q
ونتيجة لما يتمتع به المبدأ العاشورائي، ومدى تمسك الانسان الذي يحلم بالتغيير والتخلص من الطغاة وحاشيتهم، فقد ظهرت الخشية الواضحة من الحكام على حكمهم وعروشهم البالية، لأنهم يعلمون ان القضية الحسينية وأهدافها تسري كالدماء في عروق الثائرين، وبذلك فمن الصعب التخلي عنها والقبول بالخضوع والخنوع لما تريده السلطة الحاكمة...

أكثر من ألف واربعمئة عام ولا تزال حرارة القضية الحسينية باقية تعيش في الوجود والوجدان، وعلى الرغم من انكسار الثورة بحسب المعايير المادية، الا إنها خالدة متجذرة في النفوس البشرية، بل انها أصبحت المنهج الثوري الذي ينهل منه الثوريون عزمهم وقوتهم لمواجهة الظلم والظروف القاهرة الأخرى.

لاحظنا اغلب الثوار الباحثين عن الحرية والحياة الكريمة، حينما ينطلقون الى فضاء مليء رحب خارج اسوار الظلم والاضطهاد، نراهم يتخذون من الثورة الحسينية سراجا ينير طريقهم الذي يسلكونه للخلاص من العبودية والجور الذي خيم عليهم وسلبهم حقوقهم وانسانيتهم.

فسر خلود القضية الحسينية، لأنها ارادت ان يكون الانسان حرا طليقا لا يتحكم فيه أحد، وليس لحاكم ان يقرر محله فيما يخص حياته اليومية والعامة، ولذلك فهي مهدت الطريق لجميع الثورات الكبرى والشعبية التي حصلت في المعمورة وفي العراق على وجه التحديد، ففي ثورة تشرين المندلعة عام 2019 رأينا الجماهير الخارجة تتصدرها صورة الامام الحسين عليه السلام وكأنها الجدار الفاصل بين الحق والباطل، بين الكرامة والذلة.

ووضعها البعض وكأنها الدرع الذي يحصنهم من بطش الظالمين والدافع المعنوي الذي يدفعهم لمواصلة السير بطريق الرفض الذي قد يبذلون لأجله حياتهم واعز ما يملكون؛ لتعبيد الجادة لمن خلفهم من الأجيال الناشئة التي تحلم بحياة خالية من الأذى والاستغلال للسلطة والتفرد بها دون التفكير بالمصلحة العامة.

لقد سطر الامام الحسين عليه السلام وصحبه الذين لا يتجاوزن الاثنين والسبعين رجلا، في واقعة كربلاء صورا ملحمية كثيرة، صورة في التضحية والإباء، وأخرى في الإيثار ونكران الذات وغيرها من الصور التي تدلل على ان الإنسانية جميعها تشترك في ذات الهم ولديها العديد من المشتركات التي يجب الدفاع عنها مهما كلف الامر وقد تذهب الحياة لأجل هذا الهدف.

ومن هنا نفهم العبرة من اتخاذ ملايين البشر حول العالم من الامام الحسين عليه السلام رمزا للإنسانية بكل معانيها، فهو بما قدمه للبشرية من فكر وضاء ونهج رصين قادر على الخروج بالضعفاء والمضطهدين صوب العيش الرغيد رغم تغطرس الطبقات الحاكمة وتشبثها في الحكم، فهو وضع الحلول لأعتى المشكلات وأصعبها.

فالفكر الحسيني عاش كل هذه القرون لأنه فكر ممنهج ولا يركن للعشوائية والتصرف غير المدروس، فقد وضع آليات الخلاص من العبودية لمن يريد ان يسود الحكم العادل والرشيد بين الجميع، فهو بذلك قد أكمل الرسالة المحمدية السامية التي كرمت الانسان ووضعته في الصدارة وفضلته عن غيره من المخلوقات.

ولولا هذه الحياة التي بعثها الامام الحسين في نهجه لما استطاع من العيش طيلة العقود السالفة، والدليل على هذا التفرد والتمييز عن المناهج الأخرى، هو التجدد السنوي والتمسك الدائم من الطبقة المستضعفة والتي تجد في الحسين بن علي عليهما السلام المحرك والمرشد الوحيد للانتقال من حال الى آخر.

ونتيجة لما يتمتع به المبدأ العاشورائي، ومدى تمسك الانسان الذي يحلم بالتغيير والتخلص من الطغاة وحاشيتهم، فقد ظهرت الخشية الواضحة من الحكام على حكمهم وعروشهم البالية، لأنهم يعلمون ان القضية الحسينية وأهدافها تسري كالدماء في عروق الثائرين، وبذلك فمن الصعب التخلي عنها والقبول بالخضوع والخنوع لما تريده السلطة الحاكمة والظالمة في الوقت نفسه.

شاهدنا بأم اعيننا كم قست هذه الأنظمة على امتداد العصور على الرعية، ومع كل هذا فالتخلص من كمية الظلم لم تكن بالأمر البسيط وقدم من اجل ذلك الامام عليه السلام الدماء والأولاد، وما فعله سيد الشهداء في كربلاء كان الخطوة الأولى واللبنة الأساس في منهج الإصلاح الذي وضعه للبشرية الباحثة عن الفردوس الدنيوي.

اضف تعليق