q
إذا أراد الشعب أخذ دوره في المشاركة بصنع القرار، عليه أن يطرح الأسئلة دائماً ويجبر الممسكين بالسلطة على تقديم الإجابة أو تقديم استقالتهم، لا تقل متى يخجل رجال السلطة ويقدموا استقالاتهم، بل قل متى يستطيع الشعب مراقبتهم وإجبارهم على الاستقالة في حال فشلهم؟...

من أجل قيام مجتمع ديمقراطي يحكم نفسه بنفسه، ويختار قادته بكفاءة، لا يكف هذا المجتمع عن التساؤل بفضل تعلمه العالي وحرصه الشديد على استمرارية الممارسة الديمقراطية، بينما تلزم الجهات المعنية بتقديم إجابة صحيحة وبدون تضليل أو نقص، لأن الشعب هو السلطة الأعلى وكل المؤسسات والعاملين فيها (حكومية أو أهلية) موجودة في خدمة السلطان (أي الشعب).

القاعدة بسيطة لكنها أساسية ومهمة جداً لبناء أي مجتمع ديمقراطي، وبدونها لا يصح الحديث عن ديمقراطية بل شيء مختلف. السلطان يسأل والموظيف يجيب (أي موظف كان رئيس وزراء أو أبسط عامل).

وفي العراق نعتقد أننا دولة ديمقراطية، الشعب فيها مصدر السلطات كما يقول الدستور، وفي هذا الشأن تحدث موظفونا الكبار (رئيس الوزراء وبعض نواب البرلمان)، عن اكتشافهم سرقة 3.7 ترليون دينار عراقي من أمانات الهيأة العامة للضرائب، اعتبرت أكبر سرقة في القرن وحازت على تغطية إعلامية جعلت الكبير والصغير يعرف بها.

مرت الأسابيع والشهور ولم تُسترجع هذه الأموال رغم تعهدات موظفينا في رئاسة الوزراء ومجلس النواب، بدأنا كمسؤولين عن ثروات بلدنا نشعر بتبخر الترليونات المسروقة من تأمينات هيأة الضرائب، ومن موقع مسؤوليتنا كشعب حر طرحنا السؤال على موظفينا الكبار والصغار: أين الأموال المسروقة من تأمينات الهيأة العامة للضرائب؟ وأين المتهمين بالسرقة؟

هل تسمعني أيها الموظف الكبير المسمى رئيس الوزراء، أنا أحدثك بصفتي المسؤول عن تعيينك بمنصب رئاسة الوزراء.

إن لم تقدم الإجابة سوف اتخذ إجراءات عقابية بحقك، إعلم أنك مجرد موظف لدينا نحن الشعب، نحن من جئنا بك لهذا المنصب من أجل الحفاظ على ثرواتنا لا أن تسكت عن سرقتها، أو تفشل في استرداد الأموال.

وأنت يا أيها الموظف الرقيب، المسمى عضو مجلس النواب، ألم ننتخبك من أجل محاسبة رئيس الوزراء ووزرائه وموظفيه؟ نراك أصبحت صديقاً لهم وتسكت عن إخفاقاتهم بأداء وظيفتهم.

من المفترض أننا انتخبناكم لكي لا نضطر لمحاسبة رئيس الوزراء بأنفسنا، بينما فشلتم جميعاً في مراقبة الموظفين التنفيذيين، يجب أن تنالوا حسابكم وهو قريب بإذن الله.

لا أحد يسمع، يبدو أنهم مشغولين بالبحث عن أموال سرقة القرن.

وربما حدث أمر سيء لم نعرف به نحن الشعب سلطة البلد وحكامه الفعليين.

أعتقد أن هناك انقلاباً حدث في العراق حيث انتقلت السلطة من الشعب إلى أقلية من النفعيين والوصوليين أصحاب الغايات الخاصة بعيداً عن المصلحة الوطنية العليا.

أنا الشعب أصرخ منذ اليوم الأول لسرقة أمانات هيأة الضرائب وصوتي لا يخيف أحداً، لقد فقدت سلطتي على الموظفين، لا كبيرهم في رئاسة والوزراء، ولا صغيرهم في البلدة التي أعيش فيها، لم أعد قادراً على تحويل صوتي إلى قرار يطبق على أرض الواقع.

أين الخلل؟

لم أقصر في السؤال، لقد كتبنا في مواقع التواصل الاجتماعي، ضحكنا كثيراً، تندرنا ضد الجريمة، تبادلنا مقاطع الفيديو القصيرة بشأن مقولات وحكم المتهم الأكبر نور زهير، أليس هذا كافياً لإجبار موظفينا الحكوميين والبرلمانيين على الاستجابة لما نريد والكشف عن الجناة واسترجاع الأموال؟

هذا جزء من الخلل في فهم مسؤوليتنا، نحن عبارة عن شعب مشتت لا يعرف بالضبط متى يُحاسِب، وكيف يُحاسِب، ما زلنا ننظر للأمور العامة باستخفاف أولاً وباعتبار الموظفين الحكوميين هم أصحاب السلطة الفعلية وليس نحن الشعب.

الديمقراطية وَهْمٌ كبيرٌ جلبته لنا الولايات المتحدة الأميركية عام 2003 واخذنا منه الشكل الخارجي، بينما فشلنا في تحويلها إلى تطبيقات على أرض الواقع.

لم يصل الشعب العراقي إلى قناعة فعلية بأنه مصدر السلطات، بسبب طبيعة المنظومة الاجتماعية السائدة التي لا تؤمن بالديمقراطية وتمارس أنواعاً أخرى من السلوكيات المناقضة لمبادئ الديمقراطية.

في العراق لا يوجد إيمان بالمشاركة السياسية، بحيث يصعد القرار بشكل أولي من عامة الشعب، ثم يتحول إلى نقاشات إعلامية، وبعدها إلى أروقة البرلمان والحكومية، بل هناك قرارات مشتتة تصدر من الحكومة استجابة لرغباتها في أغلب الأحيان ولغرض حفظ مصالح الموظفين الكبار الذين يستولون على مراكز القرار في البلاد ويتحكمون بما يجب وما يمنع ممارسته.

أساس النظام الديمقراطية هو المشاركة الشعبية الواعية، ونحن نجهل جُل حقوقنا، ولا نمارس واجباتنا تجاه بلدنا.

الخلاصة أن الكثير من القضايا سوف تثار وتغلق دون أن يعرف بحقيقتها وخفاياها أحد، كما حدث مع قضية سرقة الأمانات الضريبية، وستبقى أموالنا ومواردنا وثرواتنا سر خاص بالأقلية المسيطرة على مراكز إصدار القرارات، والشعب أضعف هذه المراكز إن لم يكن وجوده معدوماً.

وإذا أراد الشعب أخذ دوره في المشاركة بصنع القرار، عليه أن يطرح الأسئلة دائماً ويجبر الممسكين بالسلطة على تقديم الإجابة أو تقديم استقالتهم.

لا تقل متى يخجل رجال السلطة ويقدموا استقالاتهم، بل قل متى يستطيع الشعب مراقبتهم وإجبارهم على الاستقالة في حال فشلهم؟

لم نصل بعد إلى هذا الوضع، حيث نبتعد عنه مسافات طويلة والدروب إليه مليئة بالتحديات.

اضف تعليق