q
الحكومات القادمة تقف امام مفترق طرق، فأما ان تعيد الثقة المسلوبة وتخلق الترابط الوشيج مع المواطنين، وهذا لن يكون ومن تسبب بالخراب لا يزال هو المتسيد والمتحكم بمستقبل الجماهير، او الاستمرار بالقطيعة وكبر الفجوة بينها وبين المواطنين الذين يعتبرون مصدر السلطات ودعم القرار الحكومي الإيجابي الهادف لتحسين الأوضاع الداخلية...

كلما زادت الخلافات الداخلية بين الشركاء السياسيين، كلما أدت الى نشوب مشكلات لا يمكن حلها، كما انها تفضي الى تكوين تعقيدات من الصعب تجاوزها في الأمد القريب، ولو تم القضاء عليها بنية حقيقية؛ لما وجدناها اليوم متفاقمة وتحتاج الى عمليات جراحية فوق الكبرى لتخليص الوسط السياسي منها وكذلك إراحة الجماهير من آثارها وتصرفاتها التي شكلت هاجسا لدى الطبقة العامة.

بعد هذا الكم الهائل من الأخطاء الذي وقعت فيه الحكومات السابقة، فقد الشعب ثقته فيها بصورة نهائية، واي حكومة تتسلم زمام الأمور لا يمكن ان تعيد الثقة المفقودة وصولا الى ثقة متبادلة تحكم العلاقة المضطربة بين الطرفين؛ الا بتنفيذ الوعود التي قطعتها على نفسها قبل تشكيلها، بما يضمن لها المقبولية والارتياح من قبل جميع الشرائح.

الذي جعل الحكومات العراقية تخفق في تنفيذ وعودها المتتالية هو الإفراط في تقديم الوعود التي لا يسمح الواقع الموجود بتنفيذها، وبذلك تكون الحكومة هدفا واضحا ومريحا لتوجيه الانتقادات المستمرة من قبل المواطنين، الى جانب ذلك هو انخفاض اعداد المؤيدين لها امام الرأي العام، وبالنتيجة من المعلوم ان ننتهي الى ارتفاع نسبة الغاضبين على التصرفات الحكومية وتزايد النقمة عليها.

ومن المواقف الصعبة على الحكومة العراقية هو فقدانها الدعم الشعبي، فلم تتمكن من تجاوز هذه الجزئية التي تعد من ثوابت ترسيخ حكمها وتقوية دعائمه، والدعم الشعبي لا يمكن ان يولد ويشيع في الأوساط، طالما هنالك تهم فساد تحوم حول العاملين في القطاع الحكومي، (وهنا المقصود هم الشريحة المقربة من المسؤولين والعاملين معهم بصورة مباشرة، أي الأشخاص الذين تمر عبرهم صفقات الفساد وغيرها التي اتعبت المواطنين وافقدتهم الامل).

ولا يقل أهمية عما سبق سوء التصرف وعدم إحسان التعامل الحكيم مع الموارد العامة التي يحصل عليها البلد عبر المنافذ المتعددة وأبرزها بيع النفط الخام، علاوة على ذلك والاهم هدر المال العام الذي يقدر بملايين الدولارات دون إخضاعها لرقابة حكومية قوية قادرة على محاسبة المقصرين والمتسببين معا.

نعود لمشكلة أخرى طفت الى السطح في الأشهر الأخيرة من عمر حكومة مصطفى الكاظمي، وهي خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، ما أدى الى تآكل قيمة الرواتب الشهرية وانخفاض قوتها الشرائية بقيمة تجاوزت الخمسة وعشرين بالمئة، إضافة الى جشع التجار الذين ضاعفوا النسبة دون رحمة وشعور بالمسؤولية تجاه قاعدة كبيرة من الجماهير اخذت تقترب من خط الفقر.

هنالك آلية تتبعها الحكومات السالفة بالتشكيل، وهي عدم إتاحة الفرصة او المجال لرئيس الحكومة فحص ومناقشة الشخصيات المقدمة اليه من قبل الكتل السياسية، وبذلك يكون أي اعتراض على مرشح ما، يقابله محاولة استبعاده من المنصب، فتظهر الحكومة عبارة عن هجين مشوه مملوء بالتناقضات التي لا يجمعها هدف مشترك واحد.

عدم التفات الحكومة لهذه القضية وغيرها من القضايا التي تهم المواطنين، زاد من إحباط المواطنين وتعاظم المشكلات، ولم يعد هنالك من يسمع الصوت الشعبي المنادي للتخليص من المعاناة المستمرة، ووقف الاستنزاف المتواصل من رصيد الصبر الأهلي الذي تحمل كثيرا بفعل أخطاء الذين تصدوا للعمل وإدارة الملف الحكومي.

الحكومات القادمة تقف امام مفترق طرق، فأما ان تعيد الثقة المسلوبة وتخلق الترابط الوشيج مع المواطنين، وهذا لن يكون ومن تسبب بالخراب لا يزال هو المتسيد والمتحكم بمستقبل الجماهير، او الاستمرار بالقطيعة وكبر الفجوة بينها وبين المواطنين الذين يعتبرون مصدر السلطات ودعم القرار الحكومي الإيجابي الهادف لتحسين الأوضاع الداخلية.

إذا ارادت الحكومة الحالية والحكومات القادمة تحسين صورتها المشوهة امام المواطنين، عليها الاستفادة من مواردها الطبيعية والبشرية، وتقليص نفقاتها الفاحشة التي ارهقت الميزانية العامة للبلد، فبدون ذلك تبقى في نظر الجميع بأنها حكومات لا تليق بتمثيلها المواطن او النظر بهمومه، ويبقى هم المواطن الأول والأخير التخلص منها عبر الآليات والطرق التي كفلها الدستور، تارة بالتظاهر والنزول الى الشارع، وأخرى عن طريق صناديق الاقتراع، لإزالة الحكومة التي جل همها راحة المسؤولين واناقتهم.

اضف تعليق