q
في ايام الجاهلية كانت العبودية قسراً على الانسان مستغلين اصحاب السلطة والنفوذ البسطاء من الناس وتستغل حاجاتهم ويفرضون عليهم ما يريدون، لكن الغريب والخطير انها اصبحت طوعاً لتفرز مع مرور الوقت منظومة قيمية تتيح للعبد التأقلم مع ظروف الحياة الجديدة، وتجعل في الحالة الثانية الانسان يحظى بشرف العبودية الطوعية...

رغم ادعاءنا بأننا اصحاب ثقافة وإرادة حرة، لكننا في الواقع لا زلنا نتملك الكثير من السلوكيات الخاضعة التي نمارسها بوعي او من دون وعي لا اعلم، ومن هذه السلوكيات هي الميل الى العبودية تحت زعامات فارغة المحتوى لا تمتلك ادنى المقومات التي تجعل الناس تقدسها بهذه الكيفية غير المريحة.

ربما غابت العبودية بصورتها القديمة لكن يبدو انها استبدلت بعبودية من نوع آخر وكلتاهما عبودية من زاوية الثقافة ومنظومة القيم، لكونها في كلتا الحالتين هي خضوع احرد لاحد لدوافع في اغلبها غير مفهوم ويشير بالضرورة الى حيونة البشر وابتعاده عن ادميته، في ايام الجاهلية كانت العبودية قسراً على الانسان مستغلين اصحاب السلطة والنفوذ البسطاء من الناس وتستغل حاجاتهم ويفرضون عليهم ما يريدون، لكن الغريب والخطير انها اصبحت طوعاً لتفرز مع مرور الوقت منظومة قيمية تتيح للعبد التأقلم مع ظروف الحياة الجديدة، وتجعل في الحالة الثانية الانسان يحظى بشرف العبودية الطوعية.

في اي حديث جانبي يدور حول هذه الزعامات والسلوكيات المنحرفة التي تصدر منهم تسمع من الكثير من الناس متذمرين منهم لكن ما ان تحين الفرصة حتى تجدهم في طليعة المرحبين بهم والمطأطئين الرأس امامهم وكأنهم ينتظرون لقاءهم بشغف وكل ما ذكر هو كذب ونفاق.

لي احد زميل في كل مره نشترك في حديث حول وضعنا السياسي حتى ينفجر بغضب ذاماً اياهم الى الحد الذي يجعلني اعتقد انه لو اتيحت له فرصة ذات يوماً سيقتص منهم او انه سيقصيهم من الساحة السياسية على اقل تقدير، لكن المضحك المبكي في الوقت ذاته انه واحد العائدين له كانوا قد اقاموا مشروعاً تربوياً في المدينة وعند ختام المشروع قاموا باستدعاء هؤلاء الفاسدين الذين كان ينهش بلحمهم عند كل مره يذكرون، حينها ادركت ان العبودية قد لا تتعلق بمستوى علمي او منصب او غير ذلك بل الامر يتعلق بوعي الانسان وثقافته الحقيقية وليست المصطنعة وما اكثر المتبجحين بها والمتخذين اياها غطاء لا اكثر.

من المفارقات الغريبة ان "البشرية تبذل عرقاً ودماً وجهداً وارواحاً ومعاناة والام ودموع وفراق احبة وتشريعات سماوية وارضية لأجل الغاء تجارة الرقيق وتمتع الناس بحرياتهم، مقابل رخص وابتذال وتملق وهز ذنب تبرير واسفاف وكذب ولعق احذية وقول زور، كلها أوراق اعتماد لقبول عبيد جدد كتب على ظهورهم عبارة "عبد عصامي اذل نفسه بنفسه".

من الناس من يضفي صفة المداراة على الفعل فيحولها من عبودية الى (تمشية حال) لكن هذا التبرير غير مقبول بالمرة وتبقى العبودية امراً غير مقبولاً باعتبارها لا إنسانية واضافت اليها معاناة العبيد مزيدا من عدم المقبولية.

نتيجة عدم انسانيتها منع ديننا الاسلامي ومنذ بزوغ شمسه العبودية وحذر في مناسبات عديدة من استعباد الناس وفرض ما لا تفرض السماء عليهم فالحرية أصل إنساني فمن بدأ الخلق بدأت الحرية، وهو ما يستدعي عدم التسلط عليه وإلغاء إرادته، ويدين هذا أصل كل أشكال الاستبداد والاستعباد الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، والاسلام بشر بالمبادئ الانسانية بل وطبقها وحتى حث عليها واثاب فاعلها. ورسول الله محمد (ص) كان الاسوة والقدوة.

والامام الحسين بن علي (ع) في اشد الحالات واحلك الليالي عمل على منع العبودية بقوله فقال ابن أبي طالب (عليه السلام) (ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعرابا).

وتأييدا لهذا الحق جاءت عصبة الامم المتحدة بعد مئات السنين من منع الاسلام جاءت عصبة الامم المتحدة لتمنع تجارة العبيد وتقرر الغاءه وتوقف الخطف وتجارة الرقيق، ومضى منذئذ وقت طويل ينوف عن القرن قليلا، اظنها تكفي لتلاشي منظومة القيم تلك لو توفر مناخ يعلي من شان حرية الانسان.

اضف تعليق