q
ندور في دوامة تلوث متواصلة، سمعيا وبصريا، فضلا عن تلوث البيئة الذي تمظهر بآلاف الصيدليات وأمثالها من العيادات الطبية الخاصة، فاذا كانت الدولة مسؤولة عن مكافحة التلوث، فان المجتمع يتحمل جزءا منه، لذلك قيل ان اعمار الانسان أهم من تشييد البنيان، فأغلب التلوث الذي يعكر حياتنا هو حصيلة تخلفنا...

أرجوكم لا تصفوني (بالبطران) ان تحدثت لكم عن التلوث الثقافي، أعرف ان حديثي عن ذلك قد يثير تندر البعض، او قولهم بأني أضع الامور في غير مقامها، او ان حديثي عنه نوع من الترف، ربما يصرخ بوجهي أحدهم قائلا: ألا ترى بعض البلديات ترمي نفاياتها على جانبي الطرق العامة وعلى مسافة لا تبعد سوى كيلو مترات معدودة عن ادارة البلدية، تخيل ما سيقوله عنا سواق الشاحنات الأتراك او الزوار الايرانيون الذين يسلكون هذه الطرق؟ بينما تتحدث لنا عن التلوث الثقافي، ألم تر بنفسك ألوان الدنيا على حقيقتها في بلدانهم، فالسماء صافية، والهواء عليل وخضرة الحقول زاهية، في حين يسورنا اللون الرمادي من جهاتنا الأربع.

تنتابك الحيرة لمرأى هذه النفايات وعدم الالتزام برميها في المكبات المخصصة لها، ما الذي يحول دون قيام المسؤولين بجولات تفتيشية، ماذا يفعل هؤلاء الذين وضعتهم الحكومة في هذه المناصب الرفيعة لتكون صحتنا وعافيتنا بين أيديهم؟ أوصيك بعدم مناقشتهم، فهم يظنون أنفسهم عارفين بكل شيء، يفهمون بالتلوث البصري والسمعي، ولهم من الرؤية الجمالية ما يتفوقون بها على معماريتنا العالمية زها حديد، وإذا لم تقتنع يسكتونك بطرق مختلفة، فحذار من المجادلة، لأن أثمانها باهظة جدا. وإذا نبهتهم لموضوع معين، بدبلوماسية عالية يجيبونك: انه قيد الدراسة منذ أشهر، وأخذ من تفكيرهم الكثير، ويعدونك بتنفيذه قريبا، من جانبك قل لهم نعم ولا تصدق ما يقولون.

تذكرني وعود بعض المسؤولين (بالطسه) التي كتبت عنها مقالا قبل أكثر من سنة، طالبت فيه دائرتي المرور والبلدية بعمل (طسة) في تقاطع وصف بالمرعب، وليس نصب اشارات ضوئية، لأن هذا صار من بين المستحيلات، والذرائع (تحت الابط) كما يقال، لكي يخفف سواق السيارات والدراجات النارية من سرعتهم في التقاطع بما يسمح بعبور المركبات الأخرى والسابلة، فقد شهد العشرات من حالات الدهس والتصادم، آخرها خسارة استاذ جامعي.

وصادف ان التقيت أحد مسؤولي هاتين الدائرتين ووعدني بتحقيق مطلب (الطسه)، لكن مضى على ذلك أشهرا تساوي أشهر تشكيل الحكومة دون جدوى، ولا أظن لذلك تحقيقا، فكيف لدوائرنا التي تعجز عن انشاء (طسه) في شارع أن تزرع حزاما أخضر حول المدن لكي لا يخنقنا الغبار؟

التلوث لدينا أصناف شتى، بضمنها التلوث السمعي الذي يحاصرك ويوتر أعصابك، ويغّير مزاجك، فبدل الاستمتاع بالتجوال في الأسواق ومرأى الناس، تواجهك ظاهرة مكبرات الصوت، فلكل بائع مكبرته التي ينادي من خلالها على بضاعته بشكل مستمر وبأعلى مستوياتها، فتصم اذنيك، وعلى عجل تشتري سلعتك وتولي هاربا، والشوارع ليست بأفضل حال من الأسواق، فالكثير من السواق يستخدمون المنبهات (الهورنات) بداعي وبدونه، بعضهم يستمتع بأصواتها كلذة بعض الشباب بأصوات عوادم سياراتهم ودراجاتهم النارية الحديثة، فيذعرون بها الأشخاص الغافلين، بخاصة الفتيات منهم، يحدث ذلك وليس من متصد لهذه الظاهرة، عجزا او لامبالاة او انشغالا بما هو أهم، وليس أهم من المصالح الخاصة، فأستغرب قرار المرور محاسبة السواق على عدم ارتداء حزام الأمان، بينما لا تحاسب سواق المركبات ذات الأصوات المزعجة، او قيادة المركبات من أطفال دون سن الرشد، او الدراجات التي لا تحمل ارقاما، يجري الكثير مما أقول على مرأى رجال المرور الذين لا يتعاملون معه بجدية، او بطريقة لا أريد الحديث عنها.

ندور في دوامة تلوث متواصلة، سمعيا وبصريا، فضلا عن تلوث البيئة الذي تمظهر بآلاف الصيدليات وأمثالها من العيادات الطبية الخاصة، فاذا كانت الدولة مسؤولة عن مكافحة التلوث، فان المجتمع يتحمل جزءا منه، لذلك قيل ان اعمار الانسان أهم من تشييد البنيان، فأغلب التلوث الذي يعكر حياتنا هو حصيلة تخلفنا.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق