q
أن يتحدث الناس عن خشيتهم من إفلاس دولتهم فهذه الحالة تعطي دلالة على أمرين، إما أن الدولة في طريقها فعلاً نحو تصفير خزينتها المالية لدرجة تخلفها عن سداد ما بذمتها من استحقاقات مالية داخلية وخارجية، أو أن هناك حالة من عدم الثقة بين النظام الحاكم والشعب، وهذه لا تقل خطورة عن العجز المالي...

أن يتحدث الناس عن خشيتهم من إفلاس دولتهم فهذه الحالة تعطي دلالة على أمرين، إما أن الدولة في طريقها فعلاً نحو تصفير خزينتها المالية لدرجة تخلفها عن سداد ما بذمتها من استحقاقات مالية داخلية وخارجية، أو أن هناك حالة من عدم الثقة بين النظام الحاكم والشعب، وهذه لا تقل خطورة عن العجز المالي.

قبل أيام انتشر خبر إفلاس الدولة اللبنانية كالنار في الهشيم، عدد كبير من المواطنين العراقيين يتناقلون الخبر مع تعليقات تؤكد أننا الدولة التالية، والسبب تشابه وضعنا مع الوضع اللبناني من حيث الهشاشة المالية وسوء الإدارة وضياع الموارد واستمرار الأزمات السياسية، بينما قال بعض المعلقين أنه لولا وجود النفط لأفلسنا منذ زمن بعيد.

خبر الإفلاس نفته الحكومة اللبنانية، لكن العراقيين يعتقدون بأن الدولة اللبنانية مفلسة حتى وإن نفت هذه الحقيقة عبر وسائل الإعلام، والدولة العراقية مفلسة أيضاً، فليس بالضرورة أن يكون الإفلاس مالياً، ما فائدة مليارات الدولارات التي تدخل خزينة الدولة إذا لم تستطع تحقيق تقدم في مجال الخدمات العامة وحل الأزمات المستعصية مثل أزمة الكهرباء وشحة المباني المدرسية وتدمير طرق المواصلات وتحول الحصول على المساكن إلى حلم يلامس المستحيل.

‏الدولة المُفلسة ليست الدولة التي تُعلن إفلاسها المالي فقط، هذا ما يقوله الباحث في العلوم السياسية أياد العنبر في تدوينة عبر تويتر، والذي يبين أن الدولة المفلسة هي:

الدولة التي تحكمها قوى اللادولة، وتعيش في وهم الشعارات، وتتنازل عن سيادتها لصالح دولة أجنبية، وتتخلى عن مصلحة مواطنيها وتهتم بتنفيذ الإرادات الخارجية.

هذا التوصيف الذي يقدمه العنبر للدولة المفلسة يكاد ينطبق على الدولة العراقية، فالحكومة أضعف من القوى الأخرى، إنها مفلسة في مجال الأمن، وتعتمد على التسويات مع الجماعات المسلحة الأخرى، بينما ما تزال داعش تمارس لعبتها في مناطق نفوذها، ومستعدة لتنفيذ جرائمها في الأوقات التي تناسبها.

وهل تتذكرون عراق صدام حسين المفلس من كل شيء، إلا الشعارات حيث امتلأت الشاشات والشوارع العامة والخطابات الرسمية بالشعارات الجوفاء الخالية من أي محتوى، لقد كانت دولة مفلسة ولم تستطع معالجة أزماتها إلا عبر الشعارات، لكن النتيجة كارثية ليس على النظام الحاكم فحسب، بل على جميع أبناء الشعب العراقي وما زلنا نعاني تلك ترسبات الأيام.

تنازلت حكومة صدام المفلسة عن سيادتها، وقد يستغرب البعض عند الحديث عن غياب السيادة في ظل حكومة ديكتاتورية وصلبة أمنياً، لكن هذه هي المشكلة عندما يتنازل الشعب كله مع قواه المدنية وأحزابه عن سيادته لصالح عقل واحد هو الديكتاتور صدام والذي لم يحسن التصرف وضيع البلد في متاهات مظلمة.

المتاهات نفسها زاد عددها بحيث يصعب معها إيجاد الحل لأي أزمة، فالقضايا المعقدة لا تحل، إما يتم ترقيعها أو تؤجل في حالة من الهروب إلى الأمام.

وفي حال وجود حلول معينة فإنها تأتي غالباً مستوردة في علب جاهزة من دول أجنبية تهتم بمصالحها أكثر من أي شيء آخر، ولك أن تتصور حلولاً من هذا النوع؟

نحن نعيش تبعات الحلول الجاهزة المستوردة من الخارج، تغلب فيها المصلحة الخارجية على حساب مصلحة العراق، وقد تسببت بمشكلات لها بداية وليست لها نهاية، أكبر هذه الحلول المستوردة إسقاط الديكتاتور صدام من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ظن البعض أن هذا حل واقعي للتخلص من مشكلة الديكتاتورية، بينما هو تعقيد للمشكلة ومفتاح لمشكلات أكبر.

تغيير النظام بالطريقة التي جرت هي مجرد مثال لطريقة التعاطي مع المشكلات والأزمات في العراق، وهي تعبير واضح عن الإفلاس في إيجاد الحلول بواسطة العقول الوطنية.

هنا لا نخشى الإفلاس لأن الإفلاس الحقيقي قد وقع فلاً وعجزنا عن إيجاد الحلول لتعقيدات المشهد العراقي، وما زلنا نخسر ما تبقى من رصيدنا المعرفي والإداري وكل ما له علاقة بإدارة الدولة.

اضف تعليق