q
تطال تأثيرات المناخ جميع مناحي الحياة، وستبقى لها تأثيرات بالغة، حيث قد تختفي دول، وتظهر أخرى، وسط تحذيرات من مشاكل متفاقمة ليس لحلها من سبيل سوى التكاتف والابتكار، ومن ضمن هذه الحلول التشجير، ويُعّد التشجير أحد أهم الحلول الرئيسية لمواجهة تغيُّر المناخ...

تطال تأثيرات المناخ جميع مناحي الحياة، وستبقى لها تأثيرات بالغة، حيث قد تختفي دول، وتظهر أخرى، وسط تحذيرات من مشاكل متفاقمة ليس لحلها من سبيل سوى التكاتف والابتكار، ومن ضمن هذه الحلول التشجير.

ويُعّد التشجير أحد أهم الحلول الرئيسية لمواجهة تغيُّر المناخ، إلا أنَّ هذه الاستراتيجية تحتاج أيضًا إلى خطّة واضحة، وتوافق دولي، ودراسات بشأن أنواع الأشجار التي يمكن الاعتماد عليها، وتؤتي ثمارها بأسرع وقتٍ ممكن.

وبحسب موقع "نيتشر" فإنَّ معدل نمو الغابات هو أهم محدد للتخفيف التراكمي من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2120، بصرف النظر عما إذا كان قد تم قطع الأشجار أم لا، ويشير "نيتشر" بحسب دراسة نشرها، إلى أنَّ اتفاقية باريس تتطلب تحقيق طموح للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري لـ 1.5 درجة مئوية، بالإضافة لزيادة مصارف الكربون في الغابات، وتقترح الدراسة إمكانية التشجير على الأراضي التي لم تتضرر من الزراعة كعنصر متكامل للتخفيف من غازات الدفيئة، لكن فعاليتها محددة للغاية وتعتمد على المناخ وأنواع الأشجار والإدارة واستبدال المنتجات.

ولا تزال هناك فجوة في الأدلة التي تحدد النوع الأكثر فعالية من الغابات المعتدلة لتحقيق التخفيف من الغازات الدفيئة؛ لكن النمذجة الحديثة تشير إلى أن التخفيف المستقبلي من استبدال المنتج سوف يتضاءل بسبب إزالة الكربون من المواد البديلة والطاقة.

ما هو دور غابات السافانا في الحفاظ على التوازن البيئي؟ أمَّا في الغابات الصنوبرية المعتدلة، يمكن أن تتراوح أوقات التعادل لحصاد الطاقة الحيوية من 30 إلى 70 عامًا بافتراض استبدال الفحم، اعتمادًا على نطاق التقييم وما إذا كانت المدرجات قد تعرضت للتلف، ويشير خبراء البيئة إلى أنّه عمليًّا حملات زراعة الأشجار ليست حلًا لخفض الانبعاثات، مشددًا على عدم الاعتماد على التشجير نفسه كحل أساسي لحل مشكلات المناخ.

وعللوا ذلك، بأنَّ "الدراسات تشير إلى أنّ كوكب الأرض يحتاج لزراعة مساحة تماثل مساحة أميركا وكندا، بالإضافة لتريليون شجرة"، وأنَّ "التريليون شجرة كرقم فقط بغض النظر عن عمرها ووصولها لسن النضج ولعب دور في امتصاص ثاني أكسيد الكربون".

وعن السبب في ذلك؛ أوضح أنَّ زراعة الأشجار نفسها تحتاج لعقود وتُنتج مصحوبة بزيادة في معدلات الانبعاثات، وحتى الوصول لصافي الانبعاثات بالنسبة للأشجار بالسالب، لأنها تخرج وتمتص ثاني أكسيد الكربون، وحتى يصبح صافي الانبعاثات بالسالب (أي امتصاصها لثاني أكسيد الكربون أكبر من إخراجه) فذلك يحتاج لـ"نوع الأشجار، وكميّتها، والمياه المستخدمة، وكيفية رعايتها، متى ستلعب الدور الذي زرعت من أجله؟"

وأنّ البشرية تحتاج لما يقرب من 300 عامًا، باعتبار وجود المساحات، والشتلات، واختيار الأنواع التي تصلح، لأنّه ليس كل أنواع الأشجار تمتص ثاني أكسيد الكربون بنفس المعدل، مشددًا على اختلاف الأشجار من تربة لتربة، وحسب خطوط العرض، وأنّه لا يمكن زراعة شجرة واحدة على مستوى العالم كله.

الأزمة أنَّ النظام الذي يحكم العالم، أصبح الآن يحوِّل كل الموارد الطبيعية لسلعة، لأن قانون هذا العالم هو النمو بلا حدود، في حين أنَّ الكوكب محدود والمياه محدودة، والمساحة الخضراء محدودة، بحساب النسبة المئوية فإنَّ النفط والفحم والغاز مسؤولون عن أكثر من 80 بالمئة من الانبعاثات الكربونية، لذلك فالحل يكمن في نظام جديد للطاقة، لا يقوم على النفط والفحم والغاز، حل عبقري وحل عملي، مع الحفاظ على الغطاء الشجري الموجود، وأشار إلى وجود دراسات تؤكّد أنَّه يمكن إنجاز تحوُّل جذري كامل في ميزان الطاقة العملية خلال 40 عامًا مقبلة، بالإضافة إلى إجراءات الترشيد.

هل يمكن أن تساعد زراعة ملايين الأشجار في إبطاء تغير المناخ؟

في تقرير نشر على موقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation)، ناقشت البروفيسورة كارين د. هول أستاذة التنمية المستدامة من جامعة كاليفورنيا سانتا كروز (University of California Santa Cruz) جدوى زراعة عدد هائل من الأشجار في إبطاء التغير المناخي الذي باتت نتائجه واضحة حول العالم على كافة الأصعدة.

وتستهدف حملة زراعة الأشجار تلك زراعة ما يقرب من 160 مليار شجرة جديدة على مدى العشرين سنة القادمة، وذلك على افتراض أن التعداد السكاني على كوكب الأرض يبلغ 8 مليارات نسمة، فإذا زرع كل شخص شجرة كل عام على مدى 20 سنة قادمة، فهذا يعني 160 مليار شجرة تساهم في تخفيف ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية.

يعتبر ثاني أكسيد الكربون الغاز الرئيسي الذي يسبب الاحتباس الحراري. إلا أنه يتحول عن طريق عملية التمثيل الضوئي التي تقوم بها الأشجار والنباتات الأخرى إلى كربوهيدرات، ليستخدم بعد ذلك في صناعة السيقان والأوراق والجذور. وتختلف كمية الكربون التي يمكن أن تخزنها الشجرة تبعا لنوعها ومكان نموها وعمرها.

لنفترض أن الشجرة المتوسطة تستهلك 23 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون سنويا. فإذا زرع شخص ما شجرة كل عام لمدة 20 عاما، وعلى افتراض أن كافة الأشجار المزروعة بقيت على قيد الحياة -وهو أمر نادر الحدوث- فإن العشرين شجرة تلك ستستهلك حوالي 460 كيلوغراما أو ما يقارب نصف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.

وعند النظر في إنتاج الشخص العادي من الكربون نجد أن هذا الناتج يختلف تبعا لطبيعة حياة الشخص نفسه، حيث ينتج الشخص العادي في الولايات المتحدة 15.5 طنا من ثاني أكسيد الكربون سنويا مقارنة بـ1.9 طن للشخص العادي في الهند.

هذا يعني أنه إذا قام كل شخص في الولايات المتحدة بزراعة شجرة واحدة سنويا، فسيؤدي ذلك إلى معالجة ما يقارب 3% فقط من ثاني أكسيد الكربون الذي ينتجه كل عام، وذلك على افتراض نمو جميع الأشجار العشرين التي زرعها.

ومن جهة أخرى يمكن لهذا العدد من الأشجار أن يعالج 26% مما ينتجه شخص ما في الهند. وهكذا نستنتج أنه على الرغم من أهمية زراعة الأشجار ودورها، فإنها لا تشكل سوى جزء من الحل لمشكلة تغير المناخ، وهناك حلول أكثر أهمية.

إن حماية الغابات الموجودة أمر منطقي وذلك بالنظر إلى دورها الهام، فهي لا تمتص ثاني أكسيد الكربون في الأشجار والتربة فحسب، ولكنها توفر موطنا للحيوانات، وتوفر الحطب والفاكهة والظل والمساحات الترفيهية للبشر.

نشرت دورية "نيتشر" (Nature) في سبتمبر/أيلول 2015 دراسة مفادها أن عدد الأشجار على سطح الأرض يبلغ 3 تريليونات شجرة، وهو نصف عدد الأشجار التي يقدر أنها كانت موجودة منذ بداية الحضارة البشرية قبل 12 ألف سنة فقط.

وعلى صعيد آخر نشر موقع "ناشيونال جيوغرافيك" (National Geographic) عام 2019 تقريرا يشير إلى قطع ما يقارب من 15 مليار شجرة كل عام لا سيما في الغابات الاستوائية، ثم انتشرت إزالة الغابات في جميع أنحاء الكوكب. وهكذا لا بد لنا من اتخاذ خطوات جادة لمنع إزالة الغابات في جميع أنحاء الكوكب.

لإبطاء تغير المناخ لا بد من التدخل السريع لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيرها من غازات الاحتباس الحراري، والتقليل من انبعاثات الوقود الأحفوري من خلال الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

ولا بد من تقنين عدد وسائل المواصلات، وتناول كميات أقل من اللحوم، لأن اللحوم لها بصمة كربونية أكبر بكثير لكل سعر حراري مقارنة مع الحبوب والخضروات، أخيرا لا بد أن نشدد على أهمية دور المنظمات المحلية والعالمية في توحيد الجهود عالميا لمكافحة تغير المناخ ونشر مفهوم التوعية المستدامة.

تغيُّر المناخ يتسبب في خسارة 20 إلى 50% من أشجار الزان الأوروبية

حذرت نتائج دراسة جديدة من تأثير تغيُّر المناخ على السواحل الجنوبية لأوروبا، وهو ما قد يترتب عليه انخفاض في نمو أشجار الزان الأوروبية بنسبة تتراوح بين 20 و50٪ في الأجزاء الجنوبية من القارة على مدار السبعين عامًا القادمة، ووفق نتائج الدراسة التي نشرتها دورية "كوميونيكيشنز بيولوجي" (Communications Biology)، اليوم "الخميس"، 10 مارس، فإن "تلك التغيرات المناخية يمكن أن تؤدي إلى زيادة معدل تآكُل الغابات خاصة الزان، وهو أحد أكثر الأخشاب الصلبة انتشارًا في أوروبا، وعلى الرغم من أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الاحترار قد يعرض الأنواع للخطر، فقد كان من الصعب التنبؤ بمدى مرونة أشجار الزان لتغيُّر المناخ في المستقبل عبر القارة بأكملها.

تتنبأ نماذج الباحثين بحدوث انخفاضات محتملة في نمو أشجار الزان تصل إلى 30٪ في المناطق الجنوبية بحلول عام 2090، وأكثر من 50٪ إذا حدث الجفاف بانتظام، وبينما يتوقع الباحثون أن النمو يمكن أن يزيد بنسبة 25٪ في المناطق الجبلية في وسط أوروبا، فإنهم يقدرون انخفاضا إجماليًّا في نمو خشب الزان في جميع أنحاء أوروبا.

تقول "إديورني مارتينيز" -باحثة ما بعد الدكتوراة في قسم الجغرافيا في جامعة "يوهان جوتنبرج" الألمانية، والمؤلفة الرئيسية في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": تتأثر الغابات بتغيُّر المناخ، وأردنا معرفة المزيد عن تأثير التغيرات الأخيرة في المناخ على أحد أنواع الغابات الرئيسية في أوروبا، أردنا الإجابة عن سؤال ذي صلة: هل مجموعات الزان في أوروبا مهددة بتغيُّر المناخ؟ ولأول مرة، أبلغنا عن تغيُّرات ملحوظة في إنتاجية الغابات خلال العقود الأخيرة (1955-2016) في معظم أنحاء أوروبا، خاصةً عند حد التوزيع الجنوبي.

تضيف "مارتينيز": بناءً على التوقعات التي توصلنا إليها، فإن من المحتمل أن يتغير نمو أشجار الزان الأوروبية بشكل كبير بسبب تغير المناخ، وتوفر نتائج الدراسة دليلًا فريدًا وثاقبًا على الكيفية التي يؤدي بها تغيُّر المناخ إلى انخفاض نمو أشجار الزان بمستوى يتراوح بين 20٪ و50٪ في بعض المناطق.

وترى "مارتينيز" أن نتائج الدراسة سيترتب عليها عواقب اقتصادية وبيئية خطيرة؛ إذ تسلط النتائج الضوء على أهمية تطوير خطط طويلة الأجل للتخفيف من آثار ارتفاع درجات الحرارة على الغابات الأوروبية.

وللتحقق من فرضية الدراسة، أجرى الفريق البحثي تحليلًا لعينات خشبية لأكثر من 5.800 شجرة أخذت من 324 غابة في جميع أنحاء أوروبا، واستخدموا طرق التأريخ في علم تحديد أعمار الأشجار، وجرى قياس حلقات الأشجار السنوية التي تنتجها الأشجار واستخدامها لتحليل اتجاهات نمو الأشجار في العقود الماضية، بالإضافة إلى ذلك، أنتج الفريق نموذجًا قائمًا على المناخ للحصول على نتائج على المستوى الأوروبي، واستخدم هذا النموذج للتنبؤ بإنتاجية الغابات في المستقبل.

وعن احتماليات تعرُّض النتائج للنقد أو النقض من باحثين آخرين، قالت "مارتينيز": أساليبنا سليمة وراسخة، ومع ذلك، فإن التحليل فيه بعض القيود، والنتائج ليست مستثناة من عدم اليقين، ومثل أي نهج نمذجة آخر، يستلزم نموذجنا درجةً معينةً من عدم اليقين؛ إذ لا يمكن أن يكون دقيقًا بنسبة 100٪.

وتتابع: بالإضافة إلى ذلك، لا يتضمن تحليلنا بعض المتغيرات التي يصعب التنبؤ بها، ولكن مع القدرة على التأثير في مستقبل الغابات، مثل التغيرات في تكوين التربة، وحرائق الغابات، والتنافس بين الأنواع، والتدخلات البشرية، ما زلنا نعمل على هذا الموضوع، ونود تحليل المزيد من المتغيرات الرئيسية التي تؤثر على إنتاجية الغابات، وتطبيق أساليبنا على الأنواع الأخرى.

توصيات بإعادة توزيع مناطق إنتاج البن والكاجو والأفوكادو لمواجهة ارتفاع حرارة الأرض

تُعتبر الدراسة أول تقييم عالمي لتأثيرات تغيُّر المناخ على مدى ملاءمة مناطق إنتاج الكاجو والأفوكادو Credit: Jonathan Kabugo on unsplash.

أطلقت دراسة علمية حديثة تحذيرًا جديدًا بشأن التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، وسط مؤشرات متزايدة على أن استمرار ارتفاع حرارة الأرض سوف يؤدي إلى إعادة توزيع المناطق الملائمة لنمو عدد من المحاصيل الاستوائية، مثل البن العربي والكاجو والأفوكادو.

وقدم فريقٌ من الباحثين بقيادة رومان جروتر -الباحث المتخصص في مجال جغرافية الغذاء بجامعة زيورخ للعلوم التطبيقية في سويسرا- التحليل الأول من نوعه لتقييم تأثير تغيُّر المناخ على إنتاج بعض المحاصيل الاستوائية في مناطقها الأصلية، وفق دراسة نشرتها دورية "بلوس وان"، اليوم "الأربعاء"، 26 يناير.

وتُعتبر زراعات القهوة والكاجو والأفوكادو من المحاصيل المهمة بالنسبة لكلٍّ من المستهلكين والمزارعين، خاصةً صغار المنتجين في المناطق المدارية حول العالم، وتُظهر عدة أبحاث مكثفة مؤشراتٍ على أن تغيُّر المناخ سيؤدي إلى عدم ملاءمة زراعة البن العربي -وهو أحد أنواع البن المعروفة على نطاق واسع- في معظم مناطق إنتاجه الحالية.

إلا أن غالبية تلك الدراسات لم تأخذ في اعتبارها بعض العوامل الأخرى التي قد تؤثر على مدى ملاءمة زراعة هذه المحاصيل، مثل خصائص الأرض والتربة، كما لم تتناول أي دراسات كيفية تأثير تغيُّر المناخ على مدى مناسبة إنتاج الكاجو والأفوكادو في مناطق نمو هذه الزراعات على نطاق عالمي.

وفي محاولة لسد هذه الفجوة المعرفية، عمد "جروتر" وزملاؤه إلى جمع توقعات تغيُّر المناخ وخصائص التربة في نموذج حسابي لتقييم التوقعات حول مدى ملاءمة مناطق زراعة البن والكاجو والأفوكادو في مختلِف أنحاء العالم مع حلول عام 2050.

لجأ فريق الدراسة إلى استخدام 14 نموذجًا مناخيًّا عالميًّا، ضمن ثلاثة سيناريوهات للانبعاثات المستقبلية، تم دمجها مع البيانات الخاصة بعوامل الأرض والتربة التي تم جمعها في مناطق نمو تلك المحاصيل، مثل الرمز الهيدروجيني، وملمس التربة، وطبيعة المنحدرات فيها.

يقول "جروتر" في تصريحات لـ"للعلم": يُظهر التحليل أن بعض مناطق زراعة البن والكاجو والأفوكادو قد يصبح أكثر ملاءمةً في حين تكون مناطق أخرى غير مناسبة، لكل محصول على حدة؛ إذ يُتوقع أن يكون إنتاج البن هو الأكثر تعرُّضًا للتراجع، لتصبح جميع مناطق الإنتاج غير ملائمة، بما في ذلك البرازيل وفيتنام وإندونيسيا وكولومبيا.

يضيف "جروتر": أما بالنسبة للكاجو، فتشير النتائج إلى أنه من المتوقع أن تنخفض ملاءمة مناطق إنتاجه في عدد من البلدان الرئيسية، منها الهند وساحل العاج وبنين، وكذلك تنخفض المناطق الملائمة لنمو الأفوكادو في بعض مناطق الإنتاج الرئيسية، مثل جمهورية الدومينيكان وبيرو وإندونيسيا.

ورغم تراجُع المناطق الملائمة لنمو محاصيل البن والكاجو والأفوكادو في المنطقة المدارية، تشير نتائج الدراسة إلى أن المناطق المناسبة لهذه المحاصيل قد تتسع مستقبلًا إلى ارتفاعات وخطوط عرض أعلى، وأنه من المتوقع أن توجد المناطق الأكثر ملاءمةً في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة والأرجنتين والصين وبعض دول شرق أفريقيا.

وتشير نتائج الدراسة إلى أهمية وضع إستراتيجيات للتكيف مع التغيرات المناخية في البلدان المنتجة الرئيسية لهذه المحاصيل، منها العمل على تربية أصناف لها القدرة على التكيف مع درجات حرارة مرتفعة أو مواسم جفاف أطول، بالإضافة إلى وضع إستراتيجيات لتخفيف الآثار البيئية المحتملة لأي توسعات في مناطق إنتاج جديدة.

وبينما لم يتطرق فريق الدراسة إلى طبيعة الإستراتيجيات التي يجب العمل عليها للتخفيف من الآثار المحتملة في المناطق المستقبلية، يؤكد "جروتر" أهمية وضع مثل هذه الإستراتيجيات في الاعتبار.

ويشير الباحثون -وفق البيان الصحفي المرافق للدراسة- إلى أن النتائج التي توصلوا إليها تُعتبر أول تقييم عالمي لتأثيرات تغيُّر المناخ على مدى ملاءمة مناطق إنتاج الكاجو والأفوكادو في الوقت الراهن، وبينما يُتوقع أن تشهد هذه المناطق اتساعًا على الصعيد العالمي، فإن المناطق الأكثر ملاءمةً في معظم البلدان المنتجة الرئيسية حاليًّا سوف تواجه تراجُعًا كبيرًا.

تكيُّف الأشنات مع التغيُّر المناخي قد يتطلب أكثر من مليون عام

كثيرًا ما يُعتقد خطأً أن الأشنات -إن لوحظت من الأساس- هي نبتات بدائية مثل الحزازيِّات، في حين أنها في الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق؛ فهي تمثل مجموعةً من الكائنات الحية التكافلية متنوعة الخواص التي تؤدي أدوارًا أساسية في عدد ضخم من المنظومات البيئية، بدايةً من الغابات المطيرة وحتى سهول التُّندرا في المناطق القطبية الشمالية، وعلى الرغم من أن بعضها قريب الشبه بالفعل من الحزازيِّات، فبعضها أيضًا لا يبدو إلا كبقع قشرية برتقالية اللون، وبعضها الآخر يُنتج فروعًا على نحوٍ شبيهٍ بالشعاب المرجانية، غير أن الأكثر إثارةً للإعجاب والذهول في الأشنات هو روح العمل الجماعي بين الأنواع المكوِّنة لها، وهي علاقة يهدد التغيُّر المناخي بزعزعتها والإخلال بها، مما يشكك في قدرة هذه الكائنات على الاستمرار والبقاء.

على سبيل المثال، قد تبدو الأشنات اللصيقة بالأشجار، بلونها الأخضر الزاهي الشبيه بلون النعناع، وكأنها منظومات من كائن واحد، لكنها في واقعها منظومات مركبة من فطريات وطحالب (أو أحيانًا فطريات وبكتيريا زرقاء) تعيش معًا ككائن واحد في علاقة منفعة متبادلة، فمن جانب، تضطلع الطحالب بعملية تمثيل ضوئي، وتنتج سكريات تتغذى عليها الفطريات، وفي المقابل، تُمد الفطريات الطحالب بالمعادن والمياه وتكون بمنزلة موئل صغير يسنح فيه نمو الطحالب وازدهار أعدادها، بمعنى أنها تشكِّل -نوعًا ما- دفيئةً فطريةً للطحالب.

فعندما يجتمع فطر مع طحلب مناسب، يمثل معه منظومةً شبه مكتملة، وعلى حد قول ماثيو نيلسن -اختصاصي الأحياء التطورية بالمتحف الميداني للتاريخ الطبيعي في شيكاجو والمتخصص في دراسة الأشنات- فإن الفطر عندئذٍ "يكون أشبه بالروبوتات المتحولة؛ إذ يتحول فجأةً إلى كائن آخر، ويُنتج هذه التركيبة الجديدة التي تختلف عما كان الفطر سيبدو عليه بمفرده"، ومحصلة اتحاد النوعين تكون أكبر من مجموع أجزائهما، مما يجعل عمليات الاتحاد هذه التي تدخل فيها الأشنات إحدى أكثر صور الاتحاد بين الأنواع المختلفة في الطبيعة نجاحًا، وتشير تقديرات البحوث الأخيرة إلى أن وجود هذه الكائنات الحية على سطح الأرض يعود إلى وقت قبل 250 مليون عام تقريبًا، صمدت فيه هذه الكائنات أمام حادثة اصطدام بكويكب وعدة عصور جليدية، واليوم، تغطي الأشنات حوالي 7% من سطح كوكب الأرض، ويمكن العثور عليها في كل البقاع تقريبًا، بدايةً من الصحاري القاحلة وحتى الشواطئ الصخرية، رغم ذلك، كشف بحث جديد، أجراه نيلسن وفريقه البحثي ونُشر في شهر فبراير الجاري في دورية «فرونتيرز إن ميكروبيولوجي» Frontiers in Microbiology، أنه حتى هذه الكائنات الحية القادرة على التكيُّف تتأثر بوطأة الحر الناجم عن التغيُّر المناخي.

وسيكون فقدان الأشنات كارثيًّا بالنسبة لعدد لا يُحصى من الأنظمة البيئية المعتمدة عليها، ففي البيئات المشبعة بالماء -مثل الغابات المطيرة معتدلة المناخ بمنطقة شمال غرب المحيط الهادئ- تُعَد الأشنات عنصرًا أساسيًّا في العمليات الهيدرولوجية هناك؛ لأنها تمتص الماء في أثناء سريانه عبر المنظومة الغابية، أما في الصحاري، فتعمل أشنات قشرية على حفظ توازُن التربة، وبالتالي تساعد في منع تآكُلها، كما تحافظ الأشنات على نشاط دورة الكربون، إذ تنهض الطحالب فيها بعمليات تمثيل ضوئي، فتستخرج ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتضخ الأكسجين، وبعد أن تموت، تتحلل أجسادها الغنية بالكربون.

وتُعَدُّ الأشنات أيضًّا طعامًا أساسيًّا وموئلًا طبيعيًّا لطائفة متنوعة من الكائنات الحية، بدايةً من حيوان الرَّنَة وحتى يرقانات الموز، كما أن أنواعًا كثيرةً من الطيور، مثل طائر الطنان ياقوتي الحنجرة، تستخدم أجزاءً من الأشنات لبناء أعشاشها، وبعض العناكب التي تجيد التخفي تتنكَّر على هيئة أشنات للإيقاع بفرائسها.

وقد تبلورت النتائج المقلقة التي توصلت إليها الدراسة الجديدة عندما كان نيلسن وباحثون آخرون من المتحف الميداني يدرسون التفضيلات المناخية لأشنات يغذيها جنس من الطحالب الخضراء وحيدة الخلية يُسمى الطحالب الطربقسية Trebouxia، ويمكن العثور على هذا النوع من الطحالب داخل 7000 نوع من الفطريات، إذ تمثل هذه الطحالب أكثر من نصف أنواع الأشنات المعروفة حتى الآن.

ومن خلال مقارنة الحمض النووي الخاص بعدة أنواع من الطحالب الطربقسية وإجراء نمذجة للتاريخ التطوري لهذه الطحالب، أدرك الباحثون أن بإمكانهم أخذ قياس تقريبي للمدة التي استغرقتها أنواع عديدة من الأشنات لتتكيف مع بيئاتها الجديدة، كما نجحوا إلى حدٍّ كبير في المقارنة بين التفضيلات المناخية للأشنات الحديثة وتفضيلات أسلافها، ومن خلال الاستعانة بمجموعة من الاختبارات الإحصائية، وضع العلماء إطارًا زمنيًّا يُظهر استجابة الأشنات لفترات سابقة من التغيُّر المناخي، كما أسسوا إطار عمل واعدًا للتنبؤ بالوضع الذي قد تؤول إليه في المستقبل، ويوضح نيلسن ذلك قائلًا: "بإمكاننا أن نرصد التغيُّرات التي طرأت على هذه المجموعات من الأشنات، وأن نتأمل هذا في سياق التغيُّر المناخي الحالي"، ويؤكد نيلسن وفريقه البحثي أن التغيرات المناخية المتوقعة في الوقت الحالي تجري بمعدل أسرع مما يمكن لهذه الأشنات مواكبته.

وبناءً على المعدلات السابقة لتطوُّر الأشنات، فالكثير من أنواع الطحالب الطربقسية ستستغرق آلاف السنين لمواكبة شدة التغيُّر المناخي المتوقعة خلال القرن القادم، والقليل منها قد يستغرق ملايين السنين لتحقيق ذلك، يشير نيلسن إلى ذلك قائلًا: "سرعة وتيرة هذه التغيرات المناخية هي ما يثير قلقنا بالأخص؛ فهذه التغيُّرات تُعد غير مألوفة إلى حدٍّ كبير لهذه الأشنات، ما يحول بينها وبين التأقلم مع هذه التغيرات"، وقد يُسفر هذا عن تحوُّل مساحات شاسعة من موائل الأشنات إلى أماكن لا تصلح لمعيشة الطحالب الخاصة بها.

وعلى الرغم من أن نيلسن وزملاءه المشاركين في وضع هذه الدراسة ركزوا على القدرات التكيُّفية للطحالب، فقد نوَّه أيضًا بأن كلا العنصرين المكوِّنَين للأشنات (الطحالب والفطريات أو الطحالب والبكتيريا الزرقاء) ينبغي أن يتطورا معًا بوتيرة متناغمة من أجل الهجرة إلى بيئة أكثر ملاءمة، وفي ذلك الصدد يقول نيلسن: "ماذا لو استطاعت الطحالب الاستجابة لهذه التغيرات سريعًا، بينما واجهتها الفطريات ببطء؟ ما تداعيات هذا على الفطريات؟ وهل قد تستطيع الطحالب البقاء على قيد الحياة مع مواجهة الفطريات التي تحتاج إليها لمشكلات؟".

يُتوقع أن بعض الأشنات سيتمكن من الفرار إلى بيئات مواتية أكثر، لكن يرجح أن بعضها الآخر -لا سيما تلك التي تكيفت مع البرودة والتي تعيش بالفعل في ظل أقسى ظروف مناخية يمكنها احتمالها- سيهلك مع ارتفاع درجات الحرارة وتصاعُد مستويات الجفاف.

ووفقًا لجيمس ليندمر، اختصاصي الأشنات والأمين المساعد بالحديقة النباتية في نيويورك، والذي لم يشارك في هذه الدراسة الحديثة، فإن نتائج هذه الدراسة تُضاف إلى النتائج المثيرة للقلق التي تمخَّض عنها عددٌ متنامٍ من الدراسات الأخرى حول ما قد يؤول إليه وضع الأشنات في مستقبل أشد حرارة وجفافًا، ويضيف قائلًا: "جميع الدراسات التي تُجرى على الأشنات والتغيُّر المناخي لا تبشر بخير".

مستعمرات المرجان في البحر الكاريبي تعاني الاحترار منذ أكثر من قرن

أظهرت دراسة علمية حديثة أن مستعمرات الشعاب المرجانية في البحر الكاريبي عانت طويلًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وربما استمر ذلك مدةً تزيد على 100 عام، مما تسبب في إلحاق الضرر بالنظم الإيكولوجية في منطقة الكاريبي الكبرى.

وقدم فريق من الباحثين بجامعة "كارولاينا الشمالية" بمدينة "تشابل هيل" الأمريكية تحليلًا جديدًا يلخص تأثيرات درجات الحرارة على مدار 150 عامًا في جميع أنحاء منطقة الكاريبي، من خلال تسليط الضوء على موجات الاحترار التي أضرت بالنظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية.

وتشير نتائج الدراسة التي نشرتها دورية "بلوس كلايمت" (PLOS Climate) إلى أن تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية لا يؤدي فقط إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، بل يتسبب أيضًا في ارتفاع حرارة المحيطات حول العالم، والإضرار بالنظم البيئية البحرية.

تناولت الأبحاث السابقة التأثيرات الناجمة عن ارتفاع درجة الحرارة على النظم البيئية للشعاب المرجانية في أنحاء العالم، وفي منطقة الكاريبي، على وجه الخصوص، وأظهرت الدراسات تأثيرات حادة، مثل النفوق الجماعي للشعاب المرجانية نتيجة ابيضاض المرجان، وكذلك فقدان الكثير من أنواع الأسماك التي تعتمد على الشعاب المرجانية.

وتحدث عملية ابيضاض المرجان بسبب نفوق الكائنات الحية أو الطحالب داخل تلك الشعاب، وحدوث تغيرات في الظروف البيئية مثل ارتفاع درجة حرارة البحر، ويؤدي نفوق الطحالب الملونة إلى تحول تلك الشعاب المرجانية إلى اللون الأبيض.

بناءً على نتائج الدراسات السابقة، أجرى فريق الباحثين، بقيادة كولين بوف -باحثة ما بعد الدكتوراة في جامعة بوسطن، والمتخصصة في مجالات علم الأحياء البحرية واللافقاريات البحرية ودراسة تأثيرات التغيير العالمي على الأنظمة البحرية- تحليلًا جديدًا لتأثير درجة حرارة سطح المياه على الشعاب المرجانية في منطقة البحر الكاريبي، لمدة تبلغ نحو 150 عامًا، بدايةً من عام 1871 حتى عام 2020.

لجأ الباحثون في البداية إلى بناء قاعدة بيانات تتضمن 5326 تكوينًا من الشعاب المرجانية في البحر الكاريبي، موزعة على 8 مناطق فرعية، ثم استخدموا ثلاث مجموعات من البيانات عبر الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى ملاحظة التغيرات في درجة حرارة سطح البحر، لتقييم تأثيرات موجات الاحترار خلال هذه الحقبة على المستعمرات المرجانية.

تقول "بوف"، في تصريحات لـ"للعلم": أظهر التحليل أن الشعاب المرجانية في البحر الكاريبي بدأت تعاني بسبب ارتفاع الحرارة على مستوى المنطقة بشكل عام منذ عام 1915، لكن الاحترار بدأ مبكرًا في أربع من تلك المناطق الفرعية الثماني خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

وجد الباحثون أن مستعمرات المرجان في البحر الكاريبي ارتفعت درجة حرارتها بما يتراوح بين درجة و1.5 درجة مئوية على مدار القرن الماضي، مع وجود مناطق فرعية تعاني من معدلات مختلفة من الاحترار فيما بينها، بالإضافة إلى اختلاف معدل الاحترار مع مرور الوقت.

وتحذر "بوف" من أنه في حالة ما إذا استمر مستوى الاحترار بالمعدلات السابقة نفسها، فإن النظم البيئية للشعاب المرجانية في الكاريبي سوف ترتفع درجة حرارتها بمعدل 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2100، وفق ما أظهرته النتائج.

تضمنت الدراسة تقييم معدلات تكرار موجات ارتفاع درجة حرارة سطح المياه، والمدى الزمني لطول هذه الموجات، ووجد الباحثون أن هذه المعدلات سجلت ارتفاعاتٍ متواليةً في كل منطقة الكاريبي، بواقع خمس موجات احترار كل عام، مقابل موجة وحيدة سنويًّا خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

تضيف "بوف": تواصل درجات حرارة النظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية في البحر الكاريبي الارتفاع بشكل عام، كما نشهد مزيدًا من الاحترار في شكل موجات حرارية بحرية أصبحت تتكرر بمعدلات متزايدة، ولفترات زمنية أطول.

واستنادًا إلى النتائج التي توصل إليها فريق الدراسة، ونتائج دراسات أخرى، دعا الباحثون إلى العمل بصورة عاجلة على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومضاعفة الجهود المبذولة لتخفيف الضغوط المحلية والإقليمية على النظم البيئية للشعاب المرجانية، مثل أنشطة صيد الأسماك والحد من التلوث، سواء في منطقة الكاريبي أو خارجها.

وبينما يواصل الباحثون جهودهم لتفسير أسباب التدهور الحاد في النظم البيئية لمستعمرات المرجان في البحر الكاريبي، خلال سبعينيات القرن الماضي، تؤكد "بوف" أن نتائج الدراسة لا يمكنها وحدها تفسير ذلك التدهور بسبب تأثيرات الضغوط المحلية، مثل التلوث والصيد الجائر.

إلا أن الدراسة وضعت تقييمًا لتأثير موجات الاحترار على الشعاب المرجانية في المنطقة، على مدار أكثر من 100 عام، مما يشير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة لهذه النظم البيئية كان له دورٌ في حدوث ذلك التدهور المبكر، وفق "بوف".

إنذارات مستمرة حتى 2030

موجة من الجفاف تهدد الجنوب الغربي للولايات المتحدة الأميركية وتحذيرات من تأثير الاحترار العالمي في زيادة شدة الجفاف وشح المياه لملايين البشر نتيجة زيادة درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة.

فقد أظهرت دراسة جديدة نشرت في الـ14 من فبراير/شباط الجاري في دورية "نيتشر كلايمت تشينج" (Nature Climate Change) أن ارتفاع درجة حرارة الأرض قد جعل الجفاف في الجنوب الغربي من الولايات المتحدة أكثر حدة بنسبة 40% منذ عام 800 بعد الميلاد.

ووفق تقرير نشر في موقع "ساينس ألرت" (Science Alert) يرى براد أودال -عالم المناخ في جامعة ولاية كولورادو- أن رطوبة التربة تعدّ مؤشرا مهما لتقييم الجفاف، كما أنها "الخزان الذي يعتمد عليه استمرار الحياة".

إلا أن الهواء الحار والجاف يمتص الرطوبة من التربة ويؤدي إلى جفافها ما لم يغذّها ماء المطر والثلوج. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن الأنهار والجداول تتدفق تدفقا أقل في السنوات التي تنخفض فيها رطوبة التربة، وهو ما تسبب بمشكلة للمزارعين في المناطق التي تتغذى بماء نهر كولورادو والمجاري المائية الأخرى عبر الغرب، التي شهدت تضاؤلا ملحوظا في معدلات التدفق في السنوات الأخيرة.

أراد بارك وليامز، عالم المناخ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وفريقه فهم مدى شدة الجفاف الحالي مقارنة بالأحداث الماضية في جميع أنحاء الجنوب الغربي ابتداء من شمال المكسيك وصولا إلى أيداهو. وبحلول عام 2020 نشر فريق وليامز دراسة تقصّت الجفاف الإقليمي على مدى 1200 عام بناء على سجل من البيانات اعتمدت اعتمادا رئيسا على تحليل أنماط نمو الأشجار هناك.

عدّ الباحثون الأشجار أرشيفا يسجل التغيرات التاريخية في درجات الحرارة وهطل الأمطار وغيرها من المعلومات المتعلقة بالمناخ. وذلك لأن الأشجار تتكيف مع الطقس والمناخ في حلقاتها، فتكون طبقات من الخشب الجديد ذي سماكة أكبر في السنوات التي تكون فيها الرطوبة وفيرة، وبالمقابل تكون الحلقات رفيعة وصغيرة الحجم في سنوات الجفاف والحرارة الشديدة.

وفي عام 2020 تمكن الفريق من إنشاء خريطة لرطوبة التربة وذلك عقب قراءة حلقات أكثر من 1500 شجرة في جميع أنحاء غرب الولايات المتحدة. وأفاد وليامز وزملاؤه بحدوث 40 حالة جفاف بين عامي 800 و2018، 4 منها كانت شديدة بشكل استثنائي، ووقعت الأولى في أواخر القرن الثامن، والثانية في منتصف القرن الـ11، والثالثة في القرن الـ13، أما الجفاف الرابع الكبير فقد امتد في الفترة ما بين 1575 إلى 1593.

ووفق تقرير نشر على موقع "ناشونال جيوغرافك" (National Geographic ) فإن عامي 2020 و2021 قد سجلا القيم الأعلى للجفاف، إذ شهد صيف عام 2021 موجات حرارة غير مسبوقة امتصت أي أثر للرطوبة من التربة لدرجة أن العديد من المزارعين لم يتمكنوا من ري محاصيلهم بالقدر المطلوب من المياه.

وهكذا تسببت مستويات المياه الضئيلة على طول نهر كولورادو بفرض تخفيضات إلزامية على كمية المياه التي يمكن أن تخصص لولايات مثل أريزونا ونيفادا.

وفي دراستهم الأخيرة، أضاف وليامز وزملاؤه هذه السنوات الأخيرة إلى تحليلهم، وتبين أن الجفاف الحالي هو الأشد على الإطلاق إلا أنه لا يعدّ الأطول حتى الآن وذلك على اعتبار أن العديد من موجات الجفاف الضخمة السابقة قد استمرت أوقاتا أطول.

ووجد الباحثون أن تغير المناخ جعل الغلاف الجوي أكثر سخونة وجفافا، وأسفر عما يقارب 42% من جفاف التربة في الفترة ما بين 2000-2021، مما يجعل 2021 وحده أكثر جفافا بنسبة 20% عما كان متوقعا من دون تأثير التغير المناخي.

وتشير التقديرات إلى أن تغير المناخ قد تسبب في نحو نصف الخسائر المتعلقة بمعدلات تدفق نهر كولورادو في السنوات الأخيرة، وهو تأثير ضخم له عواقب جدية في العالم. ونلحظ حاليا إعادة التفاوض على كمية المياه المتاحة للولايات التي تعتمد على نهر كولورادو وإعادة تقييم خطط المياه الخاصة بها.

وذكر موقع "ناشونال جيوغرافيك" أن درجات الحرارة العالمية قد ارتفعت بنحو 1.1 درجة مئوية منذ أواخر القرن الـ19 حتى الآن، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر في العقود المقبلة ما لم تقم الحكومات بتخفيضات سريعة وحاسمة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ما الذي يتطلبه تحويل حلم "السور الأخضر العظيم" إلى واقع؟

"بينما أتحدث إليك الآن، يجتاح الجفاف والفيضانات أجزاء متعددة من بلادنا، نحتاج بشدة إلى إكمال هذا السور، تحتاج إليه إفريقيا بأكملها لتنجو".. بمزيج من القلق والأمل تحدثت الناشطة البيئية النيجيرية بلانجنان دمشكال لـ"للعلم" عن التهديدات المناخية التي تعاني منها بلدان القارة السمراء، وعن الحلم الإفريقي باستكمال مشروع السور الأخضر العظيم. انطلق المشروع بمبادرة من الاتحاد الإفريقي في عام 2007، بهدف إقامة جدار من الأشجار بطول 8 آلاف كيلو متر، يمتد عبر كامل عرض إفريقيا، لمواجهة التصحر واستعادة الأراضي المتدهورة ومحاربة الفقر والجوع وضمان حياة أفضل للشعوب الإفريقية، إلا أنه على مدار عقد كامل لم ينجح المشروع سوى في تحقيق نحو 15% من أهدافه الطموحة.

وترى الناشطة النيجيرية ومؤسسة مبادرة "إفريقيا الصديقة للبيئة" أن "زراعة الأشجار هي الطريقة الآمنة والأرخص لمحاربة تغير المناخ، وكذلك استعادة الأراضي التي تدهورت بفعل الجفاف والفيضانات، وخلق ملايين من فرص العمل للشباب والنساء"، مؤكدةً أنه "مهما بلغت التحديات علينا مواصلة العمل من أجل تحقيق حلمنا".

المبادرة التي انطلقت قبل أكثر من عقد ووقعت عليها 11 دولة إفريقية بمنطقة الساحل من السنغال غربًا إلى جيبوتي شرقًا، تشارك فيها الآن 21 دولة في جميع أنحاء إفريقيا، من بينها مصر، بعد أن تحول السور الأخضر العظيم إلى رمز عالمي للتغلب على التدهور البيئي الذي يهدد البشرية، وجرت تعبئة أكثر من ثمانية مليارات دولار والتعهد بدعمها، وتجمع المبادرة بين البلدان الإفريقية والشركاء الدوليين تحت قيادة مفوضية الاتحاد الإفريقي والوكالة الإفريقية للسور الأخضر العظيم.

التحديات التي تواجه اكتمال المشروع كانت موضوع إحدى جلسات قمة الأمم المتحدة للمناخ السادس والعشرين (كوب26) المنعقدة بجلاسكو، إسكتلندا، بتاريخ 8 نوفمبر الجاري، إذ عُرض خلال الجلسة فيلم وثائقي عنه، تلاه نقاش حول أبرز التحديات، وما يحتاجه الحلم الإفريقي ليصير واقعًا.

وقال كيمو فاتي، مؤسس منظمة Green up Gambia (إحدى الجهات الشريكة في المشروع) خلال كلمته في الجلسة: إن المشروع ظل مجرد مبادرة يناقشها السياسيون قرابة 10 سنوات، وبعد كل هذه السنوات لم يحقق -حتى هذه اللحظة- سوى قرابة 15% من أهدافه الكلية، مضيفًا أن الصعوبة التي تواجه تنفيذ المشروع على الأرض هي أنه لا يوجد تمويل كبير.

وأضاف فاتي: "نحتاج إلى دعم، ليس فقط من الاتحاد الإفريقي والدول الإفريقية، بل من العالم بأكمله، ونأمل أن ينجح هذا المشروع في إطعام 9 مليارات شخص بحلول عام 2050".

وأشار إلى تحدٍّ آخر يجب العمل عليه حتى ينجح المشروع، وهو إشراك أصحاب المصلحة الحقيقيين بدايةً من القادة إلى الشباب والنساء والأطفال في التخطيط والتنفيذ، قائلًا: "لن ننتظر أحدًا من الخارج ليجعل هذه الأرض خضراء"، ويرى كيمو أن المال اللازم لاستكمال المشروع يمكن أن يأتي إذا تحولت الفكرة إلى حركة عالمية، قائلًا: "هذا السور مبادرة إفريقية لحل مشكلة عالمية، ونحتاج إلى مشاركة العالم أجمع فيها".

وكانت ورقة بحثية نُشرت في مجلة ريجينال إنفيرومينتال تشينج أو ما يعني بالعربية التغيير البيئي الإقليمي (Regional Environmental Change) قد ناقشت عام 2019 أبرز التحديات التي تواجه المشروع وكيف يمكن تجاوزها، مؤكدةً أهمية الجمع بين المعرفة العلمية وتجربة السكان المحليين للعثور على أفضل الحلول من خلال المناهج التشاركية.

كما أفادت أن بناء القدرة على الصمود يتطلب التنسيق والتعاون بين جميع بلدان منطقة الساحل، بحيث لا نضطر إلى "إعادة اختراع العجلة" مع كل مشروع جديد، كما نوهت بأن الاستثمار العلمي في المشروع يضمن أن يتم تصحيح المسار بشكل مستمر تبعًا للظروف والسيناريوهات المناخية، إذ لا يمكن التنبؤ بأنماط هطول الأمطار والجفاف وارتفاع درجات الحرارة مستقبلًا في منطقة الساحل، واختتمت بأن المشروع "خطوة ممتازة في الاتجاه الصحيح، وجدير بالاستثمارات العلمية".

وقالت ديبورا جوفنر -مديرة الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وشريك مؤلف في الورقة- لـ"للعلم": إن هناك تحديات أكبر من المشروع ذاته، تتعلق بحالة الاستقرار السياسي والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلدان المشروع التي من شأنها أن تعطل اتخاذ القرارات، وتصعِّب من إيجاد تعاون محلي، مضيفةً: "كثير من المناطق تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والخدمات الصحية والحاجة للذهاب إلى المدارس، ولذلك عندما تتحدث إلى قاطنيها عن تغيُّر المناخ فإنهم يشعرون بأن لديهم حاجات أساسية ومُلحة أكثر من زراعة الأشجار".

وأشارت إلى أن التغلب على هذا التحدي يحتاج إلى إشراك المجتمع المحلي في صنع القرار واختيار أنواع الأشجار التي تناسب احتياجاته، كأشجار الفاكهة على سبيل المثال، التي يمكن أن تدر له عائدًا يساعده على تحسين حياته، بالإضافة إلى تدريبهم على كيفية التخطيط لهذه المشاريع وتنفيذها بأنفسهم، مضيفةً: "ليس علينا أن نأتي بمشاريع جاهزة من الخارج قد لا تناسب احتياجاتهم المحلية".

وترى أن نجاح المشروع يحتاج إلى الاستثمار في البحث العلمي، قائلةً: "الأمر ليس مجرد زراعة أشجار، لكنه يحتاج إلى إجراء الكثير من الأبحاث لدراسة الظروف المناخية سابقًا، وفي الوقت الراهن والمستقبل، ووضع مختلِف السيناريوهات المستندة إلى معرفة علمية لتحديد نوع الأشجار التي يمكن زراعتها وأين وكيف، بالإضافة إلى برامج للإشراف والمتابعة؛ فكثير من الأشجار في ظل الظروف المناخية الحالية لا يمكنها النجاة، كما أننا بحاجة إلى الإجابة عن سؤال مهم: هل الأشجار هي الخيار الأمثل في كل الظروف؟ أم أن هناك مناطق سيكون الأكثر مناسبةً لها زراعة حدائق تديرها النساء؟ أو غير ذلك".

وحذرت من أنه إذا استمر المشروع دون إستراتيجية بعيدة المدى، وإذا لم يتم إجراء الدراسات الضرورية، فسيكون من الصعب أن ينجح في تحقيق أهدافه.

وقال مجدي عبد الحميد -رئيس قسم النبات بالمركز القومي للبحوث- لـ"للعلم": إن هناك بعض الدول الإفريقية التي التزمت ونجحت بالفعل في زراعة عدد ضخم من الأشجار مثل إثيوبيا والنيجر والسنغال، وهناك دول أخرى لم تنجح في تحقيق نجاح كبير، سواء بسبب ظروف عدم الاستقرار السياسي أو غياب المتابعة ونقص الموارد، وبشكل خاص نقص المياه، مضيفًا أن "الجفاف بيئة غير مناسبة لري الأشجار التي زُرعت".

وتمر الأراضي الرئيسية من السور الأخضر العظيم في مناطق جافة وشبه جافة في الجانبين الشمالي والجنوبي من الصحاري، وتغطي المنطقة الرئيسية للسور 780 مليون هكتار، ويسكنها 232 مليون شخص، ولوقف تدهور الأراضي بالمنطقة وإصلاحه يجب استصلاح نحو عشرة ملايين هكتار سنويًّا، وفق التقييم العالمي للأراضي الجافة الذي أجرته منظمة الفاو وشركاؤها في 2015-2016.

جرى الحصول على هذه البيانات من خلال تحليل عينات 63 ألف قطعة أرض، مساحة كلٍّ منها نصف هكتار منتشرة في الأراضي الجافة في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي والقرن الإفريقي من خلال أداة Open Foris لجمع المعلومات عن كوكب الأرض التي طرحتها الفاو، وصور الأقمار الاصطناعية العالية الوضوح التي وفرتها "غوغل"، و"إيرث إينجن"، و"بينغ مابس".

وانتهى التقييم إلى التوصية بإعداد الأراضي التي تعاني من تدهور شديد على نطاق واسع، واستخدام البذور ومواد الزراعة عالية الجودة، وإشراك المجتمعات في اختيار الأنواع المحلية الأصلية التي سيتم استخدامها.

ويرى "عبد الحميد" أنه يمكن التغلب كذلك على مشكلة الجفاف من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي بعد معالجتها، وأشار إلى أن مصر وضعت الكود المصري رقم 501 لعام 2005، الذي يوضح معايير استخدام مياه الصرف المُعالَجة في الزراعة، قائلًا: "يمكن للدول الإفريقية الاستفادة من هذا الكود الذي يوضح القواعد المنظمة لإعادة الاستخدام الآمن للمياه ودرجات المعالجة وأنواع الأشجار التي تصلح، فعلى سبيل المثال الأشجار الخشبية يمكنها أن تتحمل درجات ملوحة أعلى من أشجار الفاكهة والمحاصيل الزراعية، ولذلك تصلح بشكل كبير للري بمياه الصرف المعالجة"، مضيفًا: "هذا الاتجاه تتبناه وزارة البيئة المصرية في زراعة الأشجار الخشبية وريها بعدد من المحافظات، ولدينا تجربة ناجحة في هذا المجال".

وتنفذ مصر مشروع الحزام الأخضر حول القاهرة الكبرى والمدن الجديدة، حيث يتم ري الأشجار التي تزرع بالتنقيط بمياه الصرف الصرف الصحي المُعالَجة، وانتهت مصر من المرحلة الأولى من المشروع الذي يمتد على أربع مراحل عام 2006؛ إذ جرت زراعة 65 ألف شجرة في 12 صفًّا من أشجار الكافور أو الكازورينا والسرو والأكاسيا، وجارٍ تنفيذ باقي المراحل التي تستهدف زراعة أشجار على مسافة بطول 100 كم وبعرض 25 مترًا على الجانبين.

ومع الظروف الصعبة التي تعاني منها المنطقة، يحتاج السور الأخضر العظيم إلى تضافر الجهود، ليس فقط على المستوى المحلي والإقليمي، ولكن على نطاق عالمي يسمح بتوفير الدعم المالي والعلمي اللازم لنجاح المشروع في استكمال أهدافه، فكما تقول الناشطة النيجرية بلانجنان دمشكال: "هذا المشروع هو ما تحتاج إليه هذه المنطقة، التي مرت وما زالت تمر بظروف مناخية قاسية؛ لنضمن حياةً أفضل لأنفسنا وللأجيال القادمة".

اضف تعليق