q
الاتحادات الرياضية الأوروبية أخفقت في أداء دورها وأثبتت ضعفها أمام القادة السياسيين، وسهلت عملية ابتلاع الرياضة من قبل السياسة، فكل عقوبة رياضية ذات أبعاد سياسية تعطي مساحة أكبر للسياسيين للتحكم بالرياضة وهذا خطر على شعوب العالم أجمع لما تؤديه خطوات بسيطة كهذه إلى زيادة الأحقاد وإغلاق كل أمل بحدوث السلام...

فجأة تختفي الجماهير عن حضور مباريات كرة القدم لنادي تشيلسي الإنجليزي نتيجة عقوبات مفروضة عليه من جهات أعلى، يُحرم عليه سماع صوت الجماهير على أرضية ملعبه، ومن يريد مناصرته في ملاعب الخصم يعاقب أيضاً.

تلك عقوبة قاسية لأحد أقوى الأندية الرياضية على مستوى الدوري الإنجليزي وأوروبا، وأقسى منها عرض النادي للبيع وطرد مالكه الروسي رومان أبراموفيتش، الذي يعود له الفضل في تطويره ورفع قيمته مالياً ورياضياً.

لا توجد أي عقوبة انضباطية ولم يخترق النادي معايير لعبة كرة القدم، لهذا السبب يبدو القرار غريباً وصعب الفهم في دولة وضعت أسس كرة القدم.

إنها الحرب، فقد فجر الغزو الروسي لأوكرانيا كل المعايير والقيم الأوروبية، ولم يترك مفصلاً من مفاصل الحياة إلا وقد أصابه الغزو بمقتل، ومن ضحاياه تأكيد سطوة السياسة على كل شيء بما فيها الرياضة التي عرفت بالابتعاد عن السياسة.

الحرب بشكل عام تشبه القنبلة الذرية من حيث الأثر، وقدرتها على نسف الأشياء من أساساتها، إذ يُهدَم كل شيء تقريباً، ويعاد ترتيبه أو يبقى حطاماً لمئات السنين.

والحرب الدائرة في أوكرانيا ليست استثناءً، إنها قنبلة سقطت من الأعلى وانفجرت وسط القيم والمعايير الناظمة للقرارات الدولية، فحطمت ما كان يعد بناءً راسخاً، ونسفت كل الآمال بولادة جيل جديد من البشر يختلفون عن أسلافهم.

كانت نشرات الأخبار لا تخلو من الرياضة، وكل الرياضيين والإعلاميين وعامة الناس يتحدثون عن دور الرياضة في التقريب بين الشعوب، وإشاعة السلام، حتى أن مقاطعة الفرق العربية للفريق الإسرائيلي في المناسبات الرياضية تتعرض للنقد والعقوبات من قبل اللجان المنظمة.

والسبب أن هذه الأفعال من شأنها خلط السياسة بالرياضة، وتلك حرمة يجب الابتعاد عنها بغية إبقاء الرياضة في عرشها الأعلى الحاكم الأقوى لتعزيز السلام ونبذ لغة الحروب.

عودة للوراء قليلاً، وفي حادثة جرت عام 2016، خلال مباراة نادي سلتيك الاسكتلندي وهابويل بئر السبع الإسرائيلي في تصفيات دوري أبطال أوروبا، رفعت جماهير النادي الاستكلندي أعلام فلسطين في المدرجات، فتح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تحقيقاً في الموضوع واعتبرها مخالفة للوائحه التي تحرص على الفصل بين السياسة والرياضة وفرضت غرامة مالية على النادي بـ 11500 دولار.

لا أحب الخوض في مقارنات حول تناقضات السياسة الغربية تجاه كل ما هو غير غربي، فهذا الحديث لا يجدي نفعاً، الكل متناقض ولا يوجد مجتمع من الملائكة، الشعارات شيء والواقع مختلف.

السؤال المهم هو، هل من مصلحة العالم إقحام أنفس السياسة في كل تفاصيل الحياة؟

وهل يعقل أن السياسة كلما تفشل نحمل القطاعات الأخرى مسؤولية فشلها فنستخدم كل ما يقع في اليد ثم نرميه على العدو؟

في هذه الأيام فشلت السياسة الغربية باحتواء روسيا، وصعب عليها مجاراة طموحات رئيسها فلادمير بوتين، حتى تجرأ على شن الحرب ضد أوكرانيا، وتلك دلالة على فشل سياسي في معالجة الطموحات الروسية.

ترتبط الأوساط السياسية الغربية وكأن مفترساً قد هاجمها، فجأة تجدها تستخدم كل الأدوات المتاحة لقذفها ضد الرجل، أقسى ما فيها العقوبات الاقتصادية، بينما أسوأ قرار انعكس ضد الدول الغربية نفسها هو اللجوء إلى العقاب الرياضي، ليس لأن الرياضة منفصلة عن السياسة، لكن هذه الحرب كانت فرصة لجعل هذا الشعار واقعاً تستفيد منه كل دول العالم لتقريب المسافات واستخدامها كنوع من الدبلوماسية وتلطيف الأجواء المشحونة التي قد تتطور إلى حرب نووية مدمرة.

الاتحادات الرياضية الأوروبية أخفقت في أداء دورها وأثبتت ضعفها أمام القادة السياسيين، وسهلت عملية ابتلاع الرياضة من قبل السياسة، فكل عقوبة رياضية ذات أبعاد سياسية تعطي مساحة أكبر للسياسيين للتحكم بالرياضة وهذا خطر على شعوب العالم أجمع لما تؤديه خطوات بسيطة كهذه إلى زيادة الأحقاد وإغلاق كل أمل بحدوث السلام.

اضف تعليق