q
يعتقد الجسم أن أنسجته تشكل أجساما دخيلة وغازية، وهو ما يُطلق عليه بوجه عام مصطلح "عاصفة السيتوكين"، وذلك نسبة إلى بروتينات سُكرية توجد بالعشرات، وتُستخدم في التواصل ونقل الإشارات بين خلايا "الجيش المناعي"، ويحمل الواحد منها اسم "السيتوكين"، وفي أوقات حدوث هذه "العواصف"، تعيث تلك البروتينات فسادا في مجرى الدم...

في وقت تغص فيه المستشفيات بالمصابين بفيروس كورونا، يزيد خطر الوفاة جراء ذلك بالنسبة لمن تؤدي إصابتهم بالفيروس إلى رد فعل ذي طابع كارثي، يتمثل في تدفق الخلايا المناعية على الرئتين ومهاجمتها، بدلا من أن توفر الحماية لها.

ويتزامن ذلك مع حدوث تسرب في الأوعية الدموية وتجلط للدم نفسه، كما ينخفض ضغط الدم، وتبدأ أجهزة الجسم في الفشل في أداء وظائفها، ويعتقد الأطباء والعلماء بأن هذه الحالة ناجمة عن رد فعل مناعي خرج عن السيطرة وبدأ يلحق الضرر بالجسم بدلا من مساعدته.

فعندما يواجه جسم الإنسان جرثومة ما، عادة ما يهاجم الجهاز المناعي هذا "العدو" ثم يتوقف بعد إتمام المهمة. لكن في بعض الأحيان، يخرج هذا الجيش من الخلايا المناعية - الذي يخوض معركته مع الفيروسات الغازية باستخدام "أسلحة" من الجزيئات - عن السيطرة، ويتحول جنوده المطيعون إلى حشد جامح صعب المراس.

ورغم أن هناك اختبارات وأساليب علاجية، يمكن أن تساعد على تشخيص هذا "التمرد" وإخماده، فمن السابق لأوانه التيقن من طبيعة السبيل الأمثل الذي يمكن اللجوء إليه، لعلاج من يواجهون هذه "العواصف الداخلية" بسبب إصابتهم بفيروس كورونا.

ومن بين الحالات المرضية التي تُسبب الإصابة بها رد الفعل المناعي المفرط ذاك في الجسم، التعرض لأنواع مختلفة من العدوى أو حدوث خلل في بعض الجينات مما يُعرف بـ "اضطرابات المناعة الذاتية".

وفي كل هذه الحالات، يعتقد الجسم أن أنسجته تشكل أجساما دخيلة وغازية، وهو ما يُطلق عليه بوجه عام مصطلح "عاصفة السيتوكين"، وذلك نسبة إلى بروتينات سُكرية توجد بالعشرات، وتُستخدم في التواصل ونقل الإشارات بين خلايا "الجيش المناعي"، ويحمل الواحد منها اسم "السيتوكين"، وفي أوقات حدوث هذه "العواصف"، تعيث تلك البروتينات فسادا في مجرى الدم، وفي السطور المقبلة، نستعرض لكم ما يعلمه العلماء حتى الآن، بشأن "عواصف السيتوكين"، وما قد تلعبه من دور في تفاقم حالات بعض المصابين بوباء كورونا.

يقول العلماء إن تزايد عدد بروتينات "السيتوكين"، المسؤولة عن زيادة النشاط المناعي للخلايا، على نحو يفوق المعدلات الطبيعية، قد يجعل جهاز المناعة عاجزا عن السيطرة عليها أو وقفها. وفي تلك الحالة، تنتشر هذه البروتينات في أماكن مختلفة من الجسم، وليس فقط في المناطق المصابة بالعدوى فيه. وتبدأ في مهاجمة الخلايا السليمة، والتهام كرات الدم البيضاء والحمراء، وتدمير الكبد.

وفي ذلك الوقت، تُفتح جدران الأوعية الدموية للسماح للخلايا المناعية، بالدخول للأنسجة المحيطة. لكن هذه الأوعية تشهد تسربا شديدا لما بداخلها، إلى حد قد يؤدي إلى أن تُغمر الرئتان بالسوائل، وينخفض ضغط الدم.

بجانب ذلك، تتكون جلطات دموية في مختلف أنحاء الجسم، ما يفضي إلى انسداد مجرى الدم بشكل أكبر. وعندما تعاني أجهزة جسم شخص ما، من عدم وصول كميات كافية من الدم إليها، قد يُصاب هذا الشخص بصدمة، ما يهدد بحدوث تلف دائم لهذا العضو أو ذاك، أو يفضي حتى إلى الوفاة.

اعراض العاصفة

يرى راندي كرون، أخصائي أمراض الروماتيزم والمناعة لدى الأطفال في جامعة آلاباما في برمنغهام، إذ يقول إن غالبية المرضى الذين يعانون من متلازمة "عاصفة السيتوكين"، يشعرون بارتفاع كبير في درجة الحرارة. كما يواجه نصفهم تقريبا بعض الأعراض المرضية التي تصيب الجهاز العصبي، مثل الصداع ونوبات الغياب عن الوعي، وحتى الغيبوبة.

ويضيف كرون، الذي شارك في إعداد كتيب صدر عام 2019 بشأن متلازمة "عاصفة السيتوكين"، بالقول: "يكون هؤلاء الأشخاص أكثر شعورا بالتعب وإصابة بالمرض"، ويشير إلى أن الأطباء توصلوا الآن فقط إلى فهم "عواصف السيتوكين"، وكيفية معالجتها. فرغم عدم وجود اختبار آمن للتشخيص، فإن هناك مؤشرات، يفيد رصدها بأنها ربما تكون في طور التكون. ومن بينها، ارتفاع مستوى بروتين الفيريتين في الدم، وكذلك تزايد مستويات ما يُعرف بـ "البروتين المتفاعل-سي" الذي يفزره الكبد، ويشكل وجوده مؤشرا على حدوث التهابات.

وقد ظهرت أولى المؤشرات، التي كشفت عن أن "عاصفة السيتوكين" ضربت أشخاصا عانوا بشدة من (كوفيد – 19)، في مستشفى صيني قريب من البؤرة الأولى لتفشي الوباء. ففي إطار دراسة أُجريت على 29 مريضا، قال أطباء في إقليم ووهان الصيني، إنهم سجلوا ارتفاعا في مستوى اثنين من البروتينات المنتمية لعائلة "السيتوكينات"، لدى الحالات الأشد إصابة بفيروس كورونا المستجد.

كما كان وجود أحد هذين البروتينيْن في الجسم، مؤشرا مبكرا على معاناة صاحبه من أعراض مشابهة لأعراض متلازمة "عاصفة السيتوكين"، في إطار دراسة تحليلية شملت 11 مريضا، وأجراها أطباء في مقاطعة غوانغدونغ الصينية. وقد كشف فريق آخر، أجرى دراسة شملت تحليل بيانات 150 مريضا، عن أنه رُصِدَ لدى من توفوا منهم، نسبة أعلى من المؤشرات الجزيئية التي تفيد بحدوث متلازمة "عاصفة السيتوكين"، مُقارنة بنظرائهم ممن نجوا من الموت.

بجانب ذلك، رصد أطباء متخصصون في المناعة في مدينة خفي الصينية، نتائج مشابهة لدى تحليلهم لحالات مرضى قضوا نحبهم. وأشاروا كذلك إلى أنهم اكتشفوا وجود مستويات عالية من الخلايا المناعية النشطة المُدمرة التي تفرز "سيتوكينات" خطرة، في دماء مرضى كورونا تطلبت حالاتهم، وضعهم في غرف العناية المركزة.

المتلازمة نفسها ضربت مرضى أمريكيين. وقال روبرتو كاريكيو، رئيس قسم الأمراض الروماتيزمية في جامعة تيمبل بولاية فيلاديلفيا، إنه عاين "الكثير منهم". ولم تُنشر بعد البيانات الدقيقة المتعلقة بهذا الأمر. لكن كاريكيو يقول إن المؤشرات المتعلقة بحدوث متلازمة "عاصفة السيتوكين"، ظهرت بالفعل على نسبة كبيرة - قد تتراوح بين 20 في المئة إلى 30 في المئة - من المرضى، الذين عانوا بشدة من (كوفيد – 19)، وظهرت عليهم أعراض مرضية في الرئتين.

العاصفة وعلاقتها بكورونا

غير أن تفاصيل الصورة الخاصة بالعلاقة بين الإصابة بكورونا، والمعاناة من هذه المتلازمة، لا تزال تتضح. ويقول راندي كرون إن "فيروس `كوفيد – 19`ربما يشكل في حد ذاته `عاصفة سيتوكين` فريدة من نوعها بشكل ما".

فمعدلات حدوث الجلطات الدموية لدى مرضى كورونا، بدت أكثر ارتفاعا، عن نظيرتها التي تحدث عادة بسبب الإصابة بمتلازمة "عاصفة السيتوكين" وحدها.

في المقابل، تبين أن مستوى بروتين الفيريتين لم يقفز لدى المصابين بـ (كوفيد – 19) إلى المستوى المرتفع للغاية الذي يحدث في المعتاد.

علاوة على ذلك، ربما يرصد الأطباء مهاجمة الخلايا المناعية للرئة بسرعة أكبر وشراسة أشد، إذا كان الأمر يتعلق بشخص يعاني من كورونا كذلك، لدرجة أن ذلك يؤدي إلى حدوث تليف في الأنسجة.

ويُعقّب كرون بالقول: "يبدو أن الأمور تحدث بشكل أسرع، حال وجود الفيروس"، على أي حال، ليست هذه هي المرة الأولى التي يُربط فيها بين متلازمة "عاصفة السيتوكين" وأحد الأوبئة. فالعلماء يشتبهون في أن هذه المتلازمة سببت الكثير من الوفيات خلال تفشي وبائيْ الإنفلونزا عام 1918، و"سارس" في عام 2003، وهو وباء نجم عن تفشي فيروس مشابه لذاك الذي يُسبب الوباء الذي نواجهه حاليا.

وقد عكف كرون وزملاؤه مؤخرا على تحليل بيانات 16 حالة وفاة، وقعت بين عاميْ 2009 و2014، بسبب الإصابة بوباء أنفلونزا الخنازير، الناجم عن فيروس غير مألوف من فيروسات الأنفلونزا يحمل اسم (إتش وان إن وان)، ظهر عام 2009، وأصبح منذ ذلك الوقت ملمحا ثابتا من ملامح موسم انتشار الأنفلونزا في كل عام.

وتبين أنه ظهرت على 80 في المئة من هؤلاء المرضى، المؤشرات النموذجية، التي توجد عادة لدى من يعانون من "عواصف السيتوكين". بالإضافة إلى ذلك، كان لدى الكثير منهم، اختلافات وراثية، ربما جعلت الجهاز المناعي لكل منهم، أكثر عرضة لإصدار رد فعل مفرط، حال رصد أي فيروس يهاجم الجسم.

فقد أظهر تحليل بيانات هؤلاء المتوفين، أنه كان لدى اثنين منهم، تحور في جين يفرز بروتين يحمل اسم بيرفورين، ويُحْدِث في المعتاد ثقوبا في جدران الخلايا المصابة للقضاء عليها. ومن شأن حدوث أي تحور في الجين الذي يفرزه، عرقلة هذه العملية. لكن المشكلة أن ذلك لا يُثني الخلايا المناعية التي تتولى مهمة القضاء على الخلايا المصابة، عن مواصلة محاولة القيام بدورها، بما يجعلها – كما يقول الطبيب غرانت شولرت الذي شارك في إعداد دراسة حول متلازمة "عاصفة السيتوكين" – تنهمك "في ضرب رؤوسها في جدار الخلايا، ما يفرز كل هذه السيتوكينات، لتسبب في النهاية إحدى `عواصف السيتوكين`".

في الوقت نفسه، تبين أن لدى خمس من الحالات التي فحص كرون وزملاؤه بياناتها، تحورات في جين يسبب خللا في التعامل مع ما يُعرف بـ "النفايات الخلوية"، ما يعطل عمل بروتين بيرفورين، ويمنع الخلايا المناعية من التعامل بكفاءة مع الفيروسات الغازية.

كما اكتشف العلماء أن لدى عدد آخر من الحالات تحورات جينية، يشتبهون في أنها ربما تكون قد أثرت على عمل جهاز المناعة، وبحسب كرون، ربما تفسر هذه التحورات، أو تغيرات جينية أخرى مماثلة لها، السبب في أن نحو 20 في المئة من الأشخاص المصابين بكورونا، يعانون من أعراض مرضية حادة أو شديدة الخطورة جراء ذلك، بينما يصاب الآخرون بأعراض معتدلة، أو قد لا تظهر عليهم حتى أي أعراض على الإطلاق.

ترويض العاصفة

من هنا قد يتمثل أسلوب مواجهة "عاصفة السيتوكين" في تهدئة رد الفعل العنيف للجهاز المناعي. لذا تشكل المركبات العضوية المُنشِطة، التي يُعرف الواحد منها باسم "الستيرويد"، الخيار الأول للراغبين في علاج هذه الحالة، في ضوء أنها تعمل بوجه عام على تثبيط جهاز المناعة.

ووفقا لما يقوله كرون، لم يتضح حتى الآن، ما إذا كانت الاستعانة بهذه المركبات العضوية، ستكون مفيدة بالنسبة للمصابين بـ (كوفيد – 19) أم لا، ويمكن اللجوء كذلك إلى عقاقير دوائية، قادرة على التأثير في عمل "سيتوكينات" بعينها. ومن هنا، فإذا كان بوسعنا وصف الـ " الستيرويدات"، بأنها قنابل ذرية فيما يتعلق باستهدافها لهذه "البروتينات المتمردة"، فإن تلك العقاقير تبدو بمثابة صواريخ دقيقة التوجيه، يمكننا استخدامها ضدها. وتفيد الاستعانة بهذه الأدوية في القضاء على الـ " سيتوكينات"، وتجنب المساس في الوقت نفسه بالخلايا المناعية السليمة.

ومن بين هذه العقاقير الدوائية، "آناكينرا"، الذي يُمثل نسخة مُعدلة من بروتين يُفرز في جسم الإنسان بشكل طبيعي، ويثبط مستقبلات "سيتوكين" يُعرف باسم "أي إلي-1". وقد أقرت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة، استخدام هذا العقار لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي والالتهاب متعدد الأجهزة لدى الرضع والأطفال. كما سُمِحَ باستخدام عقار آخر يحمل اسم "غاميفينت"، من جانب من لديهم استعداد وراثي، للإصابة بمتلازمة "عاصفة السيتوكين"، وتشير أدلة أولية ظهرت في الصين كذلك، إلى أن استخدام جزيء بروتيني طوّر في المختبر ويحمل اسم "توسيليزوماب"، يمكن أن يكون مفيدا بالنسبة للمصابين بـ (كوفيد – 19).

فقد يعوق هذا الجزيء مُستقبلات "سيتوكين" يُعرف بـ "أي إل-6"، ما يؤدي لمنع الخلايا من استقبال الرسائل الموجهة منه. ويُستخدم الـ "توسيليزوماب" عادة لمعالجة التهاب المفاصل والتخفيف من أعراض متلازمة "عاصفة السيتوكين"، لدى مرضى السرطان ممن يتلقون علاجا مناعيا.

وفي أوائل فبراير/شباط الماضي، استخدم أطباء في مستشفييْن في مقاطعة آنهوي الصينية هذا الجزيء البروتيني بشكل تجريبي، لمعالجة 21 مريضا أصيبوا بأعراض (كوفيد – 19)، بشكل تراوح ما بين حاد وحرج. وأدى ذلك إلى تراجع حدة ارتفاع درجة الحرارة لديهم، جنبا إلى جنب مع انحسار أعراض أخرى في غضون أيام قليلة، ما سمح لـ 19 منهم بالخروج من المستشفى خلال نحو أسبوعين.

ويعكف الباحثون حاليا على إجراء تجارب سريرية على مواد من شأنها وقف عمل "السيتوكينات" لمساعدة المصابين بـ (كوفيد – 19). وفي هذا السياق، يخضع الـ " توسيليزوماب" لمزيد من الدراسات في كل من إيطاليا والصين. كما تشهد الدنمارك تجارب على الجزيء البروتيني نفسه جنبا إلى جنب، مع جزيء مماثل له يُطلق عليه اسم "سارليماب"، فيما يجري باحثون في إيطاليا تجارب على عقاريْ " آناكينرا" و"غاميفينت".

ويشارك المستشفى الذي يعمل فيه الطبيب روبرتو كاريكيو في ولاية فيلاديلفيا، في التجارب الجارية على جزيء "سارليماب". ويقول كاريكيو إن اللجوء إلى هذا الجزيء أدى إلى حدوث تحسن طفيف في حالة مريض كان يعاني من مرض في الرئة ومتلازمة "عاصفة السيتوكين". ويشير إلى أنه من الضروري، أن يضع الأطباء برنامجا علاجيا للتعامل مع "عاصفة السيتوكين" والعدوى الفيروسية التي سببتها كذلك.

لكن نجاح أي خطة علاجية من هذا القبيل، يستلزم أن يتم التعامل مع العاصفة وهي في طور التكون، وهو أمر لا يبدو يسيرا.

ويقول الطبيب غرانت شولرت إن "أكثر الأمور المحيرة المتعلقة بـ `عاصفة السيتوكين`" يتمثل في رصد وجودها من الأساس. ولذا ينصح هذا الرجل - مثله مثل كرون وكاريكيو - بأن يُخضع كل من تسوء حالته بشكل يدعو لدخوله المستشفى للعلاج من الإصابة بفيروس (كوفيد – 19)، لتحليل زهيد الثمن يستهدف التعرف على مستوى بروتين الفيريتين في دمه.

وإذا تصفحنا الكتيب الإرشادي المؤقت الصادر بشأن وباء كورونا من جانب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، والذي تم تحديثه في الثالث من أبريل/نيسان الماضي، سنجد أنه يشير إلى إمكانية وجود صلة بين تزايد حدة أعراض الإصابة بـ (كوفيد – 19) لدى شخص ما، وارتفاع مستويات "البروتين المتفاعل-سي" وبروتين الفيريتين في دمه، وهو الارتفاع الذي يشكل أحد مؤشرات حدوث "عاصفة السيتوكين". لكن المبادئ الإرشادية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في هذا الشأن، لا تشير إلى أي علامات مرتبطة بهذه "العاصفة".

ويؤكد كرون أنه كلما كان بوسع الأطباء علاج "عاصفة السيتوكين" المستعرة هذه بشكل أسرع، تحققت نتائج أفضل في هذا الصدد، قائلا: "إذا كان جهازك المناعي يقتلك، فستكون بحاجة للقيام بشيء ما لمواجهة ذلك".

السبب الرئيسي لحدوث عاصفة السيتوكين

اكتشف العلماء، أن سبب حدوث عاصفة السيتوكين عند بعض مرضى "كوفيد-19" هو وجود بروتين galectin-9 في دمهم. وكلما كان مستوى هذا البروتين مرتفعا، تزداد المضاعفات الخطيرة.

وقد توصل إلى هذا الاستنتاج باحثون من جامعة ألبيرتا الكندية، بعد تحليل ودراسة عينات دم 120 مصابا بمرض "كوفيد-19"، حيث اتضح لهم أن مستوى galectin-9 عند هؤلاء المرضى مرتفع جدا، مقارنة بمرضى نقص المناعة البشرية، الذين عندهم مستوى هذا البروتين يكون عادة أعلى من المعتاد.

ووفقا لنتائج هذه الدراسة، يعتبر مستوى البروتين galectin-9 في الدم مؤشرا بيولوجيا لتشخيص "كوفيد-19" ويشير إلى احتمال حدوث مضاعفات خطيرة، ويرتبط هذا البروتين بالخلايا المناعية في الجسم، التي تبدأ بإفراز السيتوكينات المسببة للالتهابات ردا على العدوى، ما يؤدي إلى إتلاف الخلايا وإفراز الجسم للمزيد من السيتوكينات. وقد تؤدي عاصفة السيتوكينات إلى وفاة المريض، خاصة وأنه حاليا لا توجد أدوية وعقاقير تكبح نشاط هذا البروتين عند الإنسان.

فيتامين B6 مفتاح منع عواصف السيتوكين

يعرف فيتامين B6 بتأثيره الوقائي ضد الأمراض المزمنة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري، وربما يكون مفتاحا للاستجابة القوية ضد "كوفيد-19"، ووجد بحث جديد أن فيتامين B6 قد يكون لديه القدرة على التخفيف من عواصف السيتوكين التي يسببها الجهاز المناعي مفرط النشاط بعد هجوم "كوفيد-19".

واستكشفت الدراسات حتى الآن فوائد فيتامينات D وC والمعادن مثل الزنك والمغنيسيوم في تقوية الاستجابة المناعية ضد "كوفيد-19". لكن الدراسات حول فيتامين B6 يمكن اعتبارها نادرة في الغالب، وتأمل عالمة الغذاء ثانوتشابورن كومرونغسي أن تكون ورقتهم المنشورة في مجلة Frontiers in Nutrition هي الخطوة الأولى لإظهار إمكانات فيتامين B6 في تقليل احتمالات حدوث عواصف خلوية.

وقالت كومرونغسي، الأستاذة المشاركة في كلية الدراسات العليا المتكاملة بجامعة هيروشيما العلوم من أجل الحياة: "بالإضافة إلى غسل يديك، يعد الطعام والتغذية من بين خطوط الدفاع الأولى ضد عدوى "كوفيد-19". والغذاء هو أول دواء لدينا والمطبخ هو أول صيدلية لنا"، وأضافت: "في الآونة الأخيرة، نشر العديد من العلماء أوراقا بحثية تتعلق بدور النظام الغذائي والعناصر الغذائية في الحماية من كوفيد-19. ومع ذلك، فإن القليل جدا من العلماء يهتمون بالدور المهم لفيتامين B6".

وأشارت هي وزملاؤها في ورقتهم البحثية إلى أدلة متزايدة تظهر أن فيتامين B6 يمارس تأثيرا وقائيا ضد الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري عن طريق قمع الالتهاب والالتهاب والأكسدة والإجهاد الكربوني.

وقالوا إن فيروسات كورونا والإنفلونزا من بين الفيروسات التي يمكن أن تسبب إصابات رئوية مميتة والوفاة بسبب متلازمة الضائقة التنفسية الحادة في جميع أنحاء العالم، وأوضحت كومرونغسي أن الجلطة (تخثر الدم) وعاصفة السيتوكين (الالتهاب المفرط) قد تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بشدة "كوفيد-19"، وتحدث عواصف السيتوكين عندما ينتقل الجهاز المناعي إلى مستوى مفرط ويبدأ في مهاجمة حتى الخلايا السليمة.

وفي الوقت نفسه، يمكن لجلطات الدم المرتبطة بـ"كوفيد-19" أن تسد الشعيرات الدموية وتضر بالأعضاء الحيوية مثل القلب والرئتين والكبد والكلى، ويعد فيتامين B6 من العناصر الغذائية المعروفة المضادة للتخثر والالتهابات. ويرتبط النقص في هذا الفيتامين أيضا بوظيفة المناعة المنخفضة وزيادة التعرض للعدوى الفيروسية.

وأوضحت كومرونغسي: "فيتامين ب 6 له علاقة وثيقة بجهاز المناعة. تنخفض مستوياته دائمًا لدى الأشخاص الذين يعانون من الالتهابات المزمنة مثل السمنة والسكري وأمراض القلب. يمكننا أن نرى من الأخبار أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة والسكري معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بـ COVID-19".

قالت الأستاذة المشاركة إنها تتطلع إلى التجارب السريرية التي من شأنها أن تختبر فرضيتها، "من الأهمية بمكان فحص ما إذا كان فيتامين B6 يمارس الحماية ضد أنواع جديدة من العدوى الفيروسية والالتهاب الرئوي التي ستواجهها في المستقبل. في الوقت الحالي، هناك القليل من المعلومات المتعلقة بالدور الوقائي للعناصر الغذائية ضد الالتهاب الرئوي وأمراض الرئة".

عقار يظهر نتائج مذهلة في وقف عواصف سيتوكين

كشفت دارسة حديثة أن عقارا يستخدم لدى الأطفال، أظهر نتائج إيجابية لعلاج مصابين بفيروس كورونا المستجد، ممن وصلوا إلى مراحل متأخرة من المرض.

الدراسة، التي نشرت في مجلة الحساسية والمناعة السريرية، بحثت الحالة الصحية لـ43 مريضا بالفيروس التاجي في ووهان الصينية في الفترة بين 9 فبراير و 28 فبراير.

الدواء يسمى Ruxolitinib وهو في الأساس يستخدم لعلاج مرض مناعي يصيب صغار السن يسمى HLH، عن طريق تهدئة رد فعل الجهاز المناعي المفرط.

وقال الباحثون من مستشفى سينسيناتي للأطفال في منطقة أوهيب، إن نسبة المرضى الذين شهدوا تحسنا في جهازهم التنفسي بعد أخذهم للعقار، كانت أكبر بعشر مرات مقارنة بأولئك الذين تلقوا علاجا وهميا، كما أن المرضى الذين لم يتناولوا العقار كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 14 في المئة من أولئك الذين أخذوه، حسب الدراسة.

ويساعد Ruxolitinib في التحكم باستجابة الجهاز المناعي وحتى في قتل بعض أنواع الخلايا السرطانية، ويأمل الباحثون أن يساعد الدواء في التصدي تماما لعواصف السيتوكين التي يعتقد أنها السبب الرئيسي في وفاة كثير من المصابين بكوفيد-19، إذ بسببها يهاجم الجهاز المناعي أنسجة الجسم ويؤدي إلى فشل الأعضاء والوفاة في أغلب الأحيان.

وقال دكتور جانغ هوانغ، اختصاصي أمراض السرطان في مستشفى سينسيناتي للأطفال "أظهر 90 في المئة من الذين تناولوا العقار تحسنا في الأشعة المقطعية في غضون 14 يوما" مقابل عشرة في المئة فقط من المجموعة الضابطة.

وتوفي ثلاثة مرضى في المجموعة الضابطة، بسبب فشل في الجهاز التنفسي، بينما لم تحدث أي وفيات بين المصابين الذين تناولوا الدواء الذي لا يزال بحاجة إلى اختبارات في مجموعات أكبر من المصابين.

"نعتقد أن الدواء الحالي سيساعد في إنقاذ أرواح. لذا نعمل على دعه إلى الأمام، حتى يتاح إنتاج لقاح فعال للجميع"، حسب قول هوانغ الذي أضاف أن "هذا هو العلاج الأول الذي نعرفه ويبدو أنه يعمل بشكل فعال لتهدئة عاصفة السيتوكين والالتهابات الناجمة عن مرض COVID-19 الحاد، ولا توجد أعراض جانبية كبيرة للذين يتناولون حبتين في اليوم".

جديد اختراعات كورونا.. جهاز يتنبأ بـالعاصفة

أدرك الأطباء في وقت مبكر من جائحة "كوفيد – 19"، أن المرضى الذين طوروا "عاصفة خلوية"، وهي زيادة في البروتينات المناعية (السيتوكينات) المسببة للالتهابات، كانوا في الغالب الأكثر مرضاً والأكثر عرضة لخطر الوفاة، ولكن يمكن أن تحدث عاصفة خلوية أيضاً في أمراض أخرى، مثل الإنفلونزا.

وللكشف المبكر عن هذه العواصف الخلوية، أعلن العلماء عن النتائج الأولية لجهاز استشعار العرق الذي يمكن أن يساعد الأطباء في علاج المرضى بشكل أكثر فاعلية، وقدم الباحثون نتائجهم أول من أمس في اجتماع الربيع الخاص بالجمعية الكيميائية الأميركية. تقول شاليني براساد، الأستاذ بقسم الهندسة الحيوية والهندسة الطبية الحيوية بجامعة تكساس: "في سياق (كوفيد - 19)، إذا كان بإمكانك مراقبة السيتوكينات المسببة للالتهابات ورؤيتها تتجه نحو الأعلى، فيمكنك علاج المرضى مبكراً، حتى قبل ظهور الأعراض".

ويعد الاكتشاف المبكر مهماً لأنه بمجرد إطلاق العنان لعاصفة خلوية، يمكن أن يؤدي الالتهاب المفرط إلى إتلاف الأعضاء، مما يتسبب في مرض شديد وموت. وفي المقابل، إذا تمكن الأطباء من إعطاء علاجات الستيرويد أو غيرها من العلاجات بمجرد أن تبدأ مستويات السيتوكين في الارتفاع، يمكن تقليل حالات الوفيات. وعلى الرغم من أن اختبارات الدم يمكن أن تقيس السيتوكينات، فإنه يصعب إجراؤها في المنزل، ولا يمكنها مراقبة مستويات البروتينات باستمرار.

وتفرز السيتوكينات في العرق بمستويات أقل من الدم، ولجمع كمية كافية من العرق للاختبار يطلب العلماء من المرضى ممارسة الرياضة، أو يقوموا بتطبيق تيار كهربائي صغير على جلد المرضى. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات نفسها يمكن أن تغير مستويات السيتوكين. وتضيف براساد: "وجدنا أن على الشخص قياس السيتوكينات في العرق السلبي، لكن التحدي الكبير هو أننا لا نتعرق كثيراً، خاصة في البيئات المكيفة، فمعظم الناس ينتجون نحو 5 ميكرولتر فقط، أو عُشر قطرة، من العرق السلبي في 0.5 بوصة مربعة من الجلد في 10 دقائق".

لذلك أراد الباحثون تطوير طريقة حساسة للغاية لقياس مستويات السيتوكين بكميات ضئيلة من العرق السلبي، واعتمدوا على عملهم السابق على جهاز استشعار العرق القابل للارتداء لرصد علامات مرض التهاب الأمعاء. ويقيس الجهاز الذي يشبه ساعة اليد مستويات البروتينين اللذين يرتفعان خلال نوبات التهاب الأمعاء. وعند ارتداء الجهاز على الذراع، ينتشر العرق السلبي على شريط مستشعر متصل بقارئ إلكتروني، وشريط المستشعر الذي يحتوي على قطبين كهربائيين مغطى بأجسام مضادة ترتبط بالبروتينين. ويؤدي ارتباط البروتينات بأجسامها المضادة إلى تغيير التيار الكهربائي المتدفق عبر القارئ الإلكتروني، ثم ينقل القارئ هذه البيانات لاسلكياً إلى تطبيق هاتف ذكي يحول القياسات الكهربائية إلى تركيزات البروتين. وبعد بضع دقائق، ينتشر العرق القديم، ويدخل العرق المفرز حديثاً إلى الشريط لتحليله.

وبالنسبة لمستشعر السيتوكين الجديد، المسمى "جهاز استشعار العرق Dx"، صنع الباحثون شرائح استشعار بأجسام مضادة ضد 7 بروتينات مؤيدة للالتهابات، وقاموا باختبارها على 6 أشخاص أصحاء، و5 أشخاص مصابين بالإنفلونزا، وأظهر اثنان من المرضى مستويات عالية من السيتوكينات. وفي جميع المشاركين، كانت السيتوكينات في العرق السلبي مرتبطة بمستويات البروتينات نفسها في البلازما. وكان "جهاز استشعار العرق Dx" حساساً بدرجة كافية لقياس السيتوكينات في المرضى الذين يتناولون الأدوية المضادة للالتهابات، والذين يفرزون السيتوكينات في نطاق تركيز منخفض "بيكوغرام لكل مليلتر"، ويقوم الجهاز بتتبع مستويات السيتوكين لمدة تصل إلى 168 ساعة، قبل أن يلزم تغيير شريط المستشعر.

وتخطط الباحثة شاليني براساد، بالشراكة مع زملائها، لإجراء تجارب سريرية لمستشعر السيتوكين في الأشخاص المصابين بالتهابات الجهاز التنفسي. وتقول براساد: "كان الوصول إلى مرضى (كوفيد - 19) تحدياً لأن العاملين في مجال الرعاية الصحية مرهقون، وليس لديهم الوقت لاختبار أجهزة الفحص، لكننا سنستمر في اختباره لجميع التهابات الجهاز التنفسي لأن ما يهمنا هو مراقبة السيتوكينات".

علاج عاصفة السيتوكين في كوفيد-19

الى ذلك كشفت الأبحاث الحديثة وجود فترة حرجة تمتد نحو 5-7 أيام بين وقت تشخيص كوفيد-19 وحدوث متلازمة فشل الأعضاء المتعدد MODS، ويميل نحو 80% من المرضى إلى التحسن بعد هذه الفترة بينما سيعاني 20% منهم التهابًا رئويًا حادًا ونحو 2% منهم لن يتمكنوا من الصمود وسوف يموتون.

تدرس مجموعة كبيرة من العلاجات المضادة للالتهابات لعلاج عاصفة السيتوكين في كوفيد-19، وذلك للحد مباشرة من الآثار الضارة التي قد تحدثها عاصفة السيتوكين في المرضى الذين ثبتت إصابتهم بكوفيد-19، وقد أوصى الباحثون بإعطاء العلاج المناعي فورًا في وقت تشخيص عاصفة السيتوكين.

تتضمن بعض استراتيجيات العلاج المناعي المُقترحة إبطال مفعول الأجسام المضادة التي نستطيع الحصول عليها من بلازما المرضى المتعافين من عدوى كوفيد-19، إضافة إلى استخدام مثبطات IFN ومثبطات الفوسفوليبيد المؤكسد OxPL ومضادات مستقبلات فوسفات السفينغوليبيدات S1P1.

مازلنا بحاجة إلى المزيد من الدراسات السريرية للوصول إلى تقييم شامل لقدرة هذه الخيارات العلاجية على تثبيط عاصفة السيتوكين التي يسببها كوفيد-19.

اضف تعليق