q
غياب التخطيط السليم والسياسة الخارجية الواضحة ضمن سياسة حكومية ستراتيجية عامة أدى إلى أن يصبح العراق سوقاً تجني منه الدول المجاورة مليارات الدولارات سنويا، بينما نحن عاجزون عن ضمان أي من مصالحنا مع هذه الدول، خصوصا في مجال المياه، والأمن وغيرها...

الدعوات إلى وقف التعامل التجاري مع كلٍّ من إيران وتركيا إنما تنطلق من خلل كبير تعانيه الدولة العراقية منذ 2003، قوامه عدم استثمار نقاط قوتنا في تحقيق مصالحنا مقابل الآخرين، لكن التهديد بوقف التعامل وتجريم من يتعامل مع شركات هاتين الدولتين، لن يكون مجديا بعدما باتت السوق العراقية معتمدة بشكلٍ رئيسٍ على شركاتهما، وبشكل أخص الشركات التركية.

تطبيق ذلك يعني أن تقع أسواقنا في أزمة كبيرة في المواد الغذائية والألبسة والأدوات والآليات والمواد المنزلية.

السوق العراقية باتت تقوم على البضاعة التركية بالدرجة الأولى، والمشاريع تنفذ أغلبها الشركات التركية.

لكن هذا لا يعني الاستسلام، بل العمل على توفير البدائل، وفي مقدمتها البدائل الداخلية، حيث مصانعنا الحكومية متوقفة أو تتعرض لحصار متعمد، للدفع باتجاه الشراء من الخارج، والأهلية تتعرض للتضييق والابتزاز، الذي يوصلها إلى الاغلاق أو الانتقال إلى إقليم كردستان.

إزالة هذه العوائق يفتح الطريق أمام إنعاش الصناعة الداخلية بشقيها الحكومي والخاص ويوفر في الوقت ذاته فرص عمل لمئات أو آلاف العراقيين.

غياب التخطيط السليم والسياسة الخارجية الواضحة ضمن سياسة حكومية ستراتيجية عامة أدى إلى أن يصبح العراق سوقاً تجني منه الدول المجاورة مليارات الدولارات سنويا، بينما نحن عاجزون عن ضمان أي من مصالحنا مع هذه الدول، خصوصا في مجال المياه، والأمن وغيرها.

التهاون الرسمي جعل دولاً عديدة تزدري السيادة العراقية وتقيم علاقات مصالح مع جهات داخل العراق.

تركيا كانت تريد من الحكومات العراقية بعد 2003 توفير حاجتها من النفط العراقي، وقد تم توقيع 43 مذكرة تفاهم حول التعاون الاقتصادي والأمني، لكن أياً منها لم يشهد المتابعة، حتى وجدت أنقرة الطريق متاحا أمامها للدخول مباشرة إلى إقليم كردستان وعقد صفقات النفط والغاز معه في ظل سكوت بغداد وعدم اعتراضها، وبالتالي ضاعت من الحكومة الاتحادية نقطة قوة كان بالإمكان استثمارها في عملية تعاون متبادل تدخل المياه والطاقة عصباً رئيسيا فيه.

مئات الشركات التركية العاملة في العراق مرتبطة بشكل أو آخر بالحزب الحاكم وبالتالي هي ورقة قوة بيد بغداد، لكنَّ أحدا من أصحاب القرار لم يفكر في الاستفادة منها واستثمارها في عملية تبادل مصالح وما ينطبق على تركيا، يسري أيضا على إيران والأردن وغيرهما.

الأسباب تتراوح بين سوء حكم ومصالح جماعات مع انقرة وانشغال بملفات داخلية، وغياب سياسة خارجية واضحة المعالم والأهداف.

العلاقات بين الدول تقوم على تبادل المصالح، ومن يظهر ضعيفا مفككا إنما يفرّط بنقاط قوته ومصالح شعبه، ويكون محل استغلال الآخرين الذين يريدون مصالحهم، خصوصا اذا كانت من دون مقابل.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق