل، ورغبته في مجرد التخلص من النظام الحالي، لن يمكن المعارضة من استثمار حالة السخط القائمة، ففي نهاية المطاف يريد الناخب أن يرى مشاريع حقيقية يمكن أن تساهم في استمرار حالة التنمية القائمة، أو على أقل تقدير تجاوز الإشكاليات الآنية التي تحرك السخط الشعبي.

– عدم وجود آلية محددة تنظم عملية اتخاذ القرار وإدارة العمل بين الأحزاب المتنافرة داخل هذا الائتلاف.

– عدم الإعلان عن رئيس توافقي يمثل الائتلاف، فعلى الرغم من توافق الأحزاب الستة على مسودة مبدئية تنظم الجهود المشتركة، بالإضافة إلى إعلانهم عزمهم الدخول في الانتخابات الرئاسية بمرشح توافقي، لم يتم الإعلان عنه حتى اللحظة بسبب الخلافات بين مكونات الائتلاف.

التحالف الثالث هو تحالف العمل والحرية الذي أعلن عنه في أواخر سبتمبر/أيلول 2022، وتأسس من ستة أحزاب كردية ويسارية: حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب العمال التركي، وحزب العمل، وحزب الحرية الاجتماعية، والحركة العمالية، واتحاد المجالس الاشتراكية. بين هذه الأحزاب يعد حزب الشعوب الديمقراطي الوحيد الذي له نسبة ذات وزن تهتم بها الاستطلاعات التركية، لكنه متهم بوجود علاقة بينه وبين حزب العمال الكردستاني المحظور، وهو ما دفع المحكمة الدستورية إلى تجميد حسابات الحزب مؤقتاً؛ استجابة لطلب قدمه المدعي العام بكر شاهين.

ثالثاً: العوامل المؤثرة والسيناريوهات المحتملة للانتخابات الرئاسية

ثمة مجموعة من العوامل التي سيكون لها تأثير كبير في سيرورة الانتخابات التركية الرئاسية وما يترتب عليها، ومن أبرز تلك العوامل وانعكاساتها:

– حسن إدارة الملف الاقتصادي، ومن ضمن ذلك السياسات الحكومية والحد الأدنى للأجور وغلاء الأسعار وقيمة الليرة وملف الطاقة، وأي برامج مقنعة للمعارضة، خصوصاً في الفترة القريبة من الانتخابات.

– تأخر ائتلاف المعارضة في الإعلان عن مرشحه رغم بقاء مدة قصيرة للانتخابات سيكون له تأثيراته في نتائج الانتخابات، إذ لن يتبقى كثير من الوقت من أجل القيام بحملة إعلامية لمرشح المعارضة للرئاسة مقابل الحملة الانتخابية المبكرة للرئيس أردوغان.

– دور الشباب سيكون له تأثير كبير في نتائج الانتخابات؛ لسببين: لعددهم الكبير الذي يصل إلى 6 ملايين ممن سيصوتون لأول مرة، والثاني يتعلق بمستوى وعيهم؛ لكونهم لم يعاصروا الأوضاع الصعبة التي عانت منها تركيا خلال حكومات الائتلافات والحكومات السابقة.

– تأثير تصويت المجنسين، فوفقاً لتصريح وزير الداخلية، سليمان صويلو، فإن قرابة 120 ألف سوري مجنس سيحق لهم التصويت في انتخابات 2023، في حين ترى المعارضة أن الرقم أعلى من ذلك بكثير، ورغم التقليل من أهمية تأثير تصويت المجنسين في نتائج الانتخابات التركية، فإنه عامل يجب أن يؤخذ في الحسبان، بناء على أن المعارضة ترى أن هذه الفئة ستصوت قطعياً ضدها؛ نتيجة لحملات الترهيب التي تبنتها ضمن برامجها الانتخابية.

– التغيرات المفاجئة، ويقصد بها أي تطورات غير متوقعة قد يكون لها تأثير في توجهات الناخبين وأصواتهم، مثل عملية عسكرية في الشمال السوري أو تصاعد التوتر مع اليونان، وهو ما يذكي المشاعر القومية، أو خروج معلومات وملفات بخصوص مرشحين للانتخابات الرئاسية، وهو ما يمكن أن يؤثر في صورتهم وحظوظهم.

السيناريو الأول: فوز ائتلاف الشعب

وفقاً لاستطلاع أجراه حزب العدالة والتنمية فإن نسبة التصويت للحزب بلغت 41.9 بالمئة، ولكن أردوغان حصل على نسبة 52 بالمئة، كما أشارت استطلاعات رأي تركية- كاستطلاع شركة متروبول للأبحاث، وشركة (Asal) للأبحاث- إلى ارتفاع نسب توقع فوز الرئيس أردوغان بالانتخابات الرئاسية القادمة، وتستند هذه التوقعات إلى جملة من العوامل، منها:

– وجود تحسن نسبي في نصيب العدالة والتنمية من الأصوات الانتخابية، إذ أشارت استطلاعات رأي إلى أن وضع أردوغان الانتخابي قد شهد تحسناً ملموساً في الشهرين أو الثلاثة الماضية، بعد أن كانا قد وصلا إلى أدنى مستوى لهما في الربيع الماضي. والأرجح أن هذا التحسن يرجع إلى نجاح المقاربة المتوازنة التي تبنتها حكومة أردوغان تجاه الملفات الداخلية والخارجية على حد سواء.

– تبني إصلاحات موسعة ومشاريع اقتصادية نوعية تسعى لمعالجة الآثار التي ترتبت على تراجع الأوضاع الاقتصادية في الفترة الأخيرة، إذ أعلنت عن برامج دعم غير مسبوقة، ورفع الحد الأدنى للأجور، كما أعلنت، خلال عام 2022، عن أكبر مشروع للإسكان الاجتماعي في تاريخ الجمهورية، حيث ستُبْنى 500 ألف وحدة سكنية على مراحل، بأسعار مخفضة جداً وطريقة دفع ميسرة، كما رفعت الحد الأدنى للأجور مرتين خلال العام في قرارات نادرة، ومن المتوقع كذلك الإعلان عن البدء بتوريد غاز البحر الأسود ليصل إلى منازل المواطنين في نهاية الربع الأول من 2023، بالتزامن مع وصول السيارة التركية الوطنية (توغ).

يضعف تحقق هذا السيناريو إمكانية توافق تحالف الطاولة السداسية على مرشح مقبول لدى مختلف مكونات الائتلاف، بالإضافة إلى قدرتهم على تبني خطة واضحة تقنع قوائمهم الانتخابية، وهو أمر لم يحدث حتى الآن.

السيناريو الثاني: فوز تحالف الطاولة السداسية

في يوليو/تموز 2022 أجرت شركة “أمادور” استطلاعاً حول الانتخابات القادمة، وتوصلت إلى أن 50.2 في المئة من المشاركين يرون أن زعماء الطاولة الـسداسية لن يستمروا في وفاقهم، ولا يمكن لتحالفهم أن يشكل بديلاً يمكنه أن يحل مكان حزب العدالة والتنمية. كما رأى 55.5 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أن تحالف “الستة” لا يمثل تطلعات الشعب التركي، في حين رأى 52.2 في المئة منهم أن تحالف “الستة” لن ينجح في انتخابات سنة 2023. ورغم هذه التحديات ثمة احتمال وارد بأن ينجح هذا التحالف؛ لأن السياسة في تركيا تحتمل كل النتائج، خصوصاً في الظروف الراهنة، ويعزز من إمكانية فوزه:

– استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية، فعلى الرغم من جهود الإصلاح والمشاريع التي أطلقها حزب العدالة والتنمية يبدو أنه من الصعب احتواء آثار تدهور الوضع الاقتصادي في مدة قياسية.

– كما أن عامل التنوع الذي يزخر به التحالف يعد عامل قوة وضعف في نفس الوقت، فهو من جهة يشي بقدرته على تمثيل جميع أطياف المجتمع التركي، لكنه من جهة أخرى جديد، ومن ثم لا أحد يثق بقدرته على تجاوز الاختلافات الجذرية القائمة بين أهداف ورؤى الأحزاب المشكلة له.

ويضعف من إمكانية فوزه:

– غياب الهدف المشترك؛ وهو بسبب اختلاف الأيديولوجيات بين مكوناته، فمشكلة عدم الاتفاق على رئيس ليست المشكلة الوحيدة داخل كتلة المعارضة، وإنما حالة الانشقاق المتجذرة بين مكوناته.

– النظام البرلماني المعزز الذي أعلنه هو أقرب لنظام الائتلافات الذي عانت منه تركيا طيلة تاريخها السابق، كما أنه أقرب لنظام المحاصصة الذي يشتت عملية صنع القرار ويعزز من حالة الاستقطاب السياسي.

– مشكلة القوائم الانتخابية التي تقتضي ضرورة رفع أسماء المرشحين من مختلف أحزاب تحالف الطاولة السداسية في نفس القائمة، وهو أمر يتطلب سحب بعض الأحزاب الكبيرة، كحزب الشعب الجمهوري، مرشحيها وأخذ مرشحين من قوائم الأحزاب الصغيرة، المختلفة عنها أيديولوجياً، وهو أمر ترفضه القواعد الانتخابية الداعمة لهذه الأحزاب.

خاتمة

تحتاج تركيا إلى حكومة قوية تمكنها من المضي في مشاريعها الإقليمية، كما أن كثيراً من الملفات والاتفاقيات التي أبرمتها طيلة الفترة السابقة تتطلب المضي بنفس السياسة الواضحة والطموحة، وهو أمر تفتقده ائتلافات وأحزاب المعارضة التركية، ويبقى الرهان على مدى وعي القوائم الانتخابية التي تعاني من جملة من التحديات، أبرزها تشظي الأصوات بسبب الانشقاقات التي طالت مختلف الأحزاب، بالإضافة إلى تأثرها الكبير بالوضع الاقتصادي، ورغم وجود العديد من المؤشرات التي ترجح فوز الرئيس التركي الحالي من الجولة الأولى فإنه يصعب القطع بأي نتيجة في ظل تأثير هذه العوامل.

https://fikercenter.com/

اضف تعليق