q
ربما تكون الانسحابات المتتالية مجرد بالونات اختبار من قبل الكتل السياسية للشارع العراقي وللأوضاع الجارية ومن يثبت هذا الاعتقاد هو عدم تقديم الكتل طلبات لسحب الترشيح من الجهة المعنية بشكل رسمي عن ملف الانتخابات، وبالتالي تبقى إمكانية الرجوع قائمة وأقرب من الانسحاب بشكل نهائي...

أعلن زعيم حركة الوفاق الوطني العراقي الدكتور اياد علاوي انسحابه من الانتخابات المؤمل اجراءها في تشرين المقبل من العام 2021، وكذلك أعلنت جبهة الحوار الوطني بقيادة القيادي السني البارز صالح المطلك والحزب الشيوعي العراقي وغيرهم من قوى الحراك الشعبي عن انسحابها أيضا عقب إعلان السيد مقتدى الصدر رفع يده عن العملية السياسية وعدم مساندته أي قائمة في الانتخابات المقبلة، ولم نعرف هل هذه الانسحابات تمثل هروبا من العمل السياسي ام تقويما للاعوجاج المرافق لمجمل الممارسات الحزبية؟

البيئة الساخنة التي يمر بها العراق في الوقت الحالي هي من ساعدت على ظهور هذه المعارضات والانسحابات، وليس من الدارج في جميع الممارسات السياسية الذهاب الى خيار المقاطعة بهذا الحجم، سوى ما قامت به بعض كتل المكون السني في السنوات الأولى من تغيير النظام وشعرت بخطئها وصححت المسار عبر الاشتراك في العمليات الانتخابية اللاحقة.

خيار الانسحاب الذي اتبعته خمسة من التحالفات والأحزاب السياسية يحمل الكثير من المصاديق ويحتاج الى المزيد من الوقوف، فهي تبلغنا بشكل صريح وعلني ان لا انتخابات في الأفق القريب، وان كل ما يدور على وسائل الإعلام من مواعيد ودعوات، عبارة عن جرعات مهدئة لطبقات الشعب لاسيما المنتفضين التشرينيين الذين يرون في الانتخابات المبكرة الحل الوحيد لتغيير الوجوه التي خرّبت وحجّمت النظام الديمقراطي في البلد.

ويسود الاعتقاد بأن أي انتخابات في الحال لا تسهم في تغيير حقيقي بالمشهد السياسي القائم، بل ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار، وقد تفتح الباب واسعا أمام انتكاسة يصعب تداركها، تتمثل هذه الانتكاسة في الانفلات الأمني أكثر مما هو عليه الآن، فالشعب يخشى من الوقوع بمشاكل أكبر من الجارية حاليا، او الوصول الى مراحل متقدمة من عدم احترام القانون وتغول الأحزاب في السلطة.

يمكن النظر الى موضوع الانسحاب من زاوية مختلفة عن الزاوية السابقة، فقد يكون الانسحاب بعد إدراك الأحزاب المتقدمة لخوض الانتخابات، بانها لا تملك مشروعا وطنيا يخدم مصلحة البلد، ولا يمكن للأحزاب نفسها (المنسحبة)، ان تقدم شيئا في واحد من الملفات المتراكمة، ومن أهمها ملف الخدمات والاعمار المعطلين في العراق منذ سنوات، ولهذا فقد آثرت الخروج بكرامتها ولا تريد تلطخ سمعتها أكثر مما هي متلطخة.

ولا اعتقد هذه النظرة او التفسير صائب بعد الذي عملته الأحزاب السياسية من تخبط وخراب لجميع مؤسسات الدولة، والتمسك بالسلطة رغم العلات المرافقة للأداء الحكومي، مع فقدان الامل بالخروج من الازمات المتلاحقة التي عانى منها الشعب العراقي المسكين الذي لا يحلم بأكثر من توفير التيار الكهربائي وتعبيد الطرق المؤدية الى منازلهم.

الأحزاب المنسحبة من الانتخابات لو نظرنا لطبيعة تأثيرها في المشهد السياسي، نجدها ذات تأثير متباين ومحدود في الغالب، ما عدا التيار الصدري الذي اُتهم ولمرات عديدة بانه صانع الملوك، ويطمح هذه المرة بأن يتصدى للمسؤولية بشكل مباشر بعد الصاق التهم فيه على انه جزء من منظومة الفساد، في الوقت الذي ينشد فيه زعيمهم الإصلاح ومحاربة هدر المال العام.

فالأحزاب التي أعلنت موقفها السلبي من الانتخابات القادمة هي بالأساس تفتقد الى الوجود المؤثر في الساحة السياسية، وتعتبر الخروج بهذه المرحلة الزمنية، هو بمثابة سحب الشرعية من الانتخابات المقبلة، في حين لا يوجد نص قانوني يحدد حجم المشاركة ونسبتها في العراق وعلى أساسه يتم اعتماد نتائج الانتخابات من عدمه.

وهذا الانسحاب ربما يصب بمصلحة الأحزاب الشيعية الكبرى اللاعبة في المجال السياسي، والدليل على ذلك الدعوات المتكررة والتأكيدات على ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها المحدد، لحصد المزيد من الأصوات واستثمار فراغ الساحة من المنافسين، ولكن ليس المن الصحيح التعويل على هذه النقطة في العراق تحديدا، كون جمهور الأحزاب غير متغير نسبيا ولا يمكن الانتقال في التأييد من كيان الى آخر بهذه السهولة.

ربما تكون الانسحابات المتتالية مجرد بالونات اختبار من قبل الكتل السياسية للشارع العراقي وللأوضاع الجارية ومن يثبت هذا الاعتقاد هو عدم تقديم الكتل طلبات لسحب الترشيح من الجهة المعنية بشكل رسمي عن ملف الانتخابات، وبالتالي تبقى إمكانية الرجوع قائمة وأقرب من الانسحاب بشكل نهائي.

اضف تعليق


التعليقات

مسلم عباس
اتفق مع رؤية كاتب المقال بشان استخدام الاحزاب والكتل السياسية المنسحبة شكليا هذا الاجراء كبالون اختبار لا اكثر فهي لم تقدم حتى الان اي طلب رسمي للانسحاب2021-08-03
محمد علي
اعتقد ان الاحزاب المنسحبة تريد ان تقول لجماهيرها أنها ذكية سياسياً عندما تنسحب من انتخابات غير مرغوبة اميركياً وبريطانياً، او انها ستكون ذات نتائج كارثية بعد الانسحاب الاميركي، فلا تتورط مع جماهيرها في مسؤولية ما سيحدث، وما أن تطمئن على السيناريو الاميركي -البريطاني في العراق فانها ستعود بصور مرشيحها في الشوارع بدعوى "المطالبات الجماهيرية".2021-08-03