q
التوازنات بين القوى الإقليمية هي جزء من تكوينات وعناصر النظام العالمي الجديد، فكل قوة دولية تبحث عن عناصر ومقومات لكي تمكنها من مجاراة القوى الدولية الأخرى، كما ان من المتعذر على اي قوة دولية ان تحقق مصالحها في جميع انحاء العالم بشكل منفرد، معتمدة على قوتها...

تسبح الدولة في نظام إقليمي لا يمكن ان تسلخ نفسها عنه، فهي جزء لا يتجزأ منه تتأثر وتؤثر فيه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما ان هذه النظام الإقليمي هو جزء من نظام اعم واشمل، إلا وهو النظام العالمي الذي يتكون من مجموع الدول والمنظمات الرسمية وغير الرسمية، فضلا عن الشركات متعددة الجنسيات. هذه التراتبية الهرمية جعلت من الدولة وسياساتها وإمكانياتها ومصالحها، هي التي تحدد موقعها في النظام الإقليمي، ومن ثم النظام العالمي، كما ان القوى والتوازنات الإقليمية اصبحت أكثر ترابط بالقوى والتوازنات الدولية في ظل النظام العالمي الجديد الذي يطغى عليه صفة العولمة والاندماج بين وحداته.

لذا تكمن أهمية هذا الموضوع في البحث عن طبيعة الترابط بين النظام الإقليمي والنظام الدولي، وطبيعة التوازنات على المستويين الإقليمي والدولي، فضلاً عن التأثير الذي تؤديه القوى الإقليمية على القوى الدولية، والعكس بالعكس. وتبعا لذلك وللوصول إلى نتائج علمية، سوف نأخذ نموذج لقوتين دوليتين متنافستين على الصعيد الدولي وهما: الولايات المتحدة والصين، ونأخذ كذلك قوى إقليمية في اطار الشرق الأوسط وهما: إيران، والسعودية، وتركيا، واسرائيل.

اولاً: طبيعة النظام الإقليمي والعالمي

هناك اختلاف في الرؤى حول تحديد مفهوم النظام الإقليمي، فيحدده البعض بمكان جغرافي معين يجمع مجموعة من الدول، وهناك من يرى هذا النظام هو عبارة عن مجموعة دول تجمعها ثقافة متشابها وتاريخ متقارب ولغة واحد. وعلى الرغم من هذا الاختلاف في وجهات النظر إلا ان هناك خصائص متفق عليها في مفهوم النظام الإقليمي، إذ يقصد بالنظام الإقليمي على أنهُ مجموعة التفاعلات الدولية في منطقة ما تحدد على اساس جغرافي، وهو تابع بشكل غير مباشر للنظام الدولي، لذا يطلق عليه بعض الباحثين النظام الدولي التابع.

اما النظام الدولي، فيقصد به أنماط التفاعلات الدولية على مستوى القمة بين الدول الكبرى. وعلى الرغم من ظهور وحدات جديدة مكونه لهذا النظام الدولي مثل الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية، إلا ان الدولة تبقى هي محور النظام الدولي والمفسرة للعلاقات داخل هذا النظام.

بدأت دراسة العلاقات الدولية وتفاعلاتها مع دراسة علاقـات القـوة في المجتمعـات والـنظم الـسياسية منـذ عـابر الأزمـان، وجـرت محـاولات تاريخيـة لتفـسير الـسياسية مـن خـلال تحليل علاقات القوة داخل المجتمعـات المختلفـة، فـآراء أفلاطـون حـول العدالـة تـشمل الكثـير مـن الإشـارات المبكـرة لمفهـوم القـوة وتحلـيلات أرسـطو للدسـاتير اليونانيـة دارت في جـزء كبـير منهـا حـول مفهـوم القـوة ولـو مـن ناحيـة فلـسفية فـإن الفكـر الرومـاني قـد تنـاول مفهـوم القـوة وعلاقات القوة بالتشريع والموارد والجيش وتوظيفهم من اجـل التمـدد والنفـوذ وجـني المنـافع، واعتبر المفكرون أن القوة تمثل ركيزة أساسية لفكرة العدل والحق. وفي العصور الوسطي ارتبط مفهوم القوة الدينية سواء بالكنيسة في الغرب أو السلطة الدينية في الشرق وفي عـصر النهـضة والـتي شـهدت الأفكـار الميكافلليـة والعقيـدة الراتزليـه العـسكرية شكلت القوة المحور الأساسي في قيام النظم الإقليمية المفروضة على الآخرين.

فمنذ صلح وستفاليا عام 1648، تم بناء النظام العالمي على وفق اقطاب متعددة الذي اطلق عليه اصطلاحا "توازن القوى"، هذا النظام الذي يمكن ان نطلق عليه النظام الإقليمي الدولي استمر إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، التي اطاحت بهذا التوازن ورسمت نظاما إقليميا ودوليا جديدا قائم على القطبية الثنائية (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي)، هذا النظام القائم على توازن القوى بين دولتين فقط وهي المتحكمة في مجريات التوازن الإقليمي عن طريق التبعية السياسية للدول الأخرى، إلا ان الحرب الباردة كانت نقطة التحول في أفول هذا النظام، حيث ان انتهاء هذه الحرب كانت ايذانا بتفكك الاتحاد السوفيتي، هنا بزغت السلطة الواحدة المتربعة على النظام العالمي والإقليمي وهي الولايات المتحدة.

كل هذه الانماط من التوازن الذي مر به النظامين الإقليمي والدولي كانت تعول على القوة العسكرية في فرض سيطرتها وتحقيق أهدافها ومكاسبها. أما الآن وبعد الثورة التكنولوجية الهائلة والرفض الإقليمي لسيطرة الولايات المتحدة على النظام العالمي بدأ يظهر نظام جديد اشبه بنظام تعدد الاقطاب، هذا ترافق مع المفهوم الجديد للقوة ومصادر القوة، حيث برزت القوة الاقتصادية والتكنولوجية كعناصر أساسيه ومحدد في قوة الدولة، وبدأ التنظير يتحدث عن أن القوة الاقتصادية والتكنولوجية إلى جنب القوة العسكرية هي التي تحدد قوة الدولة وموقعها في النظام الإقليمي والدولي للقرن الحادي والعشرين.

ثانيا: توازنات القوى الإقليمية والقوى الدولية

تعد القوة الاقتصادية والمالية والتجارية والموارد الطاقوية، من أهم دعامات المكانة الإقليمية والدولة في القرن الحادي والعشرين، فالقدرات الاقتصادية التي يتم توظيفها كقوة، من شأنها ان تكون مرتكزا لإدامة جوانب القوة الأخرى، سيما العسكرية والتكنولوجية، هذا هو حال القوى في النظام الإقليمي والنظام الدولية، إذ تصبح الدولة ذات قوى إقليمية عبر امتلاكها جوانب عدة من مقومات القوة، وأهما الموارد الاقتصادية والطاقوية، التي تجعل منها لاعبا مؤثرا على الساحة الإقليمية.

ليس هذا فحسب، فلا يكفي ان تكون الدولة لاعبا وقوة إقليمية مؤثر بكونها ذات مكانة جغرافية استراتيجية، أو انها دولة ذات اقتصاد كبير، بل يحتاج ذلك ايضا ان تكون مندمجة في تكتلات وتحالفات دولية، خاصة في وقتنا الحاضر، فكلما كانت الدولة لها تحالفات ومعاهدات مع القوى الدولية، كان لها وافر الحظ في ان تكون قوة اقليمية منافسة للدول المجاورة لها.

وبما ان ورقتنا قد اتخذت بالشرق الأوسط نموذجا، للوصول إلى النتائج بشكل مبسط، فسوف نتطرق إلى توازنات القوى داخل الشرق الأوسط، من خلال اخذ الدول التي تعد لاعبا اساسيا في حلبة إقليم الشرق الأوسط.

1- إيران: تعد إيران من الدول المؤثرة في سياسات النظام الإقليمي، وذلك من خلال المقومات الكثيرة التي تتمتع بها، فهي ذات موقع جغرافي متميز جدا، فهي تقع بين دول الخليج العربي، ودول اوروبا الشرقية، كما تُعد من الدول النفطية، وتصنف ثاني أكبر احتياطي في الغاز الطبيعي، كما تمتلك إيران تحالفات إقليمية ودولية عديدة، فهي حليف استراتيجي لروسيا، والصين، والعراق، والبنان، وسوريا، واليمن، وغيرهم.

فضلاُ عن ذلك، فهي تسيطر على أكبر ممر للتجارة الدولية، عبر مضيق هرمز، ناهيك عن القوة العسكرية التي تمتلكها، وهي تُعد متطورة تكنولوجيا قياسا بالدول المحيطة بها، باعتبارها من الدول النووية.

2- تركيا: بغض النظر عن تاريخ تركيا، فقد برزت تركيا كقوة إقليمية في الآونة الأخير، وهذه القوة متأتية من عضويتها في حلف الناتو، وحجم جيشها، كما تعد تركيا قوة اقتصادية صاعدة، على الرغم من أنها ليس دولة ذات موارد اقتصادية وفيرة، لكن تعتبر تركيا عقدة مفصلية لمرور الغاز الطبيعي إلى أوروبا، فمنحها هذا الدعم الكامل لتكون قوة إقليمية مؤثرة.

3- اسرائيل: تعد اسرائيل قوة اقليمية فعلية، على الرغم من كونها دخيلة على منطقة الشرق الأوسط، لكن بفضل علاقتها مع الولايات المتحدة، والتي تعد العراب للكيان الصهيوني، وبفضل المصالح المشتركة بين الجانبين، وبدعم امريكي استطاعت اسرائيل ان تكون من الدول النووية، وان تمتلك قوة عسكرية متطورة جدا، قياسا بالدول المحيطة بها، فضلا عن ذلك فهي تمتلك اقتصاد يتناسب مع وضعها.

4- المملكة العربية السعودية: تصنف السعودية على رأس الدول النفطية في العالم، هذا جعل منها ذات قوة مالية واقتصادية كبيرة، كما تمتلك السعودية قوة عسكرية ومنظومة دفاع متطورة، كذلك تمتلك السعودية تحالفات ومعاهدات كثيرة سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولية، خاصة أنها تُعد حليف إستراتيجي للولايات المتحدة الامريكي، وبفضل امتلاكها الوفير للنفط والغاز فهي تملك دور القائد في منظمة أوبك (OPEC) ومنظمة الدول العربية المصدرة للنفط (الأوابك)، إذ لا يمكن القفز على دورها في اطار المجموعة الخليجية، لذا فهي تعد قوة إقليمية فاعلة في الشرق الاوسط.

هذه الدول الأربعة ومن خلال ما تملكه من مقومات، فهي التي يدور في فلكها التوازنات في الشرق الاوسط في الوقت الحاضر، أما التوازنات على مستوى النظام الدولي، فيتحقق من خلال القوة التي يتملكها هذا الطرف أو ذاك، وعبر التأثير المتبادل بين اعضاء النسق الدولي، والفعل وردة الفعل. فيدور التوازن الدولي في الوقت الراهن في فلك الدول الثلاث الآتية:-

1- الولايات المتحدة: على الرغم من بروز قوى دولية جديدة، إلا ان الولايات المتحدة لا تزال اللاعب الرئيس وذات التأثير الأكبر في النظام الدولي، فهي تمتلك مقومات القوة الشاملة، حيث أنها تمتلك قوة عسكرية متطورة جدا، وقوة تكنولوجية فائقة، فضلا عن قيادتها لحلف شمال الاطلسي، ولمجموعة من المنظمات الدولية، من مثل، النافتا، كما ان عملتها تعد عملة لتسوية المعاملات الدولية، لذا فهي تصنف أكبر اقتصاد في العالم.

2- الصين: سارت الصين بخطى ثابتة، تحكمها المصلحة والوعي بالواقع الجيو-سياسي الجديد الذي يتطلب حنكة دبلوماسية، فانطلقت من القوة الاقتصادية في تطوير المجالات الأخرى من قوتها، فأصبحت عبر دبلوماسيتها شريكا تجاريا لثلثي دول العالم، فحققت بذلك شبكة كبيرة من العلاقات الدولية والتحالفات الثنائية، وتمتلك الصين اقتصادا متطورا وينمو بشكل سريع جدا، وهي عضو في الكثير من التكتلات الاقتصادية العالمية، ومن أهما، منظمة شنغهاي والبريكس.

3- روسيا الاتحادية: بغض الطرف عن مكانة روسيا قبل القرن الحادي والعشرين، فإن روسيا بثوبها الجديد بدأت تزاحم الولايات المتحدة في السيطرة على النظام العالمي الجديد، وذلك عبر بناء شبكة كبيرة من التحالفات السياسية والاقتصادية، مع دول عدة، ومن ابرزها؛ إيران، الصين، سوريا، دول بحر قزوين، وغيرها. فضلاً عن ذلك فهي دولة ذات موقع جغرافي متميز، وذات موارد اقتصادية وفيرة واهما؛ النفط والغاز، كما أنها عضو دائم في مجلس الأمن، ومجموعة تكتلات اقتصادية، أهما؛ الاتحاد الاوراسي، وشنغهاي، والبريكس.

ثالثا: التوازنات الإقليمية وانعكاسها على مكاسب القوى الدولية

يقول "مارتن بيك"، أستاذ دراسات الشرق الأوسط المعاصرة في جامعة هامبورج بألمانيا، في احد مؤلفاته: "إن منطقة الشرق الأوسط لم تفرز قوى إقليمية حرة، وإنما ظهرت تلك القوى نتيجة تأثيرات متداخلة ومعقدة لعوامل داخلية وخارجية، وإن أقوى اللاعبين السياسيين في الشرق الأوسط ليسوا أولئك الذين يعتبرونه بيتهم، ولكن أولئك الموجودون خلف المحيط الأطلنطي في الولايات المتحدة، وقبل ذلك القوى الاستعمارية كفرنسا وبريطانيا إبَّان الحرب العالمية الثانية".

ونحن نضيف على ذلك، فنقول: إن توازن القوى ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في جميع المناطق والأقاليم، هو متأتي ومترابط مع التوازنات التي تحصل على المستوى الدولي بين القوى الدولية. فعن طريق الترابط والتشابك داخل النظام العالمي، فإن التوازنات على المستوى الدولي ترتبط وتعتمد بطريقة مباشرة على التوازنات بين القوى الإقليمية، ولكي ينعكس التوازن الإقليمي على توازن ومكاسب القوى الدولية فلا بد من وجود شروط تتعلق بالطرفين القوى الإقليمية والدولية، ويمكن اجمالها بالأتي:-

‌أ. أهمية الطرف الإقليمي: يجب ان يكون للطرف الإقليمي أهميته وقدرته العسكرية والاقتصادية والجغرافية، لكي يستطيع أداء دوره لصالح القوى الدولية، وليحقق لنفسه مكاسب داخليه إقليمية.

‌ب. إدراك القطب الدولي لأهمية توازن القوى الإقليمية: تشارك الاقطاب الدولية بشكل غير مباشر في الصراعات الإقليمية، من اجل زيادة مكاسبها ودعم مكانتها في توازن القوى العالمي، وهي لا تخوض هذا الصراع، إلا إذا أدركت أهمية الصراع المحلي، ووجدت الطرف الإقليمي المناسب، الذي ينبغي دعمه والاستفادة من دوره.

‌ج. وجود مصالح مشتركة بين القوى الإقليمية والقوى الدولية: هذه المصالح ربما تكون مصالح اقتصادية أو سياسية او عسكرية...إلخ، فمن دون وجود المصالح، يغدو التحالف هشا ومؤقتا (مرحليا)، وكلما كانت المصالح أكثر كلما كان هذه التحالف أكثر تماسك.

ففي نموذجنا (الشرق الأوسط)، نلحظ ان هناك حالة من توازن القوى بين الدول الاربعة الآنفة الذكر، (إيران، السعودية، تركيا، اسرائيل)، إذ تتمتع منطقة الشرق الأوسط بمكانة استراتيجية كبيرة، وذلك لما تمتلكه من مقومات اقتصادية وجغرافية، بل وحتى سياسية، تجعل منها منطقة تزاحم بين القوى الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من المميزات التي تتمتع بها هذه المنطقة، إلا ان هناك ميزتين تجعلها ذات بريق بالنسبة للقوى الدولية، وهما: المصادر الطاقوية (النفط والغاز)، والممرات المائية.

ادركت الولايات المتحدة مبكراً أهمية هذه المنطقة، كما تسعى الصين في الآونة الاخيرة للتدخل كقوة دولية صاعدة في الشرق الأوسط، حيث ان هذه المنطقة تعد من المُصدرين الرئيسيين للنفط لكل من الولايات المتحدة والصين، وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة قد استطاعت ان تُصنع النفط في الآونة الاخيرة لُتلبي معظم استهلاكها، إلا ان وجود اسرائيل في المنطقة والممرات الرئيسة للتجارة العالمية، والأسواق الناشئة في هذه المنطقة، تجعلها ذات اولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الامريكية.

كذلك الحال بالنسبة للصين، إذ يعد النفط والغاز، والأسواق الناشئة والكبيرة في المنطقة، من أهم المصالح الاقتصادية للصين، وبما ان الصين قوى دولية صاعدة ومزاحمة للولايات المتحدة في السيطرة على النظام العالمي الجديد، فعليها ان تتحالف مع قوى إقليمية في هذه المنطقة وتكون الداعمة لها، لتحقيق مصالح المتبادلة.

إذن، تتنافس القوى الدولية (الولايات المتحدة، والصين) على هذه المنطقة، كما تتنافس القوى الإقليمية (إيران، السعودية، تركيا، اسرائيل) على هذه المنطقة للسيطرة عليها ومن ثم السيطرة على مواردها وأسواقها.

وجدت الولايات المتحدة في كل من المملكة العربية السعودية، فضلاً عن اسرائيل، الشريك والجناح الإقليمي الذي يمكن ان تدعمه للسيطرة على هذه المنطقة، وبالمقابل وجدت الصين القوى الدولية الصاعدة، الدول ذات الايديولوجية المتضادة مع امريكا وهي (إيران، وتركيا)، لتكون الشريك التجاري والاستراتيجي لها ودعمها لتحقيق مصالحها في المنطقة.

إن هذه القوى الدولية بقدر حاجتها إلى هذه القوى الإقليمية لتحقيق مصالحها في المنطقة وتثبيت مكانتها الدولية، فإن القوى الإقليمية ايضا هي بحاجة إلى دعم هذه القوى الدولية التي تمتلك التكنولوجيا والقوى على الصعيد العالمي لتحقيق حالة من التوازن مع الدول المجاورة والحصول على نصيبها من المصالح.

لنأخذ مبادرة "الحزام والطريق"، كمثال توضيحي، على انعكاس التوازن الإقليمي على المكاسب التي تحققها القوى الدولية، إذ طرحت الصين مبادرة "حزام واحد طريق واحد" لربط اقتصادها باقتصاد الدول الأخرى، هذه المبادرة من شانها إذا طبقت أن تحقق للصين مكاسب كثيرة، منها:-

• دمج اقتصادات الدول بشكل مباشر بالاقتصاد الصيني، أي تبعية اقتصادية.

• تأمين مصادر الطاقة، خاصة النفط والغاز الطبيعي.

• إن هذه المبادرة سوف تجعل من الاقتصاد الصيني الاقتصاد الأول في العالم.

• ايجاد اسواق كثيرة لتصريف منتجاتها المتنامية.

• فتح آفاق كبيرة لشركاتها الاستثمارية في جميع الدول داخل هذه المبادرة.

• وبفضل التعاملات الكبيرة مع الصين، يمكن ان يصعد "اليوان" ليكون عملة عالمية.

أما على المستوى السياسي، سوف تكون الصين قوة ضاغطة على القرارات السياسية على مستوى الاقليم ومن ثم المستوى العالمي بحكم قوتها الاقتصادية. إي تدعم القرارات والقوانين التي تخدم مصالحها، وتكبح القرارات السياسية والتشريعات التي لا تصب في مصلحتها.

لم تكن تجرؤ الصين على طرح هذه المبادرة التي هي وبلا شك، تصب ضد المصالح الامريكية في منطقة الشرق الأوسط، لولا ان الصين قد استفادت من التوازنات الإقليمية، التي هي داعمة لإحدى اطرافها، مما هيأ لها الظروف الإقليمية والدولية المناسبة لطرح هذه المبادرة.

ختامًا، يمكن القول أن التوازنات بين القوى الإقليمية هي جزء من تكوينات وعناصر النظام العالمي الجديد، فكل قوة دولية تبحث عن عناصر ومقومات لكي تمكنها من مجاراة القوى الدولية الأخرى، كما ان من المتعذر على اي قوة دولية ان تحقق مصالحها في جميع انحاء العالم بشكل منفرد، معتمدة على قوتها وإمكانياتها لفرض نفوذها وتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، لذا كان من الملائم ان تتبع هذه القوى الدولية هذه الاسلوب في السيطرة على النظام الدولية وتحقيق مصالحها في جميع الاقليم، كما ان اسلوب التوازنات الإقليمية في تحقيق مصالح القوى الدولية هو اكثر ضمانا في عدم التصادم المباشر بين القوى الدولية.

* باحث عراقي في الاقتصاد السياسي

اضف تعليق