q
ان هامش المناورة الروسي في العراق محدود قياسا لأميركا، وروسيا تدرك ذلك، اي ان العراق الذي قد يكون حليفا لهذا الطرف، لن يكون بالضرورة خصما للطرف الآخر، وهذه معادلة صعبة، اشتغل عليها العراق بصور مختلفة منذ العام 1958 لكنها كانت ايضا مصدر قلق وعدم استقرار مستمر له...

من الدروس السياسية القريبة، درس العلاقة بين الاتحاد السوفييتي السابق والغرب، تحديدا (اميركا وبريطانيا) خلال الحرب العالمية الثانية، فهذا الدرس يعطينا صورة واضحة لمسألة المصالح التي تتقدم على كل شيء.

لقد وضع التحدي النازي العالم امام استحقاقات لابدّ من التعامل معها بواقعية، وكان كل من السوفييت والأمريكان والبريطانيين قد وجدوا انفسهم في خندق واحد، فهم جميعا باتوا مستهدفين بمصالحهم من قبل النازية التي اجتاحت مناطق واسعة من أوربا... تجاوز الزعماء الثلاثة، الرئيس الاميركي روزفلت والزعيم السوفييتي ستالين ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل، قناعاتهم الفكرية والعقائدية والتقوا ليوحدوا الصفوف لدحر المانيا واليابان، وقد تم لهم ذلك، ولم ينسوا التفاهم على تقاسم النفوذ في العالم لمرحلة ما بعد الحرب، لاسيما في المناطق الحساسة .. الشيء الذي حصل لاحقا، وبعد مدة قصيرة جدا على حلفهم الشهير في القرم، انهم وجدوا أنفسهم مرة اخرى في حالة صراع اتخذ وسائل واشكالا عدة بقصد توسيع النفوذ والسيطرة لتبدأ مرحلة مثيرة من تاريخ العالم سميت (الحرب الباردة) تخللها اشعال الحروب بالنيابة.

وقد كانت هذه الحروب تقول لنا ان جوهر الصراع في تلك المرحلة من تاريخ العالم وقبلها وما سياتي بعدها، هو المصالح بالدرجة الاولى، وان الافكار والعقائد والمبادئ لا تعمل بشكل مطلق في السياسة بل تتعطل في اوقات وتستخدم ايضا بقوة في اوقات اخرى، تحت وقع المصالح والمنافع.

لقد اعتقد كثيرون ان انهيار الاتحاد السوفييتي وتحوّل روسيا الى دولة رأسمالية، مثّل بداية لعهد جديد من التعاون الدولي وبناء عالم أكثر استقرارا بزوال السبب العقائدي للتوتر.

حرب اوكرانيا، وإن انتهت عسكريا، ستبقى تداعياتها على المشهد السياسي الدولي طويلا، فإن انتهت لصالح روسيا، ستدفع اميركا والغرب للعمل وفق الخطط البديلة، وروسيا هي الاخرى لديها خطط للمواجهة التي ستكون طويلة بالتأكيد، وكلا الطرفين سيوظف كل الامكانيات في مواجهة خصمه وستكون الحرب شاملة ولو من دون اسلحة عسكرية، أي سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها، وسيكون من ابرز نتائج هذه الحرب، هو الاستقطابات الجديدة التي ستحددها نتيجة هذه الحرب وحسابات الدول في مدى فائدتها من علاقتها مع هذا الطرف او ذلك، ولعل الكثير من الدول تقف اليوم في المنطقة الرمادية بانتظار ما ستؤول اليه الحرب قبل ان تحزم امتعتها باتجاه الحليف الاقوى او الاقرب القادم!

عراقيا، ارى ان اهتمام اميركا اليوم بتفعيل (اتفاقية الاطار الستراتيجي) مع العراق، الموقعة العام 2008، يأتي في هذا السياق، اي بعد ان اصبحت (الحرب الباردة الجديدة) حقيقة، ولابد من كسب اكبر عدد من الاصدقاء او الحلفاء من قبل كل جهة. لكن الانقسام السياسي العراقي في التوجهات والرؤى، سيجعل مهمة الإدارة الاميركية في المضي بترجمة الاتفاقية على الارض ليست سهلة، ومع هذا نرى ان العراق، لاسيما بعد ان بات واقعه السياسي أكثر نضجا، سيتعامل مع هذا الامر في سياق رؤية تستحضر المصالح، ويبدو ان مدخلها تمثل بالقمة الاميركية العربية في الرياض منتصف هذا العام. وان هامش المناورة الروسي في العراق محدود قياسا لأميركا، وروسيا تدرك ذلك، اي ان العراق الذي قد يكون حليفا لهذا الطرف، لن يكون بالضرورة خصما للطرف الآخر .. وهذه معادلة صعبة، اشتغل عليها العراق بصور مختلفة منذ العام 1958 لكنها كانت ايضا مصدر قلق وعدم استقرار مستمر له!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق