q
العواقب المتوسطة والطويلة الأجل التي يعاني منها الاقتصاد العالمي والمترتبة على غزو روسيا لأوكرانيا ستعتمد على الخيارات. وبغزو روسيا لها، تكون قد اتخذت بالفعل خيارًا خطيرًا. تُعتبر العلاقات الاقتصادية العالمية إيجابية، ومع ذلك سيكون لعزلة روسيا المتزايدة تأثيرا طفيفا. وبشكل عام، لن تكون حالة عدم اليقين مُفيدة أبدًا للاقتصاد...
بقلم: جيسون فورمان

كمبريدج ـ لقد كان الغزو الروسي لأوكرانيا سريعًا ومؤثرًا، ولكن العواقب الاقتصادية المترتبة عنه ستكون أبطأ وأقل إثارة. تُعد الحرب بحد ذاتها حدثًا مأساويًا للغاية، أولاً وقبل كل شيء بالنسبة للشعب الأوكراني، ولكن أيضًا بالنسبة للشعب الروسي والنظام العالمي بشكل عام. عندما تحدث حرب من هذا النوع، نتوقع أن تكون مثل مسرحية أخلاقية حيث تتجسد جميع العواقب السيئة بعنف على كل الجبهات، بما في ذلك الاقتصاد. لكن الاقتصاد لا يعمل بهذه الطريقة.

صحيح أن الأسواق المالية استجابت بسرعة لأخبار الغزو الروسي. فقد انخفض مؤشر "مورغان ستانلي" لجميع دول العالم، وهو مؤشر رئيسي للأسهم العالمية، إلى أدنى مستوى له في غضون عام تقريبًا. كما ارتفع سعر النفط إلى ما يزيد عن 100 دولار للبرميل، في حين ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي في البداية بنحو 70٪.

ستؤثر هذه الزيادات في أسعار الطاقة تأثيرًا سلبيًا على الاقتصاد العالمي. لقد أصبحت أوروبا مُعرضة للخطر بشكل خاص، لأنها لم تبذل أي جهد يذكر في السنوات الأخيرة لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، وفي بعض الحالات -لاسيما ألمانيا، التي تخلت عن الطاقة النووية- أدت إلى تفاقمه.

سوف تُواجه البلدان المستوردة للنفط نتائج سلبية جراء ارتفاع الأسعار. تُعد الولايات المتحدة أكثر تحفظًا: نظرًا إلى أن إنتاجها من النفط يساوي استهلاكها للنفط، فإن النفط الأكثر تكلفة يكون محايدًا تقريبًا بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي. لكن ارتفاع أسعار النفط من شأنه أن يضر بالمستهلكين الأمريكيين بينما يساعد شريحة محدودة أكثر من الشركات والعاملين المرتبطين بصناعة النفط والغاز. ستؤدي الأسعار المرتفعة أيضًا إلى زيادة معدل التضخم، الذي وصل بالفعل إلى أعلى مستوياته منذ جيل في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما من الاقتصادات المتقدمة.

ومع ذلك، تُعد بعض وجهات النظر حول هذه النتائج المباشرة منطقية. عند بلوغه 100 دولار للبرميل، يكون النفط أقل بنحو ربع من سعره المعدل حسب التضخم خلال الفترة ما بين عامي 2011 و 2014. علاوة على ذلك، فإن أسعار العقود الآجلة للنفط أقل من الأسعار الفورية، مما يشير إلى أن الأسواق تتوقع أن تكون هذه الزيادة مؤقتة. وبالتالي، قد تنظر البنوك المركزية إلى حد كبير في الأحداث التي تجري في أوكرانيا، دون أن تتوقف عن تشديدها أو تسريعها استجابةً لارتفاع معدلات التضخم الإجمالية. كما ظلت أسواق الأسهم العالمية مرتفعة خلال العام الماضي.

وعلى نحو مماثل، على الرغم من انخفاض سوق الأسهم الروسية بشكل كبير منذ بداية الغزو، فمن غير المرجح أن تُخلف العقوبات الغربية آثارا فورية هائلة. نادرًا ما يكون لهذه العقوبات آثارًا سلبية؛ كما أنها ليست المُعادل الاقتصادي للقنابل التي تلقيها روسيا حاليًا على أوكرانيا بأي حال من الأحوال.

علاوة على ذلك، فإن روسيا أكثر استعدادًا من معظم الدول لتحمل العقوبات. لقد حققت البلاد فائضًا ضخمًا في الحساب الجاري، وقد جمعت احتياطيات قياسية من النقد الأجنبي بلغت 630 مليار دولار - وهو ما يكفي لتغطية ما يقرب من عامين من الواردات. وبينما تعتمد روسيا على عائدات أوروبا، يعتمد الأوروبيون على النفط والغاز الروسيين - وقد يكون من الصعب استبدالهما على المدى القريب.

ومع ذلك، على المدى الطويل، من المرجح أن تكون روسيا الخاسر الاقتصادي الأكبر نتيجة الصراع (بعد أوكرانيا، التي ستتجاوز خسائرها بكثير ما يمكن قياسه في الحسابات القومية). فقد ظل اقتصاد روسيا ورفاه سكانها في حالة ركود منذ ضم الكرملين لشبه جزيرة القرم في عام 2014. ومن شبه المؤكد أن تكون عواقب توغلها الحالي الواسع النطاق أكثر حدة مع مرور الوقت. سوف تؤدي العقوبات إلى زيادة الخسائر، بينما ستتسبب العزلة المتزايدة لروسيا، فضلاً عن تزايد الشكوك لدى المستثمرين، في إضعاف التجارة والروابط الاقتصادية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تعمل أوروبا على الحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري في روسيا.

ستكون العواقب الاقتصادية طويلة المدى لبقية العالم أقل خطورة بكثير مما هي عليه بالنسبة لروسيا، لكنها ستظل تُشكل تحديًا مستمرًا بالنسبة لصُناع السياسات. هناك خطر، وإن كان مُستبعدًا نسبيًا، يتمثل في أن يُغذي ارتفاع معدلات التضخم على المدى القصير توقعات التضخم المُتقلبة على نحو متزايد، وبالتالي يتحول إلى تضخم دائم. وإذا حدث ذلك، فستصبح مهمة البنوك المركزية الصعبة بالفعل أكثر تعقيدًا.

فضلاً عن ذلك، من المرجح أن ترتفع ميزانيات الدفاع في أوروبا والولايات المتحدة وبعض البلدان الأخرى لتعكس الوضع العالمي الخطير بشكل متزايد. لن يؤدي هذا الأمر إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي، لكنه سيحد من رفاه الناس، حيث يتعذر توجيه الموارد المخصصة للدفاع نحو الاستهلاك أو الاستثمار في التعليم أو الرعاية الصحية أو البنية التحتية.

إن العواقب المتوسطة والطويلة الأجل التي يعاني منها الاقتصاد العالمي والمترتبة على غزو روسيا لأوكرانيا ستعتمد على الخيارات. وبغزو روسيا لها، تكون قد اتخذت بالفعل خيارًا خطيرًا. لقد حددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحكومات أخرى خيارات أولية بشأن فرض العقوبات، لكن لم يتضح بعد كيف ستستجيب روسيا لهذه العقوبات أو ما إذا كانت ستواجه عقوبات جديدة. وفي حال تصاعدت العقوبات والاستجابات المضادة، ستكون التكاليف أكبر - أولاً وقبل كل شيء بالنسبة لروسيا، ولكن إلى حد ما بالنسبة لبقية الاقتصاد العالمي أيضًا.

تُعتبر العلاقات الاقتصادية العالمية إيجابية، ومع ذلك سيكون لعزلة روسيا المتزايدة تأثيرا طفيفا. وبشكل عام، لن تكون حالة عدم اليقين مُفيدة أبدًا للاقتصاد.

ولكن مع استمرار ردود الفعل العالمية للغزو الروسي، تبدو المخاوف بشأن الناتج المحلي الإجمالي ضئيلة نسبيًا. والأهم من ذلك بكثير هو عالم تشعر فيه الشعوب والبلدان بالأمان. وهذا شيء يستحق أن ندفع ثمنه – حتى لو كان أكثر مما يتوقعه قادة العالم حتى الآن.

* جيسون فورمان، الرئيس السابق لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس باراك أوباما، وأستاذ ممارسة السياسة الاقتصادية في كلية جون إف كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد وزميل أول في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق