q
تُـعَـد الأثار الاقتصادية والمالية المحتملة في الأمد القريب نتيجة لحرب فلاديمير بوتن مادية وحقيقية ولكن من الممكن السيطرة عليها، شريطة ألا ينتشر الصراع. وسوف يتجسد الضرر المترتب على صدمة العرض السلبية في الأساس من خلال ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وخاصة أسعار النفط والغاز، والقمح، والألومنيوم، والمواد الخام الاستراتيجية...
بقلم: ويليم بويتر

نيويورك ــ لا يبدو أن الأسواق المالية لم تُـدرِج المخاطر الكاملة المترتبة على غزو روسيا لأوكرانيا ضمن أدوات التسعير. الواقع أن غياب أي ردة فعل سلبية في أسواق الأسهم، وديون الشركات، والديون السيادية في أوروبا والولايات المتحدة وكندا واليابان، يجافي المنطق إلى حد كبير حتى لو لم تكن هناك أي فرصة لتصاعد الموقف إلى صراع مفتوح بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا. لكن هذا ليس الخطر الحقيقي الوحيد؛ إذ يشكل التهديد بانتقال الصراع إلى المستوى النووي خطرا حقيقيا أيضا.

خارج أوكرانيا وروسيا، تُـعَـد الأثار الاقتصادية والمالية المحتملة في الأمد القريب نتيجة لحرب فلاديمير بوتن مادية وحقيقية ولكن من الممكن السيطرة عليها، شريطة ألا ينتشر الصراع. وسوف يتجسد الضرر المترتب على صدمة العرض السلبية في الأساس من خلال ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وخاصة أسعار النفط والغاز، والقمح، والألومنيوم، والمواد الخام الاستراتيجية مثل البلاديوم وغاز النيون.

حتى في سيناريو "الصراع التقليدي المكبوح"، ستضيف نُـدرة الوقود الأحفوري، وخسارة أسواق التصدير، والهجمات السيبرانية (الإلكترونية) الـعَـرَضية، إلى تأثير الركود التضخمي المترتب على ارتفاع أسعار السلع الأساسية في أوروبا. وعلى المستوى العالمي، سوف يتأثر الناتج المحتمل في الأمدين المتوسط والبعيد، بسبب التشعب الجديد بين نظام تجاري ومالي محوره الصين وروسيا وآخر يتمحور حول الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان. علاوة على ذلك، ستتسبب عمليات إعادة التخصيص الدفاعية العازفة عن المخاطرة للاستثمار وغير ذلك من الموارد في زيادة الإنتاج المحتمل انخفاضا مع سعي الحكومات والشركات إلى زيادة مرونة سلاسل التوريد.

الواقع أن أسواق الأصول العالمية لم تضع في اعتباراتها التسعيرية حتى هذا السيناريو الأقل سوءا. ولكن إذا تصاعدت الحرب بين روسيا وأوكرانيا لتتحول إلى حرب بين روسيا والناتو، فسوف يشتد خطر نشوب صراع نووي. تتمثل طريقة مؤكدة لتحقيق مثل هذا التصعيد في إقدام الناتو على فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، كما تستحثه الحكومة الأوكرانية.

في حين فرض الناتو والحكومات الغربية عقوبات اقتصادية ومالية على روسيا وزودت أوكرانيا بأسلحة مضادة للدبابات، وطائرات مُـسيرة آليا، وصواريخ أرض جو محمولة، وذخيرة، فإن أشكال الدعم من هذا القبيل لا ترقى إلى مستوى العمل الحربي. أما فرض منطقة حظر طيران فإنه يعني إسقاط أهداف روسية. إذا اتخذ الناتو هذه الخطوة، فسوف تصبح الحرب الأوسع نطاقا حتمية.

حتى لو ظل الصراع الأوسع نطاقا تقليديا، فسوف يسفر عن كارثة إنسانية واقتصادية إقليمية. الواقع أن خطر المواجهة النووية ــ مع استخدام الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية ــ سيكون أعلى من أي نقطة بلغها منذ الحرب الباردة. فسوف تكون أراضي كل دولة في عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي مهددة بخطر وجودي هي ومواطنوها.

حتى الآن، رفض الناتو صراحة الدعوات التي تطالبه بفرض منطقة حظر طيران. كما أبدى ضبط النفس في الرد على قعقعة السيوف النووية من جانب بوتن. في السابع والعشرين من فبراير/شباط 2022، وضع بوتن القوات النووية الروسية في حالة تأهب قصوى في الرد على العقوبات الغربية وما أشار إليه على أنه "تصريحات عدوانية" من قِـبَـل قوى الناتو. في اليوم ذاته، تخلت بيلاروسيا عن وضعها كدولة غير نووية ــ وبذلك سمحت بدخول أسلحة نووية روسية إلى أراضيها. جاء هذا التصعيد في أعقاب التدريبات النووية الاستراتيجية المكثفة التي أجرتها روسيا في التاسع عشر من فبراير/شباط، وخطاب بوتن المذاع تلفزيونيا الذي أعلن فيه الغزو في الرابع والعشرين من فبراير، عندما أَكَّـدَ أن روسيا لا تزال واحدة من أقوى الدول التي تمتلك أسلحة نووية في العالم.

برغم أن مثل هذه التصريحات قد تكون مجرد ثرثرة غضب ووعيد، فلا يجوز تجاهلها ببساطة. فالحوادث تقع رغم كل شيء، ويتنامى خطر وقوع حادث نووي مؤسف كلما جرى التلويح بالترسانة النووية. فضلا عن ذلك، حتى لو لم تلجأ أي قوة عاقلة إلى استخدام قوتها النووية خوفا من التهديد المتمثل في الدمار المؤكد المتبادل، فإن إمكانية التعويل على عامل الردع المتمثل في الدمار المؤكد المتبادل قد تكون موضع شك. بالإضافة إلى هذا، قد لا تكون العقلانية متوفرة عندما تشتد الحاجة إليها. ذهب بعض المراقبين إلى التساؤل حول ما إذا كان بوتن لا يزال يتمتع بأهليته الكاملة، متكهنين بأن عزلته أثناء الجائحة ربما زادت من حدة جنون الشك والاضطهاد الذي يعاني منه.

منذ يناير/كانون الثاني 2020، توقفت عقارب ساعة يوم القيامة التابعة لنشرة علماء الذرة عند 100 ثانية إلى منتصف الليل، مما يشير إلى أن المنظمة تعتبر الإنسانية أقرب إلى نهاية العالم من صنع الإنسان أكثر من أي وقت مضى منذ بدأت الساعة تعمل في عام 1947. هذا التقييم مدفوع بشكل أساسي بالمخاطر النووية وتغير المناخ والتكنولوجيات التخريبية. حدث ضبط الساعة الذي يجري مرة كل عام في العشرين من يناير/كانون الثاني هذا العام. ولو جرت عملية ضبطها في الأول من مارس/آذار بدلا من ذلك، فإنها كانت لتقترب أكثر إلى منتصف الليل والمعركة الفاصلة دون أدنى شك.

يبدو خطر اندلاع حرب نووية الآن أعلى من أي وقت مضى منذ أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1962، أو على الأقل منذ تدريبات آبلي آرتشر التي أجراها الناتو في عام 1983، عندما فسر أعضاء المكتب السياسي والمؤسسة العسكرية في الاتحاد السوفييتي التدريبات على أنها ستار لضربة نووية أولى حقيقية وشرعوا في الاستعداد لحرب نووية. كان تأثير أزمة الصواريخ الكوبية على أسواق البورصة في الولايات المتحدة طفيفا: انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 7%، ثم ارتد إلى مستواه السابق تقريبا عندما استسلم الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف. ولم يُـكـشَـف عن حادثة آبلي آرتشر علنا حتى عام 2015، ولهذا ليس من المستغرب أن الأسواق لم تستجب لها.

اليوم، ليس هناك من الأدلة ما يشير إلى أن الأسواق لاحظت حتى تزايد خطر نشوب صراع نووي. هذا ما يسمى "حالة إنكار".

* ويليم إتش. بويتر، أستاذ مساعد للشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق