q
لو قرأنا الأمر من زاوية اخرى سنرى ان واقع العراق بشكل عام، قبل ثورة تشرين يختلف كثيرا عما هو عليه اليوم، او بعد ان قطعنا مشوارا لابأس به في بناء مؤسسات الدولة، وتحديدا العسكرية والامنية، واصبحت قبضة الدولة اقوى مما كانت عليه بكثير، وهذا الامر لم يكن بعيدا عن رصد الأمم المتحدة...

لم يحظ تقرير إحاطة من قبل بعثة الامم المتحدة في العراق، منذ العام 2003 الى اليوم بالإهتمام الذي حظي به التقرير الاخير الذي قرأته ممثلة الامين العام السيدة جينين بلاسخارت قبل ايام امام مجلس الامن الدولي.. السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا جاء التقرير بهذه الصراحة التي ازعجت اغلب القائمين على (العملية السياسية) في العراق واثار الاهتمام بشكل غير مسبوق محليا وخارجيا؟!

كان اغلب العراقيين يعبرون عن عدم رضاهم على الإحاطات (الباهتة) السابقة والتي لم تكن ظروف العراق الحياتية فيها افضل مما هي عليه اليوم، على الرغم من اننا نشهد حاليا (انسداد سياسي) اعقب الانتخابات الاخيرة والتجاذبات الحادة بشأن تشكيل الحكومة، ما دفع البعض للاعتقاد بأن التقرير بمثابة انذار للجميع وتنبيه للمجتمع الدولي بان ما يحصل في العراق ينذر بعواقب وخيمة!

لو قرأنا الأمر من زاوية اخرى سنرى ان واقع العراق بشكل عام، قبل ثورة تشرين يختلف كثيرا عما هو عليه اليوم، او بعد ان قطعنا مشوارا لابأس به في بناء مؤسسات الدولة، وتحديدا العسكرية والامنية، واصبحت قبضة الدولة اقوى مما كانت عليه بكثير، وهذا الامر لم يكن بعيدا عن رصد الأمم المتحدة التي كانت لا تستطيع التحرك والحديث بصراحة عما يجري، لان ادوات التغيير في واقع العملية السياسية غير مكتملة وغير ممكنة ايضا، وسطوة السلاح المنفلت القت بظلالها على الجميع، فالدولة بمفهومها الفني الحقيقي لم تكن موجودة كما هي عليه اليوم، او بعد ثورة تشرين التي فرضت واقعا جديدا وان لم يلمسه العراقيون بشكل مباشر في حياتهم اليومية وفي تفاصيل مدنية اخرى، كونه يجري في العمق ويعيد تشكيل المؤسسات الحساسة بما يجعلها قادرة على ضبط الامن، ولم يبق سوى الارادة السياسية.

قد يرى البعض مبالغة في هذا الكلام، لكن المعطيات على الارض تشير الى ان المؤسسة العسكرية العراقية باتت اليوم قادرة على ضبط الامن واستعادة هيبة الدولة، ومن هنا جاء التنازع العراقي، ان صحت العبارة، على الامساك بهذا الواقع من خلال حكومة جديدة، ترى بعض الجهات ان قيامها بمعزل عنها او عدم مشاركتها فيها يعني غيابها عن المشهد السياسي الى الابد، وهذه القوى لها مرجعيات خارجية اقليمية ودولية لها مصالح ومطالح في العراق وغير مستعدة للتنازل عنها وان تحقيق هذه المصالح والمطالح يأتي بوجود هؤلاء الحلفاء المحليين.. وفي المقابل هناك رغبة وطنية عراقية تنامت بشكل سريع لاسيما بعد تشرين، تتمثل باستخلاص العراق من هذه اللعبة التي جعلته مكبلا ومخربا.

هذا التعارض الحاد بالرؤى، دفع بالأمور نحو التأزم الاخير وحصول الانسداد السياسي، وهنا بات على ممثلية الامم المتحدة في العراق ان تضع العالم امام صورة العراق اليوم.. عراق ما بعد تشرين وانتخاباتها، حيث بات اقوى على مستوى الدولة التي يسعى البعض للعودة بها الى الوراء... لقد ايقنت الامم المتحدة ان مرحلة جديدة في العراق قد بدأت بعد تشرين والحراك المتواصل منذ انطلاقتها قبل ثلاث سنوات بهدف التغيير، اي ان الشعب والدولة معا باتا مهيئين لاستقبال مرحلة سياسية جديدة، نرى ان بلاسخارت دشنتها بإحاطتها الاخيرة وهي تتحدث من بغداد الى مجلس الامن، مطمئنة كثيرا الى ان هناك دولة تحميها او تقف بوجه غضب الغاضبين ممن لم يعجبهم طرحها ولا يريدون للتغيير ان يذهب الى مداه الاخير!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق