q
الشد والجذب في العملية السياسية يمكن ان ينتهي بحالة واحدة، وهي إعادة صياغة القوانين المعمول فيها بالبلد، وجعلها تتناسب والمتغيرات، فمن الملاحظ ان اغلب المشاكل تسببها او ساعدت على نشؤها هي المواد الدستورية التي تُفسر حسب وجهات نظر وتصورات بعيدة عن المعنى الحقيقي لها او المراد منها...

ما يثير استغرابي ان العملية السياسية في العراق لا يوجد فيها ثابت معلوم، بل تخضع للآراء الشخصية ووجهات النظر الضيقة، وقد يصبح رأي اليوم قاعدة غدا الثابتة، التي لا يمكن كسرها او تغافلها في العمل السياسي على مدى السنوات القادمة.

تحتكم النظرية السياسية في العراق وبشكل كبير الى القرارات الفردية، فخذ على سبيل المثال، سنة الكتلة الأكبر التي فرضت بزمن احدى الحكومات، رغم خطئها لا تزال الكتل السياسية وبعد مرور أكثر من دورة انتخابية تتشبث فيها، وتحتكم اليها على انها الاجراء الصحيح والسليم في التعامل مع متطلبات المرحلة او الخروج من الازمة.

السيطرة الحزبية على مفاصل السلطات الثلاث في البلد آنذاك ولا تزال هذه الخصيصة مستمرة، جعل من حزب واحد حكم لسنوات كثيرة في عراق ما بعد التغيير ان يتحكم بالقرارات الإدارية وإصدار أشياء تتعارض مع العمل الديموقراطي والنظام الجديد الذي اتبعه البلد، وهذه المخالفات الدستورية في كثير من الأحيان تعود؛ لضيق رؤية طارحها، وبالتالي نقع بمشكلة أخرى تضاف الى المشاكل التي منيت بها المرحلة بصورة عامة.

فالأخطاء التي وقعت فيها الكتل السياسية في الماضي، تتبعها نفسها في الوقت الحالي، والدليل الأقرب على ذلك هو الاختناق الدائر بين الأحزاب، والمطاردات العقيمة التي تحصل هنا وهناك ولا مخرج منها، فتجد الأطراف الشيعية تتصادم فيما بينها، والأطراف الأخرى السنية والكردية، تدور بنفس الفلك التضادي، ولا يمكن ان نقرأ او نعرف ملامح المرحلة القادمة.

لا يتجاوزن عدد الأصابع هم قادة الكتل السياسية والأحزاب الفاعلة بشكل قوي في العراق، لكنهم من يسيرون القرار السياسي، ويرسمون خط السياسة الخارجية، فترى في كثير من الأحيان العلاقات الدبلوماسية مع بلد معين تسوء بسبب ثلة من الأشخاص، وتنفرج مع دول أخرى وفقا للطبيعة المزاجية لهم، وليس لإمر يتعلق بمصلحة البلد وتكوين علاقات مراعية لهذه الجوانب.

هؤلاء القادة الذين تم ذكرهم أصبحت لديهم ظواهر سلوكية مقلقة تتكون وتترسخ شيئا فشيئا في الحياة السياسية، لاسيما وان بعضا منها موجود في الماضي إلا أنه يكبر ويقوى ويلبس ثياب الحداثة في الحاضر، الى درجة تصل هذه التهديدات وانعكاساتها السلبية على العمل السياسي في عموم مفاصل العملية السياسية.

في العراق والمحيط العربي يجري التعامل الخاطئ مع الأشخاص والرموز وكأنهم وحدهم في الساحة السياسية، فعلى سبيل المثال تناولت القنوات الفضائية مرارا عبارة جيش المالكي، في رمزية ان الجيش العراقي أصبح المتحكم فيه هو رئيس الحكومة آنذاك نوري كامل المالكي، وصارت بعد ذلك جميع القرارات تنسب لشخصه دون الفريق العامل معه من مستشارين وغيرهم.

لا يصح ان نجرد الفرد من الفريق الذي يعمل بجواره طيلة السنوات التي يقضيها في الحكم، لكن الذي يحصل في كثير من الأحيان هو اتخاذ القرارات الفردية، بعيدا عن رأي الشركاء وهو ما ولد حالة من البغضاء، والخصومة بين الشركاء في الحزب الواحد، فعلى الرغم من ان بعض الخطوات تتسم بالصحة والثبات، ولكن يبقى التفرد بالقرار من الممارسات الخاطئة في عالم السياسة.

ومن المخطئ جدا ان تكون هذه القرارات او وجهات النظر هي من تمثل الفترة السياسية او لون الحكم، ومن يضن ان زمن الزعيم والقائد الأوحد يعيد نفسه فهو واهم، بل نقول له قد ولى او سيولي الى حيث رجعة، ومع ذلك نجد بعض الجهات والشخصيات لديها الرغبة في العودة اليه، على الرغم من ان ذلك يمثل عائقا مفصليا أمام الانتقال إلى ديموقراطية المؤسسات وتفعيل القوانين.

الممارسات التي أصبحت من الظواهر الموجعة في العملية السياسية، وهي المسؤول الأول والأخير عن الغرق في الآراء بعيدا عن القواعد، تتصداها ظاهرة التمادي على القوانين المتبعة، والنتيجة هي حدوث الازمات في كل مرحلة من مراحل الانتقال السياسي عبر الآليات الديمقراطية المتمثلة بالعملية الانتخابية.

الشد والجذب في العملية السياسية يمكن ان ينتهي بحالة واحدة، وهي إعادة صياغة القوانين المعمول فيها بالبلد، وجعلها تتناسب والمتغيرات، فمن الملاحظ ان اغلب المشاكل تسببها او ساعدت على نشؤها هي المواد الدستورية التي تُفسر حسب وجهات نظر وتصورات بعيدة عن المعنى الحقيقي لها او المراد منها، وبذلك نصل الى نقطة الانغلاق في كثير من الأحيان.

المواد التي تكلمنا عنها بحاجة الى إعادة نظر بما يسهم في الخروج من الإخفاقات التي تصاحب العمل السياسي بصورة دائمة والاحتكام لها على انها الحكم الوحيد الذي يقول القول الفصل بجميع الخلافات، وعدم العودة الى الآراء الفردية التي كبلت العملية السياسية المزيد من الخسائر والتعقيدات.

اضف تعليق