q
ملفات - شهر رمضان

المتصدون لمُكافحةِ الكذِب

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (٧)

ِنَّهم المُذبذَبُونَ الذين لا يستقِرُّونَ على رأيٍ وموقفٍ، لأَنَّهُم مُشوَّشونَ لا يبذلُونَ أَيَّ جُهدٍ للوقُوفِ على الحقائقِ، ولذلك فهُم يتحاشَونَ تحمُّل المسؤُوليَّة لأَنَّهُم بالأَساسِ لا يعرفُونَ ماذا يريدُونَ. هوَ يُريدُ أَن يُكافحَ الفَساد ويتمنَّى أَن يرى البلدَ ناجِحاً يحكُمهُ سياسيُّون صادِقُون ولكنَّهُ غَير مُستعِد أَن يضعَ بنفسهِ لبِنةً...

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

ستواجهُ [٥] أَنواعٍ من النَّاسِ عندما تتصدَّى لفضحِ الكذَّاب المُتصدِّي للشَّأنِ العام، مِمَّن أَفسدَ فظلمَ ففشلَ؛

النَّوع الأَوَّل؛ هو الذي يُؤَيِّدكَ ويدعمكَ ويشُدُّ على يدَيكَ ويقف إِلى جانبِكَ ويُدافع عنك ويدفع عنكَ الشُّبُهات والإِفتراءات إِذا تعرَّضتَ لشيءٍ منها مِن قبَلِ عصابةِ الكذَّاب.

وفي قصَّة طالوت (ع) نقرأُ هذا المَوقف إِلى جانبِ مَوقفِ المُتفرِّج، وأَقصُدُ بهِ مَوقف [التَّحريض والتَّأييد والتَّمكين] لدعمِ المُتصدِّي وإِسقاطِ ذريعةِ [المُتخاذلينَ] وهوَ يُساهمُ في المسؤُوليَّة بطريقةٍ إِيجابيَّةٍ، وهو موقفٌ مُهِمٌّ جدّاً لتحقيقِ مشرُوعِ مُكافحة الكذَّابين وتعريتهِم وفضحهِم.

يقولُ تعالى {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وجُنُودِهِ قَالَ الَذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

النَّوع الثَّاني؛ هو الذي لا يُعيرُ أَهميَّةً لكَ لأَنَّهُ بالأَساس غَير مُكترث بأَكاذيبِ السياسيِّين وفسادهِم وفشلهِم وتعدِّيهِم على حقوقِ النَّاس.

إِنَّهم شريحةُ اللَّاأَباليِّين الذين يقفُونَ على التَّل يتفرَّجُونَ، وقد يميلونَ إِلى كفَّة [السُّلطَوي] حتَّى إِذا حقَّق سُلطتهُ بالكذِبِ والظُّلمِ والفضائحِ.

وإِذا تعرَّضتَ لمُعاناةٍ ما فلسانُ حالهِم {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا}.

وفي التَّاريخِ تمثَّلَ هؤُلاء بالقَولِ المشهُور [الصَّلاةُ معَ عليٍّ أَتَم، والقُصعةُ مع مُعاوية أَدسم، والوُقُوف على التَّلِّ أَسلَم].

النَّوع الثَّالِث؛ هو الذي معكَ وعليكَ، معكَ بقلبهِ لأَنَّهُ يرى في المنطقِ الذي تسوقُ بهِ الحِجج والبراهين على كذِبِ الفاسد قويّاً ومُقنِعاً.

لكِنَّهُ في نفسِ الوقت فهوَ عليكَ لأَنَّهُ لا يُريدُ أَن يخسرَ [الجماعة] فهُم بالتَّالي [شيعةٌ] لا ينبغي فضحهُم وتعريتهُم! وأَنَّ [الكذَّاب] الذي تعرفهُ أَحسن من [الكذَّاب] الذي لا تعرِفهُ! وأَنَّ [الكذَّاب الشِّيعي] أَفضل من [الكذَّاب السُّنِّي] أَو [الكُردي]!.

إِنَّهم المُذبذَبُونَ الذين لا يستقِرُّونَ على رأيٍ وموقفٍ، لأَنَّهُم مُشوَّشونَ لا يبذلُونَ أَيَّ جُهدٍ للوقُوفِ على الحقائقِ، ولذلك فهُم يتحاشَونَ تحمُّل المسؤُوليَّة لأَنَّهُم بالأَساسِ لا يعرفُونَ ماذا يريدُونَ.

يقولُ تعالى {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}.

هوَ يُريدُ أَن يُكافحَ الفَساد ويتمنَّى أَن يرى البلدَ ناجِحاً يحكُمهُ [سياسيُّون صادِقُون] ولكنَّهُ غَير مُستعِد أَن يضعَ بنفسهِ لبِنةً في الجُهدِ المبذُولِ لتشييدِ البناءِ الجديد.

إِنَّهُ ينتظر غيرهُ ليُبادر ويُغيِّر ويُبدِّل ثم يأتي هوَ ليقتطِف الثِّمار بِلا ثمنٍ يدفعهُ وبِلا جُهدٍ يبذلهُ.

ولعلَّ أَبرز مصاديقِ هذهِ الظَّاهِرة في مجتمعاتِنا هي قصَّة بني إِسرائيل معَ نبيِّ الله موسى (ع) يقولُ تعالى {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}.

فمَن الذي يُخرجهُم مِنها؟! {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ولماذا لم تتعاونُوا أَنتم كذلكَ على إِخراجهِم؟!.

طبعاً، البعضُ من هذا النَّوع يخافُ إِذا أَيَّد المتصدِّي لفضحِ الكذَّابين، لأَسبابٍ عدَّةٍ تخصَّهُ ولظُرُوفٍ قاهِرةٍ يمرُّ بها.

فقد يكُونُ [الخَوفُ] مُبرِّراً لصاحبهِ، ولكن؛ هل هو مُبرِّرٌ لهُ ليُثبِّط المُتصدِّين لمُكافحةِ الكذِب؟!.

بالتَّأكيد لا، ولذلكَ فإِنَّ نصيحتي لـ [الخائفين] إِذا لم يكُن بإِمكانهِم تأييدِ المُتصدِّين لمُكافحةِ كذبِ السياسيِّين بالعَلن وفي وسائِل التَّواصُل الإِجتماعي التي ينتشِر فيها [جواسيس] الكذَّابين الفاسدِين المُتجاوزِينَ! فيُمكنهُم تأييدهُم [على الخاص]!.

وإِذا لَم يُسعِفهُم ذلك، فعلى الأَقل أَن يسكُتُوا ولا يُثبِّطوا، من أَجلِ أَن لا يكُونوا من مصاديقِ قَولهِ تعالى {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}.

بقيَ عندنا نوعان سنتحدَّثُ عنهُما لاحِقاً.

اضف تعليق