q
في العراق وحده يمكن للثمان وأربعين ساعة القادمة ان تنهي الكثير من الخلافات ويمكن لها أيضا ان تخلق التوافقات، لاسيما مع وصول الأوضاع السياسية الداخلية الى قمة التدهور والانغلاق، وأصبح الشارع لا يتحمل مزيدا من الضغط عليه، فمن الممكن ان تقوم الدنيا؛ فيما إذا استمرت الكتل تلعب بمشاعر الجمهور...

لم تكن عملية تشكيل الحكومة بالمهمة السهلة على السيد مقتدى الصدر، بل هي مهمة شاقة والمعوقات كثيرة والطموحات كبيرة، يقابلها عوق سياسي وانسداد حواري لا يمكن تجاوزه، حتى اجبره على إعلان يوم أمس السبت تجميد التفاوض مع الكتل الأخرى وعدم حضور الكتلة الصدرية الى الجلسة المقرر عقدها في السابع من الشهر الجاري للتصويت على اختيار رئيس الجمهورية من بين المرشحين.

وقبل ساعات من انعقاد الجلسة المرتقبة، خرج لنا السيد الصدر بمفاجئة جديدة، وتحرك آخر قد يدفع بتشكيل الحكومة المقبلة الى التعقيد، فالمقاطعة الصدرية تعني ان الجلسة مرفوعة قبل انعقادها، فمن كان يخشى عدم حضور الثلث المعطل لعمل البرلمان، تأكد من عدم الانعقاد الموعود في الاساس.

وفي حال الانعقاد وهو اشبه بالمستحيل، ستتحول من جلسة كنا نظنها حاسمة الى استعراضية كما الأولى، وكما هو مُبين عبر ما قاله رئيس الكتلة الصدرية النائب حسن العذاري، فأن الصدر وجه ضربة استباقية للكتل المعارضة، وعلى طريقة المثل الشعبي الذي يقول، (اتغده بيهم قبل ما يتعشون بي)، اذ كان متأكدا من ان الجلسة القادمة لن تمر على خير، وإنها ستنعقد في أجواء مشحونة، وسط تلويح بمقاطعتها من قبل قوى الإطار والاتحاد الوطني الكردستاني.

وبذلك يكون الصدر قد أنهى جميع التكهنات، وأفسد ما في الخيالات من تصورات وتوقعات، وقفل الأبواب بوجهة الضغوطات التي تُصر على مشاركة الأغلبية التوافقية في الحكومة المقبلة، فهو بهذه الحركة سيتمكن من التحرك بمفرده لوضع النقاط على الحروف، بعيدا عن الجميع، حتى من اسماهم بالحلفاء من السنة والكرد.

لقد اعتمد السيد الصدر على هذا التكتيك وبرهن مدى فعاليته في العمل السياسي، فقد سبق ما جرى اليوم اعلانه الانسحاب من المشاركة في الانتخابات التي أجريت في تشرين المنصرم، وشاهد الجميع ما أحدثت هذه الخطوة من ردات فعل شعبية وسياسية، حتى اخذت الوفود تتوافد على مقر اقامته لإقناعه بالمشاركة، وشعر حينها بانه عمد مهم من أعمدة العملية السياسية في البلد.

واليوم تعيد الأيام نفسها فلقضية تجميد الحوارات مع الكتل بشأن تشكيل الحكومة القادمة، وتعليق المشاركة في جلسة البرلمان قراءات كثيرة، ويبدو الأهم فيها هو للتخفيف من الضغوط الموجهة اليه، والعمل بأريحية تامة، وبالشكل الذي يواصل فيه تأثيره السياسي في عملية التشكيل المرتقب، التي يريدها ان تكون وسطية لا شرقية ولا غربية.

وسبق هذه القنبلة السياسية دعوة السيد الصدر الى عدم التصويت لصالح مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري في حال "لم يستوف شروط الترشح"، لكن هذا لا يمنع من المضي بتطبيق بنود التحالف مع الشريكين من الأحزاب السنية والكرد.

في العراق وحده يمكن للثمان وأربعين ساعة القادمة ان تنهي الكثير من الخلافات ويمكن لها أيضا ان تخلق التوافقات، لاسيما مع وصول الأوضاع السياسية الداخلية الى قمة التدهور والانغلاق، وأصبح الشارع لا يتحمل مزيدا من الضغط عليه، فمن الممكن ان تقوم الدنيا؛ فيما إذا استمرت الكتل تلعب بمشاعر الجمهور، وتناور على حساب مصلحتها العليا.

وفي حال استمرار الصدر بهذا القرار وقاطع أعضاء الكتلة الصدرية جلسة البرلمان المزمع عقدها يوم الاثنين المقبل، فسيكون البرلمان أمام مهمة شاقة ومعقدة لحسم المنصب، ما قد يدفع نحو إحداث خلل بالتوقيتات الدستورية الملزمة بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات بشكل نهائي أواخر العام الماضي.

فالدستور العراقي وضع لعمليتي اختيار رئيس الجمهورية والوزراء توقيتات لا يمكن تجاوزها، ووفقها يتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل البرلمان في مدة أقصاها 30 يوما من موعد انعقاد الجلسة الأولى، ليكلف الأخير مرشح الكتلة الأكبر عدداً في مجلس النواب بتشكيل الكابينة الوزارية خلال 15 يوماً من بدء تنصيبه، لكن في الحال القائم، قد نتجاوز المدد الدستورية ونقع في فخ اختراق كيان الدولة الدستوري من قبل الجهات المشرعة.

حديث السيد الصدر عن مصلحة البلد وتقديمها على غيرها من المصالح في جميع المحافل، وحده يكفي للتراجع عن قراره الأخير، تحقيقا للمصلحة العليا، ومن ثم مواصلة الطريق الذي رغب بشقه بمفرده متحملا اوزاره واعباء المرحلة القادمة بعيدا عن أبناء جلدته، وإن لم يفعل هذا فأنه رفع الجلسة القادمة قبل انعقادها في الأساس ونفى الحاجة اليها.

اضف تعليق