q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

كيف تجعل من عملِك ممتعًا؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

يؤكد الإمام الشيرازي على حتمية احترام القوانين والأنظمة وتطبيقها على شخص القائد والمدير وعلى غيره، فإنّ المدير الذي لا يطبّق القوانين على نفسه يعتبر مديرًا فاشلًا، لأنه مهما كان ناجحًا في أعماله، فإنّ مهابته تكون ساقطة بين الناس، وذلك يسري في غيره أيضًا شاء أم أبى...

(لابد من الثقة بالناس والعمل معهم على أساس تحقيق النجاح) الإمام الشيرازي

تتقدم الدول والشعوب والأمم بقادتها الأصلاء المتميزين، وبمسؤوليها في المراكز المهمة، ومدى قدرتهم على إدارة مهامهم بالصورة الدقيقة والجيدة، فكل مجال وكل عمل وكل تخصص يحتاج إلى إدارة، وتبقى نتائج العمل والنشاطات المختلفة مرهونة بالإدارة الجيدة، فلا يمكن لدولة أن تنجح دونما إدارة ناجحة، وينسحب هذا على الجماعات الأصغر كالمؤسسات والمصانع، بل حتى العائلة الصغيرة لا يُكتب لها النجاح دون إدارة ناجحة.

الهدف للفرد وللمجتمع وقادته يجب أن يتركّز وينصبّ على الإدارة الناجحة، لأنها البوابة التي تقود الجميع إلى الاستقرار والتقدم والازدهار، والإدارة نوع من العمل المخطّط له، والذي يجب أن يتم تنفيذه وفق شروط وخطوات، ومنها وجوب حب العمل، فمن لا يحب عمله لا يُبدع فيه ولا يتقنه، وهذا الشرط ينطبق على القادة والرؤساء بعناوينهم كافة.

إذا يجب على المدير والقائد والرئيس أن يتقن عمليات الإدارة الجيدة، وعليه أن يكون شغوفا متمتعا بعمله، ولا يجعل منه حالة آلية لا روح فيها، فمن يحب عمله سوف يستمتع بها، والحالة الأخيرة سوف تقوده إلى الإتقان ومن ثم النجاح، لأن أداء الوظيفية القيادية أو المسؤولية بكل أنواعها إذا لم يتم بشغف، فإنه سوف يتحول إلى إجراء روتيني (وإسقاط فرض) وستأتي النتائج عكس ما هو مطلوب من القائد أو المسؤول.

الرغبة في العمل وإتقانه

الإمام الراحل، آية الله العظمي، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، قدّم للقادة والمسؤولين والرؤساء والمدراء والموظفين والأفراد، مجموعة من الخطوات ذات الطابع الإداري التنظيمي، يمكن من خلالها بلوغ درجة النجاح المتقن في الأداء، فجاء في كتابه القيّم الموسوم بـ (فقه الإدارة) حزمة من المقترحات الرصينة لتحقيق النجاح في العمل منها:

يجب على القائد أن يتحلى بـ (الرغبة في إتقان العمل وتحسينه. واعتبار العمل متعةً يتمتّع فيها القائد والمسؤول وليست ثقلًا على كاهله. مع القدرة على التنفيذ في الوقت المناسب).

هذه الخطوات العملية التنظيمية في الأداء الإداري تضمن مخرجات جيدة، فالحاكم أو السياسي أو المسؤول على وجه العموم يحتاج إلى صفات ومؤهلات، تمهّد له سبل النجاح في التصدي للمهام الموكلة إليه، من هذه الصفات يجب أن يكون ذا شخصية جادة رصينة واثقة، وغير مهزوزة أو متذبذبة، فلا يمكن أن تكون الشخصية المتذبذبة بوّابة مؤكَّدة للنجاح الإداري والعملي القيادي أو سواه.

كذلك يجب على القائد أو المسؤول أن يتوافر على ميزة الصبر والتحمّل واعتماد النَفَس الطويل في معالجة الأمور، حتى لا يكون عرضة للتذبذب والتردد واتخاذ القرارات المتضاربة، فقوة القرار ودقته ودرجة صوابه كلها مرهونة بضبط النفس، والابتعاد عن التشنج والاحتقان والتسرّع، لاسيما حين تحدث حالات حرجة ومثيرة، هنا يجب أن تظهر المهارات القيادية من خلال التحكم بالأعصاب والالتزام والثبات الذي ينطلق من الخبرة.

ثبات الشخصية القيادية

لذلك يرى الإمام الشيرازي أن من صفات القائد والمسؤول أن يتحلى (بثبات الشخصيّة وعدم التذبذب. مع التميز بالصبر والنّفَس الطويل. وضبط النّفْس والتحكُّم في الأعصاب في المواقف الحرجة، خصوصًا المثيرة منها).

ومع رباطة الجأش والصلابة في التعامل مع الطوارئ الحرجة، لابد أن يتحلى بالهدوء في معالجة الأزمات، وأن يبتعد قدر الإمكان عن اتخاذ القرارات غير المناسبة، أو المتسرعة، أو الناتجة عن رد فعل غير مدروس، والهدوء في الأزمات لا يعني البرود والتردد والبطء في المعالجة، على العكس من ذلك، فبقدر فائدة هدوء المسؤول يجب أن يتخذ القرار السريع والصحيح في التعامل مع الأزمة بحسب طبيعتها.

فهو قد يبدو هادئا في سلوكه وألفاظه وقسمات وجهه وحركاته، إلا أنه يجب أن يكون في داخله متحركا فاعلا وقادرا على مواجهة الأزمة بسرعة متقنة، بعيدا عن الجزافية التي تنشأ بسبب ضعف شخصية المسؤول أو القائد، وافتقاده للحكمة والخبرة في التعاطي مع المشكلات الطارئة، فالهدوء هنا لا يعني البرود والبطء، وإنما يعني رباطة الجأش والإقدام المدروس والمحسوب بدقة، لضمان الحلول التنفيذية الدقيقة لمعالجة الأزمة.

لهذا يرى الإمام الشيرازي أن المسؤول والقيادي يجب أن يتميز (بالهدوء أمام الأزمات، مع الاندفاع الداخلي الشديد لحلّها، بأن يكون مندفعًا لحلّ المشكلة. وكما قال بعضهم في المثل: يجب أن يكون كالبَطّ ظاهره هادئ، لكنه يضرب رجله في الماء بسرعة).

كذلك لابد من الابتعاد عن الحلول العاطفية المتسرّعة، وعلى القائد أن يكون واقعيا في تعامله مع الأحداث والأزمات بكل أشكالها، وبحسب تداعياتها، وأن يحتوي المشكلة أو الأزمة بشكل شامل، ويفهم كل ما يحيط بها من ظروف وأسباب لغرض فهم نشأتها، ومن ثم المبادرة بوضع التعاملات الفورية معها.

كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي حين يقول: (يجب أن يتحلى القائد المسؤول بالواقعيّة والنظرة الشموليّة، لمواجهة نسبيّة الأمور في عالَم الإدارة).

الانضباط واحترام الوقت والقوانين

من الصفات المهمة التي يجب أن تتوافر في الشخصية القيادية والمسؤولة، حالة الانضباط التي يجب أن تكون إحدى أهم صفاته، بالإضافة إلى احترامه الجاد والدائم للوقت، فالتوقيت الذي يبدأ فيه معالجة قضية ما لا يجب أن يقع تحت الحالات المزاجية، أو الكيفية، بل هناك توقيت محدد للبداية والنهاية في المعالجة، وعلى القائد والمسؤول الالتزام التام بهذه النقطة، على أن يطبق قضية احترام الوقت والانضباط على نفسه أولا ليكون نموذجا للآخرين.

هناك درجة من المرونة في هذه النقطة بالذات، صحيح أن الانضباط والدقة في احترام الوقت أمران مهمّان، لكن هناك مرونة في التطبيق، فالمهم في الأمر أن يكون القائد منضبطا وجادا، ويتمسك بقيمة الوقت المخصص للإنجاز، وعليه أن يُظهر ذلك في تعاملاته المختلفة، لكي يصبح مثالا لمعيته في هذا الجانب أو في سواه.

حيث أكد الإمام الشيرازي على هذا الصفة قائلا: على القائد أن يتحلى (بالانضباط واحترام الوقت مبتدئًا بنفسه وملتزمًا بتطبيقه على الآخرين، بالقدر الممكن).

ومع الصفات والشروط الإجرائية آنفة الذكر، والتي يجب توافرها في شخصية القيادي الإداري الناجح، أو المسؤول على وجه العموم، تمسكه بالقوانين، من حيث الدعم والإشادة والتطبيق، والأخير هو الركن المهم في هذه النقطة، بل هو حجر الزاوية للنجاح، حيث ينبغي أن يتم تطبيق ذلك على القائد أو المسؤول الأعلى أولا.

أما حين يتملّص القائد أو المدير أو المسؤول من تطبيق القانون على نفسه، فإن النتائج سوف تكون خطيرة على الآخرين، وعلى الدولة وعلى المجتمع، فإذا كان الرجل الأول في إدارتها وقيادتها يسخر من القوانين ويتهرب منها، ويرفض تطبيقها عليه أو على ذويه أو على معاونيه، كما يحدث في بعض البلدان والحكومات الفاسدة والدول الضعيفة والمجتمعات المتأخرة، فإن النتائج سوف تكون وبالا على الجميع وأولهم القائد أو الرئيس أو المدير.

حيث يؤكد الإمام الشيرازي على حتمية (احترام القوانين والأنظمة وتطبيقها على شخص القائد والمدير وعلى غيره، فإنّ المدير الذي لا يطبّق القوانين على نفسه يعتبر مديرًا فاشلًا، لأنه مهما كان ناجحًا في أعماله، فإنّ مهابته تكون ساقطة بين الناس، وذلك يسري في غيره أيضًا شاء أم أبى).

هذه مقترحات واضحة، سهلة التطبيق إذا توافرت الإرادة القوية الجادة على التطبيق، يجب أن يتمسك بها كل (قائد، أو مدير، أو رئيس، أو مسؤول)، إذا راهن على نجاحه وتفوقه في إدارة الدولة أو المؤسسة أو المنظمة أو المصنع أو المدرسة، نزولا إلى أصغر المؤسسات وهي العائلة، خطوات ليست صعبة، وفي غالبها تجلب الاستمتاع لمن يتمسك بها ويطبقها في عمله، ليضرب عصفورين في حجر واحد، متعة العمل والإنجاز أولا، والنجاح والتفوق وقطف الثمار الغنية ثانيا.

اضف تعليق