q
تشير دراسة حديثة إلى أن نشوب معركة، وإن كانت محدودة النطاق، بين دولتين تلجأ كلٌ منهما فيها إلى استخدام السلاح النووي ضد غريمتها، قد يُلقي بالعالمَ في أتون مجاعة كاسحة. فالسخام المتصاعد من المدن المنكوبة سيُغلِّف الكوكبَ، عاكسًا أشعة الشمس نحو الفضاء، لتنخفض على إثره درجاتُ الحرارة، فتفسد المحاصيل الزراعية حول العالم...
بقلم: ألكساندرا ويتزي

تشير دراسة حديثة إلى أن نشوب معركة، وإن كانت محدودة النطاق، بين دولتين تلجأ كلٌ منهما فيها إلى استخدام السلاح النووي ضد غريمتها، قد يُلقي بالعالمَ في أتون مجاعة كاسحة. فالسخام المتصاعد من المدن المنكوبة سيُغلِّف الكوكبَ، عاكسًا أشعة الشمس نحو الفضاء، لتنخفض على إثره درجاتُ الحرارة، فتفسد المحاصيل الزراعية حول العالم، ليجِدَ قرابة خمسة مليارات نسمة، على أسوأ التقديرات، أنفسَهم على شفا الموت.

تقول ليلي زيا، عالمة المناخ بجامعة روتجرز الواقعة في مدينة نيوبرونزويك بولاية نيوجيرسي، وهي التي قادت الفريق البحثي الذي وضع هذه الدراسة: "سيعتصر الجوع جموعًا غفيرةً من البشر. ستكون فاجعةً بحق".

يأتي هذا البحثُ، الذي نشر في الخامس عشر من أغسطس (انظر: L. Xia. et al. Nature Food 3, 586–596; 2022) ثمرةَ جهودٍ فكرية بُذلت على مدار عقود طويلة، سعت إلى تحديد حجم عواقب اندلاع حربٍ نووية على العالم. وقد بات هذا الأمر أشد إلحاحًا الآن، نتيجة ما سبّبته الحرب الروسية ضد أوكرانيا من اضطراباتٍ في الإمدادات الغذائية حول العالم، لتتجلى بذلك الآثار بعيدة المدى لاشتعال فتيل النزاعات الإقليمية.

اندلاع حرب نوويةٍ ينذر بعواقب مهلكة، منها عواقب مباشرة، تتمثل فيما يتسبب فيه الانفجار من خسارةٍ في الأرواح، ومنها غير المباشر، كالآثار الممتدة للإشعاع الناتج عن الانفجار، إلى غير ذلك من أشكال التلوث البيئي. وقد أقدمت زيا وفريقها على إجراء هذه الدراسة، تحدوهم الرغبة في التعرف على العواقب غير المتصلةِ اتصالًا مباشرًا بمشهد الحرب ذاته.

صاغ فريق البحث نماذج تغيُّر المناخ في أنحاء عديدة من العالم حال اندلاع حرب نووية، وأثر ذلك التغير المناخي على المحاصيل الزراعية ومصائد الأسماك. وتناول الباحثون بالتحليل ستة تصوراتٍ للحرب، ينطوي كلُّ تصور منها على حجمٍ مختلف من السخام المبثوث في الغلاف الجوي، الذي سيؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة بمختلف المناطق بدرجات متفاوتة، تتراوح ما بين درجة مئوية واحدة و16 درجة. واكتشف الباحثون أن آثار الحرب قد تمتد على مدار عقدٍ من الزمان أو يزيد.

إن حربًا نووية بين الهند وباكستان، ربما يقود إليها النزاع القائم في إقليم كشمير، قد تُسفر عن إطلاق كميات من السخام، تتراوح ما بين 5 ملايين و47 مليون طن، في الغلاف الجوي. وتتوقف كميات السخام المنبعثة على عدد الرؤوس النووية المستخدمة، وعلى عدد المدن التي أكلتها الحرب. أما نشوب حرب نووية شاملة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فقد يُفضي إلى إطلاق 150 مليون طن من السخام بالغلاف الجوي.

وعمد فريق البحث إلى تقدير التأثير المحتمل على أعداد السعرات الحرارية التي ستكون متاحة للبشر على إثر تدهور المحاصيل الزراعية ومصائد الأسماك جرّاء اندلاع حرب نووية، مستعينين في ذلك بالبيانات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، وبحثوا في سبيل ذلك عدة احتمالات مطروحة: هل سيُبقى البشر على الثروة الحيوانية، ويستمروا في تربية الماشية؟، أم أنهم سيستأثرون باستهلاك بعض المحاصيل التي تستهلكها الماشية، أو كلها؟ وذهبت الدراسة إلى أن البشر سيحاولون الحد من هدر الطعام، أو ربما يحجمون عن هدره نهائيًا. كما افترضت الدراسة توقُّف حركة التجارة بين الدول، حيث ستُولي كل دولة الأولوية لتوفير الغذاء للقاطنين على أراضيها، عوضًا عن تصديره إلى الخارج.

تلفت الباحثة الانتباه إلى أن الدراسة، وإن كانت تقوم على افتراضاتٍ عديدة، وتستند إلى تصوراتٍ مبسَّطة حول كيفية استجابة النظام الغذائي العالمي، بتعقيداته، للحرب النووية، إلا أن الأرقام تظل مزعجة؛ ففي أضعف الحروب المتصوَّرة بين الهند وباكستان، التي يقدر حجم السخام الناتج عنها بخمسة ملايين طن، سيهبط معدل إنتاج السعرات الحرارية بمختلف أرجاء العالم بنسبة مقدارها 7% في السنوات الخمس التالية للحرب، أما في التصور الأسوأ لحربٍ بين الولايات المتحدة وروسيا، فقد يهبط معدل إنتاج السعرات الحرارية بنسبة 90% في غضون ثلاث أو أربع سنوات بعد أن تضع الحرب أوزارها.

أستراليا في مأمن

يذكر البحث أن أشد الدول تضررًا هي تلك الواقعة على خطوط عرضٍ تتراوح ما بين المتوسطة إلى العالية، فموسم زراعة المحاصيل فيها قصير بطبيعة الحال، وستشهد درجة حرارتها انخفاضًا شديدًا، حال اندلاع حربٍ نووية، مقارنةً بنظيراتها الواقعة في المناطق الاستوائية. فالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، ستمر بانخفاض في كميات الغذاء المتاح أشد حدة من دولة كالهند، التي تقع على خطوط عرض منخفض.

وستكون أستراليا من أقل الدول تضررًا؛ فانعزالها عن حركة التجارة في غمرة الحرب، سيدفعها إلى الاعتماد على القمح كمصدرٍ رئيسي للغذاء، وسيجد القمح المناخ البارد الناشئ عن سخام الحرب ملائمًا لنموٍ جيد نوعًا ما. وتضم الدراسة خريطة يسودها اللون الأحمر، إشارةً إلى المناطق التي سيخيم عليها شبح الجوع، في حين تبرُز أستراليا بلون أخضر يانع، لا تشوب نضارته شائبة، حتى في أشدِّ تصورات الحرب ضراوة. تقول زيا: "عندما أطلعتُ ابني على الخريطة لأول مرة، ما كان منه إلا أن قال: «هيا نشدُّ الرحال إلى أستراليا»".

ويرى ديباك راي، الباحث في مجال الأمن الغذائي بجامعة مينيسوتا في مدينة سانت بول، أن الدراسة تعد خطوة مثمرة في سبيل فهم الآثار المترتبة على الغذاء حول العالم جرّاء اندلاع حرب نووية إقليمية، ويضيف قائلًا إن ثمة حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتشكيل تصور دقيق حول منظومة إنتاج المحاصيل حول العالم، بما تتسم به من تداخل وتعقيد.

إن فهم العواقب المحتملة لنشوب حرب نووية، والإلمام بتفاصيلها، من شأنه أن يُساعد الدول على إدراك المخاطر الناجمة عنها، وتقييمها. يقول راي: "وقوع حرب نووية أمرٌ مستبعد، لكنها إذا ما وقعت، فلن ينجو من عواقبها أحد. هذا خطرٌ لا يستهان به".

اضف تعليق