q
نهج جماعي أشد جرأة. تعتمد الولايات المتحدة والصين واليابان والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على الأمن والازدهار العالميين. ويتعين عليها أن تعمل معا لمنع المجاعة، والصراع، وأزمات الديون في البلدان النامية، والتي من شأنها أن تدفع العالم إلى الركود. وهي قادرة على منع المجاعة من خلال العمل بشكل متضافر...
بقلم: نغير وودز

أكسفورد ــ برغم أنها لم ترتكب أي خطأ من جانبها، تواجه البلدان النامية عاصفة كاملة من المجاعة، والاضطرابات السياسية، وأزمات الديون. يرجع هذا جزئيا إلى غزو روسيا لأوكرانيا وما ترتب عليه من عقوبات بقيادة الغرب، وكذا عمليات الإغلاق المرتبطة بجائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) في الاقتصادات المتقدمة، والتي حرمت البلدان الفقيرة من عائدات السياحة والتصدير الحيوية.

الآن، أصبحت حياة الملايين عُـرضة للخطر، لكن التخفيف من هذا الخطر في حكم الممكن. ويجب أن تبدأ الجهود في هذا الصدد في اجتماعات الربيع المشتركة التي ستجمع بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هذا الشهر. يتعين على صناع السياسات أن يتصدوا لعدد كبير من القضايا ــ بدءا بأسعار المواد الغذائية المتزايدة الارتفاع. فقد ساهم الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، الذي يضم بلدين يوردان ما مجموعه 29% من قمح العالم، في زيادة أسعار القمح بنسبة 67% منذ بداية هذا العام.

كما يعمل حظر التصدير الذي فرضته بلدان أخرى منتجة للقمح على تغذية الزيادات في الأسعار، وكذا يفعل نقص الأسمدة بسبب انخفاض الإمدادات من بيلاروسيا وروسيا. ليس من المستغرب أن تنتشر المجاعات. كانت أول البلدان تكبدا للخسائر هي تلك التي كانت تعاني بالفعل من الإعسار قبل الغزو الروسي، بما في ذلك أفغانستان، وجمهورية الكونجو الديمقراطية، وأثيوبيا، ونيجيريا، وباكستان، والسودان، وجنوب السودان، وسوريا، وفنزويلا، واليمن. وتنضم إلى هذه المجموعة بسرعة البلدان التي تعتمد على الحبوب المستوردة وكانت تواجه بالفعل انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد، مثل جيبوتي، وليسوتو، وموزمبيق، وبوروندي، ومدغشقر، والسلفادور، ولبنان، وهندوراس، وإسواتيني، وجواتيمالا، وناميبيا.

مؤخرا، أصدر ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تحذيرا شديدا: "إذا كنتم تعتقدون أن الجحيم أصبح على الأرض الآن، فعليكم أن تستعدوا لما هو أسوأ. إذا أهملنا شمال أفريقيا فسوف يأتي شمال أفريقيا إلى أوروبا. وإذا أهملنا الشرق الأوسط، فسيأتي الشرق الأوسط إلى أوروبا". الواقع أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومستويات الجوع من شأنه أن يزيد من احتمالات اندلاع أعمال الشغب والاضطرابات السياسية. حتى قبل أن تبدأ حرب أوكرانيا، كان الناس غارقين في الأزمات في أفغانستان، وأثيوبيا، والصومال، واليمن، وميانمار، ومخيمات اللاجئين السوريين، وأماكن أخرى. في شهر مارس/آذار، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في عدد من البلدان، منها الكاميرون، والهند، وباكستان، وسريلانكا، وإسبانيا.

أما الحكومات القادرة على اتخاذ تدابير وقائية فإنها تقوم بذلك بالفعل. على سبيل المثال، في الآونة الأخير فرضت مِـصر، التي تستورد نحو 80% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأكرانيا، حدا أقصى للأسعار في مواجهة ارتفاع كبير في أسعار الخبز غير المدعوم (تدعم الحكومة الخبز بالفعل لمعظم السكان). كما أعلنت الحكومة عن حزمة مساعدات اقتصادية بلغ مجموعها 130 مليون جنيه مصري (7 ملايين دولار أميركي). كان اتخاذ هذه التدابير في حكم الممكن بفضل المساعدة من جانب صندوق النقد الدولي والمملكة العربية السعودية. لكن العديد من البلدان لم تتلق مثل هذه المساعدة بعد.

إن الفشل في التعاون يدفع البلدان إلى المجاعة والصراعات. من المثير للدهشة أن المخزونات العالمية من الأرز والقمح والذرة، المواد الغذائية الرئيسية الثلاث على مستوى العالم، بلغت مستويات تاريخية غير مسبوقة من الارتفاع. وحتى مخزونات القمح، السلعة الأساسية الأكثر تضررا بالحرب في أوكرانيا، بلغت مستويات "أعلى كثيرا من المستويات التي كانت عليها خلال أزمة أسعار الغذاء في الفترة 2007-2008"، بينما تشير التقديرات إلى أن نحو ثلاثة أرباع الصادرات من القمح الروسي والأوكراني جرى تسليمها بالفعل قبل الغزو.

مع ظهور أزمات دين خطيرة أيضا، حيث تعاني العديد من البلدان المنخفضة الدخل، المنهكة إلى أقصى الحدود بسبب جائحة كوفيد-19، من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وانخفاض عائدات السياحة، وتراجع القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، وارتباكات التجارة وسلاسل التوريد، وانخفاض التحويلات المالية من الخارج، فضلا عن طفرة تاريخية في تدفقات اللاجئين. وارتفعت ديون البلدان النامية إلى أعلى مستوياتها في خمسين عاما لتبلغ نحو 250% من الإيرادات الحكومية. حتى أن 60% من البلدان التي كانت مؤهلة لمبادرة مجموعة العشرين لتعليق خدمة الديون التي ارتبطت بالجائحة، تشهد الآن ضائقة الديون، أو أصبحت معرضة لخطرها.

علاوة على ذلك، يعمل تباطؤ النمو العالمي وارتفاع التضخم، جنبا إلى جنب مع الظروف المالية التي أصبحت أشد ضيقا وإحكاما في البلدان الأكثر ثراء، على تحفيز تدفق رأس المال إلى خارج الاقتصادات النامية، مما يضطرها إلى خفض قيمة عملاتها وزيادة أسعار الفائدة. وكما أشار مؤخرا رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، "لم يسبق من قبل قط أن شهد مثل هذا العدد الكبير من البلدان الركود في ذات الوقت". أضاف مالباس أن سياسات التحفيز الاقتصادية ساعدت في زيادة الأمور سوءا على سوء من خلال تغذية ارتفاع الأسعار وتوسيع فجوات التفاوت في مختلف أنحاء العالم. لقد أصبح إيجاد حل عالمي حقيقي لهذه المشاكل أمرا بالغ الأهمية الآن.

في أزمات الديون السابقة، استخدمت البلدان الغنية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للدفع بعبء التكيف والتعديل إلى عاتق الاقتصادات النامية، بحجة أنها يجب أن تنفذ الإصلاحات قبل أن تتلقى المساعدة. لكن القوى الأشد عتيا التي تضرب الاقتصادات المنخفضة الدخل المثقلة بالديون اليوم عالمية وخارجة عن نطاق سيطرتها ــ ويتعين على البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن تعمل على تجميع الموارد والتعاون في التصدي لهذه القوى. النبأ السار هنا هو أن المساهمين الأقوياء في هذه المؤسسات أثبتوا قدرتهم على العمل الجماعي.

في أغسطس/آب الماضي، وافقوا على تخصيص حقوق السحب الخاصة (الأصول الاحتياطية التي يصدرها صندوق النقد الدولي) بقيمة 650 مليار دولار. ولكن نظرا لتوزيع حقوق السحب الخاصة وفقا لحصص البلدان في صندوق النقد الدولي، فقد ذهب القسم الأعظم من هذه المخصصات إلى الاقتصادات الأكبر حجما. الأسوأ من هذا أن البلدان الرئيسية المساهمة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فشلت في توجيه الموارد إلى حيث تشتد الحاجة إليها. بدلا من ذلك، للحد من تعرضها المحتمل لأي خسائر، لا تزال مستمرة في إصرارها على شروط تمنع الانتشار السريع. يهدد هذا النهج أيضا بإعاقة صندوق الصمود والاستدامة الجديد الذي أنشأه صندوق النقد الدولي والتمويل الطارئ التابع لمجموعة البنك الدولي.

المطلوب الآن نهج جماعي أشد جرأة. تعتمد الولايات المتحدة والصين واليابان والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على الأمن والازدهار العالميين. ويتعين عليها أن تعمل معا لمنع المجاعة، والصراع، وأزمات الديون في البلدان النامية، والتي من شأنها أن تدفع العالم إلى الركود. وهي قادرة على منع المجاعة من خلال العمل بشكل متضافر لتهدئة أسواق القمح العالمية وأسواق الحبوب الأخرى واتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على تدفق الصادرات. وبوسعها أن تعمل على التقليل من مخاطر الصراع من خلال الامتناع عن تقييد المساعدات من جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالشروط. كما يمكنها أن تبني على مبادرة تعليق خدمة الديون التابعة لمجموعة العشرين من خلال إنشاء آلية لإعادة هيكلة الديون تشارك فيها جميعها.

ينطوي الأمر على عنصرين حاسمين في إدارة أزمة البلدان النامية اليوم. يتعين على الدول القوية أن تمتنع عن انتهاج السياسات التجارة والمالية والنقدية القائمة على مبدأ إفقار الجار، والتي تتسبب في إحداث أضرار جسيمة تتحملها الاقتصادات النامية. كما يتعين عليها أن تستخدم مواردها المجمعة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للعمل بسرعة ودون قيد أو شرط لتجنب الكارثة. إن التحديات التي تواجه البلدان الأكثر فقرا غير مسبوقة. وهذا يعني أن الاستجابة التعاونية من جانب الاقتصادات الأكثر ثراء يجب أن تكون أيضا غير مسبوقة.

* نغير وودز، عميد كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق