q
في المطبخ الخالي بمنزلها في صنعاء تستعد أم زكريا الشرعبي للمواجهة الصعبة والتحدي اليومي.. إعداد وجبة لإطعام 18 فردا تتألف منهم عائلتها الضخمة، تقول وهي تشير إلى موقد فارغ "لم نتناول الغداء للآن". وفي ركن من أركان المطبخ، تقبع حقيبة خبز وبعض الأواني، لا شيء فيها سوى قليل من التوابل...

في المطبخ الخالي بمنزلها في صنعاء تستعد أم زكريا الشرعبي للمواجهة الصعبة والتحدي اليومي.. إعداد وجبة لإطعام 18 فردا تتألف منهم عائلتها الضخمة، تقول وهي تشير إلى موقد فارغ "لم نتناول الغداء للآن". وفي ركن من أركان المطبخ، تقبع حقيبة خبز وبعض الأواني، لا شيء فيها سوى قليل من التوابل، بقايا الطعام الوحيدة في البيت، وتضيف "هذا حالنا في كل يوم... لا شيء في المطبخ، لا شيء". بحسب رويترز.

ودمر الصراع، الذي بدأ قبل ثماني سنوات عندما سيطر الحوثيون على صنعاء، الاقتصاد وأصبح الملايين في أنحاء اليمن يواجهون صعوبات في الحصول على قوتهم وقوت أسرهم، وتمدد الصراع بعد أن شن تحالف بقيادة السعودية ضربات جوية على الحوثيين، وأتاحت الهدنة التي تم الاتفاق عليها في أبريل نيسان فترة راحة قصيرة لكن الأمم المتحدة تقول إن عدد الأسر التي لا تحصل على ما يكفيها من الطعام ما زال في زيادة منذ ذلك الحين. وانتهت الهدنة يوم الاثنين دون اتفاق على تمديد آخر.

وتقول حماتها وتدعى أم هاني التي تعيش معها في نفس المنزل في وسط صنعاء، إن مستوى معيشتهم كان متواضعا قبل الحرب لكنهم كانوا يعيشون حياة مقبولة يضمنها راتب زوجها من وظيفته في وزارة التعليم والمال الذي كانت تكسبه من عملها في خدمة بعض المنازل، أضافت "كان وضعنا جيدا. كنت أعمل لدى عائلة بشكل مستمر وكان ابني يعمل... وشقيقه أيضا"، ومضت قائلة "في الوقت الحالي، أقسم أننا لا نستطيع شراء الطحين (الدقيق).. انظر إلى المطبخ وفي كل مكان. حتى الطحين غير موجود لدينا، ولا الأرز... لدينا القليل من الخبز الذي أحضرته حالا من المخبز. سنأكله بصلصة الطماطم أو أي شيء متاح".

تتكرر قصة كفاح عائلة الشرعبي في جميع أنحاء اليمن، سواء في المناطق المأهولة الرئيسية مثل صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون المتحالفون مع إيران، وبقية البلاد التي تسيطر عليها القوات المدعومة من التحالف بقيادة السعودية، وتعرض كلا الجانبين لضغوط دولية للتوصل إلى اتفاق سلام، وتقول الأمم المتحدة إن 19 مليون شخص أي 60 بالمئة من السكان يعانون مما تسميه المنظمة انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث يعرض نقص الغذاء حياة الناس ومصادر أرزاقهم للخطر.

وتلبي المساعدات من الدول المانحة نصف احتياجات البلاد، بحسب برنامج الأغذية العالمي الذي يدير في اليمن أكبر عملية نفذها في أي مكان على الإطلاق، حيث يوفر الطحين والبقول والزيت والسكر وقسائم الطعام.

وتواصل العائلات مثل الشرعبي الكفاح. فالبعض يبيعون الممتلكات أو الميراث العائلي، ويبيعون حتى الأراضي. وآخرون يحصلون على مساعدات من الجيران والأقارب في الخارج، وقال ريتشارد راجان، ممثل برنامج الأغذية العالمي في اليمن، "إن قدرة الشعب اليمني على التكيف هائلة في هذا الوقت من الصراع..(إنهم) يفعلون أقصى ما يمكن أن يفعله إنسان في وقت الأزمات. لكن هذا ليس بالأمر الهين. أعتقد أن الكثير من الناس في البلاد على حافة الانهيار"، ورغم أن الهدنة خففت حدة العنف، قال راجان إن برنامج الأغذية العالمي لا يزال يعمل على تجديد مخزوناته ومعالجة تأثيرات نقص الوقود. وأضاف "عندما تطعم ما يقرب من 20 مليون شخص على أساس مستمر، يكون من الصعب للغاية التحكم في سير العملية"، وفي النصف الثاني من العام، ارتفع عدد الأشخاص الذين اعتُبر انعدام الأمن الغذائي بالنسبة لهم حالة طارئة بمقدار الربع إلى 7.14 مليون بينما قفز عدد الأشخاص الذين صنفوا "في وضع كارثي" بمقدار خمسة أمثال إلى 161 ألفا، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.

وقال نبيل القدسي المسؤل الاعلامي لمشروع التغذية المدرسية والإغاثة الإنسانية وهو شريك منفذ لبرنامج الغذاء العالمي "التحدي الأكبر في توزيع هذه المساعدة أن المساعدات كانت لا تفي بأعداد المحتاجين الذين يزدادون يوما بعد يوم خاصة مع ظروف الحرب في البلد ما بالكم الآن طبعا بعد ثماني سنوات من الحرب". ويقوم المشروع الذي يديره الحوثيون بتسليم المساعدات الغذائية لثلاثة ملايين شخص في 12 من أصل 21 محافظة يمنية.

وفي حي الجراف بشمال صنعاء، تعيش أمل حسن وزوجها وأطفالها الثلاثة في غرفة واحدة صغيرة انتقلوا إليها بعد أن أصبح إيجار سكنهم السابق مرتفعا للغاية، تتنقل أمل للعمل في خدمة المنازل في عدة أحياء من العاصمة، وتنفق معظم دخلها على التنقلات وتدخر ما بين 1000 إلى 2000 ريال (1.7 إلى 3.4 دولار) في كل مرة.

وتبحث عن منزل بإيجار يسير، لكنها تقول إن وقتها مشحون بالقلق والتفكير الدائم في طعام أسرتها، وتقول إنهم عندما ينتهون من تناول الإفطار، تبدأ في التفكير في الغداء. بعدها يتأجل القلق للعشاء، تضيف "إحنا كيف نقضي يومنا أنه إحنا نبكر الصباح نهم الصبوح (الفطور) أجلس ساعة أطمن، (أفكر) أيش أأكل عيالي أيش أشربهم يلا كملوا يصطبحوا (يفطروا) أفكر بأيش أغديهم والله أيش أدي لهم من غدا هل الوجبة تكفيهم أيش أزيد أدي لهم يعني... إنني كيف أستطيع أن أؤكلهم بعدها يلا العشاء أيش أعشيهم ما فيش.. ما فكرتش يوم كيف أبني مستقبلهم أو كيف بدرسهم لأنه يلا أهم أكلهم (أكلهم أهم)".

الحزن عامل مشترك

في اليمن الغارق في حرب طاحنة، تتفاقم ظاهرة الاضطرابات النفسية فيما يشهد القطاع الصحي انهيارا بسبب الاقتتال المتواصل منذ ثماني سنوات الذي أدخل يمنيين في اتون الاكتئاب ودفع آخرين إلى الانتحار.

ويقول أطبّاء ومرشدون نفسيون لوكالة فرانس برس إنّ اليمن الذي يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة يشهد حاليا "أزمة" صحة نفسية بسبب غياب المتخصصين النفسيين والادوية وكذلك الخشية من الوصمة الاجتماعية المرتبطة باللجوء إلى العلاج النفسي.

وقد بلغ عدد الأطباء النفسيين في 2020 بحسب وزارة الصحة 59 طبيبا، ما يعني توافر طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص. أمّا متوسط عدد العاملين الصحيين المتخصّصين في الصحة النفسية (أطباء وممرضون ومعالجون) فيُقدّر بحوالى 300 أي بمعدل متخصّص واحد لكل مئة ألف نسمة. بحسب فرانس برس.

ولا يتجاوز عدد الأسرة المخصّصة للصحة النفسية في اليمن 990 سريرا، فيما تقدّر وزارة الصحة عدد مستشفيات الصحة النفسية العامة والخاصة بسبعة، أي بمعدل مستشفى لكل 4,25 ملايين يمني.

وبحسب "مؤسسة التنمية والارشاد الأسري" اليمنية المتخصصة في الارشاد النفسي، فإنّ حوالى 19,5 بالمئة من سكان اليمن كانوا يعانون من اضطرابات نفسية في 2017، بحسب دراسة نشرتها في ذاك العام.

لكن الامم المتحدة حذرت في تقارير نُشرت في العام الحالي من أن "هذا العدد قد يكون أعلى الآن بسبب الوباء (كوفيد-19) واستمرار الصراع". ولا توجد دراسات حديثة حول أعداد مرضى الاضطرابات النفسية.

لا أسرة كافية

يدور النزاع في اليمن منذ 2014 بين الحوثيين المدعومين من إيران وقوات الحكومة يساندها تحالف عسكري بقيادة السعودية، وتسبّبت الحرب بمقتل أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، وفق تقرير للأمم المتحدة نهاية العام الماضي، أي أنهم قضوا إما في القصف والقتال وإما نتيجة التداعيات غير المباشرة مثل الجوع والمرض ونقص مياه الشرب.

وتواجه البلاد حاليا خطر تصاعد العنف بعد انهيار هدنة استمرت نصف عام هذا الشهر، ووفقا لمؤسسة التنمية والارشاد، فإنّ أسباب الاضطرابات لدى السكان هي في الأساس نتيجة "انعدام الأمن الغذائي أو البطالة أو الكوليرا أو الاعتقال التعسفي أو التعذيب أو الهجمات العشوائية أو الغارات الجوية أو ضعف الخدمات العامة الأساسية".

في تعز (جنوب غرب)، إحدى أكثر المدن تأثّرا بالحرب، يتكدّس مرضى الصحة النفسية في مستشفى لم يعد قادرا على استقبال المزيد بسبب عجزه عن توفير الأدوية وتقديم الطعام والعلاج لجميع المرضى.

ويشرح مدير مستشفى الأمراض النفسية في تعز الطبيب عادل ملهي أنّ "أعداد المرضى النفسيين في ازدياد نتيجة للظروف في البلاد ونتيجة المآسي التي ولّدتها الحرب والوضع السياسي القائم".

ويوضح "نحاول تقديم العلاج ولكن لا يمكننا توفيره لكل هؤلاء. نستقبل أعدادا كبيرة. (...) نحن بالكاد قادرون على تقديم الخدمة بسبب قلّة ما نملكه"، ومع طاقة استيعابية تصل إلى 200 مريض، لا يملك المستشفى أسرّة كافية لكل الذين يدقّون أبوابه. ويتلقى المستشفى تمويلا حكوميا يغطي 25 بالمئة من احتياجاته ويتلقى بعض التبرعات، وفقا لمديره.

الحزن عامل مشترك

إلى جانب القتل والدمار، يعاني اليمن من أسوأ أزمة انسانية في العالم، حسبما تقول الامم المتحدة، إذ يعتمد نحو 80 بالمئة من سكان البلد المجاور لبعض من أغنى دول العالم، على المساعدات للإنسانية للعيش.

وفي حجة شمال غرب صنعاء، تدير منظمة "أطباء بلا حدود "عيادة للأمراض النفسية تتعامل مع سكان يعانون من صدمات ناتجة عن تبعات الحرب، وتؤكد مديرة الصحة النفسية في المنظمة أورا راميرز باريوس لوكالة فرانس برس أن 70% إلى 80% من المرضى في هذه العيادة يعانون من "الذُّهان والاكتئاب والاضطرابات ثنائية القطب واضطرابات ما بعد الصدمة"، وقالت "لدينا الكثير من الأشخاص الذين فقدوا أفرادا من عائلاتهم وبيوتهم ويعانون من النزوح. وبسبب كل هذه الخسائر، فإنّ الحزن عامل مشترك".

لكن حتى مع تقديم العيادة خدماتها مجانا، يواجه بعض السكان صعوبة في الوصول إلى المركز أو في تقبّل فكرة الحصول على علاج نفسي، وتوضح راميرز باريوس أنّ "عائلات (المرضى) كانت خجلة من القدوم في وقت سابق"، وخصوصا النساء كونهنّ "بحاجة للأذن من عائلاتهن أو أزواجهن وهن خائفات من عدم الالتزام بالسرية" بعد الحديث عن وضعهن، وتشير إلى أن كثيرين يأتون بعد تأخر الوقت "عند محاولة المرضى الانتحار أو ظهور أعراض مثل الهلوسة الشديدة أو الهذيان".

وتتحدث وسائل إعلام يمنية عن انتحار شخص كل يومين، وهو عدد لا يمكن التأكد منه من جهات أخرى، رغم الصعوبات، تقول المسؤولة "هذا ليس مكانا ميؤوسا منه. الناس يؤمنون بنا حتى عندما يعانون من أمراض مزمنة ويعتقدون أن هذا مكان آمن".

موت اطفال ودواء ملوث

توفّي عشرة أطفال على الأقل من مرضى سرطان الدم في إحدى مستشفيات العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين بعدما جرى حقنهم بدواء "ملوث" و"مهرّب" من الخارج، حسبما أفادت السلطات المحلية ومصدر طبي.

يشهد اليمن نقصا كبيرا في الأدوية والمعدات الطبية نتيجة الحرب المستمرة منذ 2014 بين الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية والحوثيين المؤيدين لإيران والذين يسيطرون على صنعاء ومناطق شاسعة.

وقالت وزارة الصحة في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا في بيان مساء الخميس إنّ 19 طفلا في مستشفى الكويت يعانون من سرطان الدم وتتراوح أعمارهم بين 3 و15 سنة "تعرّضوا لمضاعفات إثر تلقيهم دواء تم تهريبه إلى صيدلية خاصة".

وأضافت أنّ عشرة من هؤلاء الاطفال توفوا، فيما ما زال طفل واحد "في حالة حرجة للغاية" وثمانية أطفال "يعانون من مضاعفات خفيفة"، وأوضحت الوزارة أنّ تحقيقاتها أفضت إلى "اكتشاف تلوث بكتيري في عبوات الدواء المستخدم".

وبحسب مصدر طبي مسؤول في صنعاء رفض الكشف عن هويته خوفا من الملاحقة، فإنّ الدواء كان منتهي الصلاحية، وإنّ الأطفال توفوا "اثر الحقن مباشرة"، مشيرا إلى أن عدد الوفيات قد يكون أعلى مما أعلنت عنه السلطات نظرا لوجود "50 طفلا في الوحدة ذاتها"، وحاولت فرانس التواصل مع أقرباء للأطفال الضحايا، لكن والدي طفلين رفضا الحديث قائلين إنّهما يخشيان رد فعل من السلطات في صنعاء.

تسبّبت الحرب في اليمن بمقتل أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، وفق تقرير للأمم المتحدة نهاية العام الماضي، أي أنهم قضوا إما في القصف والقتال وإما نتيجة التداعيات غير المباشرة مثل الجوع والمرض ونقص مياه الشرب. وأدى النزاع إلى انهيار القطاع الصحي في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.

تستورد الحكومة المعترف بها الأدوية من الخارج لكن عملية نقلها لمناطق الحوثيين تتطلب وقتا طويلا بانتظار الحصول على موافقات من الطرفين، وأما الأدوية التي تُستورد مباشرة إلى مناطق الحوثيين، فإنّها تصل عبر سفن تخضع للتفتيش من قبل التحالف العسكري بقيادة السعودية في مياه البحر، وغالبا ما تكون أسعارها مرتفعة جدا، ويدفع سكان اليمن وخصوصا الأطفال ثمن الحرب إذ يواجه ملايين منهم خطر المجاعة فيما يعاني كثيرون من أمراض لا علاج لها في بلدهم، ومنذ بداية النزاع، تحققت الأمم المتحدة من مقتل وإصابة أكثر من عشرة آلاف طفل، بحسب تقرير لمنظمة الامم المتحدة للطفولة في آذار/مارس الماضي. ومن المرجح أن تكون الأعداد الفعلية أعلى بكثير، وإلى جانب الأمراض والجوع، قُتل مئات الأطفال في القصف المتبادل والألغام والضربات الصاروخية للحوثيين والغارات الجوية التي شنتها طائرات التحالف وأصابت منازل ومجالس عزاء ومدارس.

اضف تعليق