q
مغالاة بعض الأسر في البذخ وحشد أصناف من الطعام خلال شهر رمضان لا تنسجم مع الأهداف السامية والغاية الناصعة من الصيام، اذ يعد رمضان بمثابة الدورة التدريبة لترشيد الاستهلاك والاقتصاد في كل شيء خدمة للحالة الانسانية التي تمر بها اغلب الشعوب لا سيما في الدول النامية...

تعج الأسواق بالمتبضعين قبل أيام من حلول الشهر الفضيل، ومع اقترابه تجد الطوابير من البشر تصطف على الشخص المحاسب لدفع ثمن الحاجات التي يعتقد الافراد انها من الضروريات للمائدة الرمضانية، وقد يدخل ذلك ضمن الموروث العربي وهو الاكثار في كل شيء دون الاخذ بالحسبان دخول ذلك في خانة الهدر او الاسراف وليس الكرم كما يعتقد البعض.

الاستهلاك المبالغ فيه خلال شهر رمضان لم يكن جديدا، فقبل أكثر من نصف قرن قدم الفنانان الراحلان المصريان فؤاد المهندس وصباح في فيلم "القاهرة في الليل"، وكانت الزوجة التي أخذت دورها الفنانة صباح تشكو من الطلبات المتكررة لزوجها (فؤاد المهندس) بالإسراف والتبذير في الطعام طيلة شهر رمضان.

لقد أراد هذا العمل الفني وغيره من الاعمال التي قدمت فيما بعد حول هذا المضمون طرح قضية للنقاش وقد تحولت الى ظاهرة من الظواهر التي اخذت حيزها لدى المجتمعات العربية على وجه الخصوص، فلو أردنا المقارنة بين المصروف الطبيعي خلال أشهر السنة وما يتم انفاقه في رمضان نجد الفرق شاسع، وتصاعد حاد بوتيرة الانفاق، وبذلك تتضاعف فاتورة الاستهلاك بشكل ملحوظ، في وقت يعاني العالم كله من ويلات التضخم بعد تفشي وباء كورونا وما لحقها من حروب.

التعاليم السماوية لم تترك الامر مناطا بالمخلوق، وقد وضعت لذلك الجانب من حياة الافراد قواعد عامة للسير عليها، اذ يقول المولى عز وجل في محكم كتابه العزيز: «وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» [الأعراف: 31]، فلا توجد دعوة صريحة أكثر من هذه الآية الكريمة لتجنب الاسراف بجميع الأحوال وليس في شهر رمضان فقط، لكن توجه الأنظار الى هذه الشهر، لما يشهده من حالات إنفاق كبيرة.

ولم يغفل علماء الاقتصاد والمعنيين بصورة عامة من التأكيد على أهمية ضبط السلوك الاستهلاكي خلال الشهر الكريم، وفي ذلك تجسيد وتعزيز للجوانب الروحية التي يبعثها رمضان في نفوس الصائمين، فالترشيد المطلوب لا يقتصر على الجوانب المالية وتوفير قدرا من النقود للأيام القادمة، بل يجعل الافراد يشعرون بمن ليس لديه القدرة على تأمين نوعين من أصناف الطعام المعروفة لدى الاسر بمائدة الفطور والسحور.

ولكي يتحقق هذا لابد من خلق توجه عام لدى أفراد الأسرة، من الذهاب بتجاه تخفيض النفقات اليومية خلال شهر رمضان المبارك اسوة بباقي أيام السنة، ولن يحدث الامر، الا بوجود ربة منزل واعية تحث بقية الافراد على ضرورة ان يكون هنالك قرار جماعي يجنب الدخل الاسري الكثير من النفقات غير الملحة، ويمكن استبدالها بالأشياء المهمة فقط لكيلا تخلق نوع من العادة الشرائية السيئة.

وتشير الإحصاءات المتخصصة الى ان الافراد تستهلك في رمضان اضعاف ما تستهلكه في بقية الشهور، ويعود ذلك الى الاختلاف بين ثقافات الشعوب فيما يخص عادات الشراء والانماط المتبعة في ذلك الخصوص، ففي اغلب الدول الاوربية تكون عملية شراء الفواكه بالقطع وليس بالكيلو غرامات كما هو الحال في البلدان العربية التي تخلف ربما النص مما يتم شراءه فائض عن الحاجة ويذهب الى اكياس النفايات.

فتحديد الاحتياجات من اهم الأمور التي يجب مراعاتها على امتداد سنوات الحياة، والشراء المفرط يأتي من ظنون البعض في انهم بحاجة إلى تلك السلع، لذا فمن الملاحظ شراء كميات كبيرة من الأطعمة استعدادا للشهر، وفي المقابل تجد المحال التجارية في الزبون لقمة صائغة لتصريف المنتجات عليه وربما بأسعار غالية أكثر من المعتاد.

التهافت على اقتناء المواد الغذائية والسلع المختلفة في شهر رمضان الكريم، قد يفرغ الشهر من محتواه الذي يحرص على التزود بالتقوى والايمان، ويأتي من باب الاستعراض الاستهلاكي والتباهي المذموم الذي نهت عنه التعاليم الدينية والشريعة السماوية، التي لا تريد ان يتحول الاسراف في شهر رمضان الى وسيلة لتعميق الهوة الاجتماعية بين من له القدرة على الاستهلاك ومن لا يستطيع ذلك، ما يشتد إحساسه بالقهر والدونية.

مغالاة بعض الأسر في البذخ وحشد أصناف من الطعام خلال شهر رمضان لا تنسجم مع الأهداف السامية والغاية الناصعة من الصيام، اذ يعد رمضان بمثابة الدورة التدريبة لترشيد الاستهلاك والاقتصاد في كل شيء خدمة للحالة الانسانية التي تمر بها اغلب الشعوب لا سيما في الدول النامية، فالتقليل من الانفاق الزائد يجنب الافراد الدخول في متاهة الديون والابتعاد عن الفاقة المحتومة.

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
احسنت الاشارة، أخي الكريم، ممثل مصري ومطربة لبنانية يقدمون عملاً فنياً يرشد الناس الى عدم التبذير في شهر رمضان، بينما شحّت الشاشة العراقية على عملاً من هذا القبيل سوى تكريس السلبيات وتذكير الناس بهمومهم وفشلهم وازماتهم حتى يعوضوها بمزيد من الأكل! تحياتي2022-04-11