q

تثير الهجمات التي يشنها داعش على مساجد الشيعة في الخليج قلقاً متزايداً من أن تتوسع دائرة الصراع لتشمل الدول الامنة الى الآن من خطر داعش، مثلما يبعث على الكثير من الاسئلة حول اولوية داعش في تفجير المساجد، خاصة المدن التي تتزايد فيها نسبة وجود الشيعة.

ومع اختيار التنظيم السني المتطرف الذي يعتبر الشيعة كفارا توجيه ضرباته أثناء صلاة الجمعة، فإن الأعصاب مشدودة في أنحاء المنطقة عشية يوم جمعة آخر.

ويعمل دعاة سعوديون وخليجيون على خطاب كراهية يحرض على قتل الشيعة، ليصبحوا مع الإرهاب في جبهة واحدة ضد المسلمين الشيعة.

ويقول الكاتب والمحلل الأمني مؤيد بلاسم في حديث لـ"المسلة"، "الاستهداف التكفيري لدور عبادة من يخالف العقيدة التكفيرية تنطلق من أساس تاريخي قائم على فتاوى ابن تيمية في تهديم مقدسات من يختلف معهم".

ويلفت "فتاوى ابن تيمية في إبادة المخالفين له تعج بها كتبه وخصوصا كتابه الشهير، منهاج السنة الذي توزعه السلفية بكل أنواعها ( لمية وجهادية) مجانا".

وتنطلق النظرة التكفيرية من اعتبار المسلم المخالف بمنهجهم كافرا مهدور الدم ولا قيمة لنفسه ولا أهمية لحياته. وقد ساعدت وسائل الإعلام الخليجية في ترسيخ تلك الصورة النمطية للمقدسات الشيعية.

ويضيف ان "استهداف المساجد ودور العبادة ينطلق من افتراض يروجه الدواعش على انها معابد شرك وأن قاصديها هم مجموعة مشركين سواء كانوا شيعة أو مسيح أو حتى سنة".

وبالمقابل، ففي باكستان استهدفت مساجد الشيعة وحتى السنة البهيرلوية الصوفية، دوريا، وكذلك في العراق باستهداف متكرر ضد مقدسات المسلمين الشيعة منذ 2003 وتصاعدت مع استهداف مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام وامتدت لسوريا في استهداف أضرحة الصحابة والأولياء.

وتصوّر قناتا "صفا" و"وصال" السعوديتين أن حسينيات الشيعة هي أوكار للشرك والفجور وعبادة اهل البيت، وتفبرك تسجيلات مزورة حول حفلات رقص وفجور يصدقها الجمهور العربي المغيب عقليا خلف خطاب الكراهية الذي تبثه مستغلة الخلافات السياسية والتوتر الطائفي.

من جانبه، يؤكد الخبير في شؤون الحركات الإسلامية كمال حبيب أن "داعش تعتبر وجود الشيعة في جزيرة العرب مناقضاً للإسلام، فهم روافض في نظرهم ولا يحق لهم الوجود في شبه الجزيرة العربية".

ويتابع بأن "داعش عندما تتحدث عن مساجد الشيعة تقول معابدهم بدلا من مساجدهم، للدلالة على أنهم لا يعبدون الله، بل يعبدون ما سواه، في إشارة لمن يعبدون آلهة أخرى من دون الله".

وأضاف "مثل هذه الأفكار قائمة على فكرة الطائفية لدى داعش، معتقدين أن الشيعة من الطوائف المعادية للإسلام".

وللتكفيريين في المجتمعات الخليجية توجهات مختلفة، لكنها كلها تجمع على تكفير الشيعة وعدم احترامهم حتى، وإن كانوا مواطنين.

وتعمل الطائفة الشيعية بجد في بعض الدول العربية الخليجية مع قوات الأمن المحلية لتشديد الأمن وتهدئة العلاقات الطائفية.

وكرد فعل على منهج التطرف، أعلنت وزارة الاوقاف المصرية عن مصادرة كتب أشهر دعاة التطرف والقتل والتكفير من مساجدها، في حملة اطلقتها، الاحد 28 حزيران الماضي، لتطهير المكتبات من كتب التطرف.

وبالمقابل، فان اعادة تنقيح كتب التراث واستبعاد ما يتعارض مع سماحة الاسلام بات امرا ملحا لإخراج الأمة من أزمة اختطاف التفسير الديني وتسيد رجال فكر متطرف للمشهد الديني.

وتدعو الكثير من كتب التطرف لاسيما الوهابية منها الى القتل والتخلف والسبي والاغتصاب والتآمر، وهي دليل الإرهاب الذي صار أعداء الإسلام يستخدمونه لضرب الشعوب ببعضها وتشويه الدين.

ويقسم الكاتب بلاسم، التيارات التكفيرية في الخليج، الى ثلاثة تيارات رئيسية، الأول تيار الحامية وهي مدرسة المدينة، هي مدرسة وهابية ترى أن الشيعة كفاراً لكن لا يجوز قتلهم إلا بأمر من الحاكم الشرعي، وهو الأمير أو الملك أو الشيخ.

والثاني تيار النهضة أو السلفية الحركية، وهؤلاء يمثلهم وليد الطبطبائي وسلمان العودة وصالح العلي، يرى هؤلاء أن الشيعة كفار أيضاً لكن لديهم نظرة تختلف نسبيا عن الجامية، فهم يرون أن قتل الشيعة في داخل بلدان الخليج يحتاج الى إذن ولي الأمر، لكن يجوز قتلهم في مناطق الصراع مثل العراق وسوريا بدون تردد.

والتيار الثالث فهو السلفية الجهادية وهم فريقان، فريق يقول بوجوب قتل الشيعة كلهم أينما وجدوا، ويمثلهم فكر الزرقاوي، ومن ثم البغداديان الأول والثاني (خليفة داعش)، وفريق يقول أنه يجب قتل علمائهم كلهم، أما عامتهم فيعرض عليهم الإسلام السلفي فمن آمن بالمنهج السلفي صار مسلما ومن رفض يقتل، ويمثلهم أبو عاصم البرقاوي أستاذ الزرقاوي وأيمن الظواهري زعيم القاعدة وكل هؤلاء بمختلف مدارسهم المتعددة يهدرون دم المسلم الشيعي، إذا كان عسكرياً أو شرطياً باعتباره محارباً.

وفي سياق متصل، تؤكد مصادر مصرية بأن كشف النقاب بعد سقوط حكم الاخوان بمصر، اتضح أن أصحاب الفتاوى الذين يظهرون على الفضائيات ويكفّرون الناس لم يحصلوا على شهادات جامعية، إلا أن الكتب المتطرفة والموجهة حزبيا قد دفعتهم الى كل تلك المواقف.

وقبل بضعة شهور، أصدر تنظيم داعش فتوى تجيز تفجير مساجد الشيعة في أي بلد في العالم، ونشر ما اعتبره أدلة لإثبات جواز استهداف مساجد الشيعة وتفجيرها، منها أن تلك المساجد "ضرار" أي يتم فيها الضرر للإسلام والمسلمين ولا تمت لصحيح الإسلام بأي صلة، بالإضافة إلي أن المذهب الشيعي مذهب "شركي"، وأن طائفة الشيعة طائفة ردة ممتنعة، حسب الفتوى.

وتصاعدت وتيرة العنف واستهداف مساجد الشيعة في منطقة الخليج بشكل واضح، فقد شهدت السعودية في آيار الماضي استهداف لمساجد الشيعة فيها.

وكانت البحرين قد حذرت من قوع هجمات فيها بعد ورود معلومات من استهدافها من قبل تنظيمات متطرفة.

فيما استهدف مسجد للشيعة في الكويت، الجمعة 26 حزيران الماضي وراح ضحيته العشرات من الشهداء والجرحى.

وفي ظل تصاعد الهجمات الإرهابية، تتصف الدعوات الى قصْف الإرهاب في المساجد، وهو قصف فكري للمناهج التكفيرية، وقطيعة دبلوماسية وسياسية مع الدول التي تتبنى المناهج التكفيرية في المدارس وبيت العبادة.

فقد قٌصفت أفغانستان لعشرات السنين، وقُصف داعش في العراق، ومازالت الطائرات تضرب، لكن الحاضنة الإرهابية الكبرى مازالت تفرّخ الارهابيين وترسلهم الى الجبهات ودور العبادة في العراق والكويت ومصر وتونس على حد سواء.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق