q
ما العلاقة بين الروائح والذكريات؟، وكيف يحلل الدماغ الانساني هذه الروائح ويربطها بأحداث ماضية، وهل يمكن للإنسان ان يتخلص من خبرة مؤلمة حدثت له سيما بعد توفر رائحة تربط بتلك الخبرة؟، وهل يتعلق الامر بذكريات الطفولة على اعتبار ان امكانية الاحتفاظ بها أكبر من غيرها من الذكريات ام تتعلق بكل الذكريات...

جميعنا ربما حدث معنا ذات يوم ان استنشقنا رائحة معينة فذهبت بنا الى ارتياح عال او انزعاج عال او اننا سرحنا في دهاليز التفكير باحثين عن المواقف التي ترتبط بهذه الرائحة، انا عن نفسي حين استنشق رائحة الخبز في (تنور الطين) تعود بي الايام الى اول منزل في ريف مدينتا الهندية (طويريج) حيث كانت والدتي تخبز لنا في كل يوم قبيل منتصف النهار لنضع بها ما تسير من طعام البسيط وكان الامر جميل وفيه من المتعة الكثير.

بودي ان أتساءل ما العلاقة بين الروائح والذكريات؟، وكيف يحلل الدماغ الانساني هذه الروائح ويربطها بأحداث ماضية، وهل يمكن للانسان ان يتخلص من خبرة مؤلمة حدثت له سيما بعد توفر رائحة تربط بتلك الخبرة؟، وهل يتعلق الامر بذكريات الطفولة على اعتبار ان امكانية الاحتفاظ بها اكبر من غيرها من الذكريات ام تتعلق بكل الذكريات وفي مختلف المراحل العمرية للإنسان؟

كيف يعالج الدماغ الرائحة؟ طريقة عمل الدماغ الانساني في التعامل مع الروائح متفردة على عكس التعامل مع التنبهات الحسية الأخرى فهي لا تمر عبر المهاد وفي ذلك امر غريب، ففي الحالة الطبيعية كما في التنبيهات الاخرى الواردة من الجسم فأنه يستقبلها ويوزعها على الأجزاء المناسبة من الدماغ.

لكن معالجة الروائح من قبل الدماغ يحدث مباشرةً من الفص الشمي في الجزء الأمامي من الدماغ إلى القشرة الدماغية المسؤولة عن الشم التي تدعى القشرة الشمية وتعالج الرائحة في الذاكرة قصيرة الأمد وتجمع معلومات مساعدة من الحواس الأخرى لتكون مراجع مستقبلية في الذاكرة طويلة الأمد وبالتالي تعيد الى الذهن كل ما يتعلق بهذه الرائحة او تلك.

الأستاذة المساعدة في قسم الطب النفسي والسلوك البشري في جامعة براون في رود آيلاند (رايتشل هيرز) تقول: "الروائح بالذات قد تستحضر ذكريات لا تأتي بطرق أخرى، وإن وجدت رائحة ترتبط بأمرٍ حدث في ماضيك ولم تصادف تلك الرائحة مجدداً فربما لن تتذكر ما كان ذلك الأمر".

ان الذكريات التي تحرضها الروائح تكون عاطفيةً أكثر من تلك التي تحرضها الأصوات والمشاهد وأقوى من الذكريات المترافقة مع الكلمات والصور وما يثير الاهتمام أكثر، هو أن الروائح تبدو قادرة على إثارة ذكريات أقدم من تلك المترافقة مع حواس أخرى، وغالباً ما تتصل الذكريات التي تحرضها الروائح بالأحداث والأشخاص والأماكن والأغراض من السنوات العشر الأولى من حياة الانسان على رأي فريق من النفسيين.

لك ان تتخيل سيدي القارئ الكريم ان انوفنا تحتوي على اكثر من 1000 نمط المستقبلات الشمية تعمل هذه المستقبلات على تحليل المعلومات التي تقف وراء الرائحة ما يعني إمكانية اكتشاف أكثر من تريليون رائحة مختلفة بالأنف وربطها بمواقف ماضية.

قد يحصل اننا نشم العديد من الروائح التي لا نستطيع وصفها ومعرفة خصائصها لكننا نرفضها او نحبذها لارتباطاتها بذكريات سلبية واخرى ايجابية، على سبيل المثال اننا نمتعض من رائحة المستشفيات رغم كوننا لم نعرف مكوناتها غير ان سبب عدم تقبلنا لها هو تعرض قريب منا لإصابة معينة ورقوده بالمستشفى ربما لإيام مما يولد حالة من الرفض اللاشعورية لدى الانسان بمجرد تعرضه لمثل هذه الرائحة.

على الجانب الآخر قد يستهوينا عطر معين وتشبح عيوننا صوبه عند استنشاقه في محل العطور او من على لباس احد بقربنا وان وجد ماهو افضل منه بكثير لكن سبب التفضيل له لارتباطه بأيام جميلة عشناها في الجامعة مثلاً او سفر معين او حتى في ايام عادية تمتاز بشيء من الاستقرار والراحة النسبية في حياتنا.

في الختام نقول بين الذكريات وبين الرائحة التي يستنشقها الانسان علاقة وثيقة ولا تتعلق بمرحلة عمرية دون غيرها وليس لدينا ما يثبت كون الامر حالة مرضية او انها حالة صحية يعيشها الانسان لكن كل ما نوصي به هو ان نستشعر السعادة عبر استعادة الجميل من الذكريات ومحاولة تناسي السيء منها قدر ما استطعنا.

اضف تعليق