q
ويبقى الغموض قائم هل ما يجري في بغداد يصنف ضمن الثورات الشعبية ام انقلابات مدنية؟، قدام الأيام سيثبت ذلك عبر النتائج المترتبة عليه، فمتى ما تحقق الإصلاح وفق الرغبة الشعبية، يمكننا وصمها بالثورة الجماهيرية، وان حصل مخالف لذلك فحينها تصح التسمية الأخرى دون نقاش...

التطور يطال كل شيء ولا يمكن ان ينحصر على المجال التقني او التكنولوجي، حتى الحياة السياسية فتحت الباب امام التأثيرات الزمانية، فلا حاجة في الوقت الحالي الى ارتال من المدرعات والدباب، يحيطها رهط عسكري من المشاة لإحداث انقلاب عسكري كما في العقود الماضية، وما يحصل في بغداد يمكن ان يندرج تحت تسمية جديدة وهي الانقلابات المدنية.

لكل فترة زمنية ادوات معنية تستخدم لتلبية حاجتها بصرف النظر عن طبيعة هذه الحاجات، فمن ليس لديه القوة العسكرية اليوم، او قد يكون من المخاطر زج القوات الأمنية في الخصومات السياسية، يمكنه الاعتماد على رصيده الشعبي لقلب المعادلة وجعل الموازين تصب بصالحه، وليس من حاجة الى الرجوع على الأساليب التقليدية لإحداث التغييرات الداخلية.

مرتان خلال نفس الأسبوع تم اقتحام البرلمان العراقي من قبل الجماهير الغاضبة على الأداء الحكومي المتلكئ بكل شيء وفي جميع الأحوال، ولم يقتصر الامر على اتباع الصدر على الرغم من ان الصبغة الاغلب تنسب إليهم، ويأتمرون بأوامره وزير القائد المقرب من السيد الصدر وينتهون بنهيه، وفي الحقيقية فان القلة القليلة من أبناء الشعب العراقي المتواجدين حاليا في البرلمان، هي نموذج مصغر من الحالة الشعبية الناقمة على العملية السياسية لكنها فضلت ان تكون ضمن الأغلبية الصامتة.

ليس ارتياحا منها ارادت ان تكون الأغلبية الصامتة، لكنها جربت وخرجت في عام 2019 ولم تلاقي الا الرصاص الحي من قبل القوات الأمنية التي نسبت الخروقات الأمنية الى طرف ثالث يحاول زعزعة الأوضاع وإخراج المظاهرات عن سلميتها، واتخذت الحكومة هذه الذريعة لتمييع الاحتجاجات وافراغ الساحة من المطالبين بحقوقهم بين ليلة وضحاها.

الانقلابات العسكرية التي ينفذها مجموعة من القادة العسكريين تهدف وبشكل أساس الى منع اتفاقية او حالة من الاكتمال، كأن تكون هدنة مع جهة معينة، او ابراهم معاهدة مع دولة عظمى لا تخدم المنطقة او البلد على اقل تقدير، او رغبة في انهاء حالة سياسية غير صحيحة داخليا، وبالتالي لا يكون سبيل لإيقاف ذلك سوى الالتجاء الى الخيار العسكري الذي قد يصاحبه إراقة دماء، وتغيير رؤساء او منظومة حكم برمتها، ولو تتبعنا الانقلابات لوجدناها لم تقم ال لهذه الأهداف المذكورة، يضاف اليها الطمع بالحكم والرغبة في السيطرة على كل شيء.

مضي الإطار التنسيقي في طريق ترشيح السيد محمد شياع السوداني وقرب الدعوة لعقد جلسة خاصة لتمريره، افضت الى الدخول المتكرر للبرلمان العراقي، اذ حال هذا الدخول من عقد الجلسات ووجه رئيس البرلمان بتعليقها الى شعار آخر، وهو يعول بذلك على الأصوات المعتدلة بالتدخل وحلحلة الازمة وتفكيك عقدها، وهنا يكون بالتأكيد النظر صوب النجف الاشرف ومرجعيتها.

فالدعوة الى اعتصام مفتوح بدايته داخل مبنى البرلمان وانتقاله فيما بعد الى امام وحول المبنى، قطعت الطريق واغلقت الأبواب بوجه الراغبين بتمرير صفقة السوداني، ولن تعقد أي جلسة طارئة كانت او اعتيادية بوجود المتظاهرين بالقرب من الاروقة البرلمانية، يتناولون وجبات الاكل وكأن الموضوع سيستمر لإيام او أكثر لحين البحث عن مخرج او انفراجة.

التعامل مع المشهد الجديد من قبل الأحزاب الأخرى سيكون تعامل مع واقع حال، فالمناورة ربما تكون أصعب من الأيام الماضية بحكم سيطرة أحد الجانبين على ارض تمرير القوانين والقرارات الحكومية، ومن يتوقع هنالك مرونة في الحوار والتعاطي مع الازمة فهو مخطأ، طالما مبنى البرلمان موصودة ابوابه منعا لتسلل البرلمانيين اليه بدوافع التهدئة وامتصاص الغضب الجماهيري.

تتمتع القوة المدنية بقدرة هائلة في احداث التغيير، مما قلل الاعتماد على القوة العسكرية التي يلجأ اليها من يريد ذلك على المستوى الداخلي، والتخلص من الخصوم المتنفذين واللاعبين، وهنا يركن الى تفعيل الاحكام العرفية لتمرير المرحلة الحرجة التي تتزامن مع أجواء الانقلابات الدموية.

ويبقى الغموض قائم هل ما يجري في بغداد يصنف ضمن الثورات الشعبية ام انقلابات مدنية؟، قدام الأيام سيثبت ذلك عبر النتائج المترتبة عليه، فمتى ما تحقق الإصلاح وفق الرغبة الشعبية، يمكننا وصمها بالثورة الجماهيرية، وان حصل مخالف لذلك فحينها تصح التسمية الأخرى دون نقاش.

اضف تعليق