q
تحاول الولايات المتحدة استدراك تأخرها وغفلتها عن المد الصيني والروسي في أفريقيا، من خلال قمة احتضنتها، محذرة من تنامي نفوذ الدولتين الغريمتين لها في أكثر من منطقة بالعالم. فهل تسعى بكين وموسكو لبسط نفوذهما في القارة؟ هل هي لعبة محاور دولية؟ وما مصلحة الأفارقة؟...

تحاول الولايات المتحدة استدراك تأخرها وغفلتها عن المد الصيني والروسي في أفريقيا، من خلال قمة احتضنتها، محذرة من تنامي نفوذ الدولتين الغريمتين لها في أكثر من منطقة بالعالم. فهل تسعى بكين وموسكو لبسط نفوذهما في القارة؟ هل هي لعبة محاور دولية؟ وما مصلحة الأفارقة؟

يثير النفوذ الصيني والروسي المتنامي في الدول الأفريقية مخاوف الولايات المتحدة، من مغبة توسع الدولتين الغريمتين لها وللغرب عموما في هذه المنطقة، وبمناسبة استضافتها للقمة الأمريكية-الأفريقية الأربعاء، حذرت واشنطن من أن نفوذ الصين وروسيا "يمكن أن يكون مزعزعا للاستقرار".

ورصدت الولايات المتحدة 55 مليار دولار لأفريقيا لاستمالة دول القارة نحوها، تتضمن مساعدات في مجال الرعاية الصحية واستكشاف الفضاء خصوصا مع توقيع نيجيريا ورواندا اتفاقيات أرتميس. كما ستدعو واشنطن لتعزيز دور أفريقيا على الساحة الدولية مع مقعد في مجلس الأمن الدولي، وتمثيل الاتحاد الأفريقي في قمة مجموعة العشرين.

في المقابل، تعتبر الصين أول دائن عالمي للدول الفقيرة والنامية وهي تستثمر مبالغ طائلة في أفريقيا الغنية بالموارد الطبيعية. من جانبها، عززت روسيا وجودها في القارة بشكل كبير بما يشمل إرسال مرتزقة فاغنر لعدة دول أفريقية وهي تقيم علاقات وثيقة مع بعض العواصم الأفريقية".

معركة نفوذ أم مصالح؟

في هذا السياق، يرى عبد الأحد الرشيد كاتب صحافي مختص في الشأن الأفريقي، بأن "الصين وروسيا كبقية الدول تسعى لبسط نفوذها في أفريقيا، القارة الخصبة من حيث الموارد الطبيعية وهو ما يثير شهية الكثير من الدول المتقدمة التي تريد عبر بسط نفوذها الوصول إلى هذه الموارد الطبيعية التي تتمتع بها كثير من الدول الأفريقية. حقيقة فإن الصين وروسيا تسعيان إلى بسط نفوذهما في أفريقيا أكثر من أي وقت مضى".

وبالنسبة إلى ماجد نعمة الباحث في العلاقات الدولية، فإن الأمر لا يتعلق بـ"النفوذ"، وهو يرى بأن "المصالح والمنافع هي أمر طبيعي في سياسة الدول التي تسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية جيوستراتيجية وأمنية. من هذا المنظور، تسعى روسيا والصين لتطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية والتسليحية مع أفريقيا. وهذا ما تفعله أيضا الدول الغربية وحتى بعض الدول العربية والهند وإيران، مع قارة بكر تزخر بثروات بشرية ومادية هائلة".

ويضيف نعمة بأن "علاقات روسيا والصين مع أفريقيا ليست بجديدة، وقد بدأت تتطور مع حصول الدول الأفريقية على استقلالها. وكان الاتحاد السوفياتي يمد نفوذه في القارة من خلال دعم نضال شعوبها للتخلص من الاستعمار الغربي وتقديم المساعدات الاقتصادية والتنموية وحتى العسكرية للعديد من الدول الأفريقية، خاصة التقدمية منها. لكنها ظلت محدودة ثم انقطعت مؤقتا مع نهاية الحرب الباردة. مع عودة هذه الحرب بدءا من العقد الأول من هذا القرن عادت روسيا ولكن بإمكانات محدودة لانتهاج سياسة اليد الممدودة نحو أفريقيا ومناهضة الوجود الغربي التاريخي فيها، وهذا ما نراه بوضوح في منطقة الساحل. وقد استغلت أخطاء الغرب الفاضحة، خاصة تجاه ليبيا، لتتمدد عسكريا في جمهورية وسط أفريقيا ومالي عبر مرتزقة فاغنر. أما الصين فإن سياستها الأفريقية قامت منذ ثلاثة عقود على الاستثمار والاقتصاد خاصة في مجال تقديم القروض بدون شروط سياسية. وبلغت قيمة هذه المساعدات أكثر من نصف مليار دولار".

من جانبه، قال محمد أغ إسماعيل أستاذ العلوم السياسية في جامعة باماكو: "بكل تأكيد تسعى الصين وروسيا لبسط نفوذهما في القارة الأفريقية الغنية بثرواتها المعدنية. حيث تستغل الصين السوق الأفريقية لاستثمار منتجاتها ونقل تكنولوجيتها وتمويل مشاريع تنموية وبنية تحتية عبر شركاتها المتعددة في معظم دول القارة، لذا أصبحت الشريك الأول في أفريقيا مؤخرا. كما تركز روسيا على الجوانب الأمنية والعسكرية مستغلة عجز التدخلات الغربية في تحقيق الأمن في الساحل الأفريقي ووسط وشمال القارة. تنامي شركة فاغنر بجانب الاتفاقيات العسكرية والأمنية أكبر دليل على هذه الرغبة الروسية".

"لا وجود لمحور صيني-روسي بأفريقيا"

وبالنسبة للعبة المحاور الدولية بين القوى العظمى، رأى الصحافي عبد الأحد الرشيد بأن "هناك تحركات وخطة واضحة للصين وروسيا لبسط نفوذهما في أفريقيا، لكن يبقى أنها مختلفة بالنسبة لكل منهما، حيث أن الأولى تريد نفوذا اقتصاديا يسمح لها بالحصول على صفقات مربحة مع الدول الأفريقية فيما يخص التبادل التجاري والطاقة وما إلى ذلك. أما روسيا، فهي تريد نفوذا أمنية، كما نعرف فإن روسيا استغلت ملف محاربة الإرهاب في أفريقيا وأبرمت اتفاقيات مع الحكومة المالية مؤخرا لإرسال حولي 1200 جندي ضمن مجموعة فاغنر إلى مالي لتدريب الجيش المالي. اعتمادا على مثل هذه الصفقات المبرمة مع الحكومة الروسية مع الدول الأفريقية، نجد أن موسكو تريد بسط نفوذها في المنطقة من خلال البوابة الأمنية. أظن أن الخطة الروسية محكمة جدا فمعروف أن موسكو لا تريد فقط بسط نفوذها، بل التغلغل وتخطي الجانب الأمني لتحقيق سيطرة اقتصادية أيضا".

بدوره، أوضح الباحث في العلاقات الدولية ماجد نعمة: "حتى الآن ليست هناك سياسة محاور ولا تنسيق صيني-روسي. حيث إن السياسة الروسية منفصلة ومختلفة عن السياسة الصينية التي تمتلك قوة استثمارية هائلة تفتقدها روسيا. لكن القاسم المشترك الوحيد بينهما هو معارضة ومحاربة الاستئثار الغربي بالقارة رغم أن مصالحهما هي أكبر بما لا يقاس مع الغرب نفسه، على الأقل حتى اندلاع حرب أوكرانيا".

أما أستاذ العلوم السياسية محمد أغ إسماعيل فهو يرى بأنه و"على الرغم من التقارب بين الصين وروسيا في العديد من القضايا الدولية، وسعيهما لمحاولة بناء نظام عالمي جديد تحت قيادتهما، إلا أنني أستبعد القيام بلعبة محاور. بل هناك تنافس بينهما على فكرة السيطرة على القارة، مع ترك الباب مفتوحا أمام التعاون الثنائي بينهما أحيانا عند الضرورة وخصوصا لمواجهة القوى الغربية".

"أفريقيا هي الخاسرة"

وفيما يخص مصلحة الدول الأفريقية من التقارب مع الصين وروسيا أو مع الولايات المتحدة والغرب عموما، أوضح عبد الأحد الرشيد بأن "هذه الدول الكبيرة المتقدمة تسعى وراء مصالحها وهو ما لا تعيه الدول الأفريقية، التي يجب أن تبني علاقاتها مع تلك القوى على أساس العلاقة المثمرة بحث يستفيد الجانبان. يجب على أفريقيا التفكير مليا قبل عقد الاتفاقيات مع الدول الكبرى التي تسعى لبسط نفوذها في المنطقة. أفريقيا هي الخاسرة في هذه العلاقات الدبلوماسية والصفقات مع الدول الكبرى ومنها الصين وروسيا. الصين تعاني من نقص الموارد الطبيعية، التي هي متوفرة في أفريقيا وهو ما لا يجب إغفاله قبل توقيع الاتفاقيات مع الصين. النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا لا يعود بالفائدة سوى على تلك القوى وليس لدول المنطقة. لطالما خسرت دول أفريقيا منذ زمن عبر الكثير من الصفقات. يتحتم على الاتحاد الأفريقي الذي يرأسه حاليا رئيس السنغال ماكي سال أن يلعب دورا كبيرا في تأطير الصفقات التي تبرمها الدول الأفريقية مع الدول المتقدمة. نحن في عصر العولمة ولكل دولة مصلحة مع دول أخرى في التعاون الاقتصادي أو العسكري والأمني وما ذلك، وهو ما يجب أن تدركه الدول الأفريقية قبل الخوض في تلك الصفقات".

"الأفارقة ضحية لتكالب دولي"

وبالنسبة إلى الباحث ماجد نعمة، فإن "البلدان الأفريقية ليست موحدة في مصالحها وتوجهاتها. ما يوحدها هو رفضها سياسة العقوبات الغربية ورفضها للتدخل السياسي في شؤونها الداخلية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان. تقول موريثي موتيغا، مديرة قسم أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية إن الولايات المتحدة تنظر تقليديا إلى أفريقيا على أنها مشكلة يجب حلها. لكن منافسيها يرون بأن أفريقيا هي المكان المناسب لتحقيق المكاسب وفرص الاستثمار، وهو ما يفسر تقدمهم. وهي تتساءل ما إذا كان هذا المؤتمر سيغير ذلك. الدليل أن واشنطن فرضت عقوبات على عائلة رئيس زيمبابوي عشية المؤتمر. وفي هذا السياق لخص الرئيس السنغالي ماكي سال، وهو أيضا رئيس الاتحاد الأفريقي، قبل ذهابه لواشنطن للمشاركة في مؤتمر القمة الأمريكي-الأفريقي الموقف الأفريقي الرافض لسياسة المحاور قائلا إنه عندما نتحدث معهم، غالبا ما لا يتم الاستماع إلينا، أو على الأقل لا يهتمون بشكل كاف بما نقول. هذا ما نريد تغييره. ولا نريد أيضا أن يملوا علينا سياستهم أو أن يفرضوا علينا مع من نتعامل. نريد العمل والتداول مع الجميع".

ويرى محمد أغ إسماعيل: "الأفارقة هم ضحية لتكالب دولي متجدد ومتسارع، وضع معظم القادة في حيرة من أمرهم. لكن يبدو أن الكفة ترجح في الوقت الراهن لصالح الصين اقتصاديا، ولصالح روسيا أمنيا، كل ذلك على حساب الغرب. وذلك نتيجة أسباب تاريخية مرتبطة بالإرث الاستعماري الغربي والعروض الصينية والروسية التفضيلية نوعا ما مقارنة مع الغرب، خصوصا أن الدولتين لا تفرضان شروطا على الأنظمة السياسية الأفريقية كقضايا حقوق الإنسان واحترام الحريات أو الديمقراطية. مع ذلك، أعتقد بأن الفيصل في النهاية سيكون للدول التي تقترح الأفضل للقارة".

اضف تعليق