q
ماذا كنت لتفعل بيدين إضافيتين؟ قد تبدو الفكرة جامحةً وحالمةً بعض الشيء، وكأنها ضربٌ من المُحال، إلا أن دراسةً جديدةً تشير إلى أن الإنسان يمكنه في الواقع التكيُّف مع استخدام أذرع آلية إضافية، كما لو كانت عضوًا أصيلًا من جسمه، اذ يمكن للإنسان أن يعتاد وجود أطراف آلية محاكية لأطراف جسده الحقيقية...
بقلم: ساشا وورين

ماذا كنت لتفعل بيدين إضافيتين؟ قد تبدو الفكرة جامحةً وحالمةً بعض الشيء، وكأنها ضربٌ من المُحال، إلا أن دراسةً جديدةً تشير إلى أن الإنسان يمكنه في الواقع التكيُّف مع استخدام أذرع آلية إضافية، كما لو كانت عضوًا أصيلًا من جسمه.

لعشرات السنين، عكف العلماء على تقصِّي آلية عمل الدماغ البشري في أثناء تعامُل الإنسان مع الأدوات وتسخيرها لمنفعته، تقول الافتراضية القائمة حاليًّا بأن الإنسان عندما يُمسك بمفتاح ربط أو مفك براغي، فإن عقله يتعامل مع الأداة كما لو كانت بديلًا ليده الفعلية، وكذلك هو الأمر عندما يستخدم الإنسان عصا طويلة؛ إذ يتَّسع تصوُّر الإنسان لمساحته الشخصية بما يتيح استيعاب هذا الجسم الغريب بكامل طوله، فلا يضرب شخصًا ما بطريق الخطأ عندما يستدير فجأةً والعصا بيده، ولكن ماذا لو أضيفت أعضاء جديدة كليًّا إلى أجسادنا، ولم يقتصر الأمر على تغيير وظيفة أعضائه الفعلية أو شكلها أو حجمها فحسب كما في المثال السالف ذكره؟ هل يؤثر هذا على تصوُّرنا لأجسادنا؟

إن الإجابة عن هذا السؤال قد تؤدي دورًا في تصميم الأجهزة الروبوتية الجديدة ومجالات الواقع الافتراضي، على سبيل المثال، العديد من علماء الروبوتات مهتمون حاليًّا بابتكار نظم من شأنها أن تمنح البشر القدرة على استخدام أطراف إضافية قد تمكِّنهم من إتمام مهمات تتطلب ذراعًا أو ساقًا، أو حتى ذيلًا إضافيًّا، وهنا يأتي دور الواقع الافتراضي الذي يمنح الأشخاص الفرصة كي يُجربوا فعل أشياء لا يمكنهم فعلها بعدُ في العالم الواقعي، كما يتيح لهم التجسُّد رقميًّا، أي التعايُش في الواقع الافتراضي من خلال أفاتارات يختارونها لأنفسهم، عِلمًا بأن هذه الأفاتارات قد لا تشبه الأشخاص المتحكمين بها (بل قد لا تشبه البشر أصلًا)، لكن كي تكون تلك الأعضاء الإضافية -حقيقيةً كانت أم افتراضية- مفيدةً وقابلةً للاستخدام، فيجب لها أن تتناغم مع جسم الإنسان كما لو كان مولودًا بها، لذا فإن معرفة ما إذا كان هذا الأمر ممكنًا، وفهم كيفية تحقيقه، أمرٌ ضروري لتصميم أعضاء آلية محاكية للواقع، وكذلك لتطوير ألعاب الفيديو التي تقوم على فكرة انغماس اللاعبين في عالم افتراضي.

وقد أجرى باحثون مجموعةً متنوعةً من التجارب سعوا من خلالها لمعرفة ملامح رد فعل البشر على وجود عضو إضافي ملحق بأجسامهم، وفي هذه التجارب، زوَّد الباحثون المشاركين بذراع أو يد أو إصبع إضافية مصنوعة من المطاط، ثم لمسوا هذا الطرف الإضافي الزائف في الوقت نفسه الذي لمسوا فيه طرفًا حقيقيًّا محسوسًا، وأظهرت التجارب أن البشر قد ينتابهم شعور بأن هذه الأطراف الإضافية، أو "الزائدة"، هي عضو أصيل من أجسامهم، ولكن لم تُجرَ بعدُ دراسات كافية لتحديد ما إذا كان يمكن للإنسان استخدام مجموعات يمكن التحكم فيها من الأطراف الجديدة بصورة فعالة.

لذا، فقد كان هذا هو هدف البحث الجديد الذي نُشر الشهر الماضي في مجلة «ساينتفك ريبورتس» Scientific Reports ؛ إذ غمر الباحثون المشاركين في إحدى بيئات الواقع الافتراضي التي تجسَّد فيها المشاركون رقميًّا، غير أن أجسادهم الرقمية تلك كان لها ذراعان آليتان افتراضيتان إضافيتان أسفل الذراعين الحقيقيتين، ويقول المؤلف المشارك في الدراسة وعالِم الروبوتات والعالم المعرفي بجامعة طوكيو، كين أراي: إن غمر المشاركين في بيئة واقع افتراضي أمرٌ شديد الأهمية لفهم كيف يمكن أن يتكيف البشر مع أجزاء الجسم الآلية الإضافية، كان إجراء تجربة إضافة ذراعين آليتين في العالم الحقيقي دائمًا ما يصاحبه تحدٍّ يتمثل في حمل الذراعين على التحرك دون تأخير، أي بالسرعة نفسها التي يتوقع دماغ الإنسان أن تتحرك بها الأطراف الحقيقية، وقد تغلَّب الواقع الافتراضي على هذا التحدي؛ نظرًا إلى أن الفاصل الزمني بين تلقِّي المدخلات الآتية من المستشعرات وملاحظة حركة تدل على استجابة الأذرع الافتراضية كان أقصر، مما جعل التجربة أكثرَ واقعية.

وتحكَّم المشاركون في الأذرع الآلية المُحاكية للأذرع الحقيقية باستخدام مستشعرات متصلة بالقدم والخصر، وكان تحريك الجزء السفلي من الساق في العالم الحقيقي يُحفِّز الذراع الإضافية على الجانب نفسه من الجسم على التحرُّك في مجال الواقع الافتراضي، في حين كان ثني الأصابع مثلًا يُحفِّز اليد الافتراضية على إحكام قبضتها وكأنها على وشك الإمساك بشيءٍ ما، وكان الأشخاص الذين يستخدمون تلك الأذرع الآلية في الواقع الافتراضي قادرين أيضًا على الشعور بتفاعُل الأطراف مع الأشياء الافتراضية الموجودة في البيئة من حولهم، على سبيل المثال، إذا لمستْ كف يد آلية شيئًا ما في مجال الواقع الافتراضي، كان المشاركون يشعرون بهزة في نعل القدم على الجانب نفسه من الجسم.

وبمجرد وضع المشاركين على أجهزة الواقع الافتراضي، انخرطوا في مهمةٍ غرضها قياس مدى الانسجام الحركي لديهم، مستخدمين الأذرع الإضافية "للمس" كُرَات كانت تظهر في مواقع عشوائية، وبعد كل محاولة، كان المشاركون يعبرون عن مدى اتفاقهم مع عبارات مثل "شعرت كما لو أن الطرفين/الذراعين الآليتين الافتراضيتين هما طرفاي/ذراعاي"، و"شعرت كما لو أن حركات الذراع الآلية الافتراضية تؤثر على حركاتي في الحقيقة"، وعندما أكملوا مهمةَ لمس الكُرَات عدة مرات، أصبحت استجابات الأشخاص أسرع، وأفادوا أيضًا بأنهم شعروا بمزيد من القدرة على التحكم في أذرعهم الجديدة والحرية في تحريكها كما شاءوا.

وقاست تجربةٌ أخرى مدى سرعة تحريك الناس لأذرعهم الآلية استجابةً للمسات الافتراضية، هنا شعر المشاركون بهزات في أقدامهم في أثناء رؤية أشياء افتراضية تلامس أطرافهم الاصطناعية، وكانوا يتلقون توجيهات بتحريك أذرعهم الآلية بعيدًا عن تلك الأشياء، في بعض الأحيان، كان موضع الاهتزاز الفعلي على القدم يتطابق مع الموضع الذي لامست فيه الكرة الافتراضية الطرف الآلي؛ فعلى سبيل المثال، كان الاهتزاز في الجزء العلوي من القدم اليسرى يشير إلى حدوث تلامُس في الجزء الخلفي من اليد اليسرى الافتراضية، كما حدث في تجربة لمس الكُرَات، لكن في أحيانٍ أخرى، لم يتطابق موضع الإحساس مع موضع ظهور الشيء في الواقع الافتراضي، وعندما تطابق موضع الشيء الافتراضي الذي كان مرئيًّا للمشاركين مع موضع شعورهم بالتلامس بين الشيء والطرف الآلي، سحب المشاركون أذرعهم الآلية بعيدًا بسرعة أكبر قليلًا مما فعلوا عندما لم يتطابق موضع الإحساس مع موضع الشيء، لوحظ هذا النمط من الاستجابة أيضًا عندما أُجريت التجربة نفسها على أطرافٍ لأشخاص في العالم الحقيقي، ويفسر الباحثون هذا على أنه علامةٌ على أن إحساس المشاركين اللاواعي بالمساحة الشخصية قد توسَّع ليشمل المنطقة التي يمكنهم رؤيتها حول أذرعهم الآلية في الواقع الافتراضي.

بشكل عام، تشير النتائج إلى أن المشاركين شعروا وكأنهم قد اكتسبوا أطرافًا جديدةً كاملةً إضافية؛ إذ لم يكن إحساسهم مقتصرًا على مجرد الشعور بأن أداةً جديدةً قد دُمجت بأجسامهم، وربما يفتح هذا أمامنا بابًا نحو عالم من الإمكانيات الافتراضية والواقعية.

تقول أندريا ستيفنسون وون، باحثة التفاعل بين الإنسان والحاسوب التي تدير مختبر التجسيد الافتراضي في جامعة كورنيل، ولم تشارك في الدراسة التي يتناولها هذا المقال: "في الواقع الافتراضي، يمكن أن يكون لدينا تجسيدات رقمية تتخذ أي شكل أو حجم نريده"، وأضافت: "يمكنك أن تمنح نفسك أجنحةً وتحلق في الفضاء الافتراضي وتعيش هذه التجربة الساحرة"، إن اكتشاف مزيد من التفاصيل حول ما يشعر به الأشخاص تجاه الأطراف الآلية المدمجة إلى تجسيداتهم الرقمية سيساعد الباحثين على تصميم هذا النوع من التجارب، وتتابع وون: "إن السؤال المتعلق بكيفية تصوُّر الناس لتجسيداتهم الرقمية، التي لا وجود لها حسيًّا، والتفاعل معها كما لو كانت حقيقيةً إلى حدٍّ ما، هو سؤال مثير للاهتمام".

ومن ناحيةٍ أخرى، فإن أكثر ما يثير حماس أراي هو معرفة إلى أي مدى يمكن تعزيز قدرات البشر في العالم الحسي، إن النظم الروبوتية القائمة يمكنها مساعدة الإنسان، وفي هذا الصدد يقول أراي: "ربما يمكن الاستفادة من هذه المعلومات [التي استمدها من نظام الواقع الافتراضي] بإدراجها في نظامٍ آلي فعلي، سيكون هذا النوع من تسجيل النتائج وردات الفعل مهمًّا جدًّا لتحسين تصميمات الأطراف الآلية الإضافية"، ويتابع: "نريد تمكين البشر من فعل المستحيل، إذا أردنا إضافة المزيد من الأطراف، فيجب أن يكون ذلك ممكنًا، يجب أن يكون كل شيء ممكنًا".

اضف تعليق