q
بين التأجيل والمضي بإجراء الانتخابات، يتأرجح الفاعل السياسي العراقي بين خياراته المحدودة، ويتأرجح معه الوسط الاجتماعي الذي تقلصت دوافعه للمشاركة، سيكون اجراء الانتخابات في موعدها، العاشر من تشرين الاول، ابراء لذمة الحكومة واداء لأكبر مهمة تحملتها غداة تكليف رئيس الوزراء، فاذا جاءت الانتخابات مقبولة بمعايير الديمقراطيات...

بين التأجيل والمضي بإجراء الانتخابات، يتأرجح الفاعل السياسي العراقي بين خياراته المحدودة، ويتأرجح معه الوسط الاجتماعي الذي تقلصت دوافعه للمشاركة، سيكون اجراء الانتخابات في موعدها، العاشر من تشرين الاول، ابراء لذمة الحكومة واداء لأكبر مهمة تحملتها غداة تكليف رئيس الوزراء، فاذا جاءت الانتخابات مقبولة بمعايير الديمقراطيات، وتحصلت على درجات الشرعية المطلوبة تكون الحكومة قد اوفت بالتزاماتها وحققت اكبر اهداف تشكيلها وهو اجراء انتخابات نزيهة ذات صفة تمثيلية واسعة، تساعد في ترميم صورة النظام السياسي واخراج العراق من حالة الانسداد والجمود.

كان هدف اجراء الانتخابات المبكرة، هو تحسين شروط التمثيل السياسي وشمول قوى الاحتجاج والاصلاح والتغيير والثورة بمظلة التمثيل والمشاركة والفاعلية القادرة على ترسيم مكونات السلطة بأفق جديد يستجيب لداعي السخط والاحتجاج الكبير الذي ابتدأ في تشرين الاول 2019، لكن حينما تطلب الامر عاما ونصف العام لكي تستجيب القوى الماسكة بالسلطة لشرط اجراء الانتخابات كمخرج من حالة التعارض والاختلاف وهيمنة فاعلين سياسيين محددين على المشهد السياسي، تضاءلت اهمية الانتخابات كأداة من ادوات التغيير واصبح الذين تحمسوا بالامس لاجراء الانتخابات متثاقلين ومتباطئين، لانهم اكتشفوا ان التغيير المنتظر لن يأتي عبر صندوق الاقتراع كما كان متوقعا.

فيما أندفعت القوى التي كانت تخشى الانتخابات ونتائجها، لتغدو متحمسة للديمقراطية ومخرجاتها بعدما تيقنت ان (شرعيتها) لن تُخدش كثيرا، بل انها ستكسب من اجراء الانتخابات في موعدها المحدد، فاتجهت الى بناء ستراتيجيتها الانتخابية برص الصفوف وتوجيه الشارع المؤيد لها، وشحنه بشحنات الحماسة المطلوبة. في ظل هذه الاجواء صار الذهاب المبكر الى الانتخابات مشكلة وعدم اجرائها مشكلة أكبر، وفي كلا الحالتين كان النظام السياسي هو الذي يخسر ويستمر نزيف البلاد سياسيا وامنيا وسياديا.

تحتاج الديمقراطيات الناشئة الى سنين طوال لتتعلم ثقافة الديمقراطية وفكرها واشتراطاتها الكثيرة، وتذهب الدول الى اجراء انتخابات مبكرة كلما شعرت ان الاختلاف بين الاحزاب المشاركة صار كبيرا وان التمثيل الحزبي لم يعد معبرا عن قوى الشارع واتجاهاته الجديدة ومطالباته المتغيرة المتكاثرة، تأتي الانتخابات لتعيد التفويض مجددا الى الاحزاب والقوى الفائزة ولترجح رؤية قبال اخرى، فالدورات الانتخابية هي في جوهرها اعادة تشكيل للسلطات وفق معايير التمثيل النسبي عن الاتجاهات السياسية العامة.

ولان الانتخابات المزمع اجراؤها في الخريف القادم، يراد لها حسم الصراع السياسي في البلاد عبر الية الاقتراع العام، فان فتور الحماسة الشعبية ومقاطعة قوى سياسية كبيرة وصغيرة والتشكيك المبكر بعدم النزاهة واليأس من توقع تغيير جدي وحاسم في الخريطة السياسية التي ستنبثق عنها، كل ذلك سيترتب عليه شروخ في التمثيل السياسي، ونقص في الشرعية، وضعف في قاعدة النظام السياسي الجماهيرية، وتراجع عن الممارسة الديمقراطية (على الاقل في شقها المتعلق بصندوق الانتخابات)، اي ان ما أُريد منه ليكون مدخلا لاصلاح احوال البلاد، لم يكن بمستوى ماعُول عليه، وان التركيبة السلطوية التوافقية ستعيد انتاج الحكم بالطريقة التي الَفَتْها ،فلا كتلة كبيرة وازنة تقود، ولا اتفاق واضح بنحو الصيغ الائتلافية التي تتبلور لقيادة البلاد الى مسار جديد، يستجيب للالحاح الشعبي، ويفتح نافذة في جدار العمى السياسي الذي يحيط بالبلاد بلا بصيرة، ولا رؤية تعيد وصل الاجزاء المتنافرة المتباعدة.

ان السلطة هي ما يوحد ويجمع القوى التي تسعى الى الحكم بكل قوتها واموالها واجهزة دعايتها، واذا شعرت كتلة او حزب ان حصتها من هذه السلطة في طريقها الى التغيير، فانها لن تتوانى عن استخدام ادوات العنف السياسي الناعمة والخشنة لوقف هذا السيناريو، لذلك لا مناص من جهد كبير وحوار عقلاني لتقريب اراء الاحزاب او الكتل قبل اجراء الانتخابات.

اذ من شان المقاطعات الواسعة والمشاركة المتدنية، ان تعيد بناء الازمة السياسية بصورة اكثر استحكاما واشد انقساما، وهذا هو السيناريو الاكثر خطورة، الذي سيترتب على اجراء انتخابات باردة مطعون بها.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق