q
سقوط كابول العام الماضي خلف تداعيات لم تُـقَـدَّرَ حق قدرها بعد. فقد أثبت أن الولايات المتحدة قد لا تملك القدرة على الصمود أو الصبر الاستراتيجي الضروري لتحقيق نصر عسكري أو ضمان السلام الدائم في البلدان التي تدخلت فيها. أوضح سقوط كابول أيضا أن أي دولة أو منطقة هامشية...
بقلم: كارل بيلدت

ستوكهولم ــ تُـرى لماذا فشلت سياسة الغرب في التعامل مع أفغانستان بهذه الدرجة المذهلة؟ هل كان الفشل مصيرها منذ البداية، وهل استخرجنا منها أي دروس؟ السؤال الأكثر أهمية، هل مهدت نهاية حرب دامت عشرين عاما الطريق لاندلاع حرب أخرى؟

بعد مرور عام على سقوط كابول وعودة حركة طالبان إلى السلطة، تظل هذه التساؤلات وغيرها معلقة في الهواء بلا إجابة. يرجع ذلك جزئيا إلى تسبب غزو روسيا لأوكرانيا وتجدد التوترات الصينية الأميركية في استهلاك قدر كبير من الجهد العالمي، ولكن أيضا لأن التفكير في مثل هذه التساؤلات مؤلم للغاية. كان من الأسهل للمجتمع الدولي أن ينسى ببساطة أمر أفغانستان بالكامل.

على النقيض من الحجج التبسيطية التي يسمعها المرء في الولايات المتحدة، لم يكن السبب المباشر وراء انهيار النظام الأفغاني أن الجنود الأفغان لا يريدون القتال من أجل بلدهم. الواقع أن عشرات الآلاف قاتلوا وقُـتِـلوا في محاولة وقف طالبان، لكن الولايات المتحدة سحبت على نحو مفاجئ كل الدعم السياسي والمادي لقتالهم. لقد انهار النظام لأن أميركا قررت الخروج، ولتكن النتيجة ما تكون.

وكما تعلمنا منذ ذلك الحين (مرة أخرى) في أوكرانيا، تعتمد قدرة أي جيش على القتال على إيمانه بأن النصر ممكن بالفعل، حتى وإن كانت الاحتمالات ضده. بمجرد أن أشارت الولايات المتحدة إلى نيتها الانسحاب بالكامل من أفغانستان، شرعت في عملية إخلاء متعجلة. وفي غضون فترة وجيزة، فَـقَـدَ الجيش الأفغاني القدرة على الوصول حتى إلى عمال الإصلاح واللوجستيات اللازمة لصيانة أنظمة التسليح المعقدة التي زُوِّدَ بها. لا عجب إذن في انهيار الروح المعنوية بين القوات الأفغانية. عندما هرعت الولايات المتحدة إلى الهروب، اعتبر الجنود الأفغان ذلك إشارة إلى ضرورة القيام بالشيء ذاته.

تَـشَـكَّـل سياق انسحاب الولايات المتحدة على ضوء الصفقة المخزية التي أبرمها الرئيس دونالد ترمب مع طالبان في فبراير/شباط 2020. بذلك، أشارت أميركا إلى أنها لم تعد تبالي ما إذا كان هناك سلام قابل للتطبيق أو اتفاق سياسي في أفغانستان. أي أنها كانت لترحل تحت أي ظرف من الظروف، فتتخلى بذلك فعليا عن الحكومة الأفغانية.

عندما تولى الرئيس جو بايدن منصبه، قرر متابعة السياسة التي انتهجتها إدارة ترمب ــ ضد نصيحة كثيرين. لقد سئم النظام السياسي في الولايات المتحدة من إخفاقاته في أفغانستان. وكما ذكـر المفتش العام الأميركي غير العادي لشؤون إعادة إعمار أفغانستان في تقرير محزن في ذلك العام، لم تكن هناك على الإطلاق خطة مدتها عشرين عاما لأفغانستان؛ بل وضعت أميركا عشرين خطة لعام واحد. مع مرور كل عام، كانت الولايات المتحدة تعلن عن زيادة عدد القوات أو تكتيك آخر كان المفترض أن يمثل نقطة تحول. ونادرا ما اعترف صناع السياسات في الولايات المتحدة بأن بناء الدولة وصنع السلام يعتمدان على وفرة من الصبر أكثر من اعتمادهما على تفوق قوة النيران.

بطبيعة الحال، لن نعرف أبدا ما إذا كان اتباع نهج أكثر تماسكا في التعامل مع أفغانستان ليحقق نتيجة أفضل. فلسنوات، لم يكن التفكير في إجراء محادثات مع طالبان أمرا واردا. بحلول الوقت الذي بدأ فيه ذلك يتغير أخيرا، كانت الولايات المتحدة فقدت صبرها الاستراتيجي وأصبحت على استعداد للاستجابة لمطلب طالبان الأساسي ــ انسحاب القوى الغربية من أفغانستان ــ بصرف النظر عن وجود أو غياب اتفاق سياسي.

كانت النهاية المخزية متوقعة. فقد عادت طالبان إلى السيطرة على أفغانستان، وتبدد أي أمل في أن تحكم بطريقة أكثر برجماتية مما كانت عليه الحال في الماضي. وعلى الرغم من وعود قادة طالبان باتباع نهج أكثر اعتدالا عند عودتهم، فسرعان ما بات من الواضح أنهم كانوا غير صادقين. فمرة أخرى، تُـحـرَم الفتيات الأفغانيات من التعليم. وقد انهار الاقتصاد، وسجل انعدام الأمن الغذائي ارتفاعا حادا، وحلت أفغانستان محل اليمن باعتبارها موقع الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم. الأمر الأشد سوءا هو أن قِـلة من الناس خارج المنطقة يبدون أي اهتمام بما يجري هناك.

ولكن من المؤكد أن سقوط كابول العام الماضي خلف تداعيات لم تُـقَـدَّرَ حق قدرها بعد. فقد أثبت أن الولايات المتحدة قد لا تملك القدرة على الصمود أو الصبر الاستراتيجي الضروري لتحقيق نصر عسكري أو ضمان السلام الدائم في البلدان التي تدخلت فيها. أوضح سقوط كابول أيضا أن أي دولة أو منطقة هامشية أخرى قد تُـنـبَـذ هي أيضا لصالح تركيز الموارد الأميركية على الصين.

لا شك أن الكرملين انتبه إلى هذا. فبعد فترة وجيزة من استيلاء طالبان على السلطة، ذكر مستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لشؤون الأمن القومي علنا أن الأوكرانيين لا يمكنهم الاعتماد على بقاء الولايات المتحدة في الأمد البعيد. في غضون أسابيع من سقوط كابول، بدأت قوافل نقل القوات والدبابات الروسية تحركاتها الضخمة نحو الحدود الأوكرانية. ومع انتهاء حرب، بدأت أخرى.

* كارل بيلدت، وزير الخارجية السويدي من 2006 إلى اكتوبر 2014، ورئيس الوزراء 1991-1994، الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق